Telegram Group & Telegram Channel
يقول نيتشة:
«عيوبنا القديمة لا تختفي، ما إن تشعر بالتعب حتى تعاود عيوبك القديمة التي إنتصرت عليها للطفو مُجددًا»
___

يكره نيتشة كل صيغ الانتصار الملحمي على الذات، وقدرة الإنسان أن يُعلن في لحظة بعينها أن ذات قديمة له ماتت، وأخرى وُلدت. لذلك الإنسان الكامل لديه ليس من تخطى ذاته إنما من اختبر قدره بخيره وشره لدرجة تحمل تكراره المدوخ في عود أبدي لا ينتهي حتى يُحبه في النهاية، لأنه ألف كل نُسخ ذاته وتجلياتها.
___

أخبر صديقي أننا لا نتغير مثلما تروج التنمية البشرية، عن إنسان يٌشبه صاروخ في حالة تقدم دائم، وكلما ارتقى، يفقد جزءًا من ذاته القديمة المُعطلة، كما تتفكك أجزاء الصاروخ السُفلية، لتبقى مُقدمته المتوهجة في النهاية وهي تستمتع بزخم الدفع الكامل، بعد أن تمثل الإنسان أقصى شكل لكينونته، سهم مُنطلق لا يُعطله شيء.
___

الذات مُفاوضة لا تنتهي بين مخاوفنا وظلالنا ونورنا، كل ما يتجلى لنا من العالم يُشعل وقود مُحادثة أبدية بداخلنا، مُنعقدة منذ الأزل، وكل ما يتجلى منا للعالم في لحظة بعينها هي نتاج من طغى حُضوره على تلك المُحادثة في تلك اللحظة تحديدًا.
___

يخلو مفهوم المُفاوضة من كل صور الحسم، وهو ما يجعل الذات تتواضع في النهاية عندما تُدرك أن واجب حراسة عيوبها أبدي، وواجب بذل سلامها أبدي، وأن ما فسد في المشهد ربما لا يعدو أن يكون غفلتنا عن أحد أقفاص وحوشنا القديمة مفتوحًا، وأن كل جمال نبذله ليس مضفورًا في حمضنا النووي، إنما مثل كل زهرة، يحتاج رعايته ليُثمر. وفي لحظات بعينها يواجه قلق الذبول
___

لذلك أجمل تعريفات الحُب التي أُثمنها دومًا هي صحبة المرء الذي يجعل المُحادثة بداخلي دومًا أقل صخبًا، الذي يُرهف حواسي لتفحص الأقفاص بداخلي وحراسة وحوشي بعناية، الذي يُهديني لورودي فيجعل كفة المُفاوضة دومًا تميل لما أتوق لأن أكونه لا ما أخاف أن أكونه. عندما يتخلق بداخلي من صُحبته هذا المزيج الخلاب من حارس يقظ وبُستاني حالم لا يغفل عن أزهاره.
___

أخبرت حبيبتي مرة أنني لم أدرك أنني أحبها، إلا عندما أيقنت أنني أحب ذاتي وأنا معها، المفاوضة محسومة، والحارس يحرس أقفاصه، والبُستاني تُزهر وروده، الذات لم تتقدم مثل صاروخ لتحقق خيالي، ولم تتقهقر، إنما اطمأنت أخيرًا وقد اعترتها السكينة، وهي أجمل أحوال الذات.
____

وهذا ما يجعل الحُب برمته هو توق على سكينته متلهف لما سيؤول له حال قلبك في صحبة المحبوب
___

يبدو العود الأبدي من هذا المنظور جحيمًا لمن كان رهين وحوشه، وجنة لمن وجد الحُب، فكل شيء ستحياه من هذا المنظور مُضاعفًا. فكل ما تختزنه الذات من خير سيعود، وكل ما تختزنه من شر سيعود. لا يوجد هدر في فلسفة نيتشة أو فواصل صارمة نصطنعها لنحُرر ذاتنا من حمولاتها القديمة ونُعيد خلقها من جديد.
___

في إحدى الليالي بعد موت أمي تمنيت ذاكرة جديدة تخلو من يوم الفقد، وأدركت أن الذاكرة الجديدة ستخلو من ستة وعشرين عامًا قدمتها لي، وهي مُعضلة «جويل» الشهيرة في فيلم «إشراقة أبدية لعقل نظيف»
___

تمنى «جويل» ذات جديدة تخلو من ألم ترك حبيبته الذي لا يحتمله، لكنه كافح باقي الحكاية لينال عودًا أبديًا لحياته السابقة، لانه اختبر فيها الحُب مرة، ولو كانت حياته جحيم مُطول فاختبارها من جديد يجعله جحيمًا مُحتملًا مادام سيرى حبيبته مُجددًا.
___

تلك اللحظة التي أيقن فيها «جويل» أن ذاكرته هي كل شيء، وأن ذاته هي أجمل وأقسى ما حدث له، دون انفصام، وأن العود الأبدي لا يحتاج سوى وجه محبوب يُروض جحيم العودة كل مرة لزيارة وحوشنا القديمة، تلك اللحظة التي نُصالح فيها كل ما سبق ونتقبل أن الذات لا تنفصم ولا تخضع لشروطنا حول الميلاد والنسيان.

يُسميها نيتشة برقة لا تُناسب فلسفته
amor fati
حُب المصير، أو بتعبير أكثر بساطة،
أن تُحب أيامك لإنك ذاتك فسيفساء منها، من جمالها وحُطامها.

- حسام الدين



group-telegram.com/Qalpy3_Lraby/2168
Create:
Last Update:

يقول نيتشة:
«عيوبنا القديمة لا تختفي، ما إن تشعر بالتعب حتى تعاود عيوبك القديمة التي إنتصرت عليها للطفو مُجددًا»
___

يكره نيتشة كل صيغ الانتصار الملحمي على الذات، وقدرة الإنسان أن يُعلن في لحظة بعينها أن ذات قديمة له ماتت، وأخرى وُلدت. لذلك الإنسان الكامل لديه ليس من تخطى ذاته إنما من اختبر قدره بخيره وشره لدرجة تحمل تكراره المدوخ في عود أبدي لا ينتهي حتى يُحبه في النهاية، لأنه ألف كل نُسخ ذاته وتجلياتها.
___

أخبر صديقي أننا لا نتغير مثلما تروج التنمية البشرية، عن إنسان يٌشبه صاروخ في حالة تقدم دائم، وكلما ارتقى، يفقد جزءًا من ذاته القديمة المُعطلة، كما تتفكك أجزاء الصاروخ السُفلية، لتبقى مُقدمته المتوهجة في النهاية وهي تستمتع بزخم الدفع الكامل، بعد أن تمثل الإنسان أقصى شكل لكينونته، سهم مُنطلق لا يُعطله شيء.
___

الذات مُفاوضة لا تنتهي بين مخاوفنا وظلالنا ونورنا، كل ما يتجلى لنا من العالم يُشعل وقود مُحادثة أبدية بداخلنا، مُنعقدة منذ الأزل، وكل ما يتجلى منا للعالم في لحظة بعينها هي نتاج من طغى حُضوره على تلك المُحادثة في تلك اللحظة تحديدًا.
___

يخلو مفهوم المُفاوضة من كل صور الحسم، وهو ما يجعل الذات تتواضع في النهاية عندما تُدرك أن واجب حراسة عيوبها أبدي، وواجب بذل سلامها أبدي، وأن ما فسد في المشهد ربما لا يعدو أن يكون غفلتنا عن أحد أقفاص وحوشنا القديمة مفتوحًا، وأن كل جمال نبذله ليس مضفورًا في حمضنا النووي، إنما مثل كل زهرة، يحتاج رعايته ليُثمر. وفي لحظات بعينها يواجه قلق الذبول
___

لذلك أجمل تعريفات الحُب التي أُثمنها دومًا هي صحبة المرء الذي يجعل المُحادثة بداخلي دومًا أقل صخبًا، الذي يُرهف حواسي لتفحص الأقفاص بداخلي وحراسة وحوشي بعناية، الذي يُهديني لورودي فيجعل كفة المُفاوضة دومًا تميل لما أتوق لأن أكونه لا ما أخاف أن أكونه. عندما يتخلق بداخلي من صُحبته هذا المزيج الخلاب من حارس يقظ وبُستاني حالم لا يغفل عن أزهاره.
___

أخبرت حبيبتي مرة أنني لم أدرك أنني أحبها، إلا عندما أيقنت أنني أحب ذاتي وأنا معها، المفاوضة محسومة، والحارس يحرس أقفاصه، والبُستاني تُزهر وروده، الذات لم تتقدم مثل صاروخ لتحقق خيالي، ولم تتقهقر، إنما اطمأنت أخيرًا وقد اعترتها السكينة، وهي أجمل أحوال الذات.
____

وهذا ما يجعل الحُب برمته هو توق على سكينته متلهف لما سيؤول له حال قلبك في صحبة المحبوب
___

يبدو العود الأبدي من هذا المنظور جحيمًا لمن كان رهين وحوشه، وجنة لمن وجد الحُب، فكل شيء ستحياه من هذا المنظور مُضاعفًا. فكل ما تختزنه الذات من خير سيعود، وكل ما تختزنه من شر سيعود. لا يوجد هدر في فلسفة نيتشة أو فواصل صارمة نصطنعها لنحُرر ذاتنا من حمولاتها القديمة ونُعيد خلقها من جديد.
___

في إحدى الليالي بعد موت أمي تمنيت ذاكرة جديدة تخلو من يوم الفقد، وأدركت أن الذاكرة الجديدة ستخلو من ستة وعشرين عامًا قدمتها لي، وهي مُعضلة «جويل» الشهيرة في فيلم «إشراقة أبدية لعقل نظيف»
___

تمنى «جويل» ذات جديدة تخلو من ألم ترك حبيبته الذي لا يحتمله، لكنه كافح باقي الحكاية لينال عودًا أبديًا لحياته السابقة، لانه اختبر فيها الحُب مرة، ولو كانت حياته جحيم مُطول فاختبارها من جديد يجعله جحيمًا مُحتملًا مادام سيرى حبيبته مُجددًا.
___

تلك اللحظة التي أيقن فيها «جويل» أن ذاكرته هي كل شيء، وأن ذاته هي أجمل وأقسى ما حدث له، دون انفصام، وأن العود الأبدي لا يحتاج سوى وجه محبوب يُروض جحيم العودة كل مرة لزيارة وحوشنا القديمة، تلك اللحظة التي نُصالح فيها كل ما سبق ونتقبل أن الذات لا تنفصم ولا تخضع لشروطنا حول الميلاد والنسيان.

يُسميها نيتشة برقة لا تُناسب فلسفته
amor fati
حُب المصير، أو بتعبير أكثر بساطة،
أن تُحب أيامك لإنك ذاتك فسيفساء منها، من جمالها وحُطامها.

- حسام الدين

BY هبة رضا - أخصائية نفسية


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/Qalpy3_Lraby/2168

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

The account, "War on Fakes," was created on February 24, the same day Russian President Vladimir Putin announced a "special military operation" and troops began invading Ukraine. The page is rife with disinformation, according to The Atlantic Council's Digital Forensic Research Lab, which studies digital extremism and published a report examining the channel. At the start of 2018, the company attempted to launch an Initial Coin Offering (ICO) which would enable it to enable payments (and earn the cash that comes from doing so). The initial signals were promising, especially given Telegram’s user base is already fairly crypto-savvy. It raised an initial tranche of cash – worth more than a billion dollars – to help develop the coin before opening sales to the public. Unfortunately, third-party sales of coins bought in those initial fundraising rounds raised the ire of the SEC, which brought the hammer down on the whole operation. In 2020, officials ordered Telegram to pay a fine of $18.5 million and hand back much of the cash that it had raised. Meanwhile, a completely redesigned attachment menu appears when sending multiple photos or vides. Users can tap "X selected" (X being the number of items) at the top of the panel to preview how the album will look in the chat when it's sent, as well as rearrange or remove selected media. Oleksandra Matviichuk, a Kyiv-based lawyer and head of the Center for Civil Liberties, called Durov’s position "very weak," and urged concrete improvements. At this point, however, Durov had already been working on Telegram with his brother, and further planned a mobile-first social network with an explicit focus on anti-censorship. Later in April, he told TechCrunch that he had left Russia and had “no plans to go back,” saying that the nation was currently “incompatible with internet business at the moment.” He added later that he was looking for a country that matched his libertarian ideals to base his next startup.
from cn


Telegram هبة رضا - أخصائية نفسية
FROM American