Telegram Group Search
• بكاء ونحيب الشفتيّ!

السيّد محمّد باقر الموسويّ الشفتيّ المعروف بحجّة الإسلام [المتوفى ١٢٦٠هـ] كان عالماً ربّانيّاً روحانيّاً ممّن عرف حلال آل محمد وحرامهم، وشيّد أحكامهم، وخالف هواه، واتبع أمر مولاه، دائم المراقبة لربّه، لا يشغله شي‌ء عن الحضور والمراقبة.

له حالات بالتضرع والبكاء غريبة:

فقد كانت آماق عين السيد مجروحة من كثرة البكاء في تهجده، وقد كان خارجاً يوماً إلى بعض القرى مع أحد خواصه، فباتا بالطريق، فقال السيّد الشفتيّ لرفيقه: ألا تنام؟
فأخذ رفيقه مضجعه، وتصوّر السيّد أن رفيقه قد نام، فقام يصلّي، يقول رفيقه: فو الله إني رأيت فرائصه وأعضاءه ترتعد بحيث كان يكرّر الكلمة مراراً من شدّة حركة فكّيه وأعضائه حتى ينطق بها صحيحة.

كانت عبادة السيد الشفتيّ بنحو أن يشتغل بالتضرّع من نصف الليل حتى الصباح، ويدور في ساحة مكتبته كالمجنون ويدعو ويناجي ويلطم رأسه وصدره، وكان يعلو منه حنين وأنين بدون اختيار.

وكذلك الحال بالنسبة لصلاته الواجبة، فقد كان إماماً لصلاة الجماعة في النجف الأشرف وكانت صلاته كلّها حزن وخضوع تام وكان يقرأ ببكاء.

في آخر حياته أصابه مرض فمنعه الأطباء من البكاء وقالوا له: البكاء حرام عليك لأنه يوجب زيادة المرض.

أما بمجالس سيد الشهداء عليه السلام فكان له بكاء شديد، حتى أصبح الخطباء لا يصعدون المنبر والسيّد الشفتيّ حاضراً إلا إذا خرج خوفاً عليه.

ينظر:
- تكملة أمل الآمل: ج٥، ص٢٣٨-٢٤٤.
- قصص العلماء [للتنكابنيّ]: ص١٨٣، ص٢٤١.
• مَن يكون في العيد المقبل حيّاً!

نقل الشيخ الثقة الجليل الثبت الحرّ العامليّ [المتوفى١١٠٤هـ] في كتابه إثبات الهداة قصّة حصلت معه:

إنا كنّا جالسين في بلادنا في قرية مشغرة في يوم عيد، ونحن جماعة من طلبة العلم والصلحاء، فقلت لهم: ليت شعري في العيد المقبل من يكون من هؤلاء الجماعة حيّاً، ومن يكون قد مات؟

قال لي رجل اسمه الشيخ محمد، و كان شريكنا في الدرس: أنا أعلم أني أكون في عيد آخر حيّا، وفي عيد آخر و عيد آخر إلى ستّ وعشرين سنة.

ويظهر منه أنه جازم بذلك من غير مزاح، فقلت له: أنت تعلم الغيب؟
فقال: لا، ولكن رأيت المهدي عجل اللّه فرجه و صلّى اللّه عليه في النوم، وأنا مريض شديد المرض، فقلت له: أنا مريض وأخاف أن أموت، وليس لي عمل صالح ألقى اللّه به.

فقال: لا تخف، فإن الله تعالى يشفيك من هذا المرض، ولا تموت فيه، بل تعيش ستا وعشرين سنة.
ثم ناولني كأسا كان في يده، فشربت منه، وزال عنّي المرض، وحصل لي الشفاء، و أنا أعلم أن هذا ليس من الشيطان.

فلمّا سمعت كلامه كتبت التاريخ، و كان سنة ١٠٤٩هـ، ومضت لذلك مدّة طويلة، وانتقلت إلى المشهد المقدس سنة ١٠٧٢هـ، فلمّا كان السنة الأخيرة، وقع في قلبي أن المدّة انقضت، رجعت إلى ذلك التاريخ و سنته، فرأيت قد مضى منه ست وعشرون، فقلت: ينبغي أن يكون‌ الرجل مات، فما مضت إلاّ مدّة نحو شهر، أو شهرين، حتى جاءتني كتابة من أخي، وكان في البلاد، يخبرني أن المذكور مات.

ينظر:
- إثبات الهداة: ج٥، ص٣٤٠.
- تكملة أمل الآمل: ج١، ص٣٠٠-٣٠١، الترجمة ٣٢٥.
• كرم رغم الحاجة!

الفقيه العيلم الشيخ حسين الحليّ [المتوفى ٤ شوال ١٣٩٤هـ] أستاذ الفقهاء وأغلب المراجع المعاصرين، كان آية بالزهد والعفة، والكرم والسخاء.

نقل السيّد محمّد بحر العلوم قصّة عن أحد طلاب الشيخ الحليّ الثقات، حيث يقول:

ذهب إلى بيت الشيخ الحليّ ليناقشه في مسألة فقهية علقت في ذهنه، ولمّا دخل عليه في غرفته الخاصّة المتواضعة في أثاثها، استقبله بكل بشاشة وترحاب، وبعد أن استقر به المقام أتمّ مناقشة المسألة وخرجا سويّة باتجاه الصحن الحيدريّ، وفي الطريق التقى به أحد خدم الروضة العلويّة، ومعه رجل عرّف نفسه للشيخ وسلّم عليه، وقدّم له ظرفاً فيه بعض المال، وودعه وانصرف، وبعد دقائق عاد خادم الروضة الذي صحب الرجل، وقال للشيخ: اعطني بعض المساعدة مما وصل لكم يا مولانا.

فقال له الشيخ: أنت محتاج؟
فقال الرجل: وحق جدي رسول الله إني محتاج، فدفع الشيخ الحليّ له الظرف بما فيه، ولم يأخذ منه ديناراً واحداً.

يقول الناقل: وبقيت مندهشاً، فقبل فترة وجيزة طلب منه ولده بعض المال لشراء حاجة ضروريّة للبيت اعتذر له من عدم وجود مال لديه، وجاء له رزق فأعطاه بسخاء ولم يقدّم حاجته عليه.

ينظر:
دراسة عن حياة الشيخ حسين الحليّ [المطبوعة بمقدمة موسوعة أصول الفقه للشيخ الحليّ]: ص٨٧.
• النجف والذكرى الأولى لهدم البقيع!

لعلماء النجف الأشرف صولات وجولات في ردّ بدع الوهابيّة، وكان لحادثة هدم البقيع سنة ١٣٤٤هـ وقع في قلوب العلماء وجميع شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، ويصف لنا السيّد عليّ النقويّ اللكهنويّ [المتوفى ١٤٠٨هـ] حال مدينة النجف الأشرف في الذكرى الأولى لهدم البقيع في إجازته الكبيرة المخطوطة عند ذكر أول لقاء له بالشيخ العلّامة الأوردباديّ [المتوفى ١٣٨٠هـ]:

«وقد اجتمعنا معه في النجف الأشرف أوّل مرّة يوم الأربعاء الثالث من شوال سنة ١٣٤٥هـ عند عمدة الفقهاء مولانا السيّد أحمد عليّ نجل العلّامة المفتي السيّد محمّد عباس الذي كان مرافقاً لي في هذا السفر وقد تشرّف بالمشاهد المتبرّكة بقصد الزيارة، وكان ذلك على قرب من يوم هدم البقيع الثامن من شوّال يوم الحزن المتراكم والوجد المبرّح للشيعة الموالين لأهل البيت عليهم السلام.

فتذاكرنا في إقامة المآتم لذلك اليوم في العراق، وكان الأخ المترجم له [أي الأوردباديّ] على قدم وساق في السعيّ لهذه الغاية، وتتابعت بعد ذلك مجالس الاجتماع واللقاء.

وأقيمت يوم الثامن مآتم العزاء في جُلّ معاهد العلماء الأفاضل، وعطّلت الأسواق، وخرجت المواكب اللطّامة، وهاجت العواطف لهذه الكوارث، وكان كل ذلك بسعي ذوي الحماس والغيرة من الأفاضل وفي طليعتهم الأخ المترجم له».

ينظر:
- أقرب المجازات: ص٢٧٤.
- موسوعة الأوردباديّ: ج١، ص٢٤٧.
• السيّد الأصفهانيّ وعدم ذهابه للحجّ!

المرجع الدينيّ السيّد أبو الحسن الأصفهانيّ [المتوفى ١٣٦٥هـ] كان من أعلام فقهاء الطائفة ومن أشهر مراجع التقليد، نقل الفقيه المعاصر السيّد موسى الشبيريّ الزنجانيّ قصّة عن سبب عدم ذهاب السيّد أبو الحسن للحجّ بأحد كتبه الفارسيّة وهذه ترجمتها:

«المرحوم الآقا السيّد أبو الحسن الأصفهانيّ لم يتشرف بالذهاب للحجّ، وقد سمعت أنه كان يقول في علّة ذلك:
إذا تشرفت للحج فيجب أن أستطيع على إعمار قبور أئمة البقيع عليهم السلام، وإذا لم أستطع فعل ذلك ستكون ضربة كبيرة للتشيع.
لأنه سيقولون: جاء المرجع العام للشيعة ولم يستطع فعل شيء!».

ينظر:
- جرعهاى از دريا: ج٣ ص٤٤٤.
• حسرة السيّد محسن الحكيم!

السيّد محسن الحكيم [المتوفى ١٣٩٠هـ] الذي كان من أكابر الفقهاء وإليه رجع معظم الشيعة بالتقليد، في يوم من الأيام في درسه المبارك ألقى حسرة وشقشقة بقلبه على طلابه ينقلها أحد تلاميذه وهو الشيخ محمّد تقي الفقيه العامليّ حيث يقول:

«كان مرة يدرسنا في المسجد الواقع في الساباط من جهة الرأس الشريف، وكان عددنا يومئذ يقارب الثلاثين طالباً، وأكثرهم من أهل الفضل، فذكر لنا مسألة وأوضحها، ثم أعادها مرة أخرى، فلم يعترض عليه أحد.

ثم جال نظرة في الجميع وقال: هل ترون خللاً في هذا المطلب؟
فأجبنا: بأنه مطلب متين لا خلل فيه.
وأظن أنه أعاده علينا مرة أخرى واستفهم منا عن صحته وفساده، فأجبنا بصحته وجرايانه على الموازين العلمية.

وبعد موافقة الطلاب على اختلاف مراتبهم في الفضل تأفف تأففاً شديداً وتذمر تذمراً بيناً ثم قال: مع الأسف أن الناس تنظر إلى من قال لا إلى ما قيل!

ثم قال: كنت مرة في مجلس عرس لبعض أرحامي، فجرت مذاكرة علمية حول هذا موضوع، فتكلمت بهذا الكلام نفسه، فكان جزائي ممن قررت بمحضره هذا المطلب التبكيت والتحقير والاستخفاف، وخجلت أمام هذا الملأ من أرحامي خجلاً شديداً، وكان في المجلس من يستطيع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكنت أنتظر منه أن يخفف ما بي من الحياء فلم يفعل!
وكل ذلك لأن سني ومكانتي في ذلك اليوم لا يساعدان على الاهتمام برأيي العلمي إذا كان على خلاف مرتكزاتهم أو على خلاف معلوماتهم أو خلاف رأي مشهور».
🌷علماؤنا والتواضع وخدمة الزوار واستغلال الوقت:

يقول العلامة السيد أحمد الآشكوري :

عن الحاج در علي دري التستري الذي كان معروف بالتقوى والصدق والامانة :

أنّه في سفر ذهب إلى العتبات المقدسة مع قافلة إلتحق بهم شيخ كان يهتم بخدمتهم وقضاء حوائجهم ، وعندما يفرغ من مساعدة الزوّاريخرج دفتره ويشتغل بالكتابة ، ولما وصلنا إلى كربلاء سألَنا الشيخ : هل نقصد الإقامة في منزل خاص ؟
فعرف أنّنا غرباء لا نعرف أحداً ولا نهتدي إلى سبيل ، فكان دليلنا حتى وجدنا بيتاً للسكن أيّام الإقامة في الحائر (الحسيني) ، وكان يساعدنا في حمل ونقل بعض الأثاث عند الفحص عن المنزل ، ولمّا استقرّ بنا المكان أراد أن يودعنا لينفصل عنّا ، ففكرنا أن نقدم له مبلغاً لأنّه ساعدنا طول طريق السفر ونقل الأمتعة وتحمل الأتعاب لنا ، فأبى كل الإباء عن أخذ المبلغ وذهب مفارقاً لنا.
يقول التستري :
ذهبت في بعض الأيام إلى الحرم الحسيني الشريف فوجدتُ اجتماعاً في زاوية من الرواق ، ولما دنوت منهم وجدت الشيخ الذي كان معنا يتوسط الجمع وهم محتوشون به يسألونه عن مسائل دينية مع غاية الإحترام له ، فسألتُ بعض من هناك عنه فقال : إنّه الشيخ عبّاس القمّي.

يقول السيد الآشكوري معلقاً :

هكذا يتواضع أهل الله الموقنين بالمبدأ والمعاد حقاً ، يخدم الشيخ زوار الحسين عليه السلام - من دون أن يعرّفهم نفسه - مع مكانته في العلم والدين ، يخدمهم في الطريق إلى أن يصلوا إلى المقصد لا لشيء إلّا للتقرب إلى الله تعالى بخدمة الزائرين المؤمنين.


المصدر : المفصّل في تراجم الأعلام ج2 ص 279.
• الشيخ القميّ مع كتاب الحريريّ!

الشيخ عبّاس القمّيّ [المتوفى ١٣٥٩هـ] الذي ذاع صيته في الخافقين، كان خبيراً بأخبار أهل البيت عليهم السلام وقد بذل عمره في خدمة تراثهم، ينقل لنا تجربته مع كتاب «مقامات الحريريّ» الكتاب الأدبي المعروف، حيث قال رحمه الله في كتابه الكنى والألقاب بعد ذكره الحريريّ:

«إني كنت في عنفوان الشباب مولعاً بمطالعة هذا الكتاب فمنّ الله تعالى عليّ ببركة أهل البيت عليهم السلام ومطالعة أحاديثهم وكلماتهم ومواعظهم أن ظهر لي أنّ مطالعة هذا الكتاب وأمثاله يُسوّد القلب ويذهب بصفائه.

ولو أراد الإنسان الأدب والبلاغة والفصاحة والحكمة والموعظة النافعة فعليه بكتاب نهج البلاغة، فإنّ التفاوت بينه وبين سائر الكتب، كالتفاوت بين أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الناس:

عليٌّ الدرّ والذهب المصفّى
وباقي الناس كلّهــمُ تــرابُ».

ينظر:
- الكنى والألقاب: ج٢، ص١٧٩.
• حقوق المؤمنين أعظم!

المقدّس الأردبيليّ [المتوفى ٩٩٣هـ] الذي كان فقيهاً متكلماً، عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المنزلة، أورع أهل زمانه وأعبدهم وأتقاهم.

نقل في ترجمته أنه كان متواضعاً وممّا نقل أنه رآه أحد المؤمنين من زوار مدينة النجف الأشرف فلم يعرف أن هذا الشيخ هو المقدّس الأردبيليّ، فطلب من الشيخ أن يغسل ثيابه المتسخة بسبب طريق السفر!

الشيخ أخذ ثياب الزائر وغسلها بنفسه بدون أي تكبر أو تبطر، وجاء بنفسه بالثياب إلى الزائر حسب الوقت المتفق عليه في صحن أمير المؤمنين عليه السلام فسلمها إلى الزائر، أعطى الزائر أموالاً إلى الشيخ قبال غسله الملابس فامتنع الشيخ من أخذها.
فأخبر أحد الناس الزائر بأن هذا المقدّس الأردبيليّ، فوقع على الأرض معتذراً منه وأخذ الناس يلومون الزائر على فعلته.

فقال الأردبيليّ: لا بأس عليك، إن حقوق إخواننا المؤمنين أعظم من أن يقابل بها غسل ثياب.

ينظر:
- روضات الجنات: ج١، ص٨٢.
- أعيان الشيعة: ج٣، ص٨١.
• المانع من اشتهار الكتب!

السيّد الجليل والمحدّث القدير صاحب المؤلفات الكثيرة السيد نعمة الله الجزائريّ [المتوفى ليلة ٢٣ شوال ١١١٢هـ] يذكر حسن إنصاف أستاذه ويتطرق لفوائد فيقول في كتابه الأنوار النعمانيّة:

«قد كان لي شيخ جليل قرأت عليه كثيراً من العربية والأصول فما وجدت أحداً أنصف منه، وذلك أنّه ربما أشكلت المسألة علينا وقت الدرس فإذا طالعتها أنا وكنت أصغر الشركاء سنّاً قال لي ذلك الشيخ:
هذا الحق وغلطت أنا وجميع هؤلاء فيغلّط نفسه والطلبة لأجل معرفته بصحة كلامي، ثم يقول لي أملِ عليّ ما خطر بخاطرك حتّى أُعلّقه حاشية على كتابي، فأملي أنا عليه وهو يكتبه حاشية وهو وقت تأليف هذا الكتاب [أي الأنوار النعمانيّة] في بلاد حيدر آباد من بلاد الهند واسمه الشيخ جعفر البحرانيّ مد الله أيام سعادته.

ومن جملة أخلاقه أن أستاذنا الشيخ عبد علي الحويزيّ قد ألف تفسيراً غريباً بالأحاديث وحدها سماه (نور الثقلين) .
فسألت الشيخ جعفر [البحرانيّ] سلمه الله تعالى عن ذلك التفسير وكيف هو؟

فقال لي : يا فلان هذا التفسير في حياة مؤلّفه ما يسوى عندنا شيئاً ولا هو جيد، فإذا مات مؤلّفه فأول من يكتبه بماء الذهب أنا، ثم تلا عليّ هذين الشعرين:

ترى الفتى ينكر فضل الفتى
مادام   حياً  فإذا  ما   ذهب

لجّ به الحرص على نكتة
يكتبها  عنه بماء  الذهب

ولقد صدق في هذا، وقد كان في أصفهان رجل فاضل فصنّف كتاباً مليحاً فلم يكتبه أحد [أي لم يستنسخ] ولم يلتفت إليه، فقال له رجل من الطلبة: لم لا يشتهر كتابك؟
فقال: لأن له عدواً، فإذا أزال الله سبحانه ذلك العدو اشتهر كتابي.
فقال له: ومن هو؟ فقال: أنا، وقد صدق في كلامه هذا».
• سؤال لأجل السخريّة!

حثّ أهل البيت عليهم السلام أتباعهم أن يكون السؤال لأجل معرفة العلم لا لأجل أمور أخرى كبيان جهل المسؤول أو غيرها من الأمور التي تحصل عادة عند بداية طلب العلم وربما تصاحب الإنسان إلى آخر العمر إذا لم يهذب نفسه ويتخلص من هذه الصفات الذميمة نستجير بالله منها.

وقد حدثت قصة لطيفة للسيد نعمة الله الجزائريّ [المتوفى ليلة ٢٣ شوال ١١١٢هـ] في بداية طلبه للعلم وقد تندم عليها، يقول:

«لما فرغت من قراءة الزنجانيّ وأردت قراءة الكافية قصدت إلى قرية تسمى كارون ونحن في قرية يقال لها الصباغية في شط المدك، فقرأت في تلك القرية عند رجل فاضل وأقمت عندهم.

فكنت يوماً في المسجد فدخل علينا رجل أبيض الثياب، عليه عمامة كبيرة، كأنها قبة صغيرة وهو يري الناس أنه رجل عالم.

فتقدمتُ إليه، وسألته بصيغة من صيغ الصرف، فلم يرد الجواب وتلجلج، فقلت له: إذا كنت لا تعرف هذه الصيغة فكيف وضعت على رأسك هذه العمامة الكبيرة؟!
فضحك الحاضرون وقام الرجل من ساعته.

وهذا هو الذي شجعني على حفظ صيغ الصرف وقواعده، وأنا أستغفر الله من سؤال ذلك الرجل المؤمن، لكني أحمد الله على وقوع ذلك قبل البلوغ والتكليف».
• تعظيم علوم آل محمد!

الفقيه الكبير والمدافع عن عقائد التشيع الشيخ جواد التبريزيّ [المتوفى ٢٨ شوال ١٤٢٧هـ] كان آية بالأخلاق، والجدّ والمثابرة بدراسة العلوم الدينيّة، حتى أنه أيام مرجعيته الدينيّة كان يعتبر نفسه طالب علم، حيث يقول:

«إنني واحد من طلبة العلم، وسأبقى عبارة عن طالب علم على الدوام، ولم أفكر يوماً -ولن أفعل- على إنني مرجع، فإن لذة العلم لا توازيها أي لذة أخرى، إنني كواحد من الطلبة وسأعيش كأحدهم إلى آخر عمري».

كان الشيخ التبريزيّ يحترم كتب الفقه والحديث الشريف، فإذا أراد أن ينقلها يحملها بعناية وأدب ويقول: «إن هذه الكتب تحتوي على الأحاديث الشريفة لأهل البيت عليهم السلام فانقلوها بدقة واحترام».

وإذا توجه إلى مكان تدريسه كان يحمل كتب الفقه والحديث بنفسه، ويقول: «إن حمل هذه الكتب بهذه الأيدي أمان من نار جهنم؛ لأن فيها أحاديث ومعارف أهل البيت عليهم السلام».

كان يستمع الأخبار عن طريق المذياع، ولا يضيع وقته بقراءة الجرائد والصحف ويقول: «لا أريد لعيوني أن تستهلك في غير علوم آل محمد صلى الله عليه واله».

ينظر:
- آداب المتعلمين والمسترشدين.
• مناظرة علميّة عنيفة!

العلّامة الفقيه الشيخ آغا عابد الشيروانيّ الحائريّ المعروف بالفاضل الدربنديّ [المتوفى ١٢٨٥هـ] كانت له مناظرة مع بعض علماء المخالفين يذكرها الدربنديّ بقلمه الشريف فيقول:

«ومن جملة الظرائف الواقعة قبل مدة ثلاث وعشرين سنة، أني كنت نازلاً في بغداد في دار علّامة علماء العامة أعني شهاب الدين سيد محمود الأروسيّ المفتي وقد بلغ الغاية والنهاية في إكرامه وتعظيمه إيّاي ومراعاته آداب الضيافة.
فخرجت ذات يوم من المنزل ولم يكن المفتي في ذلك الوقت حاضراً فيه، فسرت إلى منزل ملا عبد الرحمن الكرديّ، وكان أهل السنة يكرمونه ويبجلونه ويعظمونه في غاية الإكرام والتعظيم، وكانوا يعدّونه من أهل الزهد والورع ومن أهل الرياضة وكانوا يعدّون المفتي [الأروسيّ] من أهل الدنيا وطلّاب الرئاسة، بل أن جمعا منهم كانوا يفضلونه أيضاً في المراتب العلمية على المفتي [الأروسيّ].
فلما حضرت عنده جرى بيننا ما حرّك العداوة الأصليّة وهيّج المضادّة الطينيّة، وذلك أني لما قلت له: سلني عن العويصات والمعضلات عندك في كلّ شيء، وفي كلّ فنّ حتى تسمع مني في حلّها وفكّ صعوبتها التحقيقات الرشيقة، اغتاظ وغضب حتى نفخت عروق أوداجه.
فقال: من أنت حيث تحلّ لي العويصات والمعضلات؟! أنت اكتب ما استشكل عليك من أيّ علم كان حتى أحلّ لك، وأذلّل صعوبته.
ثمّ سكت مدّة نصف ساعة ثمّ ابتدأ بالكلام قائلاً:
أنتم معشر الشيعة لمَ تلعنون يزيد بن معاوية؟
فلمّا سمعت هذا الكلام ارتعدت فرائصي واغتظت ورفعت صوتي قائلاً:
أيّ مسلم يسأل عن هذه المسألة؟! لعنة الله ولعنة اللاعنين على يزيد وأبيه معاوية.
فلما سمع ذلك اللعين هذا الكلام مني تغيّر لونه واسودّ وجهه وكاد أن يهلك من شدّة الغضب، وما زعمت إلّا أن السماوات قد سقطت على رأسه، أو أنه خسف الله به الأرضين، فصاح صيحة منكرة واجتمع الناس بها؛ لأن تلك القبّة التي كنّا قاعدين فيها كانت غرفها مفتوحة إلى السوق الأعظم، الذي كان يكثر فيه عبور الناس.
ثمّ قال: فقد جئت بشيء عظيم، أتلعن خال المؤمنين وأنت في دار السلام بغداد، مجمع أهل السنة، فعليك إثبات جواز اللعن عليه، وإلّا فإني أقيم عليك الحدّ والتعزيز وأريك شيئاً من سياستي.
فقلت له: اربع على ضلعك، سبحان الله كيف أنت تقيم الحدّ والتعزير على أحد وأنت ممّن وجب في شأنه الحدود والتعزيرات؟! ثمّ أن الضروريّ من الدين لا يحتاج إقامة الدليل، وقد غطّى بصرك وبصيرتك التنصّب والتعصّب، حيث تعدّ الضروريّ من قسم النظريّات، وبعد الإغضاء عن كونه ضرورياً ليس إثبات ذلك بالدليل من أشكل الأمور، بل أن ذلك طوع كلّ عاقل له أدنى تأمل، وتحت قدرة من له قليل تدبّر، فكيف يعجز أساطين العلماء وجهابذة الفضلاء الآخذين بالضرس القاطع في كلّ فنّ عن مثل ذلك.
أنسيت قول علّامتكم التفتازانيّ في شرح المقاصد في تذييل مباحث الإمامة مع كونه على ما تعرفه من التنصّب والتعصّب؟
فقال: ما هذا القول منه؟
فقلت: هذا قوله: (لا ريب أن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله قد آذوا عترته بعده، فليس كلّ صحابي بمعصوم، ولا كلّ من لقي النبيّ صلى الله عليه وآله بالخير بموسوم، إلّا أنّنا كففنا عن الطعن في الأولين، لئلا نشقّ العصى على الإسلام والمسلمين، وأما من بعدهم من الظالمين فتشهد بظلمهم الأرض والسماء والحيوانات والجمادات فعليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين).
فقلت له: أليس هذا مضمون كلامه وخلاصة مرامه في ذلك التذييل؟
فقال: نعم، ولكن أقول مَن العلّامة التفتازانيّ؟ وأين قوله من أن يكون حجّة؟ بل أنا أعلم منه فأتني بإثارة العلم من الآيات المحكمة والأخبار النبويّة.
فقلت له: هل تلتزم باللعن على يزيد ومعاوية إذا ذكرت آية صريحة وأخباراً نبويّة من طرقكم في ذلك الباب؟
فقال: نعم.
فلمّا أخذت منه العهد والميثاق على ذلك قرأت قوله تعالى في سورة الأحزاب: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا).

فقال: كيف التقريب في الاستدلال؟
فقلت له: ألم يرد في الأخبار المتضافرة المتسامعة من طرقكم أنه قال النبي صلى الله عليه وآله: (يا علي، حربك حربي، وسلمك سلمي، ولحمك لحمي، ودمك دمي، ومن حاربك فقد حاربني وحارب الله)؟
فقال: نعم قد ورد.
ثم قلت له: ألم يرد أيضاً في الأخبار المتواترة المتكاثرة من طرقكم عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنه قال: (حسيني مني وأنا من حسين، لحمه لحمي ودمه دمي)؟
فقال: نعم قد ورد.
ثمّ قلت له: ألم يرد أيضاً في الأخبار المتواترة المتوافرة في طرقكم عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنه قال: (فاطمة عليها السلام بضعة منيّ، من أغضبها فقد أغضبني، ومن آذاها فقد آذاني)؟
فقال: نعم قد ورد.
فقلت له: هل التقريب في الاستدلال تام أم لا؟
فطأطأ رأسه طويلاً فسكت فلعلّه قد التفت إلى أن الإذعان بذلك كله نظراً إلى أنه لا يمكن إمكانه قد خرّب بنيان مذهبه وكيف لا فإن الإذعان بذلك يستلزم
الإذعان بارتداد الأولين من أخيف بني تيم وصاحبيه ويستلزم وجوب اللعن عليه، فضلاً عن يزيد ومعاوية لعنهم الله.
ثمّ لمّا أردت أن أقوم من المجلس أحلفني بالله أن أجلس فيه مدّة نصف ساعة أيضاً، فأمر خادمه بتجديد البن والتتن، أي القهوة والقليان.
ثمّ قلت له: في أي مبحث من مباحث الأصول تدرس وتباحث هذه الأيام؟
فقال: في مبحث الحكم والحاكم من شرح العضديّ.
فأوردت عليه شبهة اتحاد الدليل والمدلول وقوّيتها غاية التقوية، فجعلته ببركة ولاية أمير المؤمنين وبركة التبريّ أعدائه ومنكري فضائله لعنهم الله تعالى مثل عصفورة صغيرة مبلولة، بل مثل حمارة مرتطمة في الوحل.
ثمّ لمّا جئت إلى المنزل ورأيت المفتي [الأروسيّ] حاضراً فيه منتظراً لقدومي فقام مرتكضاً إليّ فعانقني فقال: خرء الكلاب على لحية معاوية ويزيد ومن يمنع الناس عن اللعن عليهما لعنهما الله تعالى.
فقلت له: من أخبرك بالواقعة؟
قال: بعض خدامي فإنه كان في مجتمع من الناس حين مباحثتك معه.
ثمّ قال لي: لمَ لا تراعي التقيّة؟ فإنّ هذا اللعين قد حكم بإباحة دمي لأجل أنّي قلت في جملة من المجالس: لعن الله تعالى يزيد الطاغي.
فقلت له: أيّها المفتي أفندينا، ولاية أمير المؤمنين أبي الحسنين عليه السلام حصني ثمّ إنّ المقام لا يرجح فيه من مثلي الاتقاء والتقيّة، فاستحسن ذلك وتبسّم».

ينظر:
- أسرار الشهادة [الطبعة الحجريّة]: ٩١-٩٢.
• كرامات السيّدة المعصومة!

الفقيه الشيخ محمّد بن سليمان التنكابنيّ [المتوفى ١٣٠٢هـ] في إحدى زياراته إلى قمّ المقدسة كتب رسالة صغيرة ذكر فيها ترجمة قصيرة للسيدة المعصومة وبعض الكرامات التي حصلت له بسفره هذا عند السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام، ذكر كرامة لم يذكرها في هذه الرسالة بل ذكرها بمكان آخر من مؤلفاته قال:

«كرامة أخرى شاهدناها من السيّدة المعصومة حيث مرض ولدي وزوجتي وقد أشرفا على الموت، فقلت للصديقة الصغرى: قد أتينا من بعيد إلى بيتك ولا نتوقع الرجوع خائبين ويائسين منك! وعلى الفور برئ المريضان».
• مراعاة الفقراء!

الفقيه السيّد عبد الأعلى السبزواريّ [المتوفى ١٤١٤هـ] كان معروفاً بخلقه الحسن وزهده وتواضعه.

حدثنا أحد مشايخنا الكرام أن السيّد السبزواريّ أصابه مرض، وقال له الطبيب عليك بأكل تفاحة كلّ يوم، وبسبب الحاجة والفقر في زمن الطاغية صدام حسين عند عموم المؤمنين تكفلت عائلة السيّد بشراء التفاح، لتخفيه تحت العباءة مراعاة لحالة الفقر التي يمرّ بها عموم المؤمنين.

والسيّد السبزواريّ حالته المادية أيضاً كحال عموم المؤمنين بل ربما أشد، فقد قرأتُ في سيرته أنه لم يكن يملك مروحة كهربائية.
• لا ينبغي تعطيل الوجود!

المحدّث العظيم، والمتتبع الخبير، الميرزا حسين النوريّ [المتوفى ١٣٢٠هـ] كان آية في الأخلاق والورع والتفاني في خدمة الدين الحنيف، فبذل عمره الشريف بتربية تلاميذه الذين كانوا من أكابر العلماء أمثال الشيخ عباس القميّ والآغا بزرگ الطهرانيّ وغيرهما.

كان رحمه الله يبذل جلّ أوقاته في خدمة العلم، فكل ساعة من ساعاته له عمل معين وله جدول خاص به معروف يعمل عليه.

نقل أحد تلاميذه عنه قائلاً:

«كان ينهانا ويصرّ علينا في ترك المعاشرات غير النافعات والاشتغال بالمباحات، حتّى أنه رآني في بعض الأسفار فارغاً غير مشتغل بشيء في بعض الأحيان فقال لي: لا ينبغي تعطيل الوجود.
وأخذني في مقابلة بعض ما عثر عليه من رسائل الشيخ المفيد رحمه الله».

ومعلوم لدى الجميع أن في السفر عادة يضيع الوقت في الراحة ولكن الميرزا النوريّ رحمه الله حتى في السفر لا يضيع الوقت.
• وصيّة المجدّد الشيرازيّ لولده!

السيّد المجدّد الشيرازيّ [المتوفى ١٣١٢هـ] الذي كان مرجعاً للطائفة بعصره، ومكارمه وأخلاقه وصفاته لا تحصيها القراطيس والطروس.
أوصى ولده العلّامة السيّد عليّ بوصيّة وهي:
أن يحفظ القرآن الكريم ونهج البلاغة والصحيفة السجّاديّة عن ظهر قلب.
• وهل في البلاد فقير لا أعرفه؟!

أستاذ الفقهاء والمجتهدين السيّد محمّد حسن الشيرازيّ المعروف بالمجدّد الشيرازيّ [المتوفى ١٣١٢هـ] الذي نقل الحوزة العلميّة بزمانه إلى مدينة سامرّاء المقدّسة، كان باذلاً للفقراء والمساكين ويساعد جميع المؤمنين، كرمه وجوده فوق الإدراك، حتى أنه كانت له أملاك وثروة طائلة موروثة من آبائه أنففها كلها ولا عجب فهو من نسل آل محمد صلوات الله عليهم.

نقل العلّامة الأوردباديّ [المتوفى ١٣٨٠هـ] عن العلّامة الورع الشيخ علي رفيش النجفيّ [المتوفى ١٣٣٤هـ] قال:

توفّي رجل من الفقراء من أهل المهن الضعيفة، وكان من المجهولين عند العامّة، وخلّف أيتاماً مع زوجته في أشدّ الأحوال، فأنهيت إلى السيّد المجدّد قصّتهم، فأعطاني كمّيّة من الدراهم لأدفعها لهم.

قال: فقصدتهم ليلاً، فلمّا صرت بمقربة من الدار أحسست برجل خرج منها، فشبّهت ملامحه بالسيّد المجدّد، ولم أُحقّقه في أثناء الظلام، فأتيته من الغد وأخبرته بها، وسألته متعجّباً عن معرفته بهم مع جهالتهم؟

فقال: وهل في البلاد فقير لا أعرفه؟!
وسألته عن الوجه في إعطائه إيّاي مع علمه بحالهم وإنفاقه عليهم؟
فقال: أردت أن لا أخيّبك وقد جئتني وأنت أنت، ولا مانع من العطائين.

ينظر:
- موسوعة العلّامة الأوردباديّ: ج١١، ص٣٧.
• اجعل نفسك كالمعدان!

المحدّث الخبير، الميرزا حسين النوريّ [المتوفى ١٣٢٠هـ] كان مدرسة بالأخلاق، ربّى العديد من تلاميذه بالآداب وقد أصبحوا من خيرة أعلام التشيع.

من تلاميذه الشيخ ميرزا محمّد رجب عليّ الطهرانيّ العسكريّ [المتوفى ١٣٧١هـ] المعروف بربيب المجدّد الشيرازيّ، وقد استفاد ميرزا محمّد الطهرانيّ من الميرزا النوريّ كثيراً علماً وعملاً.

نقل الميرزا الطهرانيّ ما أوصاه به الميرزا النوريّ قائلاً:

«كان يصرّ علينا بالزهد وترك التقيّد بمأكل أو مشرب مخصوص، ويقول: اجعل نفسك كالمعدان».

مشيراً إلى بساطة طعامهم وقناعتهم غالباً، عكس أبناء المدن.
2025/06/19 00:52:21
Back to Top
HTML Embed Code: