Telegram Group & Telegram Channel
لو خالَف أبو بكر الصدّيق- رضي الله عنه- حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم، ماذا نفعل ؟.
-----
اعلم أنَّ للصحابي خصوصية زائدة، واعتبارا قويا، وعدالة ثابتة تحمله على الانصياع التامّ للأمر النبويّ وعدم مخالفة حديثٍ بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحالة أن يتركَ العمل به دون أن يكون له في تركِ العمل به تأويل، هذه المقدمة مما لا ينبغي أن يُخالِف فيها من له أدنى نظر في علم الأصول ممن ينتسب إلى أهل السنة، وقد حُكي الإجماع عليها.

فالفرضُ الذي يفرضه بعض المُدَّعين لمنهج السلف بأن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خالفه الصحابة أو فلانٌ منهم فسوف نخطئهم ولا نعمل بقولهم = هو اختراع أصول جديدة ليست من عمل العلماء، وهو إن صح عقلا لم يصح واقعا وشرعا.

لا أعني بذلك أن الصحابي لا تقع منه مخالفة للحديث، فهذا واقع بالفعل، وإنما الممنوع هو أن يخالفه دون التأويل المُستلزم للتخطئة كما هو مقتضى الفرض، فهذا بالفعل طعنٌ في عدالة الصحابي وليس استمساكا زائدا بسنة المعصوم صلى الله عليه وسلم كما يُتوهَّم.

على أن مخالفة الصحابي للحديث تقع على وجوه كثيرة ولكل صورةٍ منها إجراءٌ خاصّ عند الأصوليين، ويُفرِّقون كذلك بين أن تقع هذه المخالفة من طائفةٍ من الصحابة وبين أن تقع من فردٍ واحد منهم، فإطلاق الأحكام هكذا ودمجُ الجميع في صورة واحدة وتنزيل حكم واحد على الكل تهوُّرٌ واستخفاف لا هو من عمل الأئمة ولا هو من العلم.

فمثلا إذا بلغ الصحابة رضي الله عنهم حديثٌ ما، لكنهم لم يعملوا به، وتركوه، وكان عملهم على مخالفة الحديث، والحديث مع ذلك صحيح لا مَطعن في صحته، فعلى مقتضى نظر بعض هؤلاء المعاصرين يجب تخطئة الصحابة والضرب بصنيعهم عُرض الحائط، والاستمساك بالحديث.

في حين أن صنيع العلماء هو العكس؛ لأنهم يعتبرون مخالفة عمل الصحابة للحديث علةً قادحة في الحديث، ويُنزّهون الصحابة عن التواطؤ على مخالفة كلام النبي صلى الله عليه وسلم دون تأويل.

قال إمام الحرمين رحمه الله: " إنْ تحقَّقْنا بلوغَ الخبر طائفةً من أئمة الصحابة، وكان الخبر نصًّا لا يتطرَّق إليه تأويل، ثم ألفيناهم يَقضُون بخلافه مع ذِكره والعِلم به = فلسنا نرى التعلُّق بالخبر؛ إذ لا مَحمل لتركِ العمل إلا الإضراب والاستهانة وتركُ المبالاة، أو العلم بكونه منسوخا، وليس بين هذين التقديرين لاحتمالٍ ثالثٍ مجال.

وقد أجمع المسلمون قاطبةً على وجوب اعتقاد تبرئتهم عن القسم الأول، وليس ما ذكرْنا تقديما لأقضِيتهم على الخبر، وإنما هو استمساك بالإجماع على وجوب حملِ عمَلهم على وجهٍ يمكن من الصواب، فكأنا تعلَّقنا بالإجماع في معارضة الحديث " انتهى.

إيضاح كلامه: لو تأكدْنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شيئا أو فعل فعلا، وبلغ ذلك الصحابةَ أو جماعةً منهم، ثم وجدناهم لم يعملوا به، وكان فعلهم غير موافق له، فحينئذ يجب المصير إلى عمل الصحابة وتركُ العمل بالحديث، لماذا؟!

لأن تركَ الصحابة العمل بالحديث في هذه الحال لا يخلو من احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يكونوا تركوا العمل بالحديث استهانةً به وقلة مبالاةٍ بشأنه.

والاحتمال الثاني: أن يكونوا تركوا العمل به، لعلمهم بأن هذا الحديث منسوخ.

أما الاحتمال الأول فهو باطل؛ لحصول الإجماع على عدالتهم وأنهم لا يُقدِمون على هذا الصنيع دون تأويل منهم.

فبقي الاحتمال الثاني، وهو أنهم قد يكونون علموا بأن هذا الحديث منسوخ، فلهذا تركوا العمل به، وليس المصير إلى إيجاب العمل برأيهم تقديما لآرائهم على الحديث، وإنما هو تمسُّكٌ بالإجماع القائل بعدالتهم، فلابد أن يكون لهذه المخالفة وجهٌ من الصحة.

وأما الفردُ من الصحابة الذي يخالف حديثا بلغه أو رواه هو فبيْنَ الأصوليين خلافٌ في التعامل معه، فمنهم من يُبقي الحديثَ على ظاهره ويأخذ به، لكن لا يرمي الصحابي بتعمُّد مخالفة السُّنة ومن ثم يُخطّئه ويسيء معه الأدب، وإنما يحتج مثلا بأن غيره من الصحابة قد عمل بالحديث ولم يتركه.

فإن شئت الأخذَ بهذا القول فغايتك أنك اخترتَ رأيا وقولا لبعض الأصوليين، واختيارك له لا يُخرج المسألة عن كونها خلافية، ولا يُبيح لك المزايدة على مَن أخذ بالقول الآخر وأنك أكثر اتباعا للسنة منه إلى آخر هذا الإسطوانة.

ومن الأصوليين من يرى مخالفة الصحابي للحديث الذي بلغه أو رواه علة قادحة في الحديث أيضا فيصير إلى عمل الصحابي ويترك الحديث، لأن الصحابي لن يترك الحديث إلا لعلةٍ لا للإعراض عنه والعياذ بالله، ولكل فريقٍ حُجةٌ ووجهٌ من النظر مُعتبر.

هكذا يتعامل العلماء مع تلك المسائل، ولا يُصادرون على جماعة المسلمين، ولا يُزايدون على حبهم للسنة، ملتفتين إلى ما ينشأ عن تصرفاتهم من لوازم، ولا يغفُلون عن هذه المعاني الشريفة، والله أعلم.

- إعادة نشر -



group-telegram.com/alnatheerr/10425
Create:
Last Update:

لو خالَف أبو بكر الصدّيق- رضي الله عنه- حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم، ماذا نفعل ؟.
-----
اعلم أنَّ للصحابي خصوصية زائدة، واعتبارا قويا، وعدالة ثابتة تحمله على الانصياع التامّ للأمر النبويّ وعدم مخالفة حديثٍ بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحالة أن يتركَ العمل به دون أن يكون له في تركِ العمل به تأويل، هذه المقدمة مما لا ينبغي أن يُخالِف فيها من له أدنى نظر في علم الأصول ممن ينتسب إلى أهل السنة، وقد حُكي الإجماع عليها.

فالفرضُ الذي يفرضه بعض المُدَّعين لمنهج السلف بأن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خالفه الصحابة أو فلانٌ منهم فسوف نخطئهم ولا نعمل بقولهم = هو اختراع أصول جديدة ليست من عمل العلماء، وهو إن صح عقلا لم يصح واقعا وشرعا.

لا أعني بذلك أن الصحابي لا تقع منه مخالفة للحديث، فهذا واقع بالفعل، وإنما الممنوع هو أن يخالفه دون التأويل المُستلزم للتخطئة كما هو مقتضى الفرض، فهذا بالفعل طعنٌ في عدالة الصحابي وليس استمساكا زائدا بسنة المعصوم صلى الله عليه وسلم كما يُتوهَّم.

على أن مخالفة الصحابي للحديث تقع على وجوه كثيرة ولكل صورةٍ منها إجراءٌ خاصّ عند الأصوليين، ويُفرِّقون كذلك بين أن تقع هذه المخالفة من طائفةٍ من الصحابة وبين أن تقع من فردٍ واحد منهم، فإطلاق الأحكام هكذا ودمجُ الجميع في صورة واحدة وتنزيل حكم واحد على الكل تهوُّرٌ واستخفاف لا هو من عمل الأئمة ولا هو من العلم.

فمثلا إذا بلغ الصحابة رضي الله عنهم حديثٌ ما، لكنهم لم يعملوا به، وتركوه، وكان عملهم على مخالفة الحديث، والحديث مع ذلك صحيح لا مَطعن في صحته، فعلى مقتضى نظر بعض هؤلاء المعاصرين يجب تخطئة الصحابة والضرب بصنيعهم عُرض الحائط، والاستمساك بالحديث.

في حين أن صنيع العلماء هو العكس؛ لأنهم يعتبرون مخالفة عمل الصحابة للحديث علةً قادحة في الحديث، ويُنزّهون الصحابة عن التواطؤ على مخالفة كلام النبي صلى الله عليه وسلم دون تأويل.

قال إمام الحرمين رحمه الله: " إنْ تحقَّقْنا بلوغَ الخبر طائفةً من أئمة الصحابة، وكان الخبر نصًّا لا يتطرَّق إليه تأويل، ثم ألفيناهم يَقضُون بخلافه مع ذِكره والعِلم به = فلسنا نرى التعلُّق بالخبر؛ إذ لا مَحمل لتركِ العمل إلا الإضراب والاستهانة وتركُ المبالاة، أو العلم بكونه منسوخا، وليس بين هذين التقديرين لاحتمالٍ ثالثٍ مجال.

وقد أجمع المسلمون قاطبةً على وجوب اعتقاد تبرئتهم عن القسم الأول، وليس ما ذكرْنا تقديما لأقضِيتهم على الخبر، وإنما هو استمساك بالإجماع على وجوب حملِ عمَلهم على وجهٍ يمكن من الصواب، فكأنا تعلَّقنا بالإجماع في معارضة الحديث " انتهى.

إيضاح كلامه: لو تأكدْنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شيئا أو فعل فعلا، وبلغ ذلك الصحابةَ أو جماعةً منهم، ثم وجدناهم لم يعملوا به، وكان فعلهم غير موافق له، فحينئذ يجب المصير إلى عمل الصحابة وتركُ العمل بالحديث، لماذا؟!

لأن تركَ الصحابة العمل بالحديث في هذه الحال لا يخلو من احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يكونوا تركوا العمل بالحديث استهانةً به وقلة مبالاةٍ بشأنه.

والاحتمال الثاني: أن يكونوا تركوا العمل به، لعلمهم بأن هذا الحديث منسوخ.

أما الاحتمال الأول فهو باطل؛ لحصول الإجماع على عدالتهم وأنهم لا يُقدِمون على هذا الصنيع دون تأويل منهم.

فبقي الاحتمال الثاني، وهو أنهم قد يكونون علموا بأن هذا الحديث منسوخ، فلهذا تركوا العمل به، وليس المصير إلى إيجاب العمل برأيهم تقديما لآرائهم على الحديث، وإنما هو تمسُّكٌ بالإجماع القائل بعدالتهم، فلابد أن يكون لهذه المخالفة وجهٌ من الصحة.

وأما الفردُ من الصحابة الذي يخالف حديثا بلغه أو رواه هو فبيْنَ الأصوليين خلافٌ في التعامل معه، فمنهم من يُبقي الحديثَ على ظاهره ويأخذ به، لكن لا يرمي الصحابي بتعمُّد مخالفة السُّنة ومن ثم يُخطّئه ويسيء معه الأدب، وإنما يحتج مثلا بأن غيره من الصحابة قد عمل بالحديث ولم يتركه.

فإن شئت الأخذَ بهذا القول فغايتك أنك اخترتَ رأيا وقولا لبعض الأصوليين، واختيارك له لا يُخرج المسألة عن كونها خلافية، ولا يُبيح لك المزايدة على مَن أخذ بالقول الآخر وأنك أكثر اتباعا للسنة منه إلى آخر هذا الإسطوانة.

ومن الأصوليين من يرى مخالفة الصحابي للحديث الذي بلغه أو رواه علة قادحة في الحديث أيضا فيصير إلى عمل الصحابي ويترك الحديث، لأن الصحابي لن يترك الحديث إلا لعلةٍ لا للإعراض عنه والعياذ بالله، ولكل فريقٍ حُجةٌ ووجهٌ من النظر مُعتبر.

هكذا يتعامل العلماء مع تلك المسائل، ولا يُصادرون على جماعة المسلمين، ولا يُزايدون على حبهم للسنة، ملتفتين إلى ما ينشأ عن تصرفاتهم من لوازم، ولا يغفُلون عن هذه المعاني الشريفة، والله أعلم.

- إعادة نشر -

BY الدُّرّ النَّثِير


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/alnatheerr/10425

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

That hurt tech stocks. For the past few weeks, the 10-year yield has traded between 1.72% and 2%, as traders moved into the bond for safety when Russia headlines were ugly—and out of it when headlines improved. Now, the yield is touching its pandemic-era high. If the yield breaks above that level, that could signal that it’s on a sustainable path higher. Higher long-dated bond yields make future profits less valuable—and many tech companies are valued on the basis of profits forecast for many years in the future. Telegram does offer end-to-end encrypted communications through Secret Chats, but this is not the default setting. Standard conversations use the MTProto method, enabling server-client encryption but with them stored on the server for ease-of-access. This makes using Telegram across multiple devices simple, but also means that the regular Telegram chats you’re having with folks are not as secure as you may believe. The Dow Jones Industrial Average fell 230 points, or 0.7%. Meanwhile, the S&P 500 and the Nasdaq Composite dropped 1.3% and 2.2%, respectively. All three indexes began the day with gains before selling off. "The inflation fire was already hot and now with war-driven inflation added to the mix, it will grow even hotter, setting off a scramble by the world’s central banks to pull back their stimulus earlier than expected," Chris Rupkey, chief economist at FWDBONDS, wrote in an email. "A spike in inflation rates has preceded economic recessions historically and this time prices have soared to levels that once again pose a threat to growth." But Telegram says people want to keep their chat history when they get a new phone, and they like having a data backup that will sync their chats across multiple devices. And that is why they let people choose whether they want their messages to be encrypted or not. When not turned on, though, chats are stored on Telegram's services, which are scattered throughout the world. But it has "disclosed 0 bytes of user data to third parties, including governments," Telegram states on its website.
from it


Telegram الدُّرّ النَّثِير
FROM American