Telegram Group Search
معنى أن الله سبحانه وتعالى لا يخلق شرًّا محضًا يقتضي أن كل فعلٍ في هذا الوجود مهما خالطه شرٌّ وأذى فإن بإمكانك أن تنظر له نظرةً "تفاؤلية"، ولذلك يذكر العلماء أن من أكبر أسباب زوال الهم والحزن وإخماد نار الغضب: هو أن توقن أن الله سبحانه وتعالى هو خالق كُل شيء وأنه لا يخلُق إلا لحكمة وهذه الحكمة لا تكون إلا خيرا.

تخيَّل كمَّ الأحداث التي حدثت في حياتك وأصابك بسببها همٌّ أو غضبت لأجلها، وكان بإمكانك أن تمنع ذلك أو تقلل منه لو غيرت وجهة نظرك لكل ما يحصل لك، وجعلت أول ما يخطر ببالك أن الله سبحانه هو من شاء ذلك وفعله!.
«يا أبا اليَقظانِ كَم صَيدٍ نَجا
خالِيَ البالِ وصَيَّادٍ وَقَع!».

عنترة.
الاحتمالات المفترضة للمؤمن في هذه الدنيا محصورة، وحصرها يزيح عنه همَّ التفكير فيما غاب عنه ولا يبلغه علمه؛ فهو لا محالة سيموت، وقبل موته هو إما طائع أو عاصٍ، والموت يأتي بغته فلا يدري في أي وقتٍ سيموت، لكن المعادلة الرابحة هي أن يموت طائعًا يسعى في إصلاح نفسه .. هذا كل ما في الأمر، وهذا هو التبسيط الذي ينبغي أن يعتصم به من شتتته الحوادث وخوَّفه تتابع المخاوف وغموض الآتي.
يارب نصرك لعبادك المؤمنين وثبت قلوبهم، وأنزل الرعب على أعدائك واخزهم ولا ترفع لهم راية.
«وما الحِلمُ بالمحمود في خُلُق الفتى •• إذا لم يكن للحِلم جَهْلٌ مُلازِمُ».

- تميم الفاطمي.
[وكان معاوية يتمثل بهذين البيتين كثيرا:

«أكان الجبان يرى أنه •• سيُقتل قبل انقضاء الأجلْ!
فقد تُدرك الحادثات الجبانَ •• ويَسلم منها الشجاع البطلْ»].

- عيون الأخبار لابن قتيبة.
قال أبو داود السجستاني: قلت لأحمد: رجل خرج عاصيا في علافة فلقي العدو، يُقاتل أم يستأسر رجاء أن تدركه التوبة، أعني: لأنه عاصٍ، فكرِه أن يقتل عاصيا فيستأسر؟
فقال أحمد بن حنبل: لا يستأسر، الأسر شديد.
من جليل فقه الإسلام ومقتضيات عزة المسلم أن المسلم لا ينبغي أن يعين الكافر عليه بأي شيء، ولا أن يمهد له أي سبيل إلى قتله، ومن المسائل المذكورة في هذا المعنى ما يذكرونه فيما إذا وقع المسلم في أسر الكفار وأرادوا قتله، هل يجوز له أن يمُدَّ عنقه ليقتلوه؟

قال أبو داود السجستاني: قلت لأحمد: الأسير يريدون ضرب عنقه، أيمد رقبته؟
قال: «لا يعجبني أن يعين على نفسه بشيء».

قال السرخسي: «وإن لم يمد عنقه لم يزيدوا على أن يمدوا عنقه ثم يقتلونه فإنه يكره له أن يمد لهم عنقه؛ لأن ذلك في صورة الإذن لهم في قتله، ولا رخصة للمسلمين في ذلك، فلا يسعه الإقدام عليه إلا عند غرض صحيح له فيه».

وكذلك لو أرادوا قتله وكان معه سيفٌ أحدّ من سيوفهم وأقطَع، فلا يجوز له أن يعطيهم سيفه ليقتلوه به حتى ولو كان ذلك أخف له في هذه الحالة.

قال أبو داود: قلت: فيعطي سيفه، ويقول: سيفي أقطع -أعني: إذا أرادوا قتله؟
قال -أي: الإمام أحمد- : لا.

فمراعاة الإسلام لعزَّة المسلم وحُرمة روحه لا مثيل لها حتى في أحلك المواطن وأشدها بأسًا.

وقبل هذه المسألة يذكرون مسألة أخرى وهي حُكم "الاستئسار" وهو أن يترك المسلم نفسه للكفار ليأسروه.

قال الإمام أحمد: «ما يعجبني أن يستأسر. وقال: فليقاتل أحب إليَّ؛ الأسر شديد».
من الأمور التي لا تنفك عن الإنسان أبدًا أنه محط انطباعات غيره عنه، فما دام المرء مخالطًا لغيره فإنهم لا محالة سيكوِّنون في أذهانهم صورة عنه، سواء تكلم أو سكت، تحرك أو سكن، طالت مخالطته لهم أو قلَّت.

وليس غريبًا أن تكون تصورات الناس عنك متعددة بقدر الناس الذين قابلتهم ولو لمرة واحدة، فهذا رآك حالة مرحك فتصوَّرك مرحًا وهذا حالة غضبك فتصورك غضوبًا وذاك حالة حزنك فتصورك حزينا، وهكذا .. حتى لو اشترك كثير ممن يعرفونك في صفة لك -ككونك كريمًا مثلا- فإنهم سيختلفون في صفات أخرى ولو بقدر ضئيل لا محالة، بل حتى تصورهم لتلك الصفة المشتركة سيكون متفاوتًا، وبطبيعة الحال أنت لا تسير في الحياة حاملًا ملفًا تعريفيًّا خاصا بك "CV" تناوله كل من قابلك ليكوِّن صورته عنك.

إذا كان الأمر كذلك، فمن العبث أن تحاول أن ترسم صورتك في أذهان غيرك على هواك، فهذا كمحاولتك إمساك الهواء، فطِب نفسًا وعِش هانئ البال وتقبَّل بكل أريحية صورتك المشوهة في أذهان غيرك، فلست أنت راسمها الوحيد بل شاركتك الظروف في ذلك، وحاول إصلاح نفسك أنت لا صورتك.
﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

تأمل هذين الفعلين في الآية: [تَفرون] ، [ملاقيكم].

فالأصل فيما تفرُّ منه أن يكون خلفك، لكن القرآن يخبرك أن الموت تفر منه وهو ملاقيك، فلم يقُل الله مثلا: فإنه مدرككم أو فإنكم واصلون إليه -على اعتبار أن الموت في موضع ثابت يصل إليه المرء-، بل قال سبحانه: ﴿فإنه ملاقيكم﴾، يسعى إليك في وجهك كما تفر منه، ومنه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة».
ذكر الآبي في كتابه "نثر الدر" أن من دعاء أحد الصالحين: «اللهم إني أعوذ بك من طول الغفلة، وإفراط الفطنة».

فإفراط الفطنة والذكاء يُستعاذ منه كما يستعاذ من كثرة الغفلة.
ولعل من أسباب الاستعاذة من ذلك ما عناه الجاحظ بقوله: «فضل الفطنة ربما دل على فرط الاكتراث، وعلى قدر الاكتراث يكون الإقدام والإحجام».
فمن أفرط في الاكتراث للأمور ربما أحجم عن كثير من الخير وتخاذل عنه خِيفة وقوع ضرر محتمل أو توقع مكروه ولو كان ضئيلا، وفي بعض الغفلة صيانة عن ذلك.
«ومَن أخرج التَّعيير وأظهر السوء وأشاعه في قالبِ النُّصح وزعم أنه إنَّما يحمله على ذلك العيوب -إما عامًّا أو خاصًا- وكان في الباطن إنما غرضه التعيير والأذى، فهو من إخوان المنافقين الذين ذمَّهم الله في كتابه، في مواضعَ، فإنَّ الله تعالى ذَّم من أظهر فعلاً أو قولاً حسنًا وأراد به التوصُّل إِلَى غَرَض فاسدٍ يقصده في الباطن، وعدَّ ذلك من خصال النفاق .. ومثالُ ذلك: أن يريد الإنسانُ ذمَّ رجلٍ وتنقُّصه وإظهارَ عيبهِ لينفرَّ الناس عنه؛ إما محبة لإيذائه لعدواته أو مخافته من مزاحمته على مالٍ أو رياسةٍ أو غير ذلك من الأسباب المذمومة، فلا يتوصَّل إِلَى ذلك إلا بإظهار الطعن فيه بسبب ديني».

ابن رجب.
«ومَن بُلي بشيء من هذا الأذى والمكر فليتقِ الله ويستعين به ويَصْبِرُ، فإنَّ العاقبة للتقوى. كما قال تعالى بعد أن قصَّ قصةَ يوسُف وما حصل له من أنواع الأذى بالمكر والمخادعة: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾.

والواقع يشهد بذلك، فإنَّ من سبر أخبار الناس، وتواريخ العالم، وقفَ من أخبار مَن مَكَرَ بأخيه فعادَ مكرُهُ عليه، وكان ذلك سببًا لنجاتِهِ وسلامتِهِ علَى العَجَبِ العجاب».

الإمام ابن رجب.
«وبالجعد [بن درهم] هذا يُعيَّر كل زنديق، قال دعبل: "قل لعبد الرقيب قل: ربي اللـ ... ـه فإن قالها فليس بجعدي"».

أبو سعد الآبي.
«ولو أن الناس إذا رأوا جوادا بخل في وقت، أو شجاعا فر في وقت، أو صانعا ماهرا قصر في وقت، يرمونهم بالعيب ويطعنون عليهم ولا يعدون لهم إحسانا، لما كان في الوجود جواد ولا شجاع ولا صانع ماهر ولا خطيب بليغ ولا شاعر مجيد. وإنما العبرة بالأغلب والأكثر، والقليل معفو عنه، لأن العصمة لا تشترط إلا للمرسلين صلوات الله عليهم وسلامه».

الصفدي.
‏[وادَّعوا مع ذلك أن للقوم -أي قدماء الفلاسفة- شعرا، وقد قرأناه فوجدناه قليل الماء، نزر الحلاوة، غير مستقيم الوزن.

بلى، الشِّعر شعر العرب.]

ابن فارس.
إبراهيم المنوفي
‏[وادَّعوا مع ذلك أن للقوم -أي قدماء الفلاسفة- شعرا، وقد قرأناه فوجدناه قليل الماء، نزر الحلاوة، غير مستقيم الوزن. بلى، الشِّعر شعر العرب.] ابن فارس.
«ومن أين في شعر العجم ما في شعر العرب من المجاز والاستعارة والكناية والتشبيه والتورية والاستخدام والجناس، على اختلاف كل نوع من هذه الأنواع وتشعب أقسامه، إلى غير ذلك من أنواع البديع وهو ما يقارب المائة نوع. هيهات ما بينهما صيغة أفعل.

وذكر الحصري في زهر الآداب أن أعرابيا قال لشاعر من أهل الفرس: الشعر للعرب».

الصفدي.
«بَعيدُ مَقيلِ السِرِّ لا يَقبَلُ التي
يُحاوِلُها مِنهُ الأَريبُ المُخادِعُ

ومُكتَتِمُ التَدبيرِ ليسَ بِظاهِرٍ
على سِرِّهِ الرأيُ الذي هُوَ تابِعُ

ولا يَعلَمُ الأَعداءُ مِن فَرطِ عَزمِهِ
متى هُوَ مَصبوبٌ عَلَيهِم فَواقِعُ».
2024/10/06 15:29:10
Back to Top
HTML Embed Code: