Telegram Group Search
سكتُّ فغرّ اعدائي السكوتُ!

عنترة!
صورة للعالمين التونسيين الجليلين الشيخ العلامة الطاهر ابن عاشور والشيخ العلامة محمد الخضر حسين - رحمهما الله - في رحاب الأزهر الشريف إبان تولي الشيخ الخضر مشيخته.

مما يؤثر من معالم الود بين العالمين الصاحبين، أنه بعد هجرة الشيخ محمد الخضر حسين إلى دمشق من تونس سنة (1331 هـ) بعث صديقه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إليه بالأبيات التالية:

بَعُدْتَ ونفسي في لقاكَ تصيدُ
فلمْ يُغنِ عَنهْا في الجنان قصيدُ

وخَلَّفْتَ ما بين الجوانحِ غُصَّة
لها بَينَ أحشاءِ الضُّلوعِ وَقودُ

وأضحَتْ أماني القُربِ منك ضئيلةً
ومُرُّ الليالي ضعفُها سيزيدُ

أتذكرُ إذا ودّعتنا صبحَ ليلةٍ
يموجُ بها أنسٌ لنا وبرودُ

وهل كانَ ذا رمزاً لتوديع أُنسِنا
وهل بعد هذا البينِ سوفَ يعودُ

ألم ترَ هذا الدهرَ كيفَ تلاعبَتْ
أصاِبعُه بالدرِّ وهو نَضيدُ

إذا ذكروا للودّ شخصاً محافظاً
تجلّى لنا مرآكَ وهو بعيدُ

إذا قيلَ: مَن. للعلمِ والفكرِ والتُّقى
ذكرتُكَ إيقاناً بأنْكَ فريدُ

فقل لليالي: جَدِّدي من نظامِنا
فحسبُكِ ما قد كانَ فهو شديدُ

فأجابه الشيخ محمد الخضر حسين بقصيدة قال فيها:

أَيَنْعَمُ لي بالٌ وأنتَ بعيدُ
وأسلو بطَيفٍ والمنامُ شريدُ

إذا أَجَّجَتْ ذِكراكَ شوقي أُخْضِلَتْ
لَعَمْري -بدمع المُقلَتينِ- خُدودُ

بعُدْتُ وآمادُ الحياةِ كثيرةٌ
وللأمدِ الأسمَى عَليَّ عُهودُ

بعُدْتُ بجُثماني وروحي رهينةٌ
لديكَ وللودِّ الصَّميمِ قُيودُ

عرفتُكَ إذ زُرْتُ الوزير وقَدْ حَنا
عَلَيِّ بإقبالٍ وأنتَ شَهيدُ

فكانَ غروبُ الشَّمسِ فجر صداقةٍ
لها بينَ أحناءِ الضُّلوعِ خُلودُ

ألَمْ تَرْمِ في الإصلاحِ عن قَوس ناقدٍ
درى كيف يُرعى طارِفٌ وتَليدُ

وقُمتَ على الآداب تحمي قديمها
مخافةَ أن يَطغى عليه جديدُ

أتذكُرُ إذ كُنَّا نبُاكر معهداً
حُميَّاهُ عِلْمٌ والسُّقاةُ أُسودُ

أتذكُرُ إذْ كُنَّا قَريْنَينِ عِنْدَما
يَحِينُ صُدورٌ أو يَحِينُ وُرودُ

فأين ليالينَا وأسمارُها التي
تُبَلُّ بها عِندَ الظّماءُ كُبُودُ

ليالٍ قضيناها بتونسُ ليْتَها
تعودُ وجيشُ الغاصبينَ طَريدُ.

من صفحة أ . سعد الغامدي.
جميل جدا، والأدهى أنهم يتجاوزون سوء الظن بسلف هؤلاء إلى التجرّي عليهم وبسطِ اللسان فيهم بالقول السوء والاتهام الباطل، ولا يُعكّر على صنيع العلامة الطاهر رحمه الله سوى شُبهة الإلباس؛ من صيرورة هذه الزيارة طقسا خاصا بطائفة النصارى. والله أعلم.
المقربون لا يحضر في عقولهم، وأروحهم، موجود آخر سوى الأحد الحق.

[الإمام فخر الدين الرّازي -قدس الله روحه-].
فائدة:

الصادق يدور مع الحق حيث دار، فإذا كان الفضل الشرعي في الصلاة مثلا صلى، وإذا كان في مجالسة العلماء والصالحين والضيفان والعيال، وقضاء حاجة مسلم وجبر قلب مكسور، ونحو ذلك فعل ذلك الأفضل وترك عادته. وكذلك الصوم والقراءة والذكر والأكل والشرب والجد والمزح والاختلاط والاعتزال والتنعم والابتذال ونحوها، فحيث رأى الفضيلة الشرعية في شيء من هذا فعله ولا يرتبط بعادة ولا بعبادة مخصوصة كما يفعله المرائي. وقد كانت لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- أحوال في صلاته وصيامه وأوراده وأكله وشربه ولبسه وركوبه ومعاشرة أهله وجده ومزحه وسروره وغضبه، وإغلاظه في إنكار المنكر ورفقه فيه، وعقوبته مستحقي التعزير، وصفحه عنهم، وغير ذلك بحسب الإمكان والأفضل في ذلك الوقت والحال. ولا شك في اختلاف أحوال الشيء في الأفضلية، فإن الصوم حرام يوم العيد واجب قبله مسنون بعده، والصلاة محبوبة في معظم الأوقات، وتكره في أوقات وأحوال كمدافعة الأخبثين. وقراءة القرآن محبوبة وتكره في الركوع والسجود وغير ذلك. وكذلك تحسين اللباس يوم الجمعة والعيد وخلافه يوم الاستسقاء وكذلك ما أشبه هذه الأمثله. وهذه نبذة يسيرة ترشد الموفق إلى السداد وتحمله على الاستقامة وسلوك طريق الرشاد.

[الإمام محي الدين النووي|| آداب العالم والمتعلم].
﴿قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمُ ٱلَّیۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَنۡ إِلَـٰهٌ غَیۡرُ ٱللَّهِ یَأۡتِیكُم بِضِیَاۤءٍۚ أَفَلَا تَسۡمَعُونَ قُلۡ أَرَءَیۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَیۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَنۡ إِلَـٰهٌ غَیۡرُ ٱللَّهِ یَأۡتِیكُم بِلَیۡلࣲ تَسۡكُنُونَ فِیهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ﴾

...كانَ الِاسْتِدْلالُ بِتَعاقُبِ الضِّياءِ والظُّلْمَةِ عَلى النّاسِ أقْوى وأوْضَحَ مِنَ الِاسْتِدْلالِ بِتَكْوِينِ أحَدِهِما لَوْ كانَ دائِمًا؛ لِأنَّ قُدْرَةَ خالِقِ الضِّدَّيْنِ وجاعِلِ أحَدِهِما يَنْسَخُ الآخَرَ كُلَّ يَوْمٍ أظْهَرُ مِنها لَوْ لَمْ يَخْلُقْ إلّا أقْواهُما وأنْفَعَهُما؛ ولِأنَّ النِّعْمَةَ بِتَعاقُبِهِما دَوْمًا أشَدُّ مِنَ الإنْعامِ بِأفْضَلِهِما وأنْفَعِهِما؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ دائِمًا لَكانَ مَسْئُومًا، ولَحَصَلَتْ مِنهُ طائِفَةٌ مِنَ المَنافِعِ، وفُقِدَتْ مَنافِعُ ضِدِّهِ، فالتَّنَقُّلُ في النِّعَمِ مَرْغُوبٌ فِيهِ ولَوْ كانَ تَنَقُّلًا إلى ما هو دُونَ.

#التحرير_والتنوير
Forwarded from ابن تيمية!
[والرضا والتوكل يكتنفان المقدور، فالتوكل قبل وقوعه، والرضا بعد وقوعه.|| التحفة العراقية].
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿فَإنْ زَلَلْتُمْ مِن بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ البَيِّناتُ فاعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾

تَفْرِيعٌ عَلى النَّهيِ أي: فَإنِ اتَّبَعْتُمْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَزَلَلْتُمْ أوْ فَإنْ زَلَلْتُمْ فاتَّبَعْتُمْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ، وأرادَ بِالزَّلَلِ المُخالَفَةَ لِلنَّهْيِ.

وأصْلُ الزَّلَلِ الزَّلَقُ أيِ اضْطِرابُ القَدَمِ وتَحَرُّكُها في المَوْضِعِ المَقْصُودِ إثْباتُها بِهِ، واسْتُعْمِلَ الزَّلَلُ هُنا مَجازًا في الضُّرِّ النّاشِئِ عَنِ اتِّباعِ الشَّيْطانِ مِن بِناءِ التَّمْثِيلِ عَلى التَّمْثِيلِ؛ لِأنَّهُ لَمّا شُبِّهَتْ هَيْئَةُ مَن يَعْمَلُ بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطانِ بِهَيْئَةِ الماشِي عَلى أثَرِ غَيْرِهِ شُبِّهَ ما يَعْتَرِيهِ مِنَ الضُّرِّ في ذَلِكَ المَشْيِ بِزَلَلِ الرِّجْلِ في المَشْيِ في الطَّرِيقِ المُزْلَقَةِ، وقَدِ اسْتُفِيدَ مِن ذَلِكَ أنَّ ما يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطانُ هو أيْضًا بِمَنزِلَةِ الطَّرِيقِ المُزْلَقَةِ عَلى طَرِيقِ المَكْنِيَّةِ، وقَوْلُهُ زَلَلْتُمْ تَخْيِيلٌ وهو تَمْثِيلِيَّةٌ فَهو مِنَ التَّخْيِيلِ الَّذِي كانَ مَجازًا، والمَجازُ هُنا في مُرَكَّبِهِ.

والبَيِّناتُ: الأدِلَّةُ والمُعْجِزاتُ ومَجِيئُها وظُهُورُها وبَيانُها، لِأنَّ المَجِيءَ ظُهُورُ شَخْصِ الجائِي بَعْدَ غَيْبَتِهِ

#التحرير_والتنوير
إنّ غذاء القلب العلمُ والحكمةُ، وبهما حياتُه.

أبو حامد الغزاليّ.
يَا بُنَيَّ إِذَا عَرَضَتْ لَكَ إِلَى صُحْبَةِ الرِّجَالِ حَاجَةٌ فَاصْحَبْ:

1- مَنْ إِذَا خَدَمْتَهُ صَانَكَ.

2- وَإِنْ صَحِبْتَهُ زَانَكَ.

3- وَإِنْ قَعَدَتْ بِكَ مَؤُونَةٌ مَانَكَ.

4- وَاصْحَبْ مَنْ إِذَا مَدَدْتَ يَدَكَ بِخَيْرٍ مَدَّهَا.

5- وَإِنْ رَأَى مِنْكَ حَسَنَةً عَدَّهَا.

6- وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً سَدَّهَا.

7- اصْحَبْ مَنْ إِذَا سَأَلْتَهُ أَعْطَاكَ.

8- وَإِنْ سَكَتَّ ابْتَدَاكَ.

9- وَإِنْ نَزَلَتْ بِكَ نَازِلَةٌ وَاسَاكَ.

10- اصْحَبْ مَنْ إِذَا قُلْتَ صَدَّقَ قَوْلَكَ ، وَإِنْ حَاوَلْتَ أَمْرًا آمَرَكَ ، وَإِنْ تَنَازَعْتُمَا آثَرَكَ.

إِنَّ أَخَاكَ الْحَقَّ مَنْ كَانَ مَعَك
وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَك

وَمَنْ إِذَا رَيْبُ زَمَانٍ صَدَّعَك
شَتَّتَ فِيهِ شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك.

[أبو حامد الغزّالي|| الإحياء].
﴿ولَيُبَدِّلَنَّهم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْنًا﴾

وتَنْكِيرُ (أمْنًا) لِلتَّعْظِيمِ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ مُبْدَلًا مِن بَعْدِ خَوْفِهِمِ المَعْرُوفِ بِالشِّدَّةِ. والمَقْصُودُ: الأمْنُ مِن أعْدائِهِمُ المُشْرِكِينَ والمُنافِقِينَ. وفِيهِ بِشارَةٌ بِأنَّ اللَّهَ مُزِيلٌ الشِّرْكَ والنِّفاقَ مِنَ الأُمَّةِ. ولَيْسَ هَذا الوَعْدُ بِمُقْتَضٍ أنْ لا تَحْدُثَ حَوادِثُ خَوْفٍ في الأُمَّةِ في بَعْضِ الأقْطارِ كالخَوْفِ الَّذِي اعْتَرى أهْلَ المَدِينَةِ مِن ثَوْرَةِ أهْلِ مِصْرَ الَّذِينَ قادَهُمُ الضّالُّ مالِكٌ الأشْتَرُ النَّخَعِيُّ، ومِثْلِ الخَوْفِ الَّذِي حَدَثَ في المَدِينَةِ يَوْمَ الحَرَّةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الحَوادِثِ، وإنَّما كانَتْ تِلْكَ مُسَبَّباتٍ عَنْ أسْبابٍ بَشَرِيَّةٍ وإلى اللَّهِ إيابُهم وعَلى اللَّهِ حِسابُهم.

#التحرير_والتنوير
﴿وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهم دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهم ولَيُبَدِّلَنَّهم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ومَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ﴾

قالَ أبُو العالِيَةِ: «مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ بَعْدَ ما أُوحِيَ إلَيْهِ خائِفًا هو وأصْحابُهُ، ثُمَّ أُمِرَ بِالهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ وكانُوا فِيها خائِفِينَ يُصْبِحُونَ ويُمْسُونَ في السِّلاحِ فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ أما يَأْتِي عَلَيْنا يَوْمٌ نَأْمَنُ فِيهِ ونَضَعُ السِّلاحَ ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ: لا تَغْبُرُونَ - أيْ لا تَمْكُثُونَ إلّا قَلِيلًا - حَتّى يَجْلِسَ الرَّجُلُ مِنكم في المَلَأِ العَظِيمِ مُحْتَبِيًا لَيْسَ عَلَيْهِ حَدِيدَةٌ» . ونَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.

#التحرير_والتنوير
﴿لَّیۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَٱلسَّاۤىِٕلِینَ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ۖ وَٱلصَّـٰبِرِینَ فِی ٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَحِینَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ﴾

السُّؤالُ: لِمَ قُدِّمَ هَذا الإيمانُ عَلى أفْعالِ الجَوارِحِ، وهو إيتاءُ المالِ، والصَّلاةُ، والزَّكاةُ.

الجَوابُ: لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ أعْمالَ القُلُوبِ أشْرَفُ عِنْدَ اللَّهِ مِن أعْمالِ الجَوارِحِ.

#سؤال_وجوابه
﴿إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين﴾

ومن المفسرين من جعل الخطاب بهذه الآية للمسلمين، ونسب إلى أُبيّ بن كعب وعطاء، لكون خطاب المشركين بعد الهجرة قد صار نادراً، لأنهم أصبحوا بُعداء عن سماع القرآن، فتكون الجملة مستأنفة استينافاً بيانياً فإنهم لما ذُكروا باستجابة دعائهم بقوله: {إذ تستغيثون ربكم} [ الأنفال: 9 ] الآيات، وأمروا بالثبات للمشركين ، وذكروا بنصر الله تعالى إياهم يوم بدر بقوله : {فلم تقتلوهم} إلى قوله {مُوهن كيد الكافرين} [ الأنفال: 17، 18 ] كان ذلك كله يثير سؤالاً يختلج في نفوسهم أن يقولوا أيكون كذلك شأننا كلما جاهدنا أم هذه مزية لوقعة بدر، فكانت هذه الآية مفيدة جواب هذا التساؤل. فالمعنى: إن تستنصروا في المستقبل قوله فقد جاءكم الفتح، والتعبير بالفعل الماضي في جواب الشرط للتنبيه على تحقيق وقوعه، ويَكون قوله {فقد جاءكم الفتح} دليلاً على كلام محذوف، والتقدير: إن تستنصروا في المستقبل ننصركم فقد نصرناكم يوم بدر.

والاستفتاح على هذا التفسير كناية عن الخروج للجهاد، لأن ذلك يستلزم طلب النصر ومعنى { وإن تنتهوا فهو خير لكم } أي إن تمسكوا عن الجهاد حيث لا يتعين فهو أي الإمساك، خير لكم لتستجمعوا قوتكم وأعدادكم، فأنتم في حال الجهاد منتصرون، وفي حال السلم قائمون بأمر الدين وتدبير شؤونكم الصالحة، فيكون كقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تمنّوا لقاء العدو، وقيل المراد وإن تنتهوا عن التشاجر في أمر الغنيمة أو عن التفاخر بانتصاركم يوم بدر فهو خير لكم من وقوعه . وأما قوله : { وإن تعودوا نعد } على هذا التفسير فهو إن تعودوا إلى طلب النصر نعد فننصركم أي لا يُنقص ذلك من عطائنا كما قال زهير:

سألنا فأعطيتكم وعدنا فعُدْتُم
ومن أكثر التَسآل يوماً سيُحرم

يُعلّمهم الله صدق التوجه إليه ، ويكون موقع { ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً } زيادة تقرير لمضمون { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح } وقوله : { وإن تعودوا نعد } أي لا تعتمدوا إلاّ على نصر الله.

فموقع قوله : { ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً } بمنزلة التعليل لتعليق مجيء الفتح على أن { تستفتحوا } المشعر بأن النصر غير مضمون الحصول إلاّ إذا استنصروا بالله تعالى وجملَه { ولو كثرت } في موضع الحال ، و { لو } اتصالية ، وصاحب الحال متصف بضد مضمونها ، أي : ولو كثرت فكيف وفئتكم قليلة ، وعلى هذا الوجه يكون في قوله : { وأن الله مع المؤمنين } إظهار في مقام الإضمار ، لأن مقتضى الظاهر أن يقال : وإن الله معكم ، فعدل إلى الاسم الظاهر للإيماء إلى أن سبب عناية الله بهم هو إيمانهم . فهذان تفسيران للآية والوجدان يكون كلاهما مراداً .

#التحرير_والتنوير
فَإنَّ المُؤْمِنِينَ هُمُ الفَرِيقُ الأعَزُّ. وعِزَّتُهم بِكَوْنِ الرَّسُولِ ﷺ فِيهِمْ وبِتَأْيِيدِ اللَّهِ رَسُولَهُ ﷺ وأوْلِياءَهُ لِأنَّ عِزَّةَ اللَّهِ هي العِزَّةُ الحَقُّ المُطْلَقَةُ، وعَزَّةُ غَيْرِهِ ناقِصَةٌ، فَلا جَرَمَ أنَّ أوْلِياءَ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ لا يُقْهَرُونَ إذا أرادَ اللَّهُ نَصْرَهم ووَعْدَهم بِهِ.

ابن عاشور.
اللهم صلّ وسلّم على نبيّنا محمد وآله.
«وجماعُ المعاملة في الدين مع المخالفين، يرجع إلى الدعوة للدين بالحكمة، والموعظة بالتي هي أحسن في قالب التسامح بقدر الإمكان تسامحاً لا يُجرِّؤهم على حرمة الإسلام وسلطانه».

الطاهر بن عاشور || أصول النظام الاجتماعي في الإسلام.
وفيما عدا ما هو معلوم من الدين بالضرورة من الاعتقادات؛ فالمسلم مخيّرٌ في اعتقاد ما شاء منه إلا أنه في مراتب الصواب والخطأ.
فللمسلم أن يكون سنيًّا سلفيًّا، أو أشعريا أو ماتريديًّا، وأن يكون معتزليًّا أو خارجيًّا أو زيديًّا أو إماميًّا. وقواعد العلوم وصحة المناظرة تُميّز ما في هذه النِّحل من مقادير الصواب والخطأ، أو الحق والباطل. ولا نكفر أحدا من أهل القبلة.

[الطاهر بن عاشور|| أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ].
2024/09/21 21:41:43
Back to Top
HTML Embed Code: