أعجب ما في القُرآن؛ أنّ له سطوة على كلّ نفس، وله تأثير خفيّ ، وكلّ هذه النّفوس باختلافها واختلاف ماهيّتها وأسرارها تنقاد إلى القُرآن بحسب طبيعتها التي جُبلت عليه، يقول ابن عاشور في تفسير هذه الآية: ﴿ولقد مكّنَّاكم في الأرضِ وجعَلنا لكُمْ فيها مَعايِشَ قليلًا ما تشكرون﴾،"النّفوس التي لا يزجرها التّهديد قد تنفعها الذّكريات الصَّالحة"!
استغفار العبد ربّه وقت السّحر؛ عمل يتضمّنه ثمرات عديدة، منها: غفران الذّنب الذي يتسبّب بوحشة القلب وانقباضه عند المَعاني الإيمانية، والهدايات القُرآنية، فإنّ تأثير الذنوب يتضاعف جليّا على صاحبها حتى يتكوّن الحجاب الذي يحول بينه وبين مُلامسة أنوَار الوَحي، ومن شأن الاستغفار وقت السّحر؛ أنّه بهذا الوقت يكون القلب حاضرًا، وبه سكونًا لا يشغله عن ربّه شاغل، فيتذكّر ذنوبه، ويُعالج لوث قلبه بكثرة الاستغفار، ولهذا حين امتدَح الله عباده بقوله تعالى: (والمستغفرين بالأسحار)، امتدحهم لإخلاصهم، كون الليل وقت تغيب عن رؤيته الأعيُن، وبهذا الوقت يتنزّل به تعالى إلى السّماء الدّنيا ويقول: "من يستغفرني فأغفر له"، والعبد يكون أقرب إلى ربّه في جوف الليل الآخر، وبه يتجلّى له سوءَة ذنبه، وعمله، فيستغفر منها، ويتوب بقلب ملؤه الرّجاء والوَجل، حتى إذا تعاهد العبد استغفاره ربّه ولزم هذا الباب بكلّيته؛ شاهد أنّ الذنوب لها تبعات يُبصرها ببصيرته قبل بصره، وأنّ من أعظم تبعاتها وآثارها؛ انغلاق الطرق المُوصلة لأنوار الوحي، فيعيش في ظُلمة الشهوة والشبهة، وتتخطّفه الشياطين على غرّة، إلا أن يتغمّده الله برحمته.. ويجتبيه إليه!
من أكثر الأمور التي تُفسد دين العبد وإيمانه؛ كثرة خلطته بالنّاس، واجتماعه بهم، وذلك أنّ خلطة الأقران وإن كانت مُباحة؛ لها تبَعات على القلب وسيره إلى ربّه، ومعلومٌ أنّ المُجالسة يتبعها مُجانسة، فكم ممّن تأثر بفكرة باطلة، وطبعٌ سفليّ، وكم ممّن تأثّر بالكلمة، وكانت هذه المُجالسة بابٌ ممهّد لفتح أبواب الخلافات وسوء الظُّنون الآثمة، ومعلومٌ كذلك أنّ فضول المُخالطة والاجتماع الدائم بالأقران؛ يورث قسوةٌ في القلب، وللسّلف الصالح أحوالٌ يطول شرحها في هذا المَقام، فقد كانوا يخلّلون من أيّامهم؛ أيّامٌ وساعات يعتزلون بها مُجالسة الخلق، طلبًا للحقّ وإيثارًا لأوقاته، يقول ابن تيميّة رحمه الله: "ولا بدّ للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه، في دعائه وذكره وصلاته وتفكُّره ومحاسبة نفسه وإصلاح قلبه، وما يختصّ به من الأمور التي لا يُشركُهُ فيها غيره، فهذه يحتاج فيها إلى انفراده بنفسه إمّا في بيته كما قال طاوس: نعم صومعة الرّجل بيتُه، يكفّ فيها بصره ولسانه، وإمّا في غير بيته، فاختيار المُخالطة مطلقًا خطأ، واختيار الانفراد مُطلقًا خطأ".. وقال ابن عثيمين: "من كان يخشى على دينه بالاختلاط بالناس: فالأفضل له العزلة، ومن لا يخشى؛ فالأفضل أن يخالط الناس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على آذاهم)".
=فإن كانت خلطته بأقرانه تؤثر على إيمانه، ونقص همّته، وتبعث عليه وابلٌ من الحسرات وضياع الأوقات؛ فليجتنب هذه المَواطن ما أمكنه إلى ذلك سبيلا، فإنّ المؤمن قلبه عزيز، وأعزّ ما يملكه في الدّنيا أن يُحافظ عليه من صروفها وأحوَالها التي تغيّب عنه معاني الوصول، ومعلومٌ كذلك أنّ فضول المُخالطة يتبعه حسرة على فوات الأوقات المبذولة في سبيل الدّنيا وأهلها، ومن الفقه أن يُوازن العبد بين المواطن التي تزيد من سيره، والمَواطن التي تُؤخّره عن المعالي، والأوقات التي تضيع في سبيل -فضول المخالطة-؛ إنّما هي قواطع طريق، وسرابٌ سيزول حتمًا في القريب، ولا يبقى من أثره شيءٌ مديد، كابتغاء الأجر الجزيل، من الله الجليل!
وقد يُراود العبد شيئًا من الأسئلة التي تدور في ذهنه، عن ماهية السّبيل للموازنة بين اجتماعه بأقرانه، وبين اعتزاله وتأثير هذه المُخالطة على عمل قلبه وإيمانه، أيّهما أكمل، وما هو الأنفع له، فإنّ الإجابة تدور حول فلك إيماني تعبُّدي، أن يكون حضوره بينهم ملموسًا به غاية تعبّدية ينتفع بها وينفع بها من حوله، أن يُشركهم مُباحاته في إطار النّفع القائم على أساس العبوديّة، فإنّ العبوديّة لباسٌ باطني يُجمّل أحواله الظاهريّة، وهو اللباس الذي إن لبسه؛ ارتاح من عناء التكلّف وعاش لله بكلّيته، حتى في مخالطته أقرانه، يعيش بها لله وبالله، ولنا في قول ابن القيّم مفادٌ وعبرة، يقول رحمه الله: "إن دعَت الحاجة إلى مُخالطة النّاس في فضول المُباحات؛ فليجتهد المرء أن يقلب ذلك المَجلس طاعة لله إن أمكنه، ويشجّع نفسَه ويقوّي قلبَه، ولا يلتفت إلى الوارد الشّيطاني القاطع له عن ذلك بأنّ هذا رياء ومحبّة لإظهار علمك وحالك، ونحو ذلك، فليُحاربه وليستعن بالله تعالى"!
فاللهم صلاحًا وتوفيقًا وهدايةً منك ترشدنا بها إلى السّبيل الأقوم. . .
=فإن كانت خلطته بأقرانه تؤثر على إيمانه، ونقص همّته، وتبعث عليه وابلٌ من الحسرات وضياع الأوقات؛ فليجتنب هذه المَواطن ما أمكنه إلى ذلك سبيلا، فإنّ المؤمن قلبه عزيز، وأعزّ ما يملكه في الدّنيا أن يُحافظ عليه من صروفها وأحوَالها التي تغيّب عنه معاني الوصول، ومعلومٌ كذلك أنّ فضول المُخالطة يتبعه حسرة على فوات الأوقات المبذولة في سبيل الدّنيا وأهلها، ومن الفقه أن يُوازن العبد بين المواطن التي تزيد من سيره، والمَواطن التي تُؤخّره عن المعالي، والأوقات التي تضيع في سبيل -فضول المخالطة-؛ إنّما هي قواطع طريق، وسرابٌ سيزول حتمًا في القريب، ولا يبقى من أثره شيءٌ مديد، كابتغاء الأجر الجزيل، من الله الجليل!
وقد يُراود العبد شيئًا من الأسئلة التي تدور في ذهنه، عن ماهية السّبيل للموازنة بين اجتماعه بأقرانه، وبين اعتزاله وتأثير هذه المُخالطة على عمل قلبه وإيمانه، أيّهما أكمل، وما هو الأنفع له، فإنّ الإجابة تدور حول فلك إيماني تعبُّدي، أن يكون حضوره بينهم ملموسًا به غاية تعبّدية ينتفع بها وينفع بها من حوله، أن يُشركهم مُباحاته في إطار النّفع القائم على أساس العبوديّة، فإنّ العبوديّة لباسٌ باطني يُجمّل أحواله الظاهريّة، وهو اللباس الذي إن لبسه؛ ارتاح من عناء التكلّف وعاش لله بكلّيته، حتى في مخالطته أقرانه، يعيش بها لله وبالله، ولنا في قول ابن القيّم مفادٌ وعبرة، يقول رحمه الله: "إن دعَت الحاجة إلى مُخالطة النّاس في فضول المُباحات؛ فليجتهد المرء أن يقلب ذلك المَجلس طاعة لله إن أمكنه، ويشجّع نفسَه ويقوّي قلبَه، ولا يلتفت إلى الوارد الشّيطاني القاطع له عن ذلك بأنّ هذا رياء ومحبّة لإظهار علمك وحالك، ونحو ذلك، فليُحاربه وليستعن بالله تعالى"!
فاللهم صلاحًا وتوفيقًا وهدايةً منك ترشدنا بها إلى السّبيل الأقوم. . .
التّداوي بالورد القُرآني أعظم سبيل لترك الذنوب المُستعصية، كلّما مرّت الآيات على القلب وازداد تضلّعه من كلام الله؛ تيسّر لصاحبها هجر المَعاصي، وينأى بكلّيته عن مواقعتها، وذلك أنّه نورٌ يهديه إلى السّبيل الأقوم، بلا تكلّف مُشاهد، إنّما بطريقته المُدهشة حقًا، والمُعجزة في التأثير!
قد يعرف المؤمن الحقّ ولا يوفّق لاتّباعه، ويعرف المواطن التي تزيد من سيره إلى ربّه ولا يُهدى إليها، ذلك أنّ العلم شيء، والهداية إلى العمَل بهذا العلم شيء آخر، وهداية العمَل أصلها بيد الله، وهي التي لو رزقها الله عبده؛ استكمل بها أحواله الظاهرة والباطنة، وما أحوج المؤمن لسؤال الله الهداية، وأن يستكثر سؤال الله الإلهام والرُّشد في الأمور كلّها، كما أرشدنا تعالى: ﴿اهدنا الصّراط المُستقيم﴾، يقول السّعدي رحمه الله: "والهداية في الصّراط؛ تشمل الهداية لجميع التّفاصيل الدينية علمًا وعملا، فهذا الدُّعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كلّ ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك"..
-
من أجمل الفوائد القرآنية التي قيلت في قوله تعالى: ﴿اهدنا الصِّراط المُستَقيمصراط الذين أنعمتَ عليهم﴾، ما قاله ابن القيّم في مدارج السّالكين، يقول رحمه الله: "فأضاف الصّراط إلى الرفيق السّالكين له، وهم الذين أنعم الله عليهم، ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الصّراط وحشة تفرّده عن أهل زمانه وبني جنسه، وليعلم أنّ رفيقه في هذا الصراط هم الذين أنعم الله عليهم، فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه، فإنّهم هم الأقلُّون قدرا، وإن كانوا الأكثرين عددا، كما قال بعض السّلف: (عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلّة السّالكين، وإيّاك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين).. وكلما استوحشت في تفرُّدك فانظر إلى الرفيق السّابق، واحرص على اللحاق بهم، وغضّ الطرف عمّن سواهم فإنّهم لن يغنوا عنك من الله شيئا".
من أجمل الفوائد القرآنية التي قيلت في قوله تعالى: ﴿اهدنا الصِّراط المُستَقيمصراط الذين أنعمتَ عليهم﴾، ما قاله ابن القيّم في مدارج السّالكين، يقول رحمه الله: "فأضاف الصّراط إلى الرفيق السّالكين له، وهم الذين أنعم الله عليهم، ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الصّراط وحشة تفرّده عن أهل زمانه وبني جنسه، وليعلم أنّ رفيقه في هذا الصراط هم الذين أنعم الله عليهم، فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه، فإنّهم هم الأقلُّون قدرا، وإن كانوا الأكثرين عددا، كما قال بعض السّلف: (عليك بطريق الحق، ولا تستوحش لقلّة السّالكين، وإيّاك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين).. وكلما استوحشت في تفرُّدك فانظر إلى الرفيق السّابق، واحرص على اللحاق بهم، وغضّ الطرف عمّن سواهم فإنّهم لن يغنوا عنك من الله شيئا".
﴿وهُدُوآ إلى الطيِّبِ منَ القَول﴾.
ثمّة كلمة يقولها المؤمن، لا يحسب لها اعتبارًا، تقع عند غيره موقعها، ويُنتفع بها انتفاعًا يبلّغ بها صاحب القول شرف الذِّكر وخلوده، ولربّما غفل عن مُشاهدة هذا الأثر من حينها، ومن جماليّات هذه الآية؛ أنّ صاحب القول الطيِّب قد يقع في نفسه عُجبًا على حسن كلمة أذاعَها وكُتب لها قبولًا بين العباد، فناسب أن يعلم أنّها هداية ومزية من الله وحده، إذ أنّ كلمة (هُدوا)، فيها إشارة أنّ العبد ليس له من الأمر شيء، فهي تحثّه على التجرّد من كلّ مُلكة وهبها الله إيّاه، وهي هداية امتنّها الله عليه، فهو ضالّ في نفسه، (يا عبادي كلّكم ضالّ إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدِكم)، والعبد ضعيفٌ في تبيانه للمَعاني، ومن ضعفه أنّه وحده تعالى من علّمه البيَان وحسن البلاغة والكلام، والهداية إلى الطيب من القول لا تُقتصر باختيار الألفاظ المُناسبة فحسب، بل باختيار الأزمنة التي يُصاحبها الحاجة لمثل هذا القول، كمثل دخول أهل الجنّة الجنّة، حين يُلهمهم الله حينها الحمد، كما ذكر ابن عاشور حين دخولهم لهذه الدّار : "أنّ الله يُلهمهم أقوالًا حسنة يقولونها بينهم: (الحمدلله الذي أذهب عنّا الحَزن)، (دعواهم فيها سُبحانك اللهم وتحيّتهم فيها سلام وآخر دعواهم أنِ الحمدلله ربّ العالمين)".. وقد جاء في تفسير الألوسي معنى الهداية إلى الطيّب من القول أنّها قول: "لا إله إلا الله"، وجاء في معناها: "القُرآن وسائر الأذكار"!..
قف معي لحظة نُردّد بها سويًّا هذا الذّكر الحَسن، والغنيّ عن حصر ثمراته في شَطر، لنجعلها هداية امتنّها الله علينا: "سبحان الله، الحمدلله، لا إله إلا الله، الله أكبر".
ثمّة كلمة يقولها المؤمن، لا يحسب لها اعتبارًا، تقع عند غيره موقعها، ويُنتفع بها انتفاعًا يبلّغ بها صاحب القول شرف الذِّكر وخلوده، ولربّما غفل عن مُشاهدة هذا الأثر من حينها، ومن جماليّات هذه الآية؛ أنّ صاحب القول الطيِّب قد يقع في نفسه عُجبًا على حسن كلمة أذاعَها وكُتب لها قبولًا بين العباد، فناسب أن يعلم أنّها هداية ومزية من الله وحده، إذ أنّ كلمة (هُدوا)، فيها إشارة أنّ العبد ليس له من الأمر شيء، فهي تحثّه على التجرّد من كلّ مُلكة وهبها الله إيّاه، وهي هداية امتنّها الله عليه، فهو ضالّ في نفسه، (يا عبادي كلّكم ضالّ إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدِكم)، والعبد ضعيفٌ في تبيانه للمَعاني، ومن ضعفه أنّه وحده تعالى من علّمه البيَان وحسن البلاغة والكلام، والهداية إلى الطيب من القول لا تُقتصر باختيار الألفاظ المُناسبة فحسب، بل باختيار الأزمنة التي يُصاحبها الحاجة لمثل هذا القول، كمثل دخول أهل الجنّة الجنّة، حين يُلهمهم الله حينها الحمد، كما ذكر ابن عاشور حين دخولهم لهذه الدّار : "أنّ الله يُلهمهم أقوالًا حسنة يقولونها بينهم: (الحمدلله الذي أذهب عنّا الحَزن)، (دعواهم فيها سُبحانك اللهم وتحيّتهم فيها سلام وآخر دعواهم أنِ الحمدلله ربّ العالمين)".. وقد جاء في تفسير الألوسي معنى الهداية إلى الطيّب من القول أنّها قول: "لا إله إلا الله"، وجاء في معناها: "القُرآن وسائر الأذكار"!..
قف معي لحظة نُردّد بها سويًّا هذا الذّكر الحَسن، والغنيّ عن حصر ثمراته في شَطر، لنجعلها هداية امتنّها الله علينا: "سبحان الله، الحمدلله، لا إله إلا الله، الله أكبر".
-
من أهمّ الأمور وأعظمها سبيلًا لزيادة الإيمان؛ التعرّض اليومي للقُرآن، فإنّ التعرُّض له يُكسب القلب حُلّة نورانيّة، ويُكسب العبد حلّة إيمانيّة، يزداد بها إدراكًا وامتثالًا لمعاني القرآن، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وإذا تُليت عليهِم آياتهُ زادتهُم إيمانا﴾، والتّلاوة ها هنا ما كانت مُصاحبة للانقطاع القلبي، والحضور الذهني، والإقبال الكلّي على كلام الله، فإنّ العبد يتجلّى له ثمر التلاوة كلّما أخلص في إقباله عليه، ومن ثمرات الإقبال اليومي؛ أنّ المؤمن يعتاد على هذا الغذاء، فلا يستطيع بعدها الانفكاك عمّا اعتاد عليه من ورود الهدايات والحقائق التي تُجلي عنه غشاوة الظُلُمات، وللإقبال اليومي على القُرآن علامة على صدق المحبّة، فمن أحبّ الله؛ أحبّ كلامه، والمحبّة يتبعها الانقياد، وكثرة المُلازمة، وعدم التخلُّف عنه، بنسيان، أو هجر، أو كثرة انشغال.. نسأله تعالى أن يمنّ علينا بهُداه، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
من أهمّ الأمور وأعظمها سبيلًا لزيادة الإيمان؛ التعرّض اليومي للقُرآن، فإنّ التعرُّض له يُكسب القلب حُلّة نورانيّة، ويُكسب العبد حلّة إيمانيّة، يزداد بها إدراكًا وامتثالًا لمعاني القرآن، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وإذا تُليت عليهِم آياتهُ زادتهُم إيمانا﴾، والتّلاوة ها هنا ما كانت مُصاحبة للانقطاع القلبي، والحضور الذهني، والإقبال الكلّي على كلام الله، فإنّ العبد يتجلّى له ثمر التلاوة كلّما أخلص في إقباله عليه، ومن ثمرات الإقبال اليومي؛ أنّ المؤمن يعتاد على هذا الغذاء، فلا يستطيع بعدها الانفكاك عمّا اعتاد عليه من ورود الهدايات والحقائق التي تُجلي عنه غشاوة الظُلُمات، وللإقبال اليومي على القُرآن علامة على صدق المحبّة، فمن أحبّ الله؛ أحبّ كلامه، والمحبّة يتبعها الانقياد، وكثرة المُلازمة، وعدم التخلُّف عنه، بنسيان، أو هجر، أو كثرة انشغال.. نسأله تعالى أن يمنّ علينا بهُداه، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
-
الوقوع في الذّنوب وعدم الاستغفار عنها بالإقلاع عن مُواقعة أسبابها؛ يتسبّب كثيرًا بخمود حرارة الإيمان، ومن تبَعات الذنوب؛ أنّ العبد يُحرم بسببها الإقبال على النّوافل، ويُحرم بسببها لذّة الطاعة والإيمان، فإنّ الطاعة لها حلاوة تُباشر القلب وتزيد من إدراكه لكثير من المَعاني الشّريفة، ومن شأن الذّنوب؛ أنّها تؤصد عن العبد كلّ باب يُوصله للمَعالي، لا سيّما باب قيام الليل والوقوف بين يدي الله تعالى، فإنّ الوقوف بين يديه في ظلمة الليل والنّاس نيام؛ شرفٌ ليس بعده شرف، ومن العبر أنّ هناك رجُل جاء للحسن البَصري، فقال له: "إنّي أبيت مُعافى، وأحبّ طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: "ذنوبك قيّدتك"، وقال رحمه الله: "إنّ العبد ليُذنب الذّنب فيُحرم به قيام الليل، وصيام النّهار"، وقال الفضيل بن عياض: "إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النّهار؛ فاعلم أنّك مَحروم مُكبَّل، كبَّلتك خطيئتك".. نسأله تعالى أن يتجاوز عنّا، ويغفر لنا زلّاتنا، وأن لا يحرمنا فضله بسوء أعمالنا!
الوقوع في الذّنوب وعدم الاستغفار عنها بالإقلاع عن مُواقعة أسبابها؛ يتسبّب كثيرًا بخمود حرارة الإيمان، ومن تبَعات الذنوب؛ أنّ العبد يُحرم بسببها الإقبال على النّوافل، ويُحرم بسببها لذّة الطاعة والإيمان، فإنّ الطاعة لها حلاوة تُباشر القلب وتزيد من إدراكه لكثير من المَعاني الشّريفة، ومن شأن الذّنوب؛ أنّها تؤصد عن العبد كلّ باب يُوصله للمَعالي، لا سيّما باب قيام الليل والوقوف بين يدي الله تعالى، فإنّ الوقوف بين يديه في ظلمة الليل والنّاس نيام؛ شرفٌ ليس بعده شرف، ومن العبر أنّ هناك رجُل جاء للحسن البَصري، فقال له: "إنّي أبيت مُعافى، وأحبّ طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن: "ذنوبك قيّدتك"، وقال رحمه الله: "إنّ العبد ليُذنب الذّنب فيُحرم به قيام الليل، وصيام النّهار"، وقال الفضيل بن عياض: "إذا لم تقدر على قيام الليل، وصيام النّهار؛ فاعلم أنّك مَحروم مُكبَّل، كبَّلتك خطيئتك".. نسأله تعالى أن يتجاوز عنّا، ويغفر لنا زلّاتنا، وأن لا يحرمنا فضله بسوء أعمالنا!
ثمّة أحوال يعيشها السّائر إلى ربّه؛ تُنقص من مقدار سيره، وهي كثرة الالتفات لقواطع الطريق، والخوض في مسالكها، والعارف لربّه لا تغرّه هذه المَسالك، ولا يطيل المَكث في مواقع المتأخرين، بل يسير رغم كلّ ما يُلاقيه، بقلب تجرّد من شعب الدنيا وأهلها، كالمُسافر الذي قصد في سفره وجهة معلومة، فهو وإن سار ولقيَ من الآفات التي تؤخر سفره؛ لا يركن إليها بكلّيته وينسى وجهته المُحددة، بل يُصلح ما يُواجهه من آفات، لا سيما آفات القلوب، فإنهما قواطع طريق، ومن شأن آفات القلوب بما فيها من علل؛ أنّها تغلق عنه حقائق الوحي، فلا يلتذّ بهداية، ولا يرفع بها رأسًا، ولكنّ العارف يُعالج هذه القواطع، يُعالجها بقراءة القرآن، فإنّ قراءة القرآن أنجع دواء يتخلّص به العبد من علل القلوب وآفات الطريق، وهو شفاءٌ كافي ودواء لكلّ ما يعترض العبد في سيره إلى ربّه، والقرآن كتاب بصائر، وهدى للمؤمنين، وبالقرآن يسير العبد إلى ربّه على بيّنة، وحجّة، وبُرهان، وبالقرآن يتبصّر مواطن إقدامه ومواطن تأخره وقعوده عن المعالي، وهو كتابٌ فيه من النُّور ما يجعل صاحبه يدرك طريق الجنّة والحبور، إذ أنّ الله سمّاه كتاب هداية؛ (إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)، ومن تمسّك بالقرآن عزّ عليه أن يطيل المكث في قواطع الطريق وآفاتها، بل يتبصرها بقلب قد رأى علامات انقضائها، وزوالها، فهو يسير ومعه مصباحٌ نوراني يدله إلى السبيل الأقوم، بلا واسطة ولا حجاب، ولكنّ كلام الله يفعل هذا وأكثر، لمن آمن به حقًا، فإن قلت كيف لي أن أتمسّك به، فإنّ الإجابة تتمحور كيف لو أنّه كان طعامك وشرابك فهل تستغني عنه في ليلك ونَهارك، وهل يهنأ لك طرفًا أن تمر الليالي بلا زاد بدني تدّخره لأيّامك، من زاد الطعام الذي تُحب، والشراب الذي تَهوى، والحُلو الذي تتلذذ به، كيف وأنّ القرآن هو غذاء القلب الحقيقي، وبه تكون عافيته وشفاؤه، وبه يصبح القلب حيا مبصرًا يعيش في لياليه وأيامه، فكيف سيكون القلب بهذا الغذاء هل تظنّه أن يموت أو يعتريه ما يعتريه من ضلالة الطريق والقعود في مواطن المتأخّرِين، كلا والله إنّه ليُحيي به مَوات كلّ شيء، وهو القائل تبارك وتعالى: (أوَمن كان ميْتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس)، فإذا عرفت قيمة هذا الغذاء؛ عرفت كيف تسير إلى ربّك بخُطى ثابتة غير عرجاء، وهو الهادي إلى سواء السّبيل!
﴿فأسرّها يوسفُ في نفسهِ ولم يُبدها لهم﴾.
أصدق الكلام وأشدّه إيلامًا؛ ما ظلّ في القلب يجول بلا أن يُفسح له بالخروج، وهل يفيد العتاب إذا قلّ الوداد؟
أصدق الكلام وأشدّه إيلامًا؛ ما ظلّ في القلب يجول بلا أن يُفسح له بالخروج، وهل يفيد العتاب إذا قلّ الوداد؟
أدب الثّناء على الله:
من أسباب إجابة الدُّعاء المغفول عنها والتي يتّضح بها معنى التأدُّب مع الله؛ ابتداء الدُّعاء بالحمد والثناء، والتعرّض له بأنواع المَحامد بذكر أوصاف الجَلال، ومن تتبّع مَواطن سورة الفاتحة؛ عرف السِّر الذي لأجله تقدّم قوله تعالى: ﴿اهدنا الصِّراط المُستقيم﴾، بعد آيات الثناء والتَّمجيد، يقول ابن القيّم رحمه الله: "لمّا كان سؤال الله الهداية إلى الصّراط المُستقيم أجلّ المَطالب ونيله أشرف المَواهب؛ علّم الله عباده كيفيّة سؤاله، وأمَرهم أن يُقدّموا بين يديه حمده والثناء عليه، ثمّ ذكر عبوديّتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم: توسّل إليه بأسمائه وصفاته، وتوسل إليه بعبوديّته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يُردّ معهما الدُّعاء".
ومن الأمثلة القُرآنية في أدب الثناء قبل الدُّعاء؛ قول يوسف عليه السّلام: ﴿ربّ قد آتيتني من المُلك وعلّمتني من تأويل الأحاديث فاطرَ السّموات والأرض أنت وليِّي في الدُّنيا والآخرة توفّني مُسلمًا وألحقني بالصّالحين﴾.
ودُعاء المَلائكة حين أقرّوا بذكر نعمه وأفضاله: ﴿ربّنا وسعت كلّ شيء رحمةً وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهِم عذابَ الجحيم﴾.
فلو أنّ هُناك ملَكًا في الدّنيا أتى ليُلبّي حاجات من أمامه، يجد أحدنا أنّ هناك من يبذل له قبل السُّؤال شِعرًا يتخلّله من المَحامد والثناء ما يُطرب له المَسامع والآذان، ولربّما كان شعرًا يجوّده من نفيس وقته وحضور قلبه، ويبذل فيه من حُسن انتقاء ألفاظ المَديح ما يستدعي قبول حاجته، فإذا كانت هذه المُعاملة بين لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرّا؛ سببٌ لبلوغ المُراد، فكيف بالله الغنيّ ولله المثل الأعلى، أليس من التّوقير أن يُحسن المؤمن الثناء عليه قبل عرض حوائجه، فإنّ الله أولى بالجميل، وهذه الآداب القُرآنية التي تعلّم المؤمن وترشده للتخلُّق بخُلق الأدب الرّفيع مع الله تعالى قبل سؤاله ودعائه، مما يستوجب منه تمثّلا وانقيادًا للعمَل بمَضامين الآيات، نسأله تعالى أن يتجاوز عنّا، فهو الغنيّ، لا نُحصي ثناءً عليه كما هو أثنى على نفسه.
من أسباب إجابة الدُّعاء المغفول عنها والتي يتّضح بها معنى التأدُّب مع الله؛ ابتداء الدُّعاء بالحمد والثناء، والتعرّض له بأنواع المَحامد بذكر أوصاف الجَلال، ومن تتبّع مَواطن سورة الفاتحة؛ عرف السِّر الذي لأجله تقدّم قوله تعالى: ﴿اهدنا الصِّراط المُستقيم﴾، بعد آيات الثناء والتَّمجيد، يقول ابن القيّم رحمه الله: "لمّا كان سؤال الله الهداية إلى الصّراط المُستقيم أجلّ المَطالب ونيله أشرف المَواهب؛ علّم الله عباده كيفيّة سؤاله، وأمَرهم أن يُقدّموا بين يديه حمده والثناء عليه، ثمّ ذكر عبوديّتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم: توسّل إليه بأسمائه وصفاته، وتوسل إليه بعبوديّته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يُردّ معهما الدُّعاء".
ومن الأمثلة القُرآنية في أدب الثناء قبل الدُّعاء؛ قول يوسف عليه السّلام: ﴿ربّ قد آتيتني من المُلك وعلّمتني من تأويل الأحاديث فاطرَ السّموات والأرض أنت وليِّي في الدُّنيا والآخرة توفّني مُسلمًا وألحقني بالصّالحين﴾.
ودُعاء المَلائكة حين أقرّوا بذكر نعمه وأفضاله: ﴿ربّنا وسعت كلّ شيء رحمةً وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهِم عذابَ الجحيم﴾.
فلو أنّ هُناك ملَكًا في الدّنيا أتى ليُلبّي حاجات من أمامه، يجد أحدنا أنّ هناك من يبذل له قبل السُّؤال شِعرًا يتخلّله من المَحامد والثناء ما يُطرب له المَسامع والآذان، ولربّما كان شعرًا يجوّده من نفيس وقته وحضور قلبه، ويبذل فيه من حُسن انتقاء ألفاظ المَديح ما يستدعي قبول حاجته، فإذا كانت هذه المُعاملة بين لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرّا؛ سببٌ لبلوغ المُراد، فكيف بالله الغنيّ ولله المثل الأعلى، أليس من التّوقير أن يُحسن المؤمن الثناء عليه قبل عرض حوائجه، فإنّ الله أولى بالجميل، وهذه الآداب القُرآنية التي تعلّم المؤمن وترشده للتخلُّق بخُلق الأدب الرّفيع مع الله تعالى قبل سؤاله ودعائه، مما يستوجب منه تمثّلا وانقيادًا للعمَل بمَضامين الآيات، نسأله تعالى أن يتجاوز عنّا، فهو الغنيّ، لا نُحصي ثناءً عليه كما هو أثنى على نفسه.
-
من أسرار ابتداء سورة البقرة بقوله تعالى: ﴿ذلك الكتابُ لا ريبَ فيه هدىً للمُتّقين﴾، أنّ به إجابة لسؤال الله الهداية: ﴿اهدنا الصّراط المُستقيم﴾، وكأنّ الله يُعلّمنا بهذا الموضع مصدر الهداية، وأنّ القُرآن كتاب هداية، يهدي صاحبه لأحسن الطريق، وأنّ هداية القُرآن تعمّ كلّ شيء، فهو يهديه لأحسن القول، ويهديه لأحسن العمَل، ويهديه لكثير من الأحوال اليقينيّة الكاملة، وهداية الصّراط كما ذكره بعض المُفسّرين؛ أنّه القرآن، فبالقُرآن يُهدى للمَعالي بلا واسطة ولا حجاب، وكم من عامِّي لا يعرف شيئًا من حقائق التّوحيد ولا الإيمان، وحين لزِم القُرآن؛ فُتح له من المَعارف والعُلُوم والآلات، وكم من جاهل ضاع عُمُره بلا زاد يدّخره لآخرته، فإذا صاحب القُرآن وتعلّمه؛ هُديَ للتزوّد لآخرته، وخرجت الدُّنيا من قلبه، فيُصبح عزيزًا بعد ذُلّ، وهل هُناك أكمل من عزّة الطاعة والإيمان، وهل هناك ذلًّا وهوَانًا أكثر من ذلّ الذنوب والعِصيان، فمن أراد أن يكون هاديًا مهديًّا؛ فليلزم كلام الله، فإنّ الله وعد عباده، أنّ من تمسّك بكلامه؛ لا يضلّ في الدُّنيا ولا يشقى، ومن أصدقُ من الله حديثا!
من أسرار ابتداء سورة البقرة بقوله تعالى: ﴿ذلك الكتابُ لا ريبَ فيه هدىً للمُتّقين﴾، أنّ به إجابة لسؤال الله الهداية: ﴿اهدنا الصّراط المُستقيم﴾، وكأنّ الله يُعلّمنا بهذا الموضع مصدر الهداية، وأنّ القُرآن كتاب هداية، يهدي صاحبه لأحسن الطريق، وأنّ هداية القُرآن تعمّ كلّ شيء، فهو يهديه لأحسن القول، ويهديه لأحسن العمَل، ويهديه لكثير من الأحوال اليقينيّة الكاملة، وهداية الصّراط كما ذكره بعض المُفسّرين؛ أنّه القرآن، فبالقُرآن يُهدى للمَعالي بلا واسطة ولا حجاب، وكم من عامِّي لا يعرف شيئًا من حقائق التّوحيد ولا الإيمان، وحين لزِم القُرآن؛ فُتح له من المَعارف والعُلُوم والآلات، وكم من جاهل ضاع عُمُره بلا زاد يدّخره لآخرته، فإذا صاحب القُرآن وتعلّمه؛ هُديَ للتزوّد لآخرته، وخرجت الدُّنيا من قلبه، فيُصبح عزيزًا بعد ذُلّ، وهل هُناك أكمل من عزّة الطاعة والإيمان، وهل هناك ذلًّا وهوَانًا أكثر من ذلّ الذنوب والعِصيان، فمن أراد أن يكون هاديًا مهديًّا؛ فليلزم كلام الله، فإنّ الله وعد عباده، أنّ من تمسّك بكلامه؛ لا يضلّ في الدُّنيا ولا يشقى، ومن أصدقُ من الله حديثا!
Forwarded from قناة | فيصل بن تركي
•
ذكر ابن القيم -رحمه الله- من فوائد الصلاة على النبي ﷺ وثمراتها: «أنه يَخرج بها العبد عن الجفاء».
والجفاء: ترك البرِّ، ونقيض الصِّلة.
ولو لم يكن في الصلاة عليه ﷺ إلَّا هذه لكفت ذوي المروءات وأصحاب النفوس الشريفة في الإكثار منها.
فأيُّ جفاء أشنع وأغلظ من الجفاء مع من كان سببًا لهدايتك، ودلالتك على الله تعالى، واستنقاذك من النَّار، ولاقى في هذا الطريق ما تعرفه من شدائد السيرة؛ عَرَضَ نفسه على القبائل ليبلغك دين الله، وأدميت عقبه في هذا الطريق، وتَرَك وطنه وأحبَّ البقاع إليه، وقُتِل أصحابه، وكُسِرت رباعيته، وشُجَّ وجهه الشريف، وهو مع هذا كلِّه؛ كان يدعو لك = ((والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة))، ويشتاق إليك = ((وددت أنِّي لقيت إخواني))، ويشفع لك يوم القيامة = ((أمتي أمتي)).
•
ذكر ابن القيم -رحمه الله- من فوائد الصلاة على النبي ﷺ وثمراتها: «أنه يَخرج بها العبد عن الجفاء».
والجفاء: ترك البرِّ، ونقيض الصِّلة.
ولو لم يكن في الصلاة عليه ﷺ إلَّا هذه لكفت ذوي المروءات وأصحاب النفوس الشريفة في الإكثار منها.
فأيُّ جفاء أشنع وأغلظ من الجفاء مع من كان سببًا لهدايتك، ودلالتك على الله تعالى، واستنقاذك من النَّار، ولاقى في هذا الطريق ما تعرفه من شدائد السيرة؛ عَرَضَ نفسه على القبائل ليبلغك دين الله، وأدميت عقبه في هذا الطريق، وتَرَك وطنه وأحبَّ البقاع إليه، وقُتِل أصحابه، وكُسِرت رباعيته، وشُجَّ وجهه الشريف، وهو مع هذا كلِّه؛ كان يدعو لك = ((والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة))، ويشتاق إليك = ((وددت أنِّي لقيت إخواني))، ويشفع لك يوم القيامة = ((أمتي أمتي)).
•
-
خير ما يُستقبل به شهر رمضان؛ تهيئة القلب لتلقّي حقائق القُرآن، وكثرة تلاوته آناء الليل وأطراف النّهار، والتهيؤ للطاعات عمومًا كقيام الليل بالقرآن؛ يحتاج إلى تدرّج واعتياد، ومنهم من يضع له جدولًا يُخصّص به عدد الأوراد المَتلوّة، ومنهم من يكون قيامه بالقرآن ليلًا يتجاوز عدد الأوراد المَتلوّة نهارًا، وفضل الله واسع، وفي الأثر؛ "كان مالك إذا دخل رمضان يفرُّ من قراءة الحديث ومُجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القُرآن"، ليتبيّن عِظَم وأهمِّية الإقبال على كلام الله دون العلوم الأخرى، والمؤمن لا بُد له أن يُجاهد نفسه من الآن، ويصدق ربّه، ويسأله أن يُعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته..
خير ما يُستقبل به شهر رمضان؛ تهيئة القلب لتلقّي حقائق القُرآن، وكثرة تلاوته آناء الليل وأطراف النّهار، والتهيؤ للطاعات عمومًا كقيام الليل بالقرآن؛ يحتاج إلى تدرّج واعتياد، ومنهم من يضع له جدولًا يُخصّص به عدد الأوراد المَتلوّة، ومنهم من يكون قيامه بالقرآن ليلًا يتجاوز عدد الأوراد المَتلوّة نهارًا، وفضل الله واسع، وفي الأثر؛ "كان مالك إذا دخل رمضان يفرُّ من قراءة الحديث ومُجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القُرآن"، ليتبيّن عِظَم وأهمِّية الإقبال على كلام الله دون العلوم الأخرى، والمؤمن لا بُد له أن يُجاهد نفسه من الآن، ويصدق ربّه، ويسأله أن يُعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته..
-
تأثير القُرآن على القلب يتجلّى في أبهى صوره عند تلاوته عن ظهر قلب، وذلك أنّ الورد القرآني حين يُقرأ عن ظهر قلب؛ يكون بكامل حضورهِ وانتباهه، وهذا السِّر في التلقّي أعظم سبب يستكمل به العبد تأثير القرآن، لذلك شُرع قراءته ليلًا، حيث السُّكون والطمأنينة، وشُرع قراءته بعد القيام من النّوم، لخلوِّ القلب من المَشاغل، وشُرع قراءته في كافّة الأحوال وأفضل الأحوال وأكملها؛ ما كانت تلاوته ليلًا وتحت جُنح الظّلام، ﴿إنّا سنُلقي عليكَ قولًا ثقيلًا إنّ ناشئةَ الليلِ هي أشدُّ وطئًا وأقومُ قيلا﴾.
تأثير القُرآن على القلب يتجلّى في أبهى صوره عند تلاوته عن ظهر قلب، وذلك أنّ الورد القرآني حين يُقرأ عن ظهر قلب؛ يكون بكامل حضورهِ وانتباهه، وهذا السِّر في التلقّي أعظم سبب يستكمل به العبد تأثير القرآن، لذلك شُرع قراءته ليلًا، حيث السُّكون والطمأنينة، وشُرع قراءته بعد القيام من النّوم، لخلوِّ القلب من المَشاغل، وشُرع قراءته في كافّة الأحوال وأفضل الأحوال وأكملها؛ ما كانت تلاوته ليلًا وتحت جُنح الظّلام، ﴿إنّا سنُلقي عليكَ قولًا ثقيلًا إنّ ناشئةَ الليلِ هي أشدُّ وطئًا وأقومُ قيلا﴾.
﴿الصَّابرينَ والصّادقينَ والقانتِينَ والمُنفِقينَ والمُسْتغفرينَ بالأسحَار﴾.
خُتمت الآية بمشروعيّة الاستغفار بعد الأعمال الصّالحة؛ ليتبيّن عِظَم وأهمِّية اللجأ إلى الله، وأهمِّية تزكية القلب وتخليصه من كلّ عُجبٍ وآفة، لا سيما الآفات التي تعتري القلب بعد أداء الطاعات، والمؤمن لا ينبغي له أن يركن إلى عمله مهما أُوتيَ من الأسباب، وهذه الآية فيها إشارة أنّ طلب المغفرة بعد أداء الطاعة؛ فيه كمال الذلِّ لله تعالى وكمَال الافتقار، وأنّ المؤمن مهما بذل لربِّه؛ فإنّ عمله ناقصٌ من كلِّ جهاته، فنَاسب أن يكون ختام الآية بعد أحوال التعبُّد القائمة؛ أن يكون استغفارًا ودعاء، وهذه أحوَال العارفين، حين يُكرمهم الله بشتّى الكرامات، ينكسرون على عظيم فضله من أنواع الهِبات، ووقت السّحر فيه من تكشّف أحوال القلب وظهُور خباياه؛ ما يجعله يُنيب إلى ربّه كلّ مرة، يقول فيها: استغفرالله، استغفرالله، استغفرالله.
خُتمت الآية بمشروعيّة الاستغفار بعد الأعمال الصّالحة؛ ليتبيّن عِظَم وأهمِّية اللجأ إلى الله، وأهمِّية تزكية القلب وتخليصه من كلّ عُجبٍ وآفة، لا سيما الآفات التي تعتري القلب بعد أداء الطاعات، والمؤمن لا ينبغي له أن يركن إلى عمله مهما أُوتيَ من الأسباب، وهذه الآية فيها إشارة أنّ طلب المغفرة بعد أداء الطاعة؛ فيه كمال الذلِّ لله تعالى وكمَال الافتقار، وأنّ المؤمن مهما بذل لربِّه؛ فإنّ عمله ناقصٌ من كلِّ جهاته، فنَاسب أن يكون ختام الآية بعد أحوال التعبُّد القائمة؛ أن يكون استغفارًا ودعاء، وهذه أحوَال العارفين، حين يُكرمهم الله بشتّى الكرامات، ينكسرون على عظيم فضله من أنواع الهِبات، ووقت السّحر فيه من تكشّف أحوال القلب وظهُور خباياه؛ ما يجعله يُنيب إلى ربّه كلّ مرة، يقول فيها: استغفرالله، استغفرالله، استغفرالله.