"لم يكن ذاك يوم ميلاد رَجُلٍ، ولو كان كذلك؛ لَمَا كان له فضل على بقية الأيام، ولكنه يومٌ وُلدَ فيه الهدى بأكمله والرحمة بأجمعها.
وما يُصوّره شوقي من ولادة الهدى يوم ولد رسول الله ﷺ، ومن استنارة الكائنات؛ كأنّ الفجر طلع على الدنيا بنوره وإشراقه؛ فمحا الظُّلْم، وأحيى الأُممَ، وملأ الكون بهجة وبشاشة ورونقًا= حقيقةٌ.
وما تخيّله شوقي من أنّ للزمان فمًا كان مُطبقًا على مضض، ولسانًا كان مفحمًا بالشر ملجمًا بالباطل؛ فكان يوم ميلاده ﷺ مصحوبًا بالهدى والحق والنور سببًا في تبسّم فم الزمان وافتراره، وفي إطلاق لسانه بالثناء وانتشاره= صحيحٌ.
فلقد كان الزمان عابسًا لِما يقع من شرور بني آدم وضلالهم؛ فلا عجب أن تكونَ الكائنات ضياءً من تَهَلُّلها، ولا غَرو أن يكون فم الزمان تبسُّمًا وثناءً من الاستبشار حينما تمخّضت إحدى أيامه عن ميلاد سيّد البشر ﷺ الذي جاء بالهدى ودين الحق والرّحمة".
وما يُصوّره شوقي من ولادة الهدى يوم ولد رسول الله ﷺ، ومن استنارة الكائنات؛ كأنّ الفجر طلع على الدنيا بنوره وإشراقه؛ فمحا الظُّلْم، وأحيى الأُممَ، وملأ الكون بهجة وبشاشة ورونقًا= حقيقةٌ.
وما تخيّله شوقي من أنّ للزمان فمًا كان مُطبقًا على مضض، ولسانًا كان مفحمًا بالشر ملجمًا بالباطل؛ فكان يوم ميلاده ﷺ مصحوبًا بالهدى والحق والنور سببًا في تبسّم فم الزمان وافتراره، وفي إطلاق لسانه بالثناء وانتشاره= صحيحٌ.
فلقد كان الزمان عابسًا لِما يقع من شرور بني آدم وضلالهم؛ فلا عجب أن تكونَ الكائنات ضياءً من تَهَلُّلها، ولا غَرو أن يكون فم الزمان تبسُّمًا وثناءً من الاستبشار حينما تمخّضت إحدى أيامه عن ميلاد سيّد البشر ﷺ الذي جاء بالهدى ودين الحق والرّحمة".
أَرْيٌ وَّشَرْيٌ!
المنتقى من لامية أبي طالب.pdf
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
متى ما فقه الناس ما بدنياهم من الأحوال، واستبانوا أن رقابَ الآمال خاضعةٌ لسلطانِ الآجال؛ لرأوا عينَ اليقين أن الضاربَ بجرانه في وطنه، وأن الآويَ إلى مُستقرّ سكنه؛ ليس إلا (أخا سَفَرٍ يُسرى به وهْوَ لا يدري) .. فهذه دارٌ؛ أهلها كرَكْبٍ يُسار بهم وهم نيام، وما هبَّ من نومته إلا مَن تنبّه إلى أن أينع مغارسها: الجود بين الناس، وأن أستر ملابسها: الحياء؛ (ولا وأبيك ما في العيش خيرٌ، ولا الدنيا؛ إذا ذهبَ الحياءُ).
سيدنا_محمد_صلى_الله_عليه_وسلم_الزيات.pdf
530.9 KB
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
شيٌّ من مسيرته
ووَشيٌ من فصاحته
فصول مُستلّة من:
«تاريخ الأدب العربي»
لأحمد حسن الزيات
شيٌّ من مسيرته
ووَشيٌ من فصاحته
فصول مُستلّة من:
«تاريخ الأدب العربي»
لأحمد حسن الزيات
عن إمامِ دار الهجرة، نجمِ السُّنن؛ مالك بن أنس (ت ١٧٩) أنه قال: "ما أجبتُ في الفتيا حتى سألتُ مَن هو أعلم مني (هل يراني موضعا لذلك؟)؛ سألتُ ربيعةَ، وسألتُ يحيى بنَ سعيد؛ فأمراني بذلك".
فقيل له: يا أبا عبد الله فلو نهوك؟
قال: "كنت أنتهي! لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلًا لشيء .. حتى يسأل مَن هو أعلم منه".
وفي رواية أخرى أنه قال: "ما أفتيتُ حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك".
قال القرافي (ت ٦٨٤): "هذا هو شأن الفتيا في الزمن القديم؛ وأما اليوم .. فقد انخرق هذا السياج وسهُلَ على الناس أمرُ دينهم؛ فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح، وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم وأن يقول أحدهم: (لا أدري)؛ فلا جَرَمَ آلَ الحالُ بالناس إلى هذه الغاية؛ بالاقتداء بالجهال والمتجرئين على دين الله تعالى".
ويا ليت شعري ما يقول القرافي إذا عاش إلى يومنا ورأى مَن يتجرأ على الفتيا وأثمن ما في بضاعته لُعاعات كليات الشريعة، وقُصاصات مواقع الإفتاء الإلكترونية!
فقيل له: يا أبا عبد الله فلو نهوك؟
قال: "كنت أنتهي! لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلًا لشيء .. حتى يسأل مَن هو أعلم منه".
وفي رواية أخرى أنه قال: "ما أفتيتُ حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك".
قال القرافي (ت ٦٨٤): "هذا هو شأن الفتيا في الزمن القديم؛ وأما اليوم .. فقد انخرق هذا السياج وسهُلَ على الناس أمرُ دينهم؛ فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح، وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم وأن يقول أحدهم: (لا أدري)؛ فلا جَرَمَ آلَ الحالُ بالناس إلى هذه الغاية؛ بالاقتداء بالجهال والمتجرئين على دين الله تعالى".
ويا ليت شعري ما يقول القرافي إذا عاش إلى يومنا ورأى مَن يتجرأ على الفتيا وأثمن ما في بضاعته لُعاعات كليات الشريعة، وقُصاصات مواقع الإفتاء الإلكترونية!
رفع الحافظ الدَّقَّاقُ (ت ٥١٦) قلمَه عن رسالته في وصف حاله وأمر شيوخه وأهل عصره بقوله:
"وليس عندي شيءٌ أرجى من: كثرةِ ما كتبتُ من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى؛ وفوق الرضا.
وقد سمعتُ أبا الفتح المظفّر بن حمزة رحمه الله قال: سمعت عبد الواحد بن محمد المُنِيري يقول: رأيت أحمد بن أبي عمران رحمه الله بنيسابور في المنام؛ فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غَفَر لي بكثرة صلواتي على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا؛ كَتْبًا، وقولًا".
"وليس عندي شيءٌ أرجى من: كثرةِ ما كتبتُ من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى؛ وفوق الرضا.
وقد سمعتُ أبا الفتح المظفّر بن حمزة رحمه الله قال: سمعت عبد الواحد بن محمد المُنِيري يقول: رأيت أحمد بن أبي عمران رحمه الله بنيسابور في المنام؛ فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غَفَر لي بكثرة صلواتي على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا؛ كَتْبًا، وقولًا".
أَرْيٌ وَّشَرْيٌ!
مَثَل برامج التواصل الافتراضي كمثل الأسواق، يمر بها أناسٌ شتى، تتباين فهومهم وعلومهم، وتختلف مشاربهم وطبقاتهم، بين عالمٍ وجاهل، ومثقف لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، ومكانٌ هذه حالُه لا ينبغي أن تُلقى في زواياه خبايا العلوم ومقصورات خيام الفنون التي تعزب عن كثير…
قال أبو داود السجستاني (ت ٢٧٥) عند تكلمه عن بيانه للعلل في أحاديث سننه: "ورُبّما أتوقف عن مثلِ هذا؛ لأنه ضرر على العامة أن يُكشف لهم كل ما كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث؛ لأنّ علمَ العامة يقصر عن مثل هذا".
وعقدَ البخاريُّ (ت ٢٥٦) في صحيحه بابَ (مَن خصّ بالعلمِ قومًا دون قومٍ كراهيةَ ألَّا يفهموا) وأسندَ فيه قولَ عليٍّ رضي الله عنه: "حدّثوا الناسَ بما يعرفون؛ أتُحبُّون أن يُكذَّب الله ورسولُه؟". وفي رواية: "ودعوا ما ينكرون"؛ أي ما قد يشتبه عليهم.
وأسند مُسلم (ت ٢٦١) في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن مسعود: "ما أنتَ بمحدّثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم؛ إلا كانَ لبعضهم فتنةً".
وعن مالك (ت ١٧٩) أنه قال لابن وهب (ت ١٩٧): "اعلم أنه ليس يَسلمُ رجلٌ حدّث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا أبدًا وهو يحدث بكل ما سمع".
ونحوه عن عبد الرحمن بن مهدي (ت ١٩٨) أنه قال: "لا يكونُ الرجلُ إمامًا يُقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع".
وهذا فقهٌ متأكَّدٌ في الإفادة؛ إذ ليس كل ما يُعلم يقال، ولا كل ما يقال؛ يصلح لكل مقامٍ وحال.
والذي في المنشور المقتبَس أعلاه: آكدُ ما ينبغي التزامه في الإفادة، وهو -للأسف- أكثر ما تراه منخرمًا عند المتصدرين الآن، والإنسان مجبول على حب التفرّد، ومن هنا تشتهي النفسُ الكلامَ في دقائق العلوم عند مَن تخاله سيبهر منها .. والمسترسل مع شهوات العلم يكاد يكون علمُه وبالا عليه؛ فالنفسُ "كَمْ حسَّنت لذةً للمرء قاتلةً مِن حيث لم يدرِ أن السَّمَّ في الدَّسَمِ".
وعقدَ البخاريُّ (ت ٢٥٦) في صحيحه بابَ (مَن خصّ بالعلمِ قومًا دون قومٍ كراهيةَ ألَّا يفهموا) وأسندَ فيه قولَ عليٍّ رضي الله عنه: "حدّثوا الناسَ بما يعرفون؛ أتُحبُّون أن يُكذَّب الله ورسولُه؟". وفي رواية: "ودعوا ما ينكرون"؛ أي ما قد يشتبه عليهم.
وأسند مُسلم (ت ٢٦١) في مقدمة صحيحه عن عبد الله بن مسعود: "ما أنتَ بمحدّثٍ قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم؛ إلا كانَ لبعضهم فتنةً".
وعن مالك (ت ١٧٩) أنه قال لابن وهب (ت ١٩٧): "اعلم أنه ليس يَسلمُ رجلٌ حدّث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا أبدًا وهو يحدث بكل ما سمع".
ونحوه عن عبد الرحمن بن مهدي (ت ١٩٨) أنه قال: "لا يكونُ الرجلُ إمامًا يُقتدى به حتى يمسك عن بعض ما سمع".
وهذا فقهٌ متأكَّدٌ في الإفادة؛ إذ ليس كل ما يُعلم يقال، ولا كل ما يقال؛ يصلح لكل مقامٍ وحال.
والذي في المنشور المقتبَس أعلاه: آكدُ ما ينبغي التزامه في الإفادة، وهو -للأسف- أكثر ما تراه منخرمًا عند المتصدرين الآن، والإنسان مجبول على حب التفرّد، ومن هنا تشتهي النفسُ الكلامَ في دقائق العلوم عند مَن تخاله سيبهر منها .. والمسترسل مع شهوات العلم يكاد يكون علمُه وبالا عليه؛ فالنفسُ "كَمْ حسَّنت لذةً للمرء قاتلةً مِن حيث لم يدرِ أن السَّمَّ في الدَّسَمِ".
سُئل الإمامُ أحمدُ: هل كان مع معروفٍ الكرخي شيءٌ من العلم؟
فقال: "كان معه رأسُ العلم: خشيةُ الله".
وذُكِر مَرَّةً في مجلسه فقال بعضهم: إن معروفًا قصيرُ العلم .. فقال الإمام أحمد: "أمسِكْ عافاك الله؛ وهل يُراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف!".
فقال: "كان معه رأسُ العلم: خشيةُ الله".
وذُكِر مَرَّةً في مجلسه فقال بعضهم: إن معروفًا قصيرُ العلم .. فقال الإمام أحمد: "أمسِكْ عافاك الله؛ وهل يُراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف!".
"الحمدُ لله القديمِ الدائمِ
الخافضِ الرافع ذي المكارِمِ
في مُلكه يفعلُ ما يُريدُ
ما لامرئٍ عمَّا قضى مَحيدُ
ما زال يؤتي المُلكَ مَن أَفادا
وينزعُ المُلكَ إذا أرادا
يُعزّ هذا، ويُذلّ هذا
إذا قضى أمرًا= مضى نفاذا
ليس لما يفعلُه تعليلُ
وكلُّ ما قدّره جميلُ
في غايةِ الحكمةِ والنِّظامِ
يعرفُ ما قلتُ ذوو الأفهامِ
نحمده على سُبوغِ النِّعمةْ
ودفعِ ما ألمَّ مِن مُلِمَّةْ
ليس لنا مِن دونه إلهُ
ولا يُزيل ضُرّنا إلا هو"
الخافضِ الرافع ذي المكارِمِ
في مُلكه يفعلُ ما يُريدُ
ما لامرئٍ عمَّا قضى مَحيدُ
ما زال يؤتي المُلكَ مَن أَفادا
وينزعُ المُلكَ إذا أرادا
يُعزّ هذا، ويُذلّ هذا
إذا قضى أمرًا= مضى نفاذا
ليس لما يفعلُه تعليلُ
وكلُّ ما قدّره جميلُ
في غايةِ الحكمةِ والنِّظامِ
يعرفُ ما قلتُ ذوو الأفهامِ
نحمده على سُبوغِ النِّعمةْ
ودفعِ ما ألمَّ مِن مُلِمَّةْ
ليس لنا مِن دونه إلهُ
ولا يُزيل ضُرّنا إلا هو"
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «… ورأيتُ رجلًا من أمتي يزحف -أو قال: يرجف- على الصراط مرة، ويجثو مرة، ويتعلق مرة؛ فجاءته صلاته عليَّ فأخذت بيده فأقامته على الصِّراط حتى جاوز…»
فاللهم اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحنُّنك ومحبتك وتحياتك؛ على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لمن سبق، والفاتح لما استغلق؛ بَعِيثك نعمة، ورسولك إلينا بالحق رحمة؛ يارب العالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فاللهم اجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، ورأفة تحنُّنك ومحبتك وتحياتك؛ على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لمن سبق، والفاتح لما استغلق؛ بَعِيثك نعمة، ورسولك إلينا بالحق رحمة؛ يارب العالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
لعبيد بن عبد العزى السلامي -وهو شاعر جاهليّ غاية علمنا عنه أنه ابن عم الشنفرى:
"وأُعرض عن أشياء -لو شئتُ نِلْتُها-
حياءً إذا ما كان فيها مَقاذعُ
ولا أدفع ابنَ العمِّ يمشي على شَفا
ولو بلغتْني من أذاه الجنادِعُ
ولكن أواسيهِ وأنسى ذنوبه
لترجعَه يوما إليّ الرواجعُ
وأُفرِشُهُ مالي، وأحفظُ عيبَه
ليسمع أني لا أجازيه سامعُ
وحَسْبُكَ من جَهلٍ وسُوءِ صَنِيعةٍ
معاداة ذي القربى؛ وإن قيل قاطعُ
فَأسْلِمْ عناكَ الأهلَ؛ تسلمْ صدورُهم
ولا بد يومًا أن يروعَك رايعُ
وإن تُبلِ عفوًا يُعف عنك، وإن تكن
تقارع بالأخرى؛ تُصبْكَ القوارِعُ
ولا تبتدعْ حربا تُطِيقُ اجتنابَها
فيلحمك الناسَ الحروبُ البدايعُ"
وهذه أبياتٌ منطويةٌ على نفسٍ جليلة تعرف ما ينبغي أن تكون عليه العلائق الاجتماعية من تغاضٍ وتسمُّح في بعض الحقوق، و"تكبير راس" كما يقول العامة اليوم.
ولا تمرّ بي أمثال هذه الأبيات الجاهلية إلا وأستذكر قول أبي تمّام:
"ولولا خلالٌ سنَّها الشِّعرُ ما درى
بُغاة العلا من أين تُؤتى المكارِمُ"
"وأُعرض عن أشياء -لو شئتُ نِلْتُها-
حياءً إذا ما كان فيها مَقاذعُ
ولا أدفع ابنَ العمِّ يمشي على شَفا
ولو بلغتْني من أذاه الجنادِعُ
ولكن أواسيهِ وأنسى ذنوبه
لترجعَه يوما إليّ الرواجعُ
وأُفرِشُهُ مالي، وأحفظُ عيبَه
ليسمع أني لا أجازيه سامعُ
وحَسْبُكَ من جَهلٍ وسُوءِ صَنِيعةٍ
معاداة ذي القربى؛ وإن قيل قاطعُ
فَأسْلِمْ عناكَ الأهلَ؛ تسلمْ صدورُهم
ولا بد يومًا أن يروعَك رايعُ
وإن تُبلِ عفوًا يُعف عنك، وإن تكن
تقارع بالأخرى؛ تُصبْكَ القوارِعُ
ولا تبتدعْ حربا تُطِيقُ اجتنابَها
فيلحمك الناسَ الحروبُ البدايعُ"
وهذه أبياتٌ منطويةٌ على نفسٍ جليلة تعرف ما ينبغي أن تكون عليه العلائق الاجتماعية من تغاضٍ وتسمُّح في بعض الحقوق، و"تكبير راس" كما يقول العامة اليوم.
ولا تمرّ بي أمثال هذه الأبيات الجاهلية إلا وأستذكر قول أبي تمّام:
"ولولا خلالٌ سنَّها الشِّعرُ ما درى
بُغاة العلا من أين تُؤتى المكارِمُ"
أَرْيٌ وَّشَرْيٌ!
سُئل الإمامُ أحمدُ: هل كان مع معروفٍ الكرخي شيءٌ من العلم؟ فقال: "كان معه رأسُ العلم: خشيةُ الله". وذُكِر مَرَّةً في مجلسه فقال بعضهم: إن معروفًا قصيرُ العلم .. فقال الإمام أحمد: "أمسِكْ عافاك الله؛ وهل يُراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف!".
أسند الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» عن الحسن البصري أنه قال: "تعلَّموا ما شئتم أن تتعلموا؛ فلن يُجازيَكم الله على العلم حتى تعملوا .. فإن السفهاء همّتُهم الرواية، وإن العلماء همتهم الرعاية!".