Telegram Group & Telegram Channel
من أسباب وقوع الخلاف بين العلماء في فهم الخطاب الشرعي: غيابهم عن حضور مشاهد الخطاب النبوي وما يقترن به من قرائن الأحوال المعنوية المُعيِّنة للمعاني المقصودة؛ فإن ما ميَّز أهل الصدر الأول - فوق صيرورة العلوم المتوقف عليها فهم الخطاب طبائعَ لهم وسلائق - أنهم خالَطوا صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم وشافهوه وعرفوا عوائده في خطابه وهذه العوائد تُدرك بالمخالَطة أكثر من غيرها من الكلام المُصمَت المنقول.

بيان ذلك: أن المتكلم كثيرا ما يستعين على إيضاح مقصوده وتعيينه بأمور ليست من جنس الكلام الملفوظ، كالإشارة بيديه مثلا، وحركات وجهه وعينيه، وكالتصرف في نبرة صوته صعودا وهبوطا، ونحو ذلك، وكل واحد من هذه الأشياء له مَدخلٌ في إفهام المراد للسامع على وجهه إفهامًا لا لبس فيه ولا مجال فيه للتردد، ولا أحسب أن هذا مما قد يُنكر؛ لأننا نجده في أنفسنا ضروريا، بدليل أننا في هذه المواقع مثلا كثيرا ما يُفهم كلامنا على غير وجهه ونُفَضّل أن تلتقي الوجوه وتتصافح الألسنة، لأن معنا حينئذ من طبقات الصوت ومن تعبيرات الوجوه ومن حركات الأيدي ومن الارتياح في بيان المراد وجها لوجه ما يُعدّ من أعظم الأمارات والقرائن على تعيين المقصود وإزالة كل لبسٍ عنه واختلاطٍ بغيره.

وأهل الصدر الأول حصَلت لهم كل هذه المعاني ولم تحصُل لغيرهم؛ ولهذا كان الاختلاف بينهم قليلا، ومعظمه في أمور لم يسمعوها منه، فاجتهدوا فيها بآرائهم، أما ما سمعوه منه وشافههم به فقد رأوا من قرائن أحواله ما فهموا به مراده وإن كان اللفظ نفسه محتملا.

بخلاف الطبقات التالية لهم، فإن ما وصل إليهم من الآثار لم تحتفّ به تلك الأحوال لأنها من الصعب أن تُنقل- إلا نادرا - فلم يكن أمامهم إلا ألفاظ محتملة يجوز أن تُفسَّر على وجوه كثيرة من الصواب يحتملها اللسان العربي ولا يأباها ولا يُجزم فيها مع ذلك بأن المعنى الفلاني هو المقصود وحده، ويد الإعذار مبسوطةٌ للجميع ما دام أنه بذل الوسع والطاقة وتحرَّى الصواب، ولعله بسبب هذا المَلحظ لم يُكلِّفهم الله بإدراك الصواب في نفس الأمر، لأنه من العسير الوصول إليه والحال كما عرفتَ.

وبناءً على هذا: فمن يزعم أن ما يفهمه من خطاب الشرع هو نفسه فهم الصحابة فإن هذا- مع كونه دعوى عريضة ومصادرة على المطلوب - هو أيضا خلاف الواقع وخلاف ما يَسمح به العُرف الاجتماعي وقوانين التواصل.



group-telegram.com/alnatheerr/10410
Create:
Last Update:

من أسباب وقوع الخلاف بين العلماء في فهم الخطاب الشرعي: غيابهم عن حضور مشاهد الخطاب النبوي وما يقترن به من قرائن الأحوال المعنوية المُعيِّنة للمعاني المقصودة؛ فإن ما ميَّز أهل الصدر الأول - فوق صيرورة العلوم المتوقف عليها فهم الخطاب طبائعَ لهم وسلائق - أنهم خالَطوا صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم وشافهوه وعرفوا عوائده في خطابه وهذه العوائد تُدرك بالمخالَطة أكثر من غيرها من الكلام المُصمَت المنقول.

بيان ذلك: أن المتكلم كثيرا ما يستعين على إيضاح مقصوده وتعيينه بأمور ليست من جنس الكلام الملفوظ، كالإشارة بيديه مثلا، وحركات وجهه وعينيه، وكالتصرف في نبرة صوته صعودا وهبوطا، ونحو ذلك، وكل واحد من هذه الأشياء له مَدخلٌ في إفهام المراد للسامع على وجهه إفهامًا لا لبس فيه ولا مجال فيه للتردد، ولا أحسب أن هذا مما قد يُنكر؛ لأننا نجده في أنفسنا ضروريا، بدليل أننا في هذه المواقع مثلا كثيرا ما يُفهم كلامنا على غير وجهه ونُفَضّل أن تلتقي الوجوه وتتصافح الألسنة، لأن معنا حينئذ من طبقات الصوت ومن تعبيرات الوجوه ومن حركات الأيدي ومن الارتياح في بيان المراد وجها لوجه ما يُعدّ من أعظم الأمارات والقرائن على تعيين المقصود وإزالة كل لبسٍ عنه واختلاطٍ بغيره.

وأهل الصدر الأول حصَلت لهم كل هذه المعاني ولم تحصُل لغيرهم؛ ولهذا كان الاختلاف بينهم قليلا، ومعظمه في أمور لم يسمعوها منه، فاجتهدوا فيها بآرائهم، أما ما سمعوه منه وشافههم به فقد رأوا من قرائن أحواله ما فهموا به مراده وإن كان اللفظ نفسه محتملا.

بخلاف الطبقات التالية لهم، فإن ما وصل إليهم من الآثار لم تحتفّ به تلك الأحوال لأنها من الصعب أن تُنقل- إلا نادرا - فلم يكن أمامهم إلا ألفاظ محتملة يجوز أن تُفسَّر على وجوه كثيرة من الصواب يحتملها اللسان العربي ولا يأباها ولا يُجزم فيها مع ذلك بأن المعنى الفلاني هو المقصود وحده، ويد الإعذار مبسوطةٌ للجميع ما دام أنه بذل الوسع والطاقة وتحرَّى الصواب، ولعله بسبب هذا المَلحظ لم يُكلِّفهم الله بإدراك الصواب في نفس الأمر، لأنه من العسير الوصول إليه والحال كما عرفتَ.

وبناءً على هذا: فمن يزعم أن ما يفهمه من خطاب الشرع هو نفسه فهم الصحابة فإن هذا- مع كونه دعوى عريضة ومصادرة على المطلوب - هو أيضا خلاف الواقع وخلاف ما يَسمح به العُرف الاجتماعي وقوانين التواصل.

BY الدُّرّ النَّثِير


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/alnatheerr/10410

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

Perpetrators of such fraud use various marketing techniques to attract subscribers on their social media channels. On Telegram’s website, it says that Pavel Durov “supports Telegram financially and ideologically while Nikolai (Duvov)’s input is technological.” Currently, the Telegram team is based in Dubai, having moved around from Berlin, London and Singapore after departing Russia. Meanwhile, the company which owns Telegram is registered in the British Virgin Islands. Investors took profits on Friday while they could ahead of the weekend, explained Tom Essaye, founder of Sevens Report Research. Saturday and Sunday could easily bring unfortunate news on the war front—and traders would rather be able to sell any recent winnings at Friday’s earlier prices than wait for a potentially lower price at Monday’s open. Again, in contrast to Facebook, Google and Twitter, Telegram's founder Pavel Durov runs his company in relative secrecy from Dubai. Continuing its crackdown against entities allegedly involved in a front-running scam using messaging app Telegram, Sebi on Thursday carried out search and seizure operations at the premises of eight entities in multiple locations across the country.
from fr


Telegram الدُّرّ النَّثِير
FROM American