Telegram Group Search
اعمل بآثار النبي فإنها النور المبين - بطانة الشيخ طه الفشني
اعمل بآثار النبي فإنها النور المبين.

واقبل نصيحته ففيها العزّ والشرف المكين

واشدد يمينك بالشريعة إنها السبب المتين.

خير البرية أحمد والحقُّ يصحبه اليقين

قد جاءه جبريل حقا بالكتاب المستبين

صلى عليه الله والأصحاب ثم التابعين.
هذه القناة العطرة التي يفوح منها أطيب نشر؛ لجريان ذكر أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم فيها.
شاركوها ودلُّوا الناس عليها.

https://www.group-telegram.com/ShamaeloftheProphet
غالبًا ما يكون الوصف على مدى إدراك الواصف، فالغلام الصغير حينما يصف شيئا غريبا رآه لم يكن له به سابقُ عهد فإذا كان هذا الشيء ضخما مثلا أو طويلا فإنه يضرب له مثالا بأضخم شيء رآه أو أطوَل شيء يعرفه، ويكون هذا هو غاية الضخامة أو منتهى الطول بالنسبة إلى مَداركه هو وما اختزن في ذهنه وعقله من المعلومات القليلة والمدركات المحدودة، في حين أن هذا الشيء بالنسبة إلينا قد يكون معتادا ومألوفا لا نرى فيه عظمة ولا نلحظ فيه تلك المبالغة التي يراها الطفل.

وكذلك نحن الكبار لا يختلف أمرنا في وصف الأشياء عن حال هذا الطفل بالنسبة لمَن تتسع مداركه وخزائن معلوماته أكثر منا، إلا أن القُدرات هاهنا متفاوتة، تبعا لتفاوت المعلومات المخزونة المَقيس عليها، وتبعا لحال الشخص الواصف نفسه مع الموصوف وقوة إحساسه بحقيقته ووقوفه على مرتبته الواقعية ومدى تطرُّق الوهم إليه عند الوصف.

فإذا ما صعَّدتَ النظر ورأيت أعلم العالمين - سبحانه جل شأنه - وهو المحيط بكل شيء المنزّه عن الأوهام، الصادق فيما يخبر به، يقول في حق حبيبه - صلى الله عليه وسلم- " وإنك لعلى خلق عظيم" فلا ينبغي أن نفهم مقدار هذه العظمة على مقدار تصوراتنا ومداركنا نحن، بل نفهمها في إطار عظمة الواصف - سبحانه- ومدى إحاطته بحقائق الأشياء ومُفاضلته هو بينها، حينئذ ينعقد اللسان وتتقاصر الأفكار عن إدراك حقيقة هذه العظمة المحمدية التي لا يعرف مرتبتها الحقّة إلا خالقُه الحق - جل وعلا -.
الإغضاء شفيع المَحبة، والاهتمام وَقُودُها، وحُسن الظنّ رسول القلوب.
من أسباب وقوع الخلاف بين العلماء في فهم الخطاب الشرعي: غيابهم عن حضور مشاهد الخطاب النبوي وما يقترن به من قرائن الأحوال المعنوية المُعيِّنة للمعاني المقصودة؛ فإن ما ميَّز أهل الصدر الأول - فوق صيرورة العلوم المتوقف عليها فهم الخطاب طبائعَ لهم وسلائق - أنهم خالَطوا صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم وشافهوه وعرفوا عوائده في خطابه وهذه العوائد تُدرك بالمخالَطة أكثر من غيرها من الكلام المُصمَت المنقول.

بيان ذلك: أن المتكلم كثيرا ما يستعين على إيضاح مقصوده وتعيينه بأمور ليست من جنس الكلام الملفوظ، كالإشارة بيديه مثلا، وحركات وجهه وعينيه، وكالتصرف في نبرة صوته صعودا وهبوطا، ونحو ذلك، وكل واحد من هذه الأشياء له مَدخلٌ في إفهام المراد للسامع على وجهه إفهامًا لا لبس فيه ولا مجال فيه للتردد، ولا أحسب أن هذا مما قد يُنكر؛ لأننا نجده في أنفسنا ضروريا، بدليل أننا في هذه المواقع مثلا كثيرا ما يُفهم كلامنا على غير وجهه ونُفَضّل أن تلتقي الوجوه وتتصافح الألسنة، لأن معنا حينئذ من طبقات الصوت ومن تعبيرات الوجوه ومن حركات الأيدي ومن الارتياح في بيان المراد وجها لوجه ما يُعدّ من أعظم الأمارات والقرائن على تعيين المقصود وإزالة كل لبسٍ عنه واختلاطٍ بغيره.

وأهل الصدر الأول حصَلت لهم كل هذه المعاني ولم تحصُل لغيرهم؛ ولهذا كان الاختلاف بينهم قليلا، ومعظمه في أمور لم يسمعوها منه، فاجتهدوا فيها بآرائهم، أما ما سمعوه منه وشافههم به فقد رأوا من قرائن أحواله ما فهموا به مراده وإن كان اللفظ نفسه محتملا.

بخلاف الطبقات التالية لهم، فإن ما وصل إليهم من الآثار لم تحتفّ به تلك الأحوال لأنها من الصعب أن تُنقل- إلا نادرا - فلم يكن أمامهم إلا ألفاظ محتملة يجوز أن تُفسَّر على وجوه كثيرة من الصواب يحتملها اللسان العربي ولا يأباها ولا يُجزم فيها مع ذلك بأن المعنى الفلاني هو المقصود وحده، ويد الإعذار مبسوطةٌ للجميع ما دام أنه بذل الوسع والطاقة وتحرَّى الصواب، ولعله بسبب هذا المَلحظ لم يُكلِّفهم الله بإدراك الصواب في نفس الأمر، لأنه من العسير الوصول إليه والحال كما عرفتَ.

وبناءً على هذا: فمن يزعم أن ما يفهمه من خطاب الشرع هو نفسه فهم الصحابة فإن هذا- مع كونه دعوى عريضة ومصادرة على المطلوب - هو أيضا خلاف الواقع وخلاف ما يَسمح به العُرف الاجتماعي وقوانين التواصل.
إشراقة نُورانية:
-----

" اعلم أيها الإنسان أنك تستطيع أن تَجعل لذةَ النعمة أطيبَ وأعظمَ منها بمائة ضِعف؛ وذلك برؤيتك التفاتةَ الرحمة إليك، وتكرُّمَ المُنعِم عليك؛ كما أن مَلِكًا عظيما وسلطانا ذا شأن إذا أرسل إليك هديةً - ولتكن تفاحةً مثلا - فإن هذه الهدية تنطوي على لذةٍ تفوق لذة التفاح المادية بأضعاف الأضعاف، تلك هي لذة الالتفات المَلِكي والتوجُّه السلطاني المُكلَّل بالتخصيص والإحسان.

كذلك كلمة" الحمد" تفتح أمامك بابا واسعا تتدفَّق منه لذةٌ معنوية خالصة هي ألذُّ من تلك النعم نفسها بأضعاف كثيرة، فيكون حمدك وشكرك على رحمته بك وحنانه عليك أكثر من حمدِك على النعمة التي أدخلتْ على قلبك الفرَح".

- الأستاذ الحكيم بديع الزمان سعيد النُّورْسي-
"وكثيرٌ من الناس فيهم من الغلو في شيوخهم من جنس ما في الشيعة من الغلوّ في الأئمة".

- ابن تيمية-
على كل حال وباستقراء ناقص وبغضّ النظر أيضا عن حادثة التريند: تكاد تكون أردأ نُسخ الصوفية هي النسخة المصرية، كلام مُجمل كدا وبدون دخول في تفاصيل.
بغضّ النظر أيضا عن حادثة التريند ( لأني لا أحب الكلام في حوادث الأعيان بصراحة ) : من يظن أن أصحاب المخالفات الفجّة من شيوخ بعض الطرق الصوفية، كحوادث نصب أو دجَل أو سحر أو تغرير بالبنات والشباب ونحو ذلك، يمكن أن يتعرض للمساءلة القانونية أو المُحاسبة فهو واهم؛ لأن هذه الدوائر مهما كنت تراها سخيفة ومُضحكة وبلهاء فإن لديها شبكة معقدة جدا من العلاقات الأمنية والاجتماعية لا يمكن أن تتخيلها، لدرجة أنك ممكن جدا تجد شخصيات سياسية وضبّاطًا ولواءات ومستشارين وإعلاميين مرموقين جدا في المجتمع هم مريدين أصلا في هذه الطرق ولديهم ارتباط روحي بالشيخ، أو له بهم علاقة وثيقة جدا أيًا كان وصفها، دا بالإضافة إلى أن أسرة الشيخ نفسها بتكون داخلة في الدوائر دي بشكل متشابك وقويّ، فقضية إن فلان أو علان ممكن يتحاسب دي أوهام وأحلام وردية.

صورة الشيخ الدجال أو النصاب اللي السينما والتليفزيون بيصوّروه إنه شخص ريفي مدروِش وملموم على مجموعة من البسطاء ضعاف العقول وغير متعلمين وبيضحك عليهم، دي صورة قديمة عفا عليه الزمن، دلوقت الصورة مختلفة تماما، ومشاكلها أشدّ، لأن أثره هنا على دائرة القرار نفسها مش على البسطاء فحسب.
في " تاريخ الجبرتي": ومات الإمام العلامة الفقيه المُعمَّر الشيخ أحمد بن محمد الحماقي الحنفي ... وكان إنسانا حَسنا دمث الأخلاق، حَسن العِشرة، صافي الطَّوِيّة، عارفا بفروع المذهب، ليِّن الجانب لا يتحاشى الجلوس في الأسواق والقهاوي، وكان إخوانه من أهل العلم ينقمون عليه في ذلك، فلا يبالي باعتراضهم".

أحب أنا الناس البسيطة اللي على سجيّتها دي والله. 😁
"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ":

فإن قيل : ما الفرق بين الفَظّ وبين غليظ القلب ؟

قلنا : الفَظُّ هو الذي يكون سيّئ الخُلق، وغليظ القلب هو الذي لا يتأثر قلبُه لشيء، فقد لا يكون الإنسان سيئ الخُلق ولا يؤذي أحدا من الناس، ولكنه مع ذلك لا يرِقُّ لهم ولا يرحمهم ولا يتعاطف معهم، فظهر الفرق من هذا الوجه، وجُمع له صلى الله عليه وسلم بين الفضيلتين: حُسن الخُلق، والرحمة.

- الإمام الرازي، بتصرف-
وصلني اليوم ملخص هذا الكتاب الذي يقطع فيه مؤلفه الكريم بنفي نسبة كتاب «إعجاز القرآن» لأبي بكر بن الطيب الباقلاني.
الكتاب - لا ريب - سيُحدِث رجَّة في الأوساط العلمية، تزداد عند المشتغلين بعلم البلاغة، وتتعاظم عند الباحثين في تراث الباقلاني ودارسيه.
والكتاب - المكون من ٣٦٨ صفحة - أفاض مؤلفه في معالجة قضيته، وتقصَّاها من جوانبها المتعددة، وقال إنه يمكن إجمالها في أربعة محاور هي:
- الشكوك الأولية.
- دلالة نصوص الكتاب.
- دلالة حضوره وغيابه عبر التاريخ.
- دلالة المخطوطات.
والمؤلف إذ ينفي نسبة «إعجاز القرآن» إلى الباقلاني فإنه عقد فصلين من كتابه لإثبات صحَّة نسبته إلى القاضي أبي بكر اللاسَكِي.
ومما يجب ذكره هنا أن المؤلف قال إنه بلغه أن الشيخ محمود شاكر كان في مجالسه في أواخر حياته ينفي نسبة الكتاب إلى الباقلاني.
وما توصل إليه مؤلف الكتاب وكذلك ما يمكن أن يُعترَض به عليه = إنما يكون بمعيار العلم وأصول البحث والتنقيب، ولا يُحسن ذلك كل أحد.

نقلا عن الفاضل د ياسين عطية.
إني أُهدِيَ إليَّ كتابٌ كريم.

يشتمل على ثلاثة كتب: شرح المولى عصام الدين على السمرقندية، ثم حاشية العلامة البُهوتي الخلوَتي ت 1088 هـ عليه، ثم حاشية الشهاب الغنيمي الحنفي.

وهما حاشيتان نفسيتان جدا، خصوصا حاشية البهوتي؛ فقد أكثَر العلامة الصبان من النقل عنه في حاشيته على الشرح المذكور، مُسلِّما له أحيانا، ومعترضا أحيانا، ومضمنا كلامه في كلامه دون عزو أحيانا أخرى.

جزى الله المحقق الفاضل الشيخ الدكتور/ محمد عبد الواحد الحنبلي خير الجزاء على إخراج هذه الدرة الثمينة، وعلى تفضُّله بالإهداء، وزاده توفيقا وسدادا.
"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ":

من لطائف الفُهوم أن الإمام القفَّال الشافعي حمَل هذه الآية على ما جَرى من الصحابة الرُّمَاة في غزوة أحد، يعني : " فبما رحمة من الله لنت لهم" أي يوم أحد، حين عادوا إليك بعد الانهزام" ولو كنت فظا غليظ القلب" وشافهْتَهم بالمَلامة على ذلك الانهزام لانفضُّوا من حولك؛ هيبةً منك وحياءً؛ بسبب ما كان منهم من الانهزام، فكان ذلك مما لا يُطمع العدوَّ فيك وفيهم.

وفيه إشارة إلى التحريض على العفو وحُسن إقالة المُخطِئين إذا ظهر منهم ما يدل على الرجوع والإنابة، وهو أيضا درسٌ في سياسة النفوس.
" ولكن حُبُّ الاعتراض والردّ على الأئمة الأعلام يُوجِب غالبًا تهافُت الكلام"

- الشهاب الغنيمي-
مفيش كتكوتة**
الأفكار تتناسل كما يتناسل البشر، فمن الصعب موتُ الفكرة العلمية وانقضاؤها وذهابها بالكلية، نعم قد تنقرض الكتلة الاجتماعية المُعبّرة عن أفكار معينة، ولكن تلك الآراء ستوجد في محيط آخر وفي عصر آخر ويتبناها أشخاص آخرون بنفس العناوين الأولى أو بعناوين أخرى جديدة سواء أضافوا إليها مِسحة من التعديل أم لا.

وفهمُ هذا المبدأ لعله يُخفّف الحِدّة بين المتخالفين، خصوصا إذا كانت هذه الأفكار هي مسائل دقيقة لا قطْع فيها أصلا، وقد قرَّر الإمام الرازي رحمه الله في بعض كتبه أنه ما من احتمالٍ في مسألة من مسائل أصول الدين إلا وقد ذهب إليه بعض المتقدمين، فالأصل المتفق عليه من تفاصيل أمور العقائد قلَّما يُوجَد أصلا.
لو خالَف أبو بكر الصدّيق- رضي الله عنه- حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم، ماذا نفعل ؟.
-----
اعلم أنَّ للصحابي خصوصية زائدة، واعتبارا قويا، وعدالة ثابتة تحمله على الانصياع التامّ للأمر النبويّ وعدم مخالفة حديثٍ بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحالة أن يتركَ العمل به دون أن يكون له في تركِ العمل به تأويل، هذه المقدمة مما لا ينبغي أن يُخالِف فيها من له أدنى نظر في علم الأصول ممن ينتسب إلى أهل السنة، وقد حُكي الإجماع عليها.

فالفرضُ الذي يفرضه بعض المُدَّعين لمنهج السلف بأن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خالفه الصحابة أو فلانٌ منهم فسوف نخطئهم ولا نعمل بقولهم = هو اختراع أصول جديدة ليست من عمل العلماء، وهو إن صح عقلا لم يصح واقعا وشرعا.

لا أعني بذلك أن الصحابي لا تقع منه مخالفة للحديث، فهذا واقع بالفعل، وإنما الممنوع هو أن يخالفه دون التأويل المُستلزم للتخطئة كما هو مقتضى الفرض، فهذا بالفعل طعنٌ في عدالة الصحابي وليس استمساكا زائدا بسنة المعصوم صلى الله عليه وسلم كما يُتوهَّم.

على أن مخالفة الصحابي للحديث تقع على وجوه كثيرة ولكل صورةٍ منها إجراءٌ خاصّ عند الأصوليين، ويُفرِّقون كذلك بين أن تقع هذه المخالفة من طائفةٍ من الصحابة وبين أن تقع من فردٍ واحد منهم، فإطلاق الأحكام هكذا ودمجُ الجميع في صورة واحدة وتنزيل حكم واحد على الكل تهوُّرٌ واستخفاف لا هو من عمل الأئمة ولا هو من العلم.

فمثلا إذا بلغ الصحابة رضي الله عنهم حديثٌ ما، لكنهم لم يعملوا به، وتركوه، وكان عملهم على مخالفة الحديث، والحديث مع ذلك صحيح لا مَطعن في صحته، فعلى مقتضى نظر بعض هؤلاء المعاصرين يجب تخطئة الصحابة والضرب بصنيعهم عُرض الحائط، والاستمساك بالحديث.

في حين أن صنيع العلماء هو العكس؛ لأنهم يعتبرون مخالفة عمل الصحابة للحديث علةً قادحة في الحديث، ويُنزّهون الصحابة عن التواطؤ على مخالفة كلام النبي صلى الله عليه وسلم دون تأويل.

قال إمام الحرمين رحمه الله: " إنْ تحقَّقْنا بلوغَ الخبر طائفةً من أئمة الصحابة، وكان الخبر نصًّا لا يتطرَّق إليه تأويل، ثم ألفيناهم يَقضُون بخلافه مع ذِكره والعِلم به = فلسنا نرى التعلُّق بالخبر؛ إذ لا مَحمل لتركِ العمل إلا الإضراب والاستهانة وتركُ المبالاة، أو العلم بكونه منسوخا، وليس بين هذين التقديرين لاحتمالٍ ثالثٍ مجال.

وقد أجمع المسلمون قاطبةً على وجوب اعتقاد تبرئتهم عن القسم الأول، وليس ما ذكرْنا تقديما لأقضِيتهم على الخبر، وإنما هو استمساك بالإجماع على وجوب حملِ عمَلهم على وجهٍ يمكن من الصواب، فكأنا تعلَّقنا بالإجماع في معارضة الحديث " انتهى.

إيضاح كلامه: لو تأكدْنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شيئا أو فعل فعلا، وبلغ ذلك الصحابةَ أو جماعةً منهم، ثم وجدناهم لم يعملوا به، وكان فعلهم غير موافق له، فحينئذ يجب المصير إلى عمل الصحابة وتركُ العمل بالحديث، لماذا؟!

لأن تركَ الصحابة العمل بالحديث في هذه الحال لا يخلو من احتمالين:

الاحتمال الأول: أن يكونوا تركوا العمل بالحديث استهانةً به وقلة مبالاةٍ بشأنه.

والاحتمال الثاني: أن يكونوا تركوا العمل به، لعلمهم بأن هذا الحديث منسوخ.

أما الاحتمال الأول فهو باطل؛ لحصول الإجماع على عدالتهم وأنهم لا يُقدِمون على هذا الصنيع دون تأويل منهم.

فبقي الاحتمال الثاني، وهو أنهم قد يكونون علموا بأن هذا الحديث منسوخ، فلهذا تركوا العمل به، وليس المصير إلى إيجاب العمل برأيهم تقديما لآرائهم على الحديث، وإنما هو تمسُّكٌ بالإجماع القائل بعدالتهم، فلابد أن يكون لهذه المخالفة وجهٌ من الصحة.

وأما الفردُ من الصحابة الذي يخالف حديثا بلغه أو رواه هو فبيْنَ الأصوليين خلافٌ في التعامل معه، فمنهم من يُبقي الحديثَ على ظاهره ويأخذ به، لكن لا يرمي الصحابي بتعمُّد مخالفة السُّنة ومن ثم يُخطّئه ويسيء معه الأدب، وإنما يحتج مثلا بأن غيره من الصحابة قد عمل بالحديث ولم يتركه.

فإن شئت الأخذَ بهذا القول فغايتك أنك اخترتَ رأيا وقولا لبعض الأصوليين، واختيارك له لا يُخرج المسألة عن كونها خلافية، ولا يُبيح لك المزايدة على مَن أخذ بالقول الآخر وأنك أكثر اتباعا للسنة منه إلى آخر هذا الإسطوانة.

ومن الأصوليين من يرى مخالفة الصحابي للحديث الذي بلغه أو رواه علة قادحة في الحديث أيضا فيصير إلى عمل الصحابي ويترك الحديث، لأن الصحابي لن يترك الحديث إلا لعلةٍ لا للإعراض عنه والعياذ بالله، ولكل فريقٍ حُجةٌ ووجهٌ من النظر مُعتبر.

هكذا يتعامل العلماء مع تلك المسائل، ولا يُصادرون على جماعة المسلمين، ولا يُزايدون على حبهم للسنة، ملتفتين إلى ما ينشأ عن تصرفاتهم من لوازم، ولا يغفُلون عن هذه المعاني الشريفة، والله أعلم.

- إعادة نشر -
2024/09/21 19:35:20
Back to Top
HTML Embed Code: