Telegram Group & Telegram Channel
الكلمة الباعثة على الأمل (بل السيوف كلها عليه)

قال عبد الجبار الهمداني المعتزلي المتوفى عام 415 في كتابه «تثبيت دلائل النبوة»: "«قل يا أيها الكافرون» كيف يجبههم بالإكفار والتجهيل والتضليل، وهم أشد عالم الله أنفة ونخوة وجبرية، ودفاعا عن انفسهم، ومواثبة لعدوهم، وهو بمكة معهم وفي ايديهم وفي قبضتهم، والعزّة والغلبة والكثرة لهم لا له، فهيجهم على نفسه بهذا القول، وبعثهم على مكروهه، فنجاه الله منهم.
وهذا قول لا يقوله عاقل وحاله ما وصفنا إلا وهو على غاية الثقة بالله، بدفعه عنه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ممن لا يدفع عدوّه عقله، فمن أي شيء تعجب رحمك الله؟".

إلى أن قال: "وقوم من الكتاب وعمال السلطان يعرفون ببني أبي البغل، يدعون أنهم من المسلمين ومن الشيعة وهم يميلون ميل القرامطة، ويلزمون صنعة النجوم، وبقاياهم بالبصرة في سكة قريش، ومنهم أبو محمد بن أبي البغل، وهذا خلقه وصنعته، وهو حيّ إلى هذه الغاية وهي سنة خمس وثمانين وثلثمائة، يقولون في «قل يا أيها الكافرون» : هي من البوارد ومن الأشياء التي لا معنى لها، ويتحدثون بذلك في دواوينهم ومحافلهم، ويضربون في ذلك الأمثال؛ وهذا لجهلهم بالأسباب، ولو كان لهم تحصيل وتدبير وقصدوا الانصاف وطلبوا العلم من موارده لعلموا أن هذا من معجزاته، ولكن العجب قد شغلهم، وهم يعدون انفسهم من الخاصة وهم أسقط من سقاط الغوغاء، ولولا أن هذا شيء قد شاع في الكتاب وأشباههم في جميع البلاد لما ذكرته لك، ولكنه شيء قد دار وصار أهل الذمة مع القرامطة يلقون به العامة والضعفاء من المسلمين، وليس للإسلام قيّم ولا ناصر بل كل السيوف عليه، فالله المستعان".

أقول: يرى عبد الجبار الهمداني أن من أعظم دلائل النبوة ثبات النبي ﷺ أمام الكفار مع ضعفه، ومجاهرته لهم بأنه سيكون له أنصار وينتصر عليهم، ودعوته هؤلاء الأنصار لتكفير آبائهم وهجر الخمر والحرير والزنا وغيرها من الشهوات إلى الصلاة والزكاة وغيرها من العبادات الشديدة.

ووقوع ذلك كله كما قال، وشدته في مخاطبتهم صراحة مع ضعفه وقوتهم وشدة أنفتهم وفخرهم بآبائهم بمثل قوله: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} [البقرة].

وقوله: {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون].

وشرح ذلك وأطنب في الشرح ودفع الاعتراضات، وأثناء شرحه استذكر قصة عن زنادقة باطنية في بلاد الإسلام يبثون الشبهات ويسخرون من القرآن ويعاونهم أهل الكتاب على ذلك، ويبثون هذه الشبهات على العوام بموجة تشكيكية.

ثم يشتكي بقوله: "وليس للاسلام قيّم ولا ناصر بل كل السيوف عليه، فالله المستعان".

وفيه إشارة لتقصير الولاة عن واجب حماية الإسلام، وهذه الكلمة بالنسبة لي تبثُّ الأمل في نفسي.

فإن هذا الأمر وقع قبل ألف سنة، فهذا معناه أن ما نراه اليوم ليس جديداً، ومع ذلك قد بقي الإسلام وزال أولئك.

وقد مرَّ أهل الإسلام بعد عبد الجبار بأمور عظيمة جداً، كالحملات الصليبية المتكررة وأمر التتر والاستعمار ومذاهب قبيحة ما عُهِدت، كالقول بوحدة الوجود وغيرها من البلايا العظام، وثبَّت الله من أراد الله له السعادة من أهل الإسلام.

فكل ما تراه أمامك من علوم أهل الإسلام ومظاهر الدين لم يأتك بمسيرة ترفية، بل مر بخطوب عظيمة جداً حتى يصل، وأريدَ له ألا يصل.

واشتكى عبد الجبار في كتابه من الإمامية في ذلك الزمان، وأنهم يستفيدون من الزنادقة والزنادقة يستفيدون منهم، حيث قال: "وهذه الكتب منقوضة قد نقضها غير واحد من المعتزلة، والمطاعن على الأنبياء، كلهم إنما هي من جهة هؤلاء الشيع، والإمامية تواليهم وترجع إلى أقوالهم، فاعرف هذا فإنه من العجائب وبك إلى معرفته أشد الحاجة".

وقال أيضاً: "وإنما ذكرنا هذا لأن اليهود والنصارى والمجوس وأعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقولون جهارا، بحضرة المسلمين وفي دواوين السلاطين، وفي المحافل بحضرة الأمراء الأشراف: أما الإسلام فقد كفيناه ودفع بعضه بعضا، وقد كنا نقول سرا بيننا في أصحاب محمد ونفسه أشياء تقولها اليوم الشيعة جهارا وتزيد علينا فيه، من أن اصحاب هذا الرجل وأتباعه وأنصاره ما كانت لهم بصيرة في أمره ولا يقين مع الصحبة وطول المشاهدة ولا أقاموا له وزنا، وإنما طلبوا الدنيا والنهب والفارة، وقد بيّنا فساد ذلك، وفيه من البيان أكثر من هذا، وفيما ذكرناه كفاية".

وقد نقض هو هذا الكلام وبيَّن أن اتِّباع النبي ﷺ إلى المخاطرة أقرب منه إلى طلب الغنيمة، وتكلَّم عن زهد الصحابة وبيَّنه.

ومع أن الرجل معتزلي إلا أنه لم يُرجع زندقة الزنادقة إلى الأحاديث أو الأحكام الشرعية، بل أرجع الأمر إلى أهل البدع من الرافضة وأهل الأديان الفاسدة وأمر الشهوات فقال: "فقلّ ملحد إلا وهو يدعي التشيع ويصنف الكتب في نصرة الرفض كما هو معروف، وقد تقدم لك ذكر ذلك".



group-telegram.com/alkulife/13664
Create:
Last Update:

الكلمة الباعثة على الأمل (بل السيوف كلها عليه)

قال عبد الجبار الهمداني المعتزلي المتوفى عام 415 في كتابه «تثبيت دلائل النبوة»: "«قل يا أيها الكافرون» كيف يجبههم بالإكفار والتجهيل والتضليل، وهم أشد عالم الله أنفة ونخوة وجبرية، ودفاعا عن انفسهم، ومواثبة لعدوهم، وهو بمكة معهم وفي ايديهم وفي قبضتهم، والعزّة والغلبة والكثرة لهم لا له، فهيجهم على نفسه بهذا القول، وبعثهم على مكروهه، فنجاه الله منهم.
وهذا قول لا يقوله عاقل وحاله ما وصفنا إلا وهو على غاية الثقة بالله، بدفعه عنه، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ممن لا يدفع عدوّه عقله، فمن أي شيء تعجب رحمك الله؟".

إلى أن قال: "وقوم من الكتاب وعمال السلطان يعرفون ببني أبي البغل، يدعون أنهم من المسلمين ومن الشيعة وهم يميلون ميل القرامطة، ويلزمون صنعة النجوم، وبقاياهم بالبصرة في سكة قريش، ومنهم أبو محمد بن أبي البغل، وهذا خلقه وصنعته، وهو حيّ إلى هذه الغاية وهي سنة خمس وثمانين وثلثمائة، يقولون في «قل يا أيها الكافرون» : هي من البوارد ومن الأشياء التي لا معنى لها، ويتحدثون بذلك في دواوينهم ومحافلهم، ويضربون في ذلك الأمثال؛ وهذا لجهلهم بالأسباب، ولو كان لهم تحصيل وتدبير وقصدوا الانصاف وطلبوا العلم من موارده لعلموا أن هذا من معجزاته، ولكن العجب قد شغلهم، وهم يعدون انفسهم من الخاصة وهم أسقط من سقاط الغوغاء، ولولا أن هذا شيء قد شاع في الكتاب وأشباههم في جميع البلاد لما ذكرته لك، ولكنه شيء قد دار وصار أهل الذمة مع القرامطة يلقون به العامة والضعفاء من المسلمين، وليس للإسلام قيّم ولا ناصر بل كل السيوف عليه، فالله المستعان".

أقول: يرى عبد الجبار الهمداني أن من أعظم دلائل النبوة ثبات النبي ﷺ أمام الكفار مع ضعفه، ومجاهرته لهم بأنه سيكون له أنصار وينتصر عليهم، ودعوته هؤلاء الأنصار لتكفير آبائهم وهجر الخمر والحرير والزنا وغيرها من الشهوات إلى الصلاة والزكاة وغيرها من العبادات الشديدة.

ووقوع ذلك كله كما قال، وشدته في مخاطبتهم صراحة مع ضعفه وقوتهم وشدة أنفتهم وفخرهم بآبائهم بمثل قوله: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} [البقرة].

وقوله: {قل يا أيها الكافرون} [الكافرون].

وشرح ذلك وأطنب في الشرح ودفع الاعتراضات، وأثناء شرحه استذكر قصة عن زنادقة باطنية في بلاد الإسلام يبثون الشبهات ويسخرون من القرآن ويعاونهم أهل الكتاب على ذلك، ويبثون هذه الشبهات على العوام بموجة تشكيكية.

ثم يشتكي بقوله: "وليس للاسلام قيّم ولا ناصر بل كل السيوف عليه، فالله المستعان".

وفيه إشارة لتقصير الولاة عن واجب حماية الإسلام، وهذه الكلمة بالنسبة لي تبثُّ الأمل في نفسي.

فإن هذا الأمر وقع قبل ألف سنة، فهذا معناه أن ما نراه اليوم ليس جديداً، ومع ذلك قد بقي الإسلام وزال أولئك.

وقد مرَّ أهل الإسلام بعد عبد الجبار بأمور عظيمة جداً، كالحملات الصليبية المتكررة وأمر التتر والاستعمار ومذاهب قبيحة ما عُهِدت، كالقول بوحدة الوجود وغيرها من البلايا العظام، وثبَّت الله من أراد الله له السعادة من أهل الإسلام.

فكل ما تراه أمامك من علوم أهل الإسلام ومظاهر الدين لم يأتك بمسيرة ترفية، بل مر بخطوب عظيمة جداً حتى يصل، وأريدَ له ألا يصل.

واشتكى عبد الجبار في كتابه من الإمامية في ذلك الزمان، وأنهم يستفيدون من الزنادقة والزنادقة يستفيدون منهم، حيث قال: "وهذه الكتب منقوضة قد نقضها غير واحد من المعتزلة، والمطاعن على الأنبياء، كلهم إنما هي من جهة هؤلاء الشيع، والإمامية تواليهم وترجع إلى أقوالهم، فاعرف هذا فإنه من العجائب وبك إلى معرفته أشد الحاجة".

وقال أيضاً: "وإنما ذكرنا هذا لأن اليهود والنصارى والمجوس وأعداء رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقولون جهارا، بحضرة المسلمين وفي دواوين السلاطين، وفي المحافل بحضرة الأمراء الأشراف: أما الإسلام فقد كفيناه ودفع بعضه بعضا، وقد كنا نقول سرا بيننا في أصحاب محمد ونفسه أشياء تقولها اليوم الشيعة جهارا وتزيد علينا فيه، من أن اصحاب هذا الرجل وأتباعه وأنصاره ما كانت لهم بصيرة في أمره ولا يقين مع الصحبة وطول المشاهدة ولا أقاموا له وزنا، وإنما طلبوا الدنيا والنهب والفارة، وقد بيّنا فساد ذلك، وفيه من البيان أكثر من هذا، وفيما ذكرناه كفاية".

وقد نقض هو هذا الكلام وبيَّن أن اتِّباع النبي ﷺ إلى المخاطرة أقرب منه إلى طلب الغنيمة، وتكلَّم عن زهد الصحابة وبيَّنه.

ومع أن الرجل معتزلي إلا أنه لم يُرجع زندقة الزنادقة إلى الأحاديث أو الأحكام الشرعية، بل أرجع الأمر إلى أهل البدع من الرافضة وأهل الأديان الفاسدة وأمر الشهوات فقال: "فقلّ ملحد إلا وهو يدعي التشيع ويصنف الكتب في نصرة الرفض كما هو معروف، وقد تقدم لك ذكر ذلك".

BY قناة | أبي جعفر عبدالله الخليفي


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/alkulife/13664

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

Unlike Silicon Valley giants such as Facebook and Twitter, which run very public anti-disinformation programs, Brooking said: "Telegram is famously lax or absent in its content moderation policy." Despite Telegram's origins, its approach to users' security has privacy advocates worried. Emerson Brooking, a disinformation expert at the Atlantic Council's Digital Forensic Research Lab, said: "Back in the Wild West period of content moderation, like 2014 or 2015, maybe they could have gotten away with it, but it stands in marked contrast with how other companies run themselves today." "He has kind of an old-school cyber-libertarian world view where technology is there to set you free," Maréchal said. In the United States, Telegram's lower public profile has helped it mostly avoid high level scrutiny from Congress, but it has not gone unnoticed.
from us


Telegram قناة | أبي جعفر عبدالله الخليفي
FROM American