قلبي مع العشرينَ قيدتُه
فعمر قلبي ليس يجري معي
..

لما بلَغ بثينة وفاةُ جميل، أُغشي عليها، فلما أفاقت أنشدت:

وإن سُلوِّي عن جميلٍ لساعةٌ
من الدَّهر ما حانتْ ولا حان حينُها

سواءٌ علينا يا جميلَ بنَ معمرٍ
إذا متَّ بَأساءُ الحياةِ ولِينُها
..

إذا قلتُ هاتي نوِّليني تمايلتْ
عليَّ هضيمَ الكشح ريَّا المخلخل

يعني إذا طلب منها نوالًا من أي شيء فيها، كانت طوع يديه، ولم تكتفِ بذلك بل جعلت مشيتها تمايلًا إمعانًا في إيقاد جذوة الشوق في قلبه، فشغلته بكل شيء فيها، فجعل يصف جسدها بأنه مهضوم الكشح، وهو جانبا البطن، يريد أنها غير مترهلة البطن ولا مسترخية، وهذا من مواضع المدح في النساء، وكثرة اللحم في هذا الموضع من المرأة معيب.
ثم وصفها بأنها ممتلئة الساقين حتى موضع الخلخال منها ريان ممتلئ، وهو من المواضع التي تمتدح النساء فيه بكثرة اللحم.

وللدهر أيامٌ فكن في لباسها
كلبستِه يومًا أجدَّ وأخلقا

وكُن أكيسَ الكَيسى إذا كنت فيهمُ
وإن كنت في الحَمقى فكن أنت أحمقا
..

حُكي عن بعض أهل الفضل أنه أُخبر عن فتًى من خاصة أهل بيته أنه عَشِق - على وجه الزراية عليه- فقال:

الآن ظرُف ولطُف ونظُف
..

أين هذا من قول الملك الضليل:

نواعمُ يُتبعن الهوَى سُبل الرَّدى
يقُلن لأهل الحِلم ضُلًّا بتضلال

مجرم والله!

مِن ألطَفِ ما قرأتُ في طَيفِ الخَيَالِ:

قولُ البُحتُرِيّ:
..
ولَم أَنسَ إسعَافَ الكَرَى بدُنُوِّها
وزَورتَها بعدَ الهُدُوِّ ومَا تدرِي

إذا اللَّيلُ أعطَانا من الوَصلِ بُلغَةً
ثَنَتْنا تَباشِيرُ الصَّباحِ إلى الهَجْرِ
.
وقولُ كُشاجم:

لقَد بَخِلَت حَتى بطَيفِ خَيالِها
عَلَيَّ وقَالَت: رَحمَةً لِنَحيبِي

أَخافُ عَلى طَيفِي إذا جَاءَ طَارِقًا
وِسادَكَ أن يلقَاهُ طيفُ رَقِيبِ
..

قال ابن أحمر النَّحْوي: بينا أنا أطوف بالبيت؛ إذ بصرتُ بامرأة متبرقعة تطوف بالبيت، وتقول:

لا يَقبَلُ اللهُ مِن مَعشُوقةٍ عَمَلًا
يومًا وعاشقُها غَضبانُ مهجُورُ

ليسَت بمَأجُورةٍ فِي قَتلِ عاشِقِها
لكنَّ عاشقَها في ذاك مأجُورُ

فقلت لها: في هذا الموضع رحمك الله؟!

فقالَتْ: إِليكَ عَنِّي؛ لَا يَعْلَقْكَ الحب.

قلت: وما الحب؟

قالَت: جلَّ واللهِ عن أن يخفى، وخَفِيَ عن أن يُرى، فهو كالنارِ في أحجارها؛ إذا حركته أَورَى، وإن تركته توَارَى.

ثم أنشأت تقول:

غِيدٌ غَرائرُ ما هَمَمنَ برِيبةٍ
كظِباءِ مكَّةَ صَيدُهُنَّ حرَامُ

يُحسَبنَ مِن لِينِ الحديثِ زَوانِيًا
ويصُدُّهُنَّ عن الخنَا الإسلامُ

وقد زعموا أن الرياحَ إذا جرت
يمانيةً يشفي المحبَّ دبيبُها

وقد كذبوا، لا بل تزيدُ صبابةً
إذا كان من نحو الحبيب هبوبُها
..

أملحُ الخلق إذا جرَّدتَها
غيرَ سِمطين عليها وسُؤُر

لحسِبتَ الشمسَ في جِلبابِها
قد تبدَّت من غَمامٍ منسَفِر

صورةُ الشمسِ على صُورتِها
كلَّما تغرُب شَمسٌ أو تذُر

تركتني لستُ بالحيِّ ولا
ميِّتٍ لاقَى وفاةً فقُبِر

يسألُ الناس أحُمَّى داؤه
أم به كان سُلالٌ مستتِر؟!

وَهْي دائي وشِفائي عندها
منعَتْه فَهْو ملويٌّ عسِر

ما أنا الدهرَ بناسٍ ذكرَها
ما غدَتْ ورقاءُ تدعو ساقَ حُر

..

وتَقول العَرَب: الملاحة فِي الفَم، والحلاوة فِي العَينَيْنِ، والجمال فِي الأنف.
..

خرج الأعمش يومًا إلى أصحابه، وهو يضحك، فقالوا له: ما ذاك يا أبا محمد؟
قال: قالت بنيّتي لأمّها: يا أُمّه، لم تجدي أحدًا تزوَّجينه إلا هذا الأعمش؟!
..

ولو قال لي الغادُون: ما أنتَ مشتهٍ؟
-غداةَ جزعنا الرَّمل- قلت: أعودُ
..
الشريف الرضي