Telegram Group & Telegram Channel
لماذا تفشل الزيجات في عالَم اليوم؟

في الآونة الأخيرة كنتُ قد طالعت عدد من الأطروحات حول ظاهرة فشل الزيجات في العالَم، وكثرة الانفصال وتصاعد نسب الطلاق خلال فترة قصيرة عقب الزواج، ومن بين أسباب عديدة تتعلّق بتغيّر مفهوم الزواج في العالَم المُعاصر لفتني عدد من الملاحظات النوعية التي أشار لها الباحثون، أذكرها سريعًا:

أولًا، كان الزواج في الماضي بداية لرحلة وجودية، بداية لمعركة مفتوحة على الحياة، يخوضها كلا الطرفين بكامل مخاوفهما وضعفهما، أمّا اليوم، ثمّة انزياح لأنّ يكون الزواج اليوم تتويج لنهاية القصّة، وإيذان بنهاية رحلة تحقيق الذات لكلّ من الطرفين.

ثانيًا، يبدو أنّ تداخل الأدوار الجندرية، وعدم وضوحها وتمايزها، جعل الأزواج في مأزق مباشر مع قدراتهم التواصلية والتفاوضية أكثر من ذي قبل، والقصد أنّ تداخل مسؤوليات الزوجين زاد من مساحات الاصطدام مع الآخر حول ما ينبغي أن يكون وما لا ينبغي أن يكون، بدل تقسيمة حادة شديدة الوضوح حول مسوؤلية كل طرف، كانت بالسابق تُناط فيها الأمور التربوية والتدبير المنزلي فيها للمرأة، وتُحال مسألة الحماية وتوفير الغذاء والدخل للرجل.

ثالثًا، العلاقة الزوجية تتطلّب قدرًا من التضحية بالذات أو إن صحّ التعبير: نسيان الذات في بعض المواطن والأزمان، وذلك لصالح تقديم الآخر أو رعاية الأطفال، وهو ما يُناقض حمولة خطابية كثيفة يتعرّض لها الفرد المعاصر، من ضرورة توكيد الذات وحبّ الذات وأنّ أي محاولة لإنكار الذات ما هي إلّا محاولة لسلب قدرتك على أن تكون إنسانًا، ولذلك باتَ من الشائع أن تشعر الأمّهات بذنب الأمومة Mommy Guilt وأحد أهم الفرضيات لتنامي هذا الشعور: التصادم الوجداني بين الإنجاب ومسؤولياته وبين مَساعي تحقيق الذات.

من الّلافت في هذا السياق أنّ المُحلّل النفسي إريك فروم في مداخلته وورقته الشهيرة:Selfishness and Self-Love أشار لفكرة ذكية أنّ (الأنانيون غير قادرين على منح الحبّ) من خلال التنبيه إلى أنّ الخطاب المعاصر اليوم يقوم على (تكريس الأنانية) وليس حُبّ الذات، أمّا حُبّ الذات فأعلى مظاهره القدرة على منح الحب وإنكار الذات بكلّ عفوية وتلقائية بلا شكوك وبلا خوف من فقدان الذات أو تلاشيها.

----------------------------

لكن ما علاقة الزواج بالصداقة؟

أنّ فشل الزواج اليوم، يكاد يكون في جوهره فشل النّاس في أن يكونوا أصدقاء جيّدين، فشل الإنسان بأن يكون شخصًا حَسَن العشرة، فشل الفرد بأن يكونَ كيانًا قابلًا للمُعايشة عن قُرب.

لذلك ليس من قبيل الصدفة أن تربط دراسات عديدة أخرى في علم النفس الاجتماعي بين حُسن علاقات الفرد مع أصدقائه وبين رضاه عن حياته ونجاح زواجه.

يسأل النّاس على الدوام: ما هي مواصفات الشخص الذي أريد الارتباط به؟

لكن لا أحد يسأل نفسه: ماذا سيكسب الآخر بزواجه منّي؟ ما الذي بإمكاني أن أمنحه للآخر؟ وما الذي بإمكانه أن يُؤذيه وأحتاج للتخلّص منه؟

جوهر الإشكال ذوقي وأساسه تربويّ وغياب التربية على حُسن العشرة، ولنا في النبي ﷺ أسوة وهو الذي كان طيّب العشرة، يُكرِم زوجاته ويُحسنُ لهن ويعمل في حاجة أهله وقيل في "مهنة" أهله لا في شؤونه الخاصّة ولا في احتياجاته الشخصية فحسب.

وقد قال سعيد بن العاص فيما يورده ابن أبي الدنيا في (مكارم الأخلاق):

إنّ المكارم لو كانت سهلة يسيرة، لسابقكم إليها الّلئام، ولكنّها كريهة مُرّة، لا يصبرُ عليها إلا مَن عرف فضلها!

وأبلغ ما قرأت لإيجاز هذا كُلّه، قول ابن الجوزيّ في صيد الخاطر:

دَوامُ الوُدّ.. بحسن الائتلاف

محمود أبو عادي



group-telegram.com/al_sabeel/6700
Create:
Last Update:

لماذا تفشل الزيجات في عالَم اليوم؟

في الآونة الأخيرة كنتُ قد طالعت عدد من الأطروحات حول ظاهرة فشل الزيجات في العالَم، وكثرة الانفصال وتصاعد نسب الطلاق خلال فترة قصيرة عقب الزواج، ومن بين أسباب عديدة تتعلّق بتغيّر مفهوم الزواج في العالَم المُعاصر لفتني عدد من الملاحظات النوعية التي أشار لها الباحثون، أذكرها سريعًا:

أولًا، كان الزواج في الماضي بداية لرحلة وجودية، بداية لمعركة مفتوحة على الحياة، يخوضها كلا الطرفين بكامل مخاوفهما وضعفهما، أمّا اليوم، ثمّة انزياح لأنّ يكون الزواج اليوم تتويج لنهاية القصّة، وإيذان بنهاية رحلة تحقيق الذات لكلّ من الطرفين.

ثانيًا، يبدو أنّ تداخل الأدوار الجندرية، وعدم وضوحها وتمايزها، جعل الأزواج في مأزق مباشر مع قدراتهم التواصلية والتفاوضية أكثر من ذي قبل، والقصد أنّ تداخل مسؤوليات الزوجين زاد من مساحات الاصطدام مع الآخر حول ما ينبغي أن يكون وما لا ينبغي أن يكون، بدل تقسيمة حادة شديدة الوضوح حول مسوؤلية كل طرف، كانت بالسابق تُناط فيها الأمور التربوية والتدبير المنزلي فيها للمرأة، وتُحال مسألة الحماية وتوفير الغذاء والدخل للرجل.

ثالثًا، العلاقة الزوجية تتطلّب قدرًا من التضحية بالذات أو إن صحّ التعبير: نسيان الذات في بعض المواطن والأزمان، وذلك لصالح تقديم الآخر أو رعاية الأطفال، وهو ما يُناقض حمولة خطابية كثيفة يتعرّض لها الفرد المعاصر، من ضرورة توكيد الذات وحبّ الذات وأنّ أي محاولة لإنكار الذات ما هي إلّا محاولة لسلب قدرتك على أن تكون إنسانًا، ولذلك باتَ من الشائع أن تشعر الأمّهات بذنب الأمومة Mommy Guilt وأحد أهم الفرضيات لتنامي هذا الشعور: التصادم الوجداني بين الإنجاب ومسؤولياته وبين مَساعي تحقيق الذات.

من الّلافت في هذا السياق أنّ المُحلّل النفسي إريك فروم في مداخلته وورقته الشهيرة:Selfishness and Self-Love أشار لفكرة ذكية أنّ (الأنانيون غير قادرين على منح الحبّ) من خلال التنبيه إلى أنّ الخطاب المعاصر اليوم يقوم على (تكريس الأنانية) وليس حُبّ الذات، أمّا حُبّ الذات فأعلى مظاهره القدرة على منح الحب وإنكار الذات بكلّ عفوية وتلقائية بلا شكوك وبلا خوف من فقدان الذات أو تلاشيها.

----------------------------

لكن ما علاقة الزواج بالصداقة؟

أنّ فشل الزواج اليوم، يكاد يكون في جوهره فشل النّاس في أن يكونوا أصدقاء جيّدين، فشل الإنسان بأن يكون شخصًا حَسَن العشرة، فشل الفرد بأن يكونَ كيانًا قابلًا للمُعايشة عن قُرب.

لذلك ليس من قبيل الصدفة أن تربط دراسات عديدة أخرى في علم النفس الاجتماعي بين حُسن علاقات الفرد مع أصدقائه وبين رضاه عن حياته ونجاح زواجه.

يسأل النّاس على الدوام: ما هي مواصفات الشخص الذي أريد الارتباط به؟

لكن لا أحد يسأل نفسه: ماذا سيكسب الآخر بزواجه منّي؟ ما الذي بإمكاني أن أمنحه للآخر؟ وما الذي بإمكانه أن يُؤذيه وأحتاج للتخلّص منه؟

جوهر الإشكال ذوقي وأساسه تربويّ وغياب التربية على حُسن العشرة، ولنا في النبي ﷺ أسوة وهو الذي كان طيّب العشرة، يُكرِم زوجاته ويُحسنُ لهن ويعمل في حاجة أهله وقيل في "مهنة" أهله لا في شؤونه الخاصّة ولا في احتياجاته الشخصية فحسب.

وقد قال سعيد بن العاص فيما يورده ابن أبي الدنيا في (مكارم الأخلاق):

إنّ المكارم لو كانت سهلة يسيرة، لسابقكم إليها الّلئام، ولكنّها كريهة مُرّة، لا يصبرُ عليها إلا مَن عرف فضلها!

وأبلغ ما قرأت لإيجاز هذا كُلّه، قول ابن الجوزيّ في صيد الخاطر:

دَوامُ الوُدّ.. بحسن الائتلاف

محمود أبو عادي

BY السبيل


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/al_sabeel/6700

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

What distinguishes the app from competitors is its use of what's known as channels: Public or private feeds of photos and videos that can be set up by one person or an organization. The channels have become popular with on-the-ground journalists, aid workers and Ukrainian President Volodymyr Zelenskyy, who broadcasts on a Telegram channel. The channels can be followed by an unlimited number of people. Unlike Facebook, Twitter and other popular social networks, there is no advertising on Telegram and the flow of information is not driven by an algorithm. Perpetrators of these scams will create a public group on Telegram to promote these investment packages that are usually accompanied by fake testimonies and sometimes advertised as being Shariah-compliant. Interested investors will be asked to directly message the representatives to begin investing in the various investment packages offered. But Telegram says people want to keep their chat history when they get a new phone, and they like having a data backup that will sync their chats across multiple devices. And that is why they let people choose whether they want their messages to be encrypted or not. When not turned on, though, chats are stored on Telegram's services, which are scattered throughout the world. But it has "disclosed 0 bytes of user data to third parties, including governments," Telegram states on its website. "We as Ukrainians believe that the truth is on our side, whether it's truth that you're proclaiming about the war and everything else, why would you want to hide it?," he said. In the United States, Telegram's lower public profile has helped it mostly avoid high level scrutiny from Congress, but it has not gone unnoticed.
from ca


Telegram السبيل
FROM American