group-telegram.com/bawarik/131
Last Update:
قول الله سبحانه: ﴿ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابعٍ قبلتهم وما بعضُهم بتابعٍ قبلةَ بعضٍ ...﴾
❏ فيه: أنّ مِن شأنِ النّفوسِ التّشبُّثَ بما تعتقدُ، والتّحيُّزَ لما سَبَق إليها، ولا تتركَه لما عليه غيرُها، ولو بُيِّنت معالمُه، وانبسطت حُجَجُه، وسَلِمتْ مآخذُه، وذلك لأنّ في النّفوسِ حبَّ العلوِّ، وكراهةَ التّواضع.
❏ وفيه أنّ العلمَ قد يكونُ غيرَ نافعٍ صاحبَه، فيُؤتَى المرءُ الكتابَ، ثمّ يتّخذه وراءَه ظهريًّا، وإنّ في الكتابِ للحكمَ السَّديد، والرّأيَ الرّشيد.
❏ وفيه أنّ الثّباتَ على الرّأيِ إنّما يوجبُ المذمّةَ إذا كان في معارَضةِ الآياتِ، وجحْد الحجج البيّنات، وتقليدِ الآباء والأجداد، والأخذ بالكبرياء والعناد، فأمّا إذا كان قائمًا على أساسِ الدّليلِ، جاريًا بمقتضى التّحرّي والنَّظر، أو كان بقاءً على أصل السّلامة، وتوقّيًا لشَيمِ كلّ بارق، وتصديق كلّ شارق، واتّباع كلّ ناعق، دهَشًا بالجديد، وملالًا مِن التّليد، فإنّه يكونُ ممدوحًا، فمِن أجلِ ذلك وجَب على صاحبِ الحقِّ الّذي حقَّق براهينَه، وكان منه على بيِّنةٍ مِن ربِّه، أن يكونَ ثابتًا عليه، مستيقنًا به قلبُه، ساكنةً له نفسُه، ولا ينقلبَ ولا يرتاب، وموضعُ ذلك مِن الآيةِ أن جعَل ربُّنا مِن خبَر نبيِّه أنّه لا يأتي منه أن يتبعَ قبلةَ أهل الكتاب، وقال له في مواضع: ﴿قل إنّي على بيّنة مِن ربّي وكذّبتم به﴾، ﴿اعملوا على مكانتكم إنّا عاملون وانتظروا إنّا منتظرون﴾.
❏ ويخلصُ منه أيضًا أنّ الرّجلَ إذْ يجزمُ بما عنده، ويستيقنُه، ويوسعُ له قلبَه، ويصونه، ولا يسامحُ فيه، يمكنه أن يخاطِبَ مَن يخالفُه، ويعاملَه بمقتضى المساكنة والمعايشة، وأنّه لا يلزمُ مِن اعتقادِ الحقِّ أن يُبغى به على الخلقِ، ويُجعَل الحقُّ غرَضًا للخصوماتِ، بل هو أنفسُ مِن ذلك، يُصانُ، وتعرفُ له كرامتُه. ويؤخذ هذا مِن الآيةِ مِن موضعين:
- مِن قولِه: ﴿ولئن أتيتَ الّذين أوتوا الكتاب بكلِّ آيةٍ﴾، وهو يقضي بمداخلتهم ومناقشتهم وحوارهم ومجادلتهم، أشدَّ المجادلة.
- ومِن قولِه: ﴿وما أنت بتابعٍ قبلتهم﴾، فإنّ تركَ اتّباعها لا يكونُ مدحًا للتّارِكِ إلّا إذا كان يجدُ السّبيلَ إلى اتّباعِها، ولا سبيلَ إلى اتّباعِها إلّا بدعوةِ أهلِها إليها، وقيامهم بها، وذلك إذا داناهم، فإذا وجَد أسبابَها ثمّ ترك اتّباعَها فهو الجازمُ بما عنده الممدوح، وأمّا مَن تركها لأنّه انفرد بنفسِه، ولم يخالطْ، فهذا لا يمدحُ بتركها، والله أعلم.
❏ وفيه أيضًا أنّ أهلَ الباطلِ لا يتّفقون، بل لا يزالون مختلفين، يغلِّطُ بعضُهم بعضًا، ويتولَّى بعضُهم عن بعضٍ، وذلك دأبهم الّذي وصفهم الله به: ﴿ولا يزالون مختلفين إلّا مَن رحم ربُّك﴾.
والله أعلم.
= من القديم.
BY بوارق من الكتاب
Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260
Share with your friend now:
group-telegram.com/bawarik/131