Forwarded from قناة مشاري بن سعد الشثري
"ما أجدرَ مختصر المزني بأن يُعتَنى بحفظه، فإن مسائله غررُ كلام الشافعي رضي الله عنه، بل دررُ نظامه، وزواهرُ نصوصه، بل جواهرُ فصوصه .. وناقلُه في غُمَار نقلة المذهب عينُ القلادة، بل سيدُ السادة، تميز من بين سائر نقلة المذهب الحفاظ بالجمع بين سبك المعاني ونقل الألفاظ"
الغزالي
الغزالي
هذا الكتاب من مفاخر أبي إسحاق رحمه الله، وكنت مشغوفا زمانًا بمختصره: (المعونة في الجدل) حتى كدت أستظهره، وما كان يعيبه إلا رداءة طبعته إخراجا لا تحقيقا، وإن كان المحقق بالغ في الشرح والتعليق أيضا.
وأحسب أنّ الجدل مع أبي إسحاق انتقل نقلة جديدة، فإنه محّضه للجدل الفقهي الأصولي:
- إذ كانت الأدلة التي يجادَل بها: سؤالا واستدلالا واعتراضا وجوابا، هي أدلة الأصول، وكان من قبله يخلط بها قواعد من علم النظر والكلام.
- وكذا كانت المسائل التي يُجادَل عنها: هي المسائل الفقهية، دون غيرها من المسائل، وكان كثير ممن قبله يعرض لمسائل في الكلام، يجادل عنها.
فجاء كتاب أبي إسحاق تحفة للفقهاء بحق.
وأحسب أنّ الجدل مع أبي إسحاق انتقل نقلة جديدة، فإنه محّضه للجدل الفقهي الأصولي:
- إذ كانت الأدلة التي يجادَل بها: سؤالا واستدلالا واعتراضا وجوابا، هي أدلة الأصول، وكان من قبله يخلط بها قواعد من علم النظر والكلام.
- وكذا كانت المسائل التي يُجادَل عنها: هي المسائل الفقهية، دون غيرها من المسائل، وكان كثير ممن قبله يعرض لمسائل في الكلام، يجادل عنها.
فجاء كتاب أبي إسحاق تحفة للفقهاء بحق.
قناة | مِهاد الأُصُول
"ما أجدرَ مختصر المزني بأن يُعتَنى بحفظه، فإن مسائله غررُ كلام الشافعي رضي الله عنه، بل دررُ نظامه، وزواهرُ نصوصه، بل جواهرُ فصوصه .. وناقلُه في غُمَار نقلة المذهب عينُ القلادة، بل سيدُ السادة، تميز من بين سائر نقلة المذهب الحفاظ بالجمع بين سبك المعاني ونقل…
"ثم المزني لما رأى كثرة تفريعات الشافعي، وكثرة كتبه؛ استكثرها، فاختصر منها كتابا سماه: (الجامع الكبير)، وكان كتابا حسنا بالغا، ولم يوجد ذلك الكتاب في ديار خراسان بالتمام، ثم استكثره؛ فاختصر منه هذا المختصر الذي تداوله الفقهاء، ثم استكثر هذا المختصر؛ فصنَّف كتابا في جُزَيئاتٍ.
والربيع بن سليمان المرادي صنّف كتبا كثيرة، ولكن لكثرة ورع المزني وفقره؛ بارك الله تعالى في كتابه، وكان يُدرّس هذا المختصر، وكان الفقهاء يتداولونه إلى قيام الساعة.
قال الشيخ أبو زيد رحمه الله:
(من تأمَّل في المختصر حق تأمُّله، تطلَّع على جميع الفروع والأصول، فإنه ما من مسألة أوردها إلا ورمز هناك إلى شيء من أصول الشافعي رحمة الله عليه، والله تعالى أعلم بالصواب)".
[التعليقة للقاضي حسين]
والربيع بن سليمان المرادي صنّف كتبا كثيرة، ولكن لكثرة ورع المزني وفقره؛ بارك الله تعالى في كتابه، وكان يُدرّس هذا المختصر، وكان الفقهاء يتداولونه إلى قيام الساعة.
قال الشيخ أبو زيد رحمه الله:
(من تأمَّل في المختصر حق تأمُّله، تطلَّع على جميع الفروع والأصول، فإنه ما من مسألة أوردها إلا ورمز هناك إلى شيء من أصول الشافعي رحمة الله عليه، والله تعالى أعلم بالصواب)".
[التعليقة للقاضي حسين]
Forwarded from قناة مشاري بن سعد الشثري
وقال الروياني:
(لم يترك شيئًا من أصول مسائل الفقه وفروعها إلا وقد أتى عليه بحسن الاختصار والنظم، وربما يأتي في خطَّين أو ثلاثة ما أتى به الشافعي في أوراق).
ونَقَل عن الإمام القفال أنه قال:
(مَنْ ضبط هذا المختصر حَقَّ ضبطه وتدبره لم يشذَّ عليه شيء من أصول مذهب الشافعي في الفقه).
وقد تكلم الشيخ عبد الله الداغستاني عن مختصر المزني وبحث ما يتصل به بما لا نظيرَ له، في مجلدٍ حافل جعله مقدمةً بين يدي تحقيقه للمختصر 👇🏻
(لم يترك شيئًا من أصول مسائل الفقه وفروعها إلا وقد أتى عليه بحسن الاختصار والنظم، وربما يأتي في خطَّين أو ثلاثة ما أتى به الشافعي في أوراق).
ونَقَل عن الإمام القفال أنه قال:
(مَنْ ضبط هذا المختصر حَقَّ ضبطه وتدبره لم يشذَّ عليه شيء من أصول مذهب الشافعي في الفقه).
وقد تكلم الشيخ عبد الله الداغستاني عن مختصر المزني وبحث ما يتصل به بما لا نظيرَ له، في مجلدٍ حافل جعله مقدمةً بين يدي تحقيقه للمختصر 👇🏻
رحم الله العلامة الإمام ابن القيم، كم مسألةٍ يستمدُّها من شيخه شيخ الإسلام؛ فإذا تلقَّاها منه كساها حُلّة سِيَراء أنيقة تبهرك بحسنها، فيجلوها في أحسن مَعرِض، كأنّما هي مسألة مستأنفة، من صفوِ بنات أفكاره، وحُلوِ مُجتَنى ثماره!
تأخّر تقعيد العلوم النظريّة عن فروعها المبنيّة عليها يورث شيئا من التنافر والتباعد في التصوُّر والتَّصوير، فإن المقعّد المتأخّر للأصول لا يمكنه الإحاطة بجميع مدارك الفقهاء وتقريراتهم لينصب منها أصولا مستقيمة مطّردة على نمط كلامهم، بل لا بد أن تفوته أشياء، وتنِدّ منه مآخذ، فيضطرب بنيانه بعض الشيء، ولا يكون على تمام الموافقة.
هذا إذا لم يحتف به سبب آخر وهو قلة النظر في كلام الفقهاء أصلا وتحريره.
وهذا التنافر بين الأصول والفروع بيّن في علمي أصول الفقه وأصول الحديث؛ فالمتأخرون لما قعدوا أصول الحديث لم يستوفوا استقراء سائر أساليب النقاد المتقدمين؛ لهذا وقع بين بعض قواعدهم وتطبيقات متقدميهم اتّساع في البون.
وأما الأصوليون؛ فذلك أظهر في عملهم كما لا يخفى؛ لورود أسباب خارجية؛ كالتأثر بالتجريد العقلي والمآخذ الكلاميّة.
والأمثلة على هذا المعنى في الأصول كثيرة، أوقفك الآن على واحد ولك أن تترسّم هذا السبيل.
فإنهم قرَّروا في تعريف التقليد معنيين:
⏺ الأول: أنه قبول قول الغير من غير حجة.
⏺ الثاني: أنه قبول قول الغير وأنت لا تدري من أين قاله.
وينبني على هذا التفريق:
أن اتباع قول النبي عليه السلام لا يسمى تقليدا على الأول؛ لأن قوله هو الحجة، وقد يسمّى -عند بعضهم- تقليدا على الثاني؛ لأن سامع قوله لا يهتدي لمأخذه: من وحي أو اجتهادٍ.
فصار تقليدا من هذا الوجه.
وهذا التمييز بين معنيي التقليد ينبئ عن عدم تصور للتقليد في الواقع؛ فإنّ المعنى الأول لا يصحّ وقوعه أصلا؛ فإن عامة المستفتين من لدن عهد النبي عليه السلام إلى عهدنا إذا استفتوا المفتي فأجابهم وأخذوا بقوله؛ فإنما يقبلونه لأنه مظنّة عندهم للدليل الذي لا يستطيعون استكشافه بأنفسهم، فهم يلقون مقاليدهم للمفتي؛ لأنه مظنة العلم بالدليل الذي يخفى عليهم، فهم كالقائلين له: دلّنا على ما يقتضيه الدليل الشرعي في هذا الأمر.. فهم على هذا داخلون في المعنى الثاني، وهو قبول قول المفتي من غير علم من أين قاله، أي: من غير معرفة بخصوص الدليل ونوعه ونحو ذلك؛ لكنهم اتبعوه ظنًّا بأنه عارف بالدليل وطرق استخراجه، فتوصلوا به إليه.
فأما على الوجه الأول؛ فهو لا يطابق حال مستفتٍ في الدنيا ولا يتصور أصلا أن يوجد من يقبل قول المفتي من غير حجة على هذا النحو، بل هو لا يأخذ منه إلا لأنه يعلم أن عنده حجة هو أقدر عليه منها، لكنه لا يعلم ما هي وكيف هي.. فالذي يصدق على حد التقليد هو الثاني لا الأول قطعا.
ولعل هذا التباين في التعريف هو الذي أورث الخلاف الشديد في حكم التقليد؛ إذ هو على النوع الأول مشكل جدا:
- مشكل من جهة صحة وقوعه والقصد إليه.
- ومشكل من جهة إذن الشرع بمثله.
#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول
هذا إذا لم يحتف به سبب آخر وهو قلة النظر في كلام الفقهاء أصلا وتحريره.
وهذا التنافر بين الأصول والفروع بيّن في علمي أصول الفقه وأصول الحديث؛ فالمتأخرون لما قعدوا أصول الحديث لم يستوفوا استقراء سائر أساليب النقاد المتقدمين؛ لهذا وقع بين بعض قواعدهم وتطبيقات متقدميهم اتّساع في البون.
وأما الأصوليون؛ فذلك أظهر في عملهم كما لا يخفى؛ لورود أسباب خارجية؛ كالتأثر بالتجريد العقلي والمآخذ الكلاميّة.
والأمثلة على هذا المعنى في الأصول كثيرة، أوقفك الآن على واحد ولك أن تترسّم هذا السبيل.
فإنهم قرَّروا في تعريف التقليد معنيين:
وينبني على هذا التفريق:
أن اتباع قول النبي عليه السلام لا يسمى تقليدا على الأول؛ لأن قوله هو الحجة، وقد يسمّى -عند بعضهم- تقليدا على الثاني؛ لأن سامع قوله لا يهتدي لمأخذه: من وحي أو اجتهادٍ.
فصار تقليدا من هذا الوجه.
وهذا التمييز بين معنيي التقليد ينبئ عن عدم تصور للتقليد في الواقع؛ فإنّ المعنى الأول لا يصحّ وقوعه أصلا؛ فإن عامة المستفتين من لدن عهد النبي عليه السلام إلى عهدنا إذا استفتوا المفتي فأجابهم وأخذوا بقوله؛ فإنما يقبلونه لأنه مظنّة عندهم للدليل الذي لا يستطيعون استكشافه بأنفسهم، فهم يلقون مقاليدهم للمفتي؛ لأنه مظنة العلم بالدليل الذي يخفى عليهم، فهم كالقائلين له: دلّنا على ما يقتضيه الدليل الشرعي في هذا الأمر.. فهم على هذا داخلون في المعنى الثاني، وهو قبول قول المفتي من غير علم من أين قاله، أي: من غير معرفة بخصوص الدليل ونوعه ونحو ذلك؛ لكنهم اتبعوه ظنًّا بأنه عارف بالدليل وطرق استخراجه، فتوصلوا به إليه.
فأما على الوجه الأول؛ فهو لا يطابق حال مستفتٍ في الدنيا ولا يتصور أصلا أن يوجد من يقبل قول المفتي من غير حجة على هذا النحو، بل هو لا يأخذ منه إلا لأنه يعلم أن عنده حجة هو أقدر عليه منها، لكنه لا يعلم ما هي وكيف هي.. فالذي يصدق على حد التقليد هو الثاني لا الأول قطعا.
ولعل هذا التباين في التعريف هو الذي أورث الخلاف الشديد في حكم التقليد؛ إذ هو على النوع الأول مشكل جدا:
- مشكل من جهة صحة وقوعه والقصد إليه.
- ومشكل من جهة إذن الشرع بمثله.
#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
أصول الخطأ في الجواب عن الشبهات
كثيرٌ من الناس كتبوا في نقض الشبهات وأصول الخطأ فيها؛ إما استقلالا وإما تضمينا.
لكن الذي لم أر لأحد فيه مكتوبا مستقلا، بل الإشارة إليه قليلة، هو: باب أصول الخطأ في الجواب عن الشبهات.
وهذا باب عزيز، لا يقصد به الخطأ الذي تولَّدت منه الشبهة، بل يقصد به الخطأ في الجواب عن الشبهة؛ بأن يتخذ المجيب مسالك ضعيفة، يلزمه عليها ما هو أشد من الشبهة نفسها.
وهذا المصوّر أعلاه: نموذج على الخطأ في الجواب عن الشبهة.
📝 ووجه الغلط في الجواب السابق:
أنّ المجيبَ بنى جوابه على تسليم أصل المستشكل وهو: (أن وقوع مثل ذلك قبيح يتنزه النبي ﷺ عنه) لهذا حاول تمحُّل الجواب بأنّ هذا الأمر وقع مرة واحدة، فكأنه يقول: هو أمر مستنكر، لكنه وقع مرة واحدة فقط!
والحمل على المرّة -وإن وقع من بعض الشراح- فإنما اضطرهم إلى ذلك محاولة الجمع بين الأحاديث المتعارضة، لا استشناع الأمر في نفسه، وعدّه شبهة يصان عنها مقام النبي ﷺ.
وأما المجيب هنا؛ فقد سلّم لصاحب الشبهة أنَّ هذا أمرٌ مستشنع، فحاول الفرار من ذلك بتمحُّل وجه ضعيف.
وليس في الإسلام تقبيح شأن النكاح والاستكثار منه، بل صرح النبي ﷺ بنقض ذلك في حديث الثلاثة، فقال: "وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقال ﷺ : "حبب إلي من دنياكم: الطّيب، والنساء".
وهذا صريح في أن لذة الجماع من اللذات المحبوبة إليه ﷺ، بل جعلها هي والطيب صفوة ما يحبه من لذات الدنيا؛ فدل على أنها لذة طيبة ، إذ لا يحب ﷺ إلا طيبا.
بل إن هذه اللذة هي اللذة الباقية في الآخرة مما في الدنيا، مع زيادة في حسنها قدرا وجنسا.
وحديث أنس أنه ﷺ كان يطوف عليهن في ليلة واحدة بغسل واحد، هو من أثر هذا الأمر؛ شاهدًا له ومصدّقا له.
⬅ لكن محل النظر: هل كان هذا يقع وقوعا أغلبيًّا أم وقوعا عارضا؟
هذا يرجع إلى دلالة أصولية وهي (كان يفعل) هل تدل على الاستمرار؟
⏺ فقيل: لا تدلُّ إلا بقرينة.
⏺ وقيل: تدلُّ مطلقا ولو لم تكن قرينة.
⏺ والصواب: أنها تدلُّ على ذلك بدلالة الاستعمال العرفي لا اللغوي، إلا إن اقترنت بقرينة صارفة، فالقرينة شرط لصرف الدلالة لا للحمل عليها، كما نقول في الأمر: الأصل أنه على الوجوب إلا لقرينة تصرفه عن الوجوب إلى الاستحباب.
والقرينة هنا: تدلُّ على أنَّ ذلك كان يقع أحيانا؛ لأنَّ المشهور أنَّ القَسم كان واجبا عليه ﷺ، فيحمل ما فعله هنا على أنه كان برضاهنّ أو كان بعد استيفاء القسم، أو كان بعد القدوم من السفر، وكلُّ ذلك يدلُّ على أنه أمر كان يفعله النبي ﷺ أحيانا.
وليس القول بوقوع هذا منه ﷺ في أحوال عارضة هو بسبب شناعته في نفسه، بل هذا للقرينة المذكورة آنفا.
ثم القول بأنه وقوع عارض لا يصح حمله على مرة واحدة مخصوصة؛ إذ فيه تعطيل الصيغة: "كان يطوف على نسائه"؛ إذ هي تدل على الاستمرار، فإن لم يمكن حملها على الاستمرار للقرينة؛ فأقل أحوالها الدلالة على التكرُّر.
وفي القَصْر على مرّة عُدول عن الدلالة، فهو مسلك ضعيف في الجواب.
ففرق بين كونه فعلا عارضا، وبين كونه فعلا وقع مرة واحدة فقط.
فالعارض قد يتكرر مرارا، لكنه ليس دائما.
وهذا الفعل من كمال قوته ﷺ ، والأنبياء أوتوا من كمال الخلقة ما لم يؤت غيرهم، وهذا المعنى نفسه حكاه الصحابة في نفس الحديث، وهو حديث أنس، فلما سأله قتادة متعجبا: "قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسٍ : أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟" قَالَ [أنس] : كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ". أخرجه البخاري.
فهذا يدل على كمال قوته وتمام ذكوريته ﷺ.
💡 فإن قيل: حديث عائشة رضي الله عنها: (وكان قلَّ يومٌ إلا وهو يطوف علينا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس...) يدل على: (الدنو من غير مسيس)؛ فيعارض حديث أنس السابق: (أنه كان يطوف عليهن في ليلة واحدة بغسل واحد)، فهو صريح في الجماع؛ لأن الغسل لا يكون إلا منه. وفيه أيضا: التصريح بقوته وأنه في قوة ثلاثين وأنه يطيق ذلك، فهذا لا يكون إلا في الجماع.
⬅ فالجمع بينهما:
- أن حديث عائشة في الدنو من غير جماع، ينبئ عن الأمر المستمرّ في كل يوم غالبا؛ لقول عائشة: "قلّ يومٌ".
- وأما حديث أنس في الجماع، فهو ينبئ عن الأمر العارض وإن تكرّر، فلم يكن أمرا مستمرًّا، بل كان في بعض الأحوال: إما عند المجيء من السفر، وإما بعد تمام القسمة، فهي أحوال عارضة.
وعليه؛ فحديث عائشة ليس فيه تعرُّض لنفي طوافه على نسوته بغسل واحد في بعض الليالي؛ بل فيه إثبات أمر آخر وهو: الدنو من غير مسيس، وأنه يقع كل يوم غالبا، فيبقى حديث أنس في الجماع واقعا في بعض الليالي، فيجتمع شمل الحديثين.
▫️ فأحدهما: في إثبات وقوع الأمر الدائم.
▫️ والآخر: في إثبات وقوع الأمر العارض.
كثيرٌ من الناس كتبوا في نقض الشبهات وأصول الخطأ فيها؛ إما استقلالا وإما تضمينا.
لكن الذي لم أر لأحد فيه مكتوبا مستقلا، بل الإشارة إليه قليلة، هو: باب أصول الخطأ في الجواب عن الشبهات.
وهذا باب عزيز، لا يقصد به الخطأ الذي تولَّدت منه الشبهة، بل يقصد به الخطأ في الجواب عن الشبهة؛ بأن يتخذ المجيب مسالك ضعيفة، يلزمه عليها ما هو أشد من الشبهة نفسها.
وهذا المصوّر أعلاه: نموذج على الخطأ في الجواب عن الشبهة.
أنّ المجيبَ بنى جوابه على تسليم أصل المستشكل وهو: (أن وقوع مثل ذلك قبيح يتنزه النبي ﷺ عنه) لهذا حاول تمحُّل الجواب بأنّ هذا الأمر وقع مرة واحدة، فكأنه يقول: هو أمر مستنكر، لكنه وقع مرة واحدة فقط!
والحمل على المرّة -وإن وقع من بعض الشراح- فإنما اضطرهم إلى ذلك محاولة الجمع بين الأحاديث المتعارضة، لا استشناع الأمر في نفسه، وعدّه شبهة يصان عنها مقام النبي ﷺ.
وأما المجيب هنا؛ فقد سلّم لصاحب الشبهة أنَّ هذا أمرٌ مستشنع، فحاول الفرار من ذلك بتمحُّل وجه ضعيف.
وليس في الإسلام تقبيح شأن النكاح والاستكثار منه، بل صرح النبي ﷺ بنقض ذلك في حديث الثلاثة، فقال: "وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقال ﷺ : "حبب إلي من دنياكم: الطّيب، والنساء".
وهذا صريح في أن لذة الجماع من اللذات المحبوبة إليه ﷺ، بل جعلها هي والطيب صفوة ما يحبه من لذات الدنيا؛ فدل على أنها لذة طيبة ، إذ لا يحب ﷺ إلا طيبا.
بل إن هذه اللذة هي اللذة الباقية في الآخرة مما في الدنيا، مع زيادة في حسنها قدرا وجنسا.
وحديث أنس أنه ﷺ كان يطوف عليهن في ليلة واحدة بغسل واحد، هو من أثر هذا الأمر؛ شاهدًا له ومصدّقا له.
هذا يرجع إلى دلالة أصولية وهي (كان يفعل) هل تدل على الاستمرار؟
والقرينة هنا: تدلُّ على أنَّ ذلك كان يقع أحيانا؛ لأنَّ المشهور أنَّ القَسم كان واجبا عليه ﷺ، فيحمل ما فعله هنا على أنه كان برضاهنّ أو كان بعد استيفاء القسم، أو كان بعد القدوم من السفر، وكلُّ ذلك يدلُّ على أنه أمر كان يفعله النبي ﷺ أحيانا.
وليس القول بوقوع هذا منه ﷺ في أحوال عارضة هو بسبب شناعته في نفسه، بل هذا للقرينة المذكورة آنفا.
ثم القول بأنه وقوع عارض لا يصح حمله على مرة واحدة مخصوصة؛ إذ فيه تعطيل الصيغة: "كان يطوف على نسائه"؛ إذ هي تدل على الاستمرار، فإن لم يمكن حملها على الاستمرار للقرينة؛ فأقل أحوالها الدلالة على التكرُّر.
وفي القَصْر على مرّة عُدول عن الدلالة، فهو مسلك ضعيف في الجواب.
ففرق بين كونه فعلا عارضا، وبين كونه فعلا وقع مرة واحدة فقط.
فالعارض قد يتكرر مرارا، لكنه ليس دائما.
وهذا الفعل من كمال قوته ﷺ ، والأنبياء أوتوا من كمال الخلقة ما لم يؤت غيرهم، وهذا المعنى نفسه حكاه الصحابة في نفس الحديث، وهو حديث أنس، فلما سأله قتادة متعجبا: "قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسٍ : أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟" قَالَ [أنس] : كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ". أخرجه البخاري.
فهذا يدل على كمال قوته وتمام ذكوريته ﷺ.
- أن حديث عائشة في الدنو من غير جماع، ينبئ عن الأمر المستمرّ في كل يوم غالبا؛ لقول عائشة: "قلّ يومٌ".
- وأما حديث أنس في الجماع، فهو ينبئ عن الأمر العارض وإن تكرّر، فلم يكن أمرا مستمرًّا، بل كان في بعض الأحوال: إما عند المجيء من السفر، وإما بعد تمام القسمة، فهي أحوال عارضة.
وعليه؛ فحديث عائشة ليس فيه تعرُّض لنفي طوافه على نسوته بغسل واحد في بعض الليالي؛ بل فيه إثبات أمر آخر وهو: الدنو من غير مسيس، وأنه يقع كل يوم غالبا، فيبقى حديث أنس في الجماع واقعا في بعض الليالي، فيجتمع شمل الحديثين.
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
قناة | مِهاد الأُصُول
أصول الخطأ في الجواب عن الشبهات كثيرٌ من الناس كتبوا في نقض الشبهات وأصول الخطأ فيها؛ إما استقلالا وإما تضمينا. لكن الذي لم أر لأحد فيه مكتوبا مستقلا، بل الإشارة إليه قليلة، هو: باب أصول الخطأ في الجواب عن الشبهات. وهذا باب عزيز، لا يقصد به الخطأ الذي تولَّدت…
إذا ثبت هذا؛ فإنّ ها هنا فرقًا بين استشكال الفقهاء واستشكال أصحاب الشبه لحديث أنس، وذلك أنّ هذا الحديث أشكل على الفقهاء من ثلاثة أوجه:
وهذا الإشكال أفصح عنه قتادة بقوله: "أو يطيق ذلك؟" فأجابه أنس بأننا كنا نتحدث أنه أوتي قوة ثلاثين.
فجوابه إقرار بأن هذا خارج عن طوق الرجل العادي، وأنها مزية وزيادة في قوته ﷺ.
وهذا الذي وقع للشراح؛ فأجابوا عنه بأحد مسلكين:
فجمع بعض الشراح بينهما: بحَمْل حديث عائشة على أنه الأصل الغالب، وحَمْل حديث أنس على أنه حادثة عين وقعت مرة واحدة في حجة الوداع، وهو مقتضى صنيع ابن العربي.
وهو وهم ظاهر، ثم هو تخصيص للحديث بواقعة عين لم تقع إلا مرة واحدة، وصيغة الحديث تدل على الاستمرار، فإن لم تحمل عليه؛ فلا أقل من أن تحمل على تكرر الأمر على الأقل، أي أن الاقتصار على مرة باطل يقينا.
والصواب في الجمع: أنهما غير متواردين على محل واحد، وذلك بأحد وجهين:
لكن كونه يقع أحيانا ليس هو ما ذُكر من حمله على حادثة بعينها، فهذا ليس بصحيح قطعا.
وهكذا؛ فلا ترى أن أحدا من علماء الأمة أشكل عليه هذا الحديث لأجل ما فيه من محبة النساء أو الجماع أو نحو ذلك؛ بل أشكل عليهم من جهة الجمع بين النصوص في الباب أو من جهة قوة النبي ﷺ وخصوصيته.
وأما بعض من يتصدى للجواب عن الشبهات، فأشكل عليهم من وجه رابع وهو أن في الفعل نفسه معرّة عليه ﷺ حاشاه بأبي هو وأمي؛ وهذا لفساد تصوراتهم لهذه الأبواب.. والله أعلم.
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
نشأت بأخرة مراصد ومواقع متخصِّصة تعنى بحصر الرسائل والبحوث المكتوبة في علم معيّن، وتمكن الباحث من الكشف عنها، وقد وجدت ذلك في علم العقيدة والتفسير والحديث، لكن لم أجد بعدُ نظيرَه في الفقه والأصول.
- ففي العقيدة:
قاعدة الرسائل في موقع الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة:
https://aqeeda.sa/scientific-researchs
- وفي التفسير والدراسات القرآنية:
(١) قاعدة البرهان:
https://alborhandqi.com/
(٢) مرصد تفسير:
https://tafsiroqs.com/
- وفي السنّة:
قاعدة بيانات مركز تدوين للبحوث والدراسات الحديثية:
https://tadween.sa/research
- ففي العقيدة:
قاعدة الرسائل في موقع الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة:
https://aqeeda.sa/scientific-researchs
- وفي التفسير والدراسات القرآنية:
(١) قاعدة البرهان:
https://alborhandqi.com/
(٢) مرصد تفسير:
https://tafsiroqs.com/
- وفي السنّة:
قاعدة بيانات مركز تدوين للبحوث والدراسات الحديثية:
https://tadween.sa/research
aqeeda.sa
الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب