Telegram Group & Telegram Channel
قيودُ الغزاليِّ الثّلاثة للمصلحة المرسلة

اشتُهِر عن الغزاليِّ رحمه الله أنّه اشترط في العمل بالمصلحة المرسلة ثلاثة شروط، وهي أن تكون المصلحة:
١- ضروريّة. وهو احتراز من الحاجية والتحسينيّة.
٢- قطعيّة. وهو احتراز من الظنيّة.
٣- كليّة. وهو احترازٌ من الجزئيّة.

وأورث هذا التّقرير إشكالاً وهو أنّها إن كانت بهذه المثابة؛ فلا ينبغي الخلاف في اعتبارها أصلا.

ومن ثَمَّ؛ فقد عُنِي بعض الأصوليين بالكشف عن هذا الإشكال وتوجيهه، ولابن السُّبكيِّ في هذا توجيهانِ أحدُهما أكملُ من الآخر معنى، وأضبط منه عبارةً.

التوجيه الأول: أنَّ الغزالي لم يُرِدْ بهذا القيد (القطعيّة) أنه يرجِّح القول بالمصلحة المرسلة بشرط أن تكون قطعيّة، بل أراد أن هذا القيد لو تحقّق في المصلحة المرسلة؛ ارتفع الخلاف في العمل بها، وصار العمل بالمرسلة حينئذ قطعيًّا، وخرجت هذه الحال من محلِّ الخلاف؛ فلا يتحصل خلاف في المصلحة المرسلة إن كانت قطعيَّة؛ فهو شرطٌ للقطع بالعمل بها لا لأصل الاحتجاج بها.

قال في (رفع الحاجب):
" واعلم أن الغزالي إنما اشترط القَطْع، للقطع بالقول بالمرسل - والحالة هذه - لا لترجيح القول به، بل هو يرجّح القول به وإن لم ينته إلى القطع، وقد قال في كثير من كتبه كـ"المُسْتَصْفى" و"شفاء الغليل" وغيرهما، بأن الظن القريب من القطع نازل منزلةَ القطع، وهو الصواب".

وفي هذا النصِّ لم يتعرض السُّبكي إلا لشرط (القطع) دون الشرطين الآخرين، ولهذا فليس بتامٍّ.

التوجيه الثاني: وهو في معنى الأول؛ لكنه أتم منه؛ إذ عمَّم القول في الشروط الثلاثة كلها ولم يقصره على شرط القطع، فإنه قال في (جمع الجوامع): "وليس منه: مصلحةٌ ضروريَّة كليَّة قطعيَّة، لأنها مما دلَّ الدليلُ على اعتبارها، فهي حقٌّ قطعًا، واشترطها الغزالي: للقطع بالقول به لا لأصل القول به ".

ووجه كونه أتمَّ: أنه جعل الكلام شاملاً القيودَ الثلاثة لا مقتصرًا على قيد القطع فقط، ومعنى هذا الصّنيع من الغزالي: أن هذه القيود الثلاثة إن توفَّرت في المصلحة؛ ارتفع الخلاف فيها، ولم تعد مرسلةً، ووجب القطع بحجيَّتها.
وإنما يكون الخلاف في المصلحة المرسلة إذا تخلَّفت فيها بعض هذه الشروط.
فهذا -إذن- تحريرٌ من الغزالي لمحلِّ النزاع، وليس قولا مفردا في المسألة؛ فمن عدَّه حكايةَ قولٍ مستقلٍّ في المسألة؛ فقد غلِط وخلط بين محلِّ النّزاع ومحلّ الوفاق، وهذا من التنبيهات الدّقيقة المهمّة.

وهذا المحمل أحسن المحامل في توجيه كلام أبي حامد رحمه الله، ويشهد له تصرُّفاته في (شفاء الغليل) ؛ فإنه نصّ غير مرّة على ترجيحه اعتبار المصلحة المرسلة في محلِّ الحاجات في بعض الأمثلة التي مثَّل بها على الأخذ بالمصلحة المرسلة، فدلَّ ذلك على أنَّ اشتراطه لوصف (الضروريَّة) ليس هو على سبيل التَّرجيح والاختيار في المسألة، بل هو على سبيل تحرير محلِّ النِّزاع في المسألة، وأنه يريد أنْ يُخرِج من محلِّ النزاع: المصلحةَ الكُلّيّة القطعيّة الضروريّة، ويكون الخلاف فيما سواها. والله أعلم.


وكتبه/
أبو طارق
زياد بن أسامة خياط
الجمعة ١ ذو الحجة ١٤٤٥ هـ

ونظر فيه مرة أخرى :
الأربعاء ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٦هـ


#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول



group-telegram.com/mihad_osol/3220
Create:
Last Update:

قيودُ الغزاليِّ الثّلاثة للمصلحة المرسلة

اشتُهِر عن الغزاليِّ رحمه الله أنّه اشترط في العمل بالمصلحة المرسلة ثلاثة شروط، وهي أن تكون المصلحة:
١- ضروريّة. وهو احتراز من الحاجية والتحسينيّة.
٢- قطعيّة. وهو احتراز من الظنيّة.
٣- كليّة. وهو احترازٌ من الجزئيّة.

وأورث هذا التّقرير إشكالاً وهو أنّها إن كانت بهذه المثابة؛ فلا ينبغي الخلاف في اعتبارها أصلا.

ومن ثَمَّ؛ فقد عُنِي بعض الأصوليين بالكشف عن هذا الإشكال وتوجيهه، ولابن السُّبكيِّ في هذا توجيهانِ أحدُهما أكملُ من الآخر معنى، وأضبط منه عبارةً.

التوجيه الأول: أنَّ الغزالي لم يُرِدْ بهذا القيد (القطعيّة) أنه يرجِّح القول بالمصلحة المرسلة بشرط أن تكون قطعيّة، بل أراد أن هذا القيد لو تحقّق في المصلحة المرسلة؛ ارتفع الخلاف في العمل بها، وصار العمل بالمرسلة حينئذ قطعيًّا، وخرجت هذه الحال من محلِّ الخلاف؛ فلا يتحصل خلاف في المصلحة المرسلة إن كانت قطعيَّة؛ فهو شرطٌ للقطع بالعمل بها لا لأصل الاحتجاج بها.

قال في (رفع الحاجب):
" واعلم أن الغزالي إنما اشترط القَطْع، للقطع بالقول بالمرسل - والحالة هذه - لا لترجيح القول به، بل هو يرجّح القول به وإن لم ينته إلى القطع، وقد قال في كثير من كتبه كـ"المُسْتَصْفى" و"شفاء الغليل" وغيرهما، بأن الظن القريب من القطع نازل منزلةَ القطع، وهو الصواب".

وفي هذا النصِّ لم يتعرض السُّبكي إلا لشرط (القطع) دون الشرطين الآخرين، ولهذا فليس بتامٍّ.

التوجيه الثاني: وهو في معنى الأول؛ لكنه أتم منه؛ إذ عمَّم القول في الشروط الثلاثة كلها ولم يقصره على شرط القطع، فإنه قال في (جمع الجوامع): "وليس منه: مصلحةٌ ضروريَّة كليَّة قطعيَّة، لأنها مما دلَّ الدليلُ على اعتبارها، فهي حقٌّ قطعًا، واشترطها الغزالي: للقطع بالقول به لا لأصل القول به ".

ووجه كونه أتمَّ: أنه جعل الكلام شاملاً القيودَ الثلاثة لا مقتصرًا على قيد القطع فقط، ومعنى هذا الصّنيع من الغزالي: أن هذه القيود الثلاثة إن توفَّرت في المصلحة؛ ارتفع الخلاف فيها، ولم تعد مرسلةً، ووجب القطع بحجيَّتها.
وإنما يكون الخلاف في المصلحة المرسلة إذا تخلَّفت فيها بعض هذه الشروط.
فهذا -إذن- تحريرٌ من الغزالي لمحلِّ النزاع، وليس قولا مفردا في المسألة؛ فمن عدَّه حكايةَ قولٍ مستقلٍّ في المسألة؛ فقد غلِط وخلط بين محلِّ النّزاع ومحلّ الوفاق، وهذا من التنبيهات الدّقيقة المهمّة.

وهذا المحمل أحسن المحامل في توجيه كلام أبي حامد رحمه الله، ويشهد له تصرُّفاته في (شفاء الغليل) ؛ فإنه نصّ غير مرّة على ترجيحه اعتبار المصلحة المرسلة في محلِّ الحاجات في بعض الأمثلة التي مثَّل بها على الأخذ بالمصلحة المرسلة، فدلَّ ذلك على أنَّ اشتراطه لوصف (الضروريَّة) ليس هو على سبيل التَّرجيح والاختيار في المسألة، بل هو على سبيل تحرير محلِّ النِّزاع في المسألة، وأنه يريد أنْ يُخرِج من محلِّ النزاع: المصلحةَ الكُلّيّة القطعيّة الضروريّة، ويكون الخلاف فيما سواها. والله أعلم.


وكتبه/
أبو طارق
زياد بن أسامة خياط
الجمعة ١ ذو الحجة ١٤٤٥ هـ

ونظر فيه مرة أخرى :
الأربعاء ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٦هـ


#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول

BY قناة | مِهاد الأُصُول


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/mihad_osol/3220

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

Telegram users are able to send files of any type up to 2GB each and access them from any device, with no limit on cloud storage, which has made downloading files more popular on the platform. The news also helped traders look past another report showing decades-high inflation and shake off some of the volatility from recent sessions. The Bureau of Labor Statistics' February Consumer Price Index (CPI) this week showed another surge in prices even before Russia escalated its attacks in Ukraine. The headline CPI — soaring 7.9% over last year — underscored the sticky inflationary pressures reverberating across the U.S. economy, with everything from groceries to rents and airline fares getting more expensive for everyday consumers. There was another possible development: Reuters also reported that Ukraine said that Belarus could soon join the invasion of Ukraine. However, the AFP, citing a Pentagon official, said the U.S. hasn’t yet seen evidence that Belarusian troops are in Ukraine. In 2014, Pavel Durov fled the country after allies of the Kremlin took control of the social networking site most know just as VK. Russia's intelligence agency had asked Durov to turn over the data of anti-Kremlin protesters. Durov refused to do so. The picture was mixed overseas. Hong Kong’s Hang Seng Index fell 1.6%, under pressure from U.S. regulatory scrutiny on New York-listed Chinese companies. Stocks were more buoyant in Europe, where Frankfurt’s DAX surged 1.4%.
from fr


Telegram قناة | مِهاد الأُصُول
FROM American