group-telegram.com/mbagherkojok/2609
Last Update:
الصفحة الأخيرة من الكتاب، بعد سقوط المسيرة، في بليدا.
.
.
آخر زيتونة في ذلك البستان، على الطرف الجنوبي من بليدا.. احترقتْ..
كانتْ، قبضة القاذفِ في يدي.
وكانت شفتاي ذابلتين.. كوردةٍ لم تُسقَ ماء منذ أسبوع.
يتساقط الوردُ بغياب الماء.
ويتساقطُ القلبُ بسهولةٍ من جدران هذا القفص الصدري، بغياب أي وجه لهذه الدنيا العجوزِ عنه. ثم يتحرّر.
.
كنتُ أشاهدُ بقايا مسيّرةٍ، تنفجرُ في السماءِ، وتتساقط بقاياها في أحد وديان جبل عامل.
الجرحُ الذي في صدري، كانَ ينزّ بخيطٍ نهائيٍّ من النّور. وينسكبُ على الأرض.
كنوتةٍ موسيقيةٍ في فيلم وداعاً يا صديقي، كالزهرة المتجمّدةِ، تدقُّ على قبضةٍ سريّة لأحد أبواب غيب المخفيّة في زيتونات الحقول.
يمتحنُ المرءُ بالجرحِ، كي يجرّب انفتاحَ كوّة الجسدِ بقوةِ الموتِ، نحو شفاءٍ دائمٍ من سكّين هذه الحياة.
.
دقيقتان مرّتا.
عيناي تثقلان بالتعب.
تهطلُ حولي غيمةٌ من الملائكةِ.
وينفتحُ أمامي كتابٌ مليء بالصفحات المتحركةِ.
صفحةٌ يسيلُ منها النور: حين تبسّمت في وجه أمي. وحين مشيت وراء أبي. وحينَ قبّلت رأس زوجتي النائمة. ثمَ، ملأتُ غرفتي الجانبية ببكاء العاشق في ساعة السحر.
.
صفحةٌ أخرى من الكتاب، كانت تبكي. وتشهق.
هل رأيتم صفحة تبكي وتشهق؟
صفحة كاملةٌ من حياتكَ ستراها في يوم من الأيام، تبكي وتشهق، ويتراكم عليها جبل أبيضُ من الحب: الحب العميق للحسين.
قالوا لي بصوت هامس: كلّ ما ذرفته عينكَ عليه، جمعناه هنا في هذه الصفحة، ولمّا امتلأت، أخبرونا، أنّ الحساب انتقل إلى السماء. ثم أخبرونا في السماء، أنها لم تعد تتسع، فنقلوا حساب حبك للحسين، إلى يد الله.
.
صفحة أخرى، لمدمن المخدرات، الذي جعلته يتوب. ثم يصلي. ثم يصبح مؤذناً في المسجد! أتذكر حينما قلتَ له تقدم وأذّن؟ كيف أن عينه امتلأت بالدمع من الفرح؟
هذا الفرحُ الصامت لمدن المخدرات، الذي أذّنَ للصلاة، فتح لك باب الشهادة!
.
مرّت صفحات كثيرة في هذا الكتاب.. والكائنات العلوية، تكثرُ من حولي، وتخبرني بأسرار الكتاب.
ثم قالت لي: انظر إلى نفسك: أنت كتابك! اقرأ كتابك! وانظر في أعضائك، ولحمك وجلدك، وحواسك، وقلبكَ، وعقلك.. وروحك... ثمّ أخبرنا إن كنت ترى الصفحة الخاتمة؟
.
قلتُ في نفسي: الصفحة الخاتمة؟ كيف سيكون شكل الخاتمة؟ ولمَ هذه الصفحة مدسوسة في جسدي؟
فتّشتُ، بعينينِ مشوّشتين، لكن بقلبٍ حرٍّ مستعدٍّ لترك هذا البنيان الترابي المتهالك الذي اسمه الجسد، في كل كياني.
أين أنتِ؟ أيتها الصفحةُ السرّ؟
أين أنت! بحق كل ذرّة في تراب بليدا!
.
قالت لي إحدى الكائنات العُلوية: انظرْ في يدك يا محمد! يدك اليمنى! انظر بدقةٍ وحب!
أتذكّر، وقبل خروج روحي بلحظتينِ، أنّي نظرت إلى يدي، فرأيت فيها لمحةً خاطفةً من ذلك اليومِ الذي وضعت فيها يدي على رأسِ ابن شهيد، وقلت له: أحبّك.
.
رقّت الروح.
أصبحت شفّافةً كآخر نقطة ماء في قربةٍ في كربلاء.
قريبٌ من الجنة.
بعيدٌ عن التراب.
أرى السماوات والأرض، تضجُّ بكلمة "الله": أجملُ ما يمكن أن يسمعه أحد على الإطلاق! كل شيء يقول: الله! الله! الله!
دقّ قلبي على الساعة الثانية عشرة وثلاثين دقيقة.
ارتفع الأذان في بليدا.
وسقطت مسيّرة هرمس مجنونة.
ثم أصبحت السماء بيضاء بالكليّة.
.
م.ب.كجك
.
#أنار
.
https://chat.whatsapp.com/LW4X42xGsV9BWpdGVedZNh
BY محمد باقر كجك
Share with your friend now:
group-telegram.com/mbagherkojok/2609