Telegram Group Search
.
يختلف معيار الوحي للتقدم والعلو والرفعة في الدنيا عن معايير أهل الدنيا.
فمن معايير أهل الوحي: قياس علوهم وتقدمهم بمقدار مخالفة المشركين!
ولو في فروع الأعمال فضلًا عن أصوله، وستراها في النصوص الشرعية واضحة، باديات معيدات!
فمنها ما ثبت في المسند وعند أبي داود ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻗﺎﻝ: «ﻻ ﻳﺰاﻝ اﻟﺪﻳﻦ ﻇﺎﻫﺮًا ﻣﺎ ﻋﺠّﻞ اﻟﻨﺎﺱ اﻟﻔﻄﺮ، ﻷﻥ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻳﺆﺧﺮﻭﻥ»!
قناة: محمد آل رميح.
. من الإحسان المالي في القرية! كان أهل بلدنا -كأكثر العرب- لهم تحنن ببعضهم، يتعطّف فيه الجميع على الجميع، ولديهم من صور التعاون الاجتماعي، والنفع لبعضهم ما يبهر العارف. • فمنها ما يسمونه: (العانة)، وهو من العون، يساعد شخص شخصا في صريم الزرع…
.
     من وجوه الإحسان التي كانت في ديارنا، ولا تكاد تخلو منها بيوتات أهلنا -في بلاد قحطان وشهران وعسير وما جاورها- وهي كذلك في ديار غيرنا، وربما كانت عند غيرنا أكثر:
القيام على المنقطع الذي ليس له أهل ولا زوج ولا ولد، ورعايته، وتطبيبه، السنوات الطوال حتى الموت، قريبًا كان أو بعيدًا.

ولقد نشأت في القرية أرى العجوز الكبيرة في السنّ يقوم عليها أهل البيت التي هي عندهم ويكرمونها ويرعونها، حتى يظن من لا يعرفهم أنها أمهم أو جدتهم، لعظيم عنايتهم، وبالغ إكرامهم، وموفور احترامهم، حتى يعلمَ بعد ذلك ألا قرابة بين أولئك.
أو ربما كانت قرابة من الدرجة الثانية أو الثالثة.

ومن ألطف ما سمعت به في ذلك: أن الترك لما انسحبوا من بلادنا، تركوا امرأة مريضة زَمِنة منهم في قريتنا.
فقام عليها بعض آل رميح وآووها ومرّضوها، وبقيت عندنا مدة طويلة حتى ماتت، رحمها الله.
ولما ماتت اعتمر بعض عمومتنا عنها -رحمه الله ورحمها- وكان بعدُ إذا جاء لها ذكر؛ يتغبط ويحمد الله أن يسر له ذلك.

هذا وهي امرأة لا تتصل بهم بشجنة قرابة، وهي امرأة مريضة معاقة لا يُنتفع منها، وكان قومها قد بغوا على قومنا، ولم يمنعهم كل ذلك من رعايتها وتطبيبها وبرها والقيام عليها!

لقد كان الناس لا يحييون لأنفسهم فقط، بل يتواسون فيما بينهم، ويعطف بعضهم على بعض، ويحنو بعضهم على بعض، على قلة ذات اليد وشدة الجهد!
واليوم أصبح بعضنا لا يعدو فضله نفسه وزوجه وأبناءه! فلم يعد يشجو بعضَهم أحوالُ قرابته فضلاً عن سائر أمته، ولا يحنو على ضعيف، ولا يصغو إلى مكروب!
والله المستعان.
.
ليس العجب أن يشكر العبد ربه وأن يثني عليه؛ فالعبد يذكر ربه ويثني عليه ويشكره، لأنه عبد لله!
ولكن الفضل والشرف أن يشكر الرب عبده!
ولقد سمّى الله نفسه باسم الشاكر والشكور، فقال سبحانه: ﴿مَّا یَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِیمࣰا﴾.
وذكر في كلام أهل الجنة: ﴿وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِیۤ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورࣱ شَكُورٌ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَمَن یَقۡتَرِفۡ حَسَنَةࣰ نَّزِدۡ لَهُۥ فِیهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ شَكُورٌ﴾.
فلمّا ذكر الله إكرامه لعبد وإحسانه بالحسنى جزاءً للحسنة ختم ذلك باسم الشكور.

وشكر الله للعبد يكون على أنحاء:
- فمن شكر الله لعبده أن يوفقه للطاعة بعد الطاعة، فجزاء الحسنة حسنة بعدها، ولذا كان بعض السلف يرجو القبول إن رأى تيسير الطاعة بعد الطاعة.

- ومن أعظم وجوه شكر الله لعبده أن يتقبل طاعته بأعظم قبول فيجزيه على العمل اليسير بالجزاء الكبير.
كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «مر رجل بطريق فوجد غصن شوك فأخره عن الطريق فشكر الله له فغفر له».
فجازاه بعمله اليسير سعادة الدارين.

والله أعلم
.
قال سبحانه: ﴿وَقَالَتِ ٱلۡیَهُودُ لَیۡسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَیۡسَتِ ٱلۡیَهُودُ عَلَىٰ شَیۡءࣲ وَهُمۡ یَتۡلُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ﴾.
لقد وبخهم الله لبغيهم وعدم عدلهم، وقرن ذلك بأن ذكر أنهم يتلون الكتاب، لأن العلم يدعو للإنصاف والعدل مع المؤالف والمخالف.
.
من فقه الآثار

في صحيح مسلم ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﻗﺎﻝ ﷺ: «ﻳﺨﺮﺝ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﻓﻴﺘﻮﺟﻪ ﻗﺒﻠﻪ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ المؤمنين، ﻓﺘﻠﻘﺎﻩ اﻟﻤﺴﺎﻟﺢ -ﻣﺴﺎﻟﺢ اﻟﺪﺟﺎﻝ- ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻪ:
ﺃﻳﻦ ﺗﻌﻤﺪ؟
ﻓﻴﻘﻮﻝ:
ﺃﻋﻤﺪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺬﻱ ﺧﺮﺝ!
ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻪ:
ﺃﻭ ﻣﺎ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺮﺑﻨﺎ؟
ﻓﻴﻘﻮﻝ:
ﻣﺎ ﺑﺮﺑﻨﺎ ﺧﻔﺎء!
ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ:
اﻗﺘﻠﻮﻩ!
ﻓﻴﻘﻮﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻟﺒﻌﺾ: ﺃﻟﻴﺲ ﻗﺪ ﻧﻬﺎﻛﻢ ﺭﺑﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﻘﺘﻠﻮا ﺃﺣﺪًا ﺩﻭﻧﻪ!
ﻓﻴﻨﻄﻠﻘﻮﻥ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﻓﺈﺫا ﺭﺁﻩ اﻟﻤﺆﻣﻦ، ﻗﺎﻝ:
ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﻫﺬا اﻟﺪﺟﺎﻝ اﻟﺬﻱ ﺫﻛﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ!
ﻗﺎﻝ: ﻓﻴﺄﻣﺮ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﺑﻪ ﻓﻴﺸﺒﺢ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺧﺬﻭﻩ ﻭﺷﺠﻮﻩ!
ﻓﻴﻮﺳﻊ ﻇﻬﺮﻩ ﻭﺑﻄﻨﻪ ﺿﺮﺑﺎ.
ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺃﻭ ﻣﺎ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻲ؟
ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺃﻧﺖ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﻜﺬاﺏ!
ﻓﻴﺆﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﻴﺆﺷﺮ ﺑﺎﻟﻤﺌﺸﺎﺭ ﻣﻦ ﻣﻔﺮﻗﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ رجليه!
ﺛﻢ ﻳﻤﺸﻲ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻄﻌﺘﻴﻦ!
ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ: ﻗﻢ!
ﻓﻴﺴﺘﻮﻱ ﻗﺎﺋﻤﺎ!
ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ: ﺃﺗﺆﻣﻦ ﺑﻲ؟
ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﺎ اﺯﺩﺩﺕ ﻓﻴﻚ ﺇﻻ ﺑﺼﻴﺮﺓ!
ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﺑﻌﺪﻱ ﺑﺄﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ!
ﻓﻴﺄﺧﺬﻩ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﻟﻴﺬﺑﺤﻪ، ﻓﻴﺠﻌﻞ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺭﻗﺒﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﻗﻮﺗﻪ ﻧﺤﺎﺳًﺎ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﻴﻼ!
ﻓﻴﺄﺧﺬ ﺑﻴﺪﻳﻪ ورجليه ﻓﻴﻘﺬﻑ ﺑﻪ، ﻓﻴﺤﺴﺐ اﻟﻨﺎﺱ ﺃﻧﻤﺎ ﻗﺬﻓﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺎﺭ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﻟﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ!
قال ﷺ: «ﻫﺬا ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻨﺎﺱ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻋﻨﺪ ﺭﺏ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ»!

هذا حديث عظيم فيه فوائد جليلة منها:
- في قوله: «ﻓﻴﺘﻮﺟﻪ ﻗﺒﻠﻪ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ المؤمنين»، فهذا الرجل الصالح تعرّض للدجال، مع قيام الأدلة العامة والخاصة على عدم التعرض للفتن، وثبت في سنن أبي داود وغيره عن ﻋﻤﺮاﻥ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﻣﻦ ﺳﻤﻊ بالدجال ﻓﻠﻴﻨﺄ ﻋﻨﻪ، ﻓﻮاﻟﻠﻪ ﺇﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻴﺄﺗﻴﻪ ﻭﻫﻮ ﻳﺤﺴﺐ ﺃﻧﻪ ﻣﺆﻣﻦ ﻓﻴﺘﺒﻌﻪ، ﻣﻤﺎ ﻳﺒﻌﺚ ﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﺒﻬﺎﺕ».
فهذا هو الأصل العام والقاعدة الأغلبية وهو القياس.
ولكن لهذا الأصل استثناء، بحسب مظنة التأثر، والمظنة تتخلف عند غلبة ما يقابلها، ويبحثها الفقهاء في أحكام المآلات.
ومنه هذا الفعل من ذلك المجاهد العظيم، فإنه علم من نفسه ثباتًا وجراءة وتوكلًا، بعثه للقيام في وجه هذا الطاغوت.
ونظيره التعرض لمناظرة أهل الباطل، وقراءة شبهات المنحرفين، فإن الأصل منع التعرض لذلك، إلا لصاحب العلم الذي يعلم من نفسه تصلبًا في السنة، فيُفسح له في الأمر ما لا يفسح لغيره.

- وفي قوله ﷺ: «ﻓﻴﻨﻄﻠﻘﻮﻥ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﺪﺟﺎﻝ، ﻓﺈﺫا ﺭﺁﻩ اﻟﻤﺆﻣﻦ، ﻗﺎﻝ:
ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﻫﺬا اﻟﺪﺟﺎﻝ اﻟﺬﻱ ﺫﻛﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ!».
فيه المبادرة بالنكير على الباطل، فإنه تكلم إذ رآه ولم يتراخَ، وعجل البيان ولم يؤخره، كأنه يبادر ألا يقتل، وكأنه لما خشي أن يباغت بالقتل قبل تبليغ الحق؛ سارع إلى البيان قبل أن تفلت نفسه!

- وقال ﷺ: «ﻓﻴﺄﻣﺮ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﺑﻪ ﻓﻴﺸﺒّﺢ!
ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺧﺬﻭﻩ ﻭﺷﺠّﻮﻩ!
ﻓﻴﻮﺳﻊ ﻇﻬﺮﻩ ﻭﺑﻄﻨﻪ ﺿﺮﺑًﺎ.
ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺃﻭ ﻣﺎ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﻲ؟
ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺃﻧﺖ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﻜﺬاﺏ»!
فصاحب الحق والعلم والإصلاح لا يزيده البلاء إلا ثباتًا!

- وقال ﷺ: «ﻓﻴﺆﻣﺮ ﺑﻪ ﻓﻴﺆﺷﺮ ﺑﺎﻟﻤﺌﺸﺎﺭ ﻣﻦ ﻣﻔﺮﻗﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ رجليه!
ﺛﻢ ﻳﻤﺸﻲ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻄﻌﺘﻴﻦ!
ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ: ﻗﻢ!
ﻓﻴﺴﺘﻮﻱ ﻗﺎﺋﻤﺎ!
ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ: ﺃﺗﺆﻣﻦ ﺑﻲ؟
ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﺎ اﺯﺩﺩﺕ ﻓﻴﻚ ﺇﻻ ﺑﺼﻴﺮﺓ»!
فيه أن المؤمن الصالح كلما قويت الفتنة ازداد بصيرة فيها!
وكلما عظم التلبيس قوي يقينه!

- وقال ﷺ: «ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﺑﻌﺪﻱ ﺑﺄﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ!
ﻗﺎﻝ: ﻓﻴﺄﺧﺬﻩ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﻟﻴﺬﺑﺤﻪ، ﻓﻴﺠﻌﻞ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺭﻗﺒﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﻗﻮﺗﻪ ﻧﺤﺎﺳﺎ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﻴﻼ!»
فيه أن العالم بالله يعلم من رحمة الله بالعباد أن الفتنة لا تتسلط تسلطًا لا يبقى معه للحق ظهور ولا وضوح!
فتأمل فتنة الدجال، وما فيها من الإضلال والابتلاء، حتى بلغ ذلك إحياء الميت! ولكنه مع ذلك كان إحياء قاصرًا، لا يتكرر ولا يطّرد.
وهذا أمر دلت عليه أدلة كثيرة، ففتنة هاروت وماروت كان فيها ما يبينها، فكانا ينذران من يأتيهما.
والدجال في هيئته ما يبين تهافت فتنته، فإنه أعور قبيح المنظر، قمئ الهيئة، مكتوب بين عينيه كافر!

- وفيه أيضًا: أن أهل الدعوة يجب ألا يفسحوا للباطل خطوة!
وألا يظنوا أنهم إن صانعوه حفظ لهم الود! ورد لهم الجميل!
بل بعكس ذلك، فالباطل إن تأخرتَ خطوة تقدم إليك خطوة!
وإن تراخيت في الحق قليلًا طالبك بالكثير، وقضم كل يوم قضمة!
وهذا البطل المؤمن تقدم ولم يتأخر، ولم يعط رأس الكفر من نفسه شيئًا، فأقفل عليه التسلط على المؤمنين، وعادت بركة ثباته على الأمة كلها، فلم ينل من أحد بعده!

- وقال ﷺ: «ﻫﺬا ﺃﻋﻈﻢ اﻟﻨﺎﺱ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻋﻨﺪ ﺭﺏ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ»!
فقد اجتمع لهذا العبد الصالح العلم والعمل، وبهما يُوقّى المؤمن من الفتن.
فأما العلم فهو ظاهر في معرفته بصفة الدّجال وصفة الفتن والمخرج من الفتن.
وليس يكفي العلم النظري! حتى يتبعه وعي بالواقع، ونباهة لإلحاق الحادثة بالنص!

وأما العمل فانظره في مواجهته للباطل، وثباته على الحق، ورزانته في مخاطبة مسالح الدجال، ثم المضاء على السنة حتى الممات!
وتأمل كلامه هنا، وما فيه من استهتار بأهل الجاهلية:
قال: «ﺃﻋﻤﺪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺬﻱ ﺧﺮﺝ!»
هكذا بتجهيل واستصغار!
وتأمل جوابه: «ﻣﺎ ﺑﺮﺑﻨﺎ ﺧﻔﺎء!»
فصغر عقيدتهم، واستعلى بإيمانه، وأمعن في المحاجة!
ثم انظر قوله:
«ﺃﻧﺖ اﻟﻤﺴﻴﺢ اﻟﻜﺬاﺏ»! هكذا بصلف المواجهة، وغلظة المقارعة، ووضوح المجابهة!

والله أعلم.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
• في الموطأ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﻟﺼﻨﺎﺑﺤﻲ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: ﻗﺪﻣﺖ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﺔ ﺃﺑﻲ ﺑﻜﺮ اﻟﺼﺪﻳﻖ، ﻓﺼﻠﻴﺖ ﻭﺭاءﻩ المغرب، ﻓﻘﺮﺃ ﻓﻲ اﻟﺮﻛﻌﺘﻴﻦ اﻷﻭﻟﻴﻴﻦ ﺑﺄﻡ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﺳﻮﺭﺓ ﺳﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﻗﺼﺎﺭ اﻟﻤﻔﺼﻞ.
ﺛﻢ ﻗﺎﻡ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻓﺪﻧﻮﺕ ﻣﻨﻪ ﺣﺘﻰ ﺇﻥ ﺛﻴﺎﺑﻲ ﻟﺘﻜﺎﺩ ﺃﻥ ﺗﻤﺲ ﺛﻴﺎﺑﻪ، ﻓﺴﻤﻌﺘﻪ ﻗﺮﺃ ﺑﺄﻡ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺑﻬﺬﻩ اﻵﻳﺔ: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَیۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ﴾.

- فهل هذه من أبي بكر -رضي الله عنه- قراءة أم دعاء؟
- تبويبات الأئمة كعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي تذكر هذا الفعل من قراءة من أبي بكر رضي الله عنه في أبواب القراءة بعد الفاتحة في الأخريين، وذهب إلى مشروعية قراءة هذه الآية في ثالثة المغرب خاصة عمر بن عبد العزيز وغيره.
وهذا جار على مذهب من يرى القراءة بعد الفاتحة في الركعتين الأخريين، وهو مذهب بعض السلف كعبد الله بن عمر، ومذهب الشافعي المنصوص عنه في الأم، فإنه روى هذا الحديث عن مالك ونص عليه، وله قول آخر وافق فيه الجمهور.
=
=
وذهب آخرون إلى أن هذا الفعل من أبي بكر رضي الله عنه، كان دعاء لا قراءة، وهو مذهب أئمة كمكحول، ونصره الطحاوي في المشكل، وسئل أحمد عن هذا الأثر فتردد في سببه، وكذا ذكره الباجي احتمالًا، وحمله عليه فقهاء، كابن رشد وابن قدامة.
ولعل ذلك لما كان قد رآه أبو بكر من ردة الناس، واختلاف الحال بعد رسول الله ﷺ، فاستعصم بمثل هذا الدعاء في ذلك الزمان.
وهذا يجري على قول من يستحب التسبيح والذكر في قيام الركعتين الأخريين، وهو مذهب بعض السلف، كإبراهيم والثوري، خلافًا لفقهاء الأمصار الذين يرون قراءة الفاتحة فيهما.
والعلم عند الله.
.
أخوك نفسك!

آيات في كتاب الله نقرؤها، نراها أنزلت المؤمنَ منزلة النفس، وأقامت أخوة الدين أعظم من مقام أخوة النسب.
وذلك لعظيم حق المسلم على أخيه، وعلو منزلة الأخوة الدينية.
فقال سبحانه: ﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوۤا۟ إِلَىٰ بَارِئكُمۡ فَٱقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ﴾.
فقوله: ﴿فَٱقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ﴾، أي اقتلوا إخوانكم ممن تاب من عبادة العجل.

وفي قوله تعالى: ﴿وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَاۤءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ ثُمَّ أَقۡرَرۡتُمۡ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ﴾
فليس اﻟﻤﺮاﺩ اﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻳﺴﻔﻚ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺩﻡ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﻭ ﻳﺨﺮﺝ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻦ ﺩاﺭﻩ، وليس ﻣﻔﻌﻮﻝ ﺗﺴﻔﻜﻮﻥ ﻫﻮ ﺩﻣﺎء اﻟﺴﺎﻓﻜﻴﻦ.
ولكن سفك الدماء وإخراج النفس هنا أي سفك دماء أخوة الدين، وإخراجهم من بلادهم.
قال ﻗﺘﺎﺩﺓ: ﻧﻔﺴﻚ ﻳﺎ اﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺃﻫﻞ ﻣﻠﺘﻚ.

وكذا في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰ⁠لَكُم بَیۡنَكُم بِٱلۡبَـٰطِلِ﴾.
﴿تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰ⁠لَكُم﴾ أي تأكلوا أموال إخوانكم.

وفي قوله تعالى: ﴿لَّوۡلَاۤ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَیۡرࣰا وَقَالُوا۟ هَـٰذَاۤ إِفۡكࣱ مُّبِینࣱ﴾.
أي ظنوا بإخوانهم خيرًا.


وفي قوله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلۡتُم بُیُوتࣰا فَسَلِّمُوا۟ عَلَىٰۤ أَنفُسِكُمۡ تَحِیَّةࣰ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَـٰرَكَةࣰ طَیِّبَةࣰ﴾.
أي سلّموا على إخوانكم.

وفي قوله سبحانه: ﴿وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ﴾.
أي لا تلمزوا إخوانكم.
ﻓﻘﺎﺗﻞ ﺃﺧﻴﻪ ﻛﻘﺎﺗﻞ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻻﻣﺰﻩ ﻛﻼﻣﺰ ﻧﻔﺴﻪ!

ﻓﻮﺟﻪ الإﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺿﻤﻴﺮ الفاعلين ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻷﺣﻜﺎﻡ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻷﻣﺔ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺪﻟﻮﻝ اﻟﻀﻤﺎﺋﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻉ الأمة، لأنها ﺭاﺟﻌﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺃﻭ اﻟﻤﻔﺴﺪﺓ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ.

ومنه ما جاء عن الأحنف ﺑﻦ ﻗﻴﺲ وقد قُتل ولده، ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺎﺗﻠﻪ ﺃﺧﻮ اﻷﺣﻨﻒ! ﻓﺄتي بأخيه ﻣﻜﺘﻮﻓًﺎ ﻟﻴﺄﺧﺬﻩ ﺑﻪ! ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺁﻩ ﺑﻜﻰ ﻭﺃﻧﺸﺪ:
ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺗﺄﻧﻴﺒًﺎ ﻭﺗﺴﻠﻴﺔ ** ﺇﺣﺪﻯ ﻳﺪﻱ ﺃﺻﺎﺑﺘﻨﻲ ﻭﻟﻢ ﺗﺮﺩ!
كلاهما ﺧﻠﻒ ﻣﻦ ﺑﻌﺪ ﺻﺎﺣﺒﻪ ** ﻫﺬا ﺃﺧﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﺩﻋﻮﻩ ﻭﺫا ﻭﻟﺪﻱ!

ﻭﻣﻦ ﻫﺬا ﻗﻮﻝ اﻟﺤﺎﺭﺙ بن وعلة الجرمي:
ﻗﻮﻣﻲ ﻫﻢ ﻗﺘﻠﻮا -ﺃﻣﻴﻢ- ﺃﺧﻲ ** ﻓﺈﺫا ﺭﻣﻴﺖ ﻳﺼﻴﺒﻨﻲ ﺳﻬﻤﻲ!
ﻓﻠﺌﻦ ﻋﻔﻮﺕ ﻷﻋﻔﻮﻥ ﺟﻠﻼ ** ﻭﻟﺌﻦ ﺳﻄﻮﺕ ﻷﻭﻫﻨﻦ ﻋﻈﻤﻲ!

وهكذا يزكي القرآن المؤمنين، ويعظهم في حق إخوانهم، ويعلمهم كيف ينزلون إخوانهم مقام أنفسهم.
ومن أنزل أخاه منزلة نفسه؛ لم يبغ عليه!
ومن أنزل أخاه منزلة نفسه؛ لم يسِئ به الظن! وحمل كلامه على أحسن المحامل!
ومن أنزل أخاه منزلة نفسه؛ لم يتساهل في حقه، من مال وعرض.
ومن أنزل أخاه منزلة نفسه؛ فرح لفرحه، وحزن لحزنه، ولم ينفِس عليه نعمة، ولم يحسده في كرامة.
ومن أنزل أخاه منزلة نفسه؛ صبر عليه، واحتمل له، وغفر له وآثره!

ثم قارن ذلك بما تجده عند بعضهم من بروز الأثرة، وطغيان حب النفس، وكثرة الحديث عن تجاهل الناس، والاهتمام بالنفس أولًا ثم بالنفس ثانيًا!
قارن تربية القرآن بالتربية الفردانية الغربية التي سرت إلى المسلمين بواسطة بعض كتب تطوير الذات، ودورات الهندسة النفسية، التي تضخّم الأنانيّة، وتتمدح بالأثرة، وتعذل على الإيثار، وتسذّج أصحابه!
.
ختام قصة فتية الكهف

في ختام قصة فتية الكهف جاءت الوصايا القرآنية معتقبة قصتهم بجملة من الوصايا التي تناسب تلك الحادثة العجيبة.

وللقرآن طريقة معهودة في مقدمات الأخبار والقصص، وخواتيمها.
والمتدبر لكتاب الله يجب أن يعتني بذلك، وأن يرى علائق القصة بمقدماتها وما يعقبها، فهو من كمال فهم الأخبار والقصص القرآنية، كما تجد ذلك في ختام قصة ذبح البقرة، وختام قصة موسى ﷺ مع قومه في الأعراف، وختام قصة يوسف عليه السلام في آخر سورة يوسف.


فختمت قصة الفتية المؤمنين بالحديث عن ثلاث قضايا ترَقّى فيها الخطاب بحسب الترتيب الشرعي.

فجاء الحديث عن المنهج، ثم أصحاب المنهج، ثم خصوم المنهج!
جاء الحديث عن اتباع الكتاب.
ثم الصبر مع المؤمنين بالكتاب والإعراض عن غيرهم.

ثم دعوة من لم يتبع الكتاب.
على هذا النحو:
١•• فقال ﷻ: ﴿وَٱتۡلُ مَاۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدࣰا﴾.
ففي وسط تهويشات كفار قريش، وتشكيكات المبطلين بأحداث فتية الكهف، يأمر نبيه ﷺ بتلاوة الوحي فحسب، والمضاء دون التفات للتهويشات والتشويشات.
ونبهه ربّه إلى أمرين:
١) أن الحق ماض، والكتاب عزيز، والشريعة باقية لا مبدل لها، ولا مغير.
٢) ثم نبه أن من حرّف أو بدّل أو غيّر فلا يضر إلا نفسه، ولن يجد له ناصرًا ولا معينًا.

وهي موعظة لكل من تؤلمه اعتراضات أهل الباطل، وإرجافهم وبغيهم:
اثبت على الحق، فالحق باق لن يبدل
واحذر التبديل، فمن بدل فإنما يضر نفسه.

٢•• ثم قال تعالى: ﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَیۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِیدُ زِینَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطࣰا﴾.
وفي هذه الآية فوائد كثيرة، منها:
١) فبعد ذكر قصة الفتية الصالحين، الذين تعاونوا على الحق، وذكر فرارهم إلى الله، وبعد خبر قصص بلائهم وما نالهم في ذات الله؛ أمر الله بالصبر مع الصالحين، وعدم التولي عنهم.

٢) وفيه إشارة إلى أنّ من أسباب تثبيت الله لهم؛ أنهم كانوا مجتمعين يتعاونون على الحق، ويصبّر بعضهم بعضًا، وليسوا منفردين، كل واحد له شأنه، «فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»! رواه أحمد وأبو داود.

٣) وتأمل قوله: ﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ﴾، وهو أسلوب منفرد في القرآن لم يأتِ إلا في هذا الموضع، فإن الأمر بالصبر في القرآن لا يذكر معه مفعوله عادة، ولكن أتى هنا، وهو بمعنى احبس نفسك مع هؤلاء المخلصين المتيقّظين الذين لا يريدون دنيا ولا يبتغون شرفًا، ولكنهم يريدون الله.
فهؤلاء هم الذين ينبغي أن يأوي إليهم أهل الدعوات، وأن يسكن لهم أهل الإصلاح.

٤) وقد وصف الله هؤلاء الصالحين بوصفين:
- الديمومة على الدعاء والذكر والعبادة والصلاة في كل وقت، ولذا قال: {یَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِیِّ}.
- الإخلاص، ولذا قال: {یُرِیدُونَ وَجۡهَهُ}.

٥) وتأمل أنه قال: ﴿وَلَا تَعۡدُ عَیۡنَاكَ﴾
فإن فيه إشارة إلى ملازمة الصالحين، حتى كأن ﻋﻴﻨﻴﻪ لا تعدو ولا تفارقهم.

٦) وقد نهى الله عن ترك صحبتهم، ثم عقّب بذكر سبب مؤثر من أسباب هجر الصالحين، وترك ملازمتهم، فقال: ﴿وَلَا تَعۡدُ عَیۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِیدُ زِینَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا﴾.
ولقد رأيت ورأى غيري وصاو من المعروف في أحوال الناس؛ أن المتنسك يبدأ في أول أمره يلازم الصالحين فيبقى عليه بهجة الطاعة، ويمون خفيف الحاذِ قليلة دنياه، ثم إذا كبر في السن، ونال من الدنيا ما نال، قلّت صحبته للصالحين، فظهر عليه الخلل وضعف وذبلت نداوته وذهبت بهجته!

٧) ثم نهاه ربه أن يطيع من هم بضد السابقين، فوصفهم بصفات:
- الغفلة عن الذكر، والإعراض عن الحق.
- اتباع الهوى، والإقبال مع الهوى.
- التضييع في الأمر، وعدم الحزم مع النفس.

وهي بضد صفات المتقين الماضية:
فالذكر يقابله الغفلة.
والإخلاص يقابله اتباع الهوى.

=
=
٨) وفي سبب نزولها أن ذلك كان بسبب ما قاله المشركون للنبي ﷺ، إذ سألوا أن يبعد عنهم هؤلاء الفقراء، فنهى الله نبيه ﷺ عن ذلك، وفيه:
أنّه يجب على المؤمن والعالم والمصلِح أن يحذر من طاعة الكفّار فيما يقترحونه، وأن يتنبه لتسويغات التنازل عن الحق، فهي في أكثرها من خطوات الشيطان.

٩) وفي قوله: ﴿أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا﴾، دليل على أنّ الله قد يسلّط على العبد بذنوبه السالفة ذنوبًا أخرى، وقد يقدر عليه أسباب الذنوب.
فإن الله أخبر أنه يغفل قلب هذا، والأدلة دالة على أن ذلك قد يكون بذنب سالف.

١٠) وَجمع سبحانه في قوله: ﴿أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاه﴾، بين خلو القلب من الهدى، واحتشائه بالهوى، وهما متلازمان!
فالقلب لا يفرغ من اعتقاد وعمل، فإما أن يمتلئ بالحق، أو بضده!
فإذا تساهل العبد في الطاعة والذكر والإنابة وأعرض عن النور؛ ضعف قلبه فتسلط عليه الهوى، وأظلم قلبه!

١١) وفي قوله: ﴿وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطࣰا﴾، ذم لهم بأنهم أهل تضييع حال، وشتات أمر واختلال شأن.
وهي نتيجة الغفلة واتباع الهوى.
والله أعلم.

٣•• ثم بعد ذلك قال: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَاۤءَ فَلۡیُؤۡمِن وَمَن شَاۤءَ فَلۡیَكۡفُرۡۚ إِنَّاۤ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِینَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن یَسۡتَغِیثُوا۟ یُغَاثُوا۟ بِمَاۤءࣲ كَٱلۡمُهۡلِ یَشۡوِی ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَاۤءَتۡ مُرۡتَفَقًا﴾
فبعد الوصية بالصبر مع المؤمنين، واجتناب أهل الهوى والغفلة المبطلين، انتقل الحديث عن الدعوة، وهو الترتيب المنهجي الإيماني، فيسعى المؤمن في تكميل نفسه، ثم في تكميل غيره، وينتقل من نصح نفسه وإصلاحها، إلى نصح غيره واستصلاحه.
والنصح له طرق، والإصلاح له سبل، تارة ببيان الحجة، وتارة برد الشبهة، وتارة بالترغيب، وتارة بالترهيب، وتارة بالملاطفة وتارة بالتقريع.
وهنا فقد ائتنف الحديث في الدعوة بأسلوب عجيب، يستعلي على الباطل، ولا يشتغل بالنقض والرد، ولكن بأن يجعل المدعو في مواجهة مصيره، ويوقفه أمام نفسه! بأسلوب ممزوج بالترهيب الشديد! والترغيب البهيج!
ليقول: هذا الحق بين واضح، وإنما النفع لك، والضر عليك، والخيار لك في سلوك السبيلين، والنار قد أعدت لمن تولى! والجنة أعدت لمن أطاع!
فذكر تفاصيل العذاب، ثم ذكر تفصيل النعيم.

والله أعلم.
.
قال ابن القيم: "ﻣَﻦ ﻓﻘﺪ ﺃﻧﺴﻪ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﻭﺟﺪﻩ ﻓﻲ اﻟﻮﺣﺪﺓ ﻓﻬﻮ ﺻﺎﺩﻕ ﺿﻌﻴﻒ!
ﻭﻣﻦ ﻭﺟﺪﻩ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﻓﻘﺪﻩ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻮﺓ ﻓﻬﻮ ﻣﻌﻠﻮﻝ!
ﻭﻣﻦ ﻓﻘﺪﻩ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﻓﻲ اﻟﺨﻠﻮﺓ ﻓﻬﻮ ﻣﻴﺖ ﻣﻄﺮﻭﺩ!
ﻭﻣﻦ ﻭﺟﺪﻩ ﻓﻲ اﻟﺨﻠﻮﺓ ﻭﻓﻲ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻬﻮ المحب اﻟﺼﺎﺩﻕ اﻟﻘﻮﻱ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﻪ"!
• الفوائد (٤٣)
.
قال ابن مجاهد: "كنت عند أبي العباس ثعلب، فقال: يا أبا بكر!
اشتغل أهل القرآن بالقرآن ففازوا!
واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا!
واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا!
واشتغلت أنا بزيد وعمرو؛ فليت شعري ماذا يكون حالي في الآخرة؟!
فانصرفت من عنده تلك الليلة، فرأيت النبي ﷺ في المنام، فقال:
"أقرئ أبا العباس عني السلام، وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل"!
قال أبو عبد الله الروذباري: أراد أن الكلام به يكمل، والخطاب به يجمل، أو أنه أراد أن جميع العلوم مفتقرة إليه".
تاريخ بغداد (٦/ ٤٤٨)
أي أن يستطيل لنيل كل علم بعلم اللغة، وهذا أمر مشاهد، فإن النابه في علوم اللغة إذا توجه لعلوم الشريعة برز -غالبًا- وأتى بما لم يستطعه من ليس في رتبته في علومها.

وأما تحسر هذا العالم الصالح فأمر كريم دعاه له زكاؤه وطهرته، مع ميل النفوس لتعظيم ما هي عليه من العلوم، وتفخيم ما لها به علاقة من المعارف.
.
في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال النبي ﷺ في نزول عيسى ابن مريم ﷺ وقتله للدجال:
«ﻓﻴﻨﺰﻝ ﻋﻴﺴﻰ اﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﷺ ﻓﺄﻣﻬﻢ، ﻓﺈﺫا ﺭﺁﻩ ﻋﺪﻭ اﻟﻠﻪ، ﺫاﺏ ﻛﻤﺎ ﻳﺬﻭﺏ اﻟﻤﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﻤﺎء!
ﻓﻠﻮ ﺗﺮﻛﻪ ﻻﻧﺬاﺏ ﺣﺘﻰ ﻳﻬﻠﻚ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﻘﺘﻠﻪ اﻟﻠﻪ ﺑﻴﺪﻩ، ﻓﻴﺮﻳﻬﻢ ﺩﻣﻪ ﻓﻲ ﺣﺮﺑﺘﻪ».
في هذا الحديث فائدة جليلة:
وهي أن الله إذا قدّر هلاك الباطل فيكون إما بالأمر الكوني بآية من آياته، كالإهلاك بالآفات والأمراض ونحوها.
وإما إن يكون ذلك على أيدي أهل الإيمان والتوحيد.
والمؤمن يبادر ليكون هلاك الباطل وانتصار الحق بيده، ولا ينتظر أن يكون هلاك الباطل بآفة وانتصار الحق بآية أو نحوها.
ولذا سيبادر عيسى ﷺ ليكون هلاك الدجال على يده ولا ينتظر حتى يذوب وينماع بالإهلاك الكوني المحض.
.
من أدعية الأبطال المؤمنين

حين جاء الحديث القرآني عن بطولات المؤمنين مع إبراهيم ﷺ وهم يدافعون قومهم، ويدرؤون في نحورهم، ويظهرون لهم البراء في سورة الممتحنة:
﴿إِنَّا بُرَءَ ٰۤ⁠ ؤُا۟ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰ⁠وَةُ وَٱلۡبَغۡضَاۤءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُ﴾.
عقّب ذلك بدعاء رقيق، يدفع فيه المؤمن صولة العجب عن نفسه ويحجز عنها رعونات الفخر والخيلاء! فقال تعالى عنهم:
﴿رَّبَّنَا عَلَیۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَیۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَیۡكَ ٱلۡمَصِیرُ ۝ رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾.
فهم وإن قاموا لله قومة صدق وبذل وتضحية!
وهم وإن استهتروا بالباطل وأهله!
وأظهروا الصلف والمراغمة لكفار قومهم؛ فإنهم قد جمعوا مع ذلك التذلل لله، والخضوع له، والتطامن أمام ربهم!

ولربما قام بعضهم لله قومة بطولة واستبسال؛ ولكن يغفل عن التوكل على الله، فيخذل!
وربما ضحّى في سبيل الله وأعطى وتعبد واجتهد؛ فعجب بعمله، ووقع في الرياء والسمعة، فدواء ذلك أن يستحضر توكله على الله ومصيره إليه، فإنه إذا استحضر ذلك زال عن نفسه هذا الداء، وتطهرت نفسه من أدرانه.

ثم دعوا فقالوا: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾!
لا تجعلنا فتنة!
أي سببا لفتنتهم عن الحق على الصحيح، فلا تسلطهم علينا، فيكون في ذلك فتنة لهم، إذ يقولون: لو كان الإيمان يحمي أهله ما سلطنا عليهم وقهرناهم!
فالمؤمن المصلح وإن عادى أهل الباطل، وإن تبرأ منهم، وأبغضهم؛ لكنه مع ذلك يسعى لهدايتهم!
ويخاف أن يضلوا بسببه!
فيجمع بين القيام بحق الخالق، والرحمة بالخلق!
وليس يعادي لأمر شخصي به، ولا لميل ذاتي، ولا لشأن دنيوي!

ثم قالوا: ﴿وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾، فدعوا بالمغفرة، ليدفعوا مرة أخرى عن أنفسهم العجب!
وليكون لهم واعظ من أنفسهم، أنهم وإن قاموا قومة صدق، وإن كانوا أهل إباء للكفر، لكنهم يخشون ذنوبهم، ويخافون جريرتها، ويخشون عاقبتها!
والعبد مهما بلغ فهو مقصر، ومهما اجتهد فلابد سيذنب، ومهما بذل فهو في إعواز إلى مغفرة ربه له.

والله أعلم.
.
الإثنين ٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
وقفات مع سورة الصف

سورة الصف السورة التي جاء فيها ذكر التدافع بين الحق والباطل، وافتتحت بقول الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون﴾،
ليبيّن الله بعد ذلك ثلاث صفات من صفات أهل الحق الذين يكون بهم كمال دفع الباطل:
١- العمل بما نقول.
٢- كمال الأخوة الإيمانية والولاء للمؤمنين، (الصف الواحد)
٣- القتال في سبيل الله.
فقال جلّ جلاله: ﴿إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيانٌ مرصوص﴾.

وهذا التدافع بين الحق والباطل، وبين الإسلام والكفر هو محاولة من الباطل لإطفاء نور الله، لذلك قال جلَّ جلاله : ﴿يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ﴾، فأهل الباطل يريدون إطفاء نور الله، وأهل الحق يريدون إظهار دين الله، قال سبحانه:
﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾.

وهذه المدافعة بين الحق والباطل تجارة مع الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال جلّ جلاله: ﴿يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم﴾.
فلا يَهزمُ الكُفَّار إلا من تاجر مع الله سبحانه وتعالى، قال سبحانه: ﴿تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم﴾.
فإن امتثل المؤمنون وتاجروا مع الله وقاتلوا في سبيله؛ حقق لهم وعدًا دنيويا ووعدا أُخرويّا.
والسياقُ ابتدأ بالوعد الأخرويّ مع أن الحديث الماضي كان عن هزيمة الكفّار وإظهار دين الله، وهذا إنما يكون في الدنيا، لكن السياق لما ذكر ثواب هذه التجارة قدَّم شأن الآخرة، قال جلَّ جلاله: ﴿يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيّبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم﴾، ثم قال ﴿وأُخرى تُحِبُّونها نصرٌ من الله وفتح قريب وبشّر المؤمنين﴾، وهذه آية منفردة في القرآن، وفيها معنى عظيم في تزهيد المؤمنين بالدنيا؛ فمع أن الله يحب نصر أوليائه وفتحهم للأرض، ولكنه ذكرها ذكرًا جعلها كالنافلة في مقابل ثواب الآخرة؛ ولذا قال: ﴿وأُخرى تحبُّونها فتح من الله ونصر قريب﴾.
ثم ختم السياق بذكر مثال من أمثلة التدافع بين الحق والباطل حين قال جلّ جلاله: ﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصارُ الله﴾.

منقول من درس، د. محمد آل رميح.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعتُ أبي يقول: رأيتُ ربَّ العِزَة -عزَّ وجلَّ- في المنام، فقلت: يا ربِّ ما أفضل ما تقرب به المتقربون إليك؟ فقال: كَلامي يا أحمد. قال: قلتُ: يا ربِّ، بفهم أو بغير فهم؟ قال: بفهم وبغير فهم.

مناقب الإمام أحمد (ص: ٥٨٣).
.
من فقه المتزكي أن يرقب قلبه، وما يشغله، وما يمتلئ به، وما يغفله، فقد وصف النبي ﷺ القلب بالوعاء، فقال ﷺ كما في المسند من حديث عبد الله بن عمرو: «اﻟﻘﻠﻮﺏ ﺃﻭﻋﻴﺔ، ﻭﺑﻌﻀﻬﺎ ﺃﻭﻋﻰ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ»، أي أوعى للعلم، وأوسع أخذًا، وأكثر فهمًا.

ولذا ثبت في شعب الإيمان للبيهقي عن ﺫي اﻟﻨﻮﻥ ﺑﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻤﺼﺮﻱ ﻗﺎﻝ: "ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﺧﻠﻖ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﺃﻭﻋﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻢ".

ولصلاح القلب وطهرته أثر في أخذ العلم وفهمه، فكلما كان العبد أفضل كان قلبه للخير أوعى.
ففي جامع بيان العلم لابن عبد البر عن ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ:
"ﺇﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﺃﻭﻋﻴﺔ، ﻓﺨﻴﺮﻫﺎ ﺃﻭﻋﺎﻫﺎ ﻟﻠﺨﻴﺮ، ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﺛﻼﺛﺔ:
ﻓﻌﺎﻟﻢ ﺭﺑﺎﻧﻲ، ﻭﻣﺘﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﻧﺠﺎﺓ، ﻭﻫﻤﺞ ﺭﻋﺎﻉ ﺃﺗﺒﺎﻉ ﻛﻞ ﻧﺎﻋﻖ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻀﻴﺌﻮا ﺑﻨﻮﺭ اﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺠﺌﻮا ﺇﻟﻰ ﺭﻛﻦ ﻭﺛﻴﻖ".

وقد أشار ابن تيمية إلى هذا المعنى فقال:
"اﻟﻘﻠﺐ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﺭﻗﻴﻘًﺎ ﻟﻴﻨًﺎ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﻟﻠﻌﻠﻢ سهلًا ﻳﺴﻴﺮًا ﻭﺭﺳﺦ اﻟﻌﻠﻢ ﻓﻴﻪ ﻭﺛﺒﺖ ﻭﺃﺛﺮ.
ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﺎﺳﻴًﺎ ﻏﻠﻴﻈًﺎ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﻟﻠﻌﻠﻢ ﺻﻌﺒًﺎ ﻋﺴﻴﺮًا".
مجموع (٩/ ٣١٥)

ومن أعظم ما يملأ به القلب القرآن، فإنه يطهره من أدرانه ويزحم الباطل الذي فيه، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ بن مسعود قال:
"ﺇﻥّ ﻫﺬﻩ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﺃﻭﻋﻴﺔ فأﺷﻐﻠﻮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻻ ﺗﺸﻐﻠﻮﻫﺎ ﺑﻐﻴﺮﻩ".
برقم: (٣٠٠١١)

ومن عجيب حال القلب أنه إذا فسد أفسد العلم الذي يدخله!
وفيه يقول طبيب القلوب ابن تيمية: "ﻭﺇﻻ ﻓﻠﻮ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻠﻢ ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﻛﺪﺭ ﻭﺧﺒﺚ ﺃﻓﺴﺪ ﺫﻟﻚ اﻟﻌﻠﻢ!
ﻭﻛﺎﻥ ﻛﺎﻟﺪﻏﻞ ﻓﻲ اﻟﺰﺭﻉ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ اﻟﺤﺐ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﺒﺖ؛ ﻣﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺰﻛﻮ ﻭﻳﻄﻴﺐ ﻭﻫﺬا ﺑﻴﻦ ﻷﻭﻟﻲ اﻷﺑﺼﺎﺭ".
مجموع الفتاوى (٩/ ٣١٥)

والله أعلم.
2024/12/26 18:54:34
Back to Top
HTML Embed Code: