الأنمي ورأس المال الثقافي
ابتكر المفكر وعالم الاجتماع الفرنسي "بيير بورديو" أشكالاً متعددة لرأس المال وأخبر أن لكل شكل سمات، فالأول رأس المال الاقتصادي ثم رأس المال الاجتماعي فرأس المال الثقافي ورأس المال الرمزي، ثم فلسف علاقة أشكال رأس المال وأثرها في الواقع… حديثنا هنا اشتباك رأس المال الثقافي بالاقتصادي في أفلام الأنمي وتأثرهما في باقي الأشكال.
يعتمد رأس المال الثقافي على المعرفة والمهارات والآداب والفنون والعادات النابعة من مجتمع "ما" والمُشكّلة لثقافته إذ تتخذ أساليب لبث ثقافته بكل مكوناتها، وأحيانا تكون أساليبَ "خشنة" كالغزو العسكري والاحتلال المباشر، وأحياناً تكون أساليبَ "ناعمة" وهو المُفضّل في الجانب الثقافي باعتباره يرتكز على الجوانب المعرفية، ويتخذ وسائل عدّة ولكل زمانٍ أدواته ووسائله، ففيما مضى كانت ترجمة المعرفة والآداب الثقافية تعتبر أداة ناجعة لإنشاء رأس المال الثقافي، وكلما استجدّت الحياة وتغيّرت وسائلها تنقّلت الثقافة من وعاء إلى وعاء، وتشكّلت الفكرة من قالبٍ لآخر، ومن بعد الترجمة كانت الآداب من مسرحياتٍ وقصص وروايات حمّالة لمعتقدات ومعارف وثقافات أممٍ إلى شعوب أخرى، ثم تطوّرت التقنيات والأدوات المرئية التي تشكّل رأس المال الثقافي فدخلت الأفلام والسينما… ومن ضمن ما أُولي بالاهتمام "أفلام الرسوم المتحركة " حاملةً معها كومة من ثقافات وآداب وفنون صنّاع الرسوم المتحركة إلا أن الأنمي بمفهومه الشعبي استحوذ وتقدّم على بقية أفلام الكرتون وأصبح يسوّق لمعتقدات وثقافة وآداب اليابان، والراصد لملف الأنمي يجدُ بذلاً لا محدودًا، وأموالاً طائلة في صناعة الأنمي، وهنا نستصحب معنا مفهوم "بيير بورديو" في أشكال رأس المال وأن البذل في شكلٍ تأتي أرباحه في شكل آخر وأن العلاقة بين أشكال رؤوس المال تحويلية غير قابلة للاستبدال، فأرباب صناعة السينما ومثله الأنمي يبذلون من شكل رأس المال الاقتصادي المتمثل في المال والموارد والبُنية التحتية وبناء المدن الإعلامية وتبنّي الرموز الفنية لتكون واجهات إعلامية، وتهيئة وإنشاء القنوات ومنصات المشاهدة ودعم الجوائز الإعلامية وتسهيل كل مهام المنظومة في كافة المجالات.
أتذكر في هذا الصدد مشاهد أفلام "سيلفستر ستالون" المشهور بـ (رامبو) والامتيازات التي كانت أداة رئيسة في نجاح أعماله من طائرات ودبابات ومروحيات وجيوش التي لا تكون متاحة إلا لدول، وما ذاك إلا لتسويق البطل الأمريكي الذي لا يُقهر! فحضور رأس المال الاقتصادي تُجنى أرباحه في رأس المال الثقافي وغيره من أشكال رأس المال، ومثله في صناعة أفلام الأنمي، إذ يُذكر أن تكلفة الحلقة الواحد ١٠٠ ألف دولار، لكن الاقتصاد الياباني يجني أرباحاً مضاعفة مباشرة وأخرى متحولة في شكل من أشكال رأس المال الأخرى سواء رأس مال اجتماعي أو رمزي أو ثقافي بما تحمله أشكال رأس المال معتقدات ومعارف وآداب وفنون وأنماط عيش يتم تسويقها على شاشات الأنمي، ويشهد لذلك الرحلات السياحية التي تقصد ما له علاقة بأفلام الأنمي ومتاحفه، بل أصبح بين رابطة متابعي الأنمي مصطلحاتٍ خاصة وأفكارًا وأساليبَ تصرّف متشابهة، وهذا من أهم نتائج رأس المال الثقافي وهو تسويق الثقافة والولوج للشعوب بالقوة الناعمة وتمرير الأفكار المخالفة أحيانا للمجتمعات الأخرى مثل مفهوم الخير والشر وتطبيع بعض الأفكار مثل "الشـ * ـذوذ والمثـ * ـلية" والعجب لسان حال الرائي إذا قال: لن تؤثر مشاهد كرتونية على معتقداتي وقناعاتي وأفكاري!
فلمَ كل هذا البذل والدعم في تلك الوسائل؟ وما ذاك إلا لأهداف أكثر ربحيّة سواء مباشرة أو متحولة لأشكال أخرى وأظهرها الثقافي، والواقع يشهد تحلحل القناعات والأفكار جرّاء تأثير ما يُعرض على المرء في الشاشات، وربما كانت القناعات التي تبث في أفلام الرسوم المتحركة قناعات تأسيسية في فؤاد مشاهديها من الأطفال والمراهقين فتكون أشد خطراً من قناعة ثابتة يُراد تبديلها، وهنا تساؤل: ما الشكل الرأسمالي الأسمى الذي يُبث في أفلام الرسوم المتحركة؟ هل هو شكل رأس المال الاقتصادي أم رأس المال الثقافي؟ ربما يكون المُقدم مختلفاً حسب اختلاف أصحاب المصلحة، فأصحاب الرسالات يجعلون رأس المال الاقتصادي خادماً لرأس المال الثقافي مع وجود الحد الأدنى من الربح الاقتصادي، وأصحاب المصالح الاقتصادية يكون الجانب الثقافي خادماً لمصالحهم الاقتصادية مع وجود الحد الأدنى من التبرير الثقافي.
تحرير:
أ. عبدالله السليم
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
ابتكر المفكر وعالم الاجتماع الفرنسي "بيير بورديو" أشكالاً متعددة لرأس المال وأخبر أن لكل شكل سمات، فالأول رأس المال الاقتصادي ثم رأس المال الاجتماعي فرأس المال الثقافي ورأس المال الرمزي، ثم فلسف علاقة أشكال رأس المال وأثرها في الواقع… حديثنا هنا اشتباك رأس المال الثقافي بالاقتصادي في أفلام الأنمي وتأثرهما في باقي الأشكال.
يعتمد رأس المال الثقافي على المعرفة والمهارات والآداب والفنون والعادات النابعة من مجتمع "ما" والمُشكّلة لثقافته إذ تتخذ أساليب لبث ثقافته بكل مكوناتها، وأحيانا تكون أساليبَ "خشنة" كالغزو العسكري والاحتلال المباشر، وأحياناً تكون أساليبَ "ناعمة" وهو المُفضّل في الجانب الثقافي باعتباره يرتكز على الجوانب المعرفية، ويتخذ وسائل عدّة ولكل زمانٍ أدواته ووسائله، ففيما مضى كانت ترجمة المعرفة والآداب الثقافية تعتبر أداة ناجعة لإنشاء رأس المال الثقافي، وكلما استجدّت الحياة وتغيّرت وسائلها تنقّلت الثقافة من وعاء إلى وعاء، وتشكّلت الفكرة من قالبٍ لآخر، ومن بعد الترجمة كانت الآداب من مسرحياتٍ وقصص وروايات حمّالة لمعتقدات ومعارف وثقافات أممٍ إلى شعوب أخرى، ثم تطوّرت التقنيات والأدوات المرئية التي تشكّل رأس المال الثقافي فدخلت الأفلام والسينما… ومن ضمن ما أُولي بالاهتمام "أفلام الرسوم المتحركة " حاملةً معها كومة من ثقافات وآداب وفنون صنّاع الرسوم المتحركة إلا أن الأنمي بمفهومه الشعبي استحوذ وتقدّم على بقية أفلام الكرتون وأصبح يسوّق لمعتقدات وثقافة وآداب اليابان، والراصد لملف الأنمي يجدُ بذلاً لا محدودًا، وأموالاً طائلة في صناعة الأنمي، وهنا نستصحب معنا مفهوم "بيير بورديو" في أشكال رأس المال وأن البذل في شكلٍ تأتي أرباحه في شكل آخر وأن العلاقة بين أشكال رؤوس المال تحويلية غير قابلة للاستبدال، فأرباب صناعة السينما ومثله الأنمي يبذلون من شكل رأس المال الاقتصادي المتمثل في المال والموارد والبُنية التحتية وبناء المدن الإعلامية وتبنّي الرموز الفنية لتكون واجهات إعلامية، وتهيئة وإنشاء القنوات ومنصات المشاهدة ودعم الجوائز الإعلامية وتسهيل كل مهام المنظومة في كافة المجالات.
أتذكر في هذا الصدد مشاهد أفلام "سيلفستر ستالون" المشهور بـ (رامبو) والامتيازات التي كانت أداة رئيسة في نجاح أعماله من طائرات ودبابات ومروحيات وجيوش التي لا تكون متاحة إلا لدول، وما ذاك إلا لتسويق البطل الأمريكي الذي لا يُقهر! فحضور رأس المال الاقتصادي تُجنى أرباحه في رأس المال الثقافي وغيره من أشكال رأس المال، ومثله في صناعة أفلام الأنمي، إذ يُذكر أن تكلفة الحلقة الواحد ١٠٠ ألف دولار، لكن الاقتصاد الياباني يجني أرباحاً مضاعفة مباشرة وأخرى متحولة في شكل من أشكال رأس المال الأخرى سواء رأس مال اجتماعي أو رمزي أو ثقافي بما تحمله أشكال رأس المال معتقدات ومعارف وآداب وفنون وأنماط عيش يتم تسويقها على شاشات الأنمي، ويشهد لذلك الرحلات السياحية التي تقصد ما له علاقة بأفلام الأنمي ومتاحفه، بل أصبح بين رابطة متابعي الأنمي مصطلحاتٍ خاصة وأفكارًا وأساليبَ تصرّف متشابهة، وهذا من أهم نتائج رأس المال الثقافي وهو تسويق الثقافة والولوج للشعوب بالقوة الناعمة وتمرير الأفكار المخالفة أحيانا للمجتمعات الأخرى مثل مفهوم الخير والشر وتطبيع بعض الأفكار مثل "الشـ * ـذوذ والمثـ * ـلية" والعجب لسان حال الرائي إذا قال: لن تؤثر مشاهد كرتونية على معتقداتي وقناعاتي وأفكاري!
فلمَ كل هذا البذل والدعم في تلك الوسائل؟ وما ذاك إلا لأهداف أكثر ربحيّة سواء مباشرة أو متحولة لأشكال أخرى وأظهرها الثقافي، والواقع يشهد تحلحل القناعات والأفكار جرّاء تأثير ما يُعرض على المرء في الشاشات، وربما كانت القناعات التي تبث في أفلام الرسوم المتحركة قناعات تأسيسية في فؤاد مشاهديها من الأطفال والمراهقين فتكون أشد خطراً من قناعة ثابتة يُراد تبديلها، وهنا تساؤل: ما الشكل الرأسمالي الأسمى الذي يُبث في أفلام الرسوم المتحركة؟ هل هو شكل رأس المال الاقتصادي أم رأس المال الثقافي؟ ربما يكون المُقدم مختلفاً حسب اختلاف أصحاب المصلحة، فأصحاب الرسالات يجعلون رأس المال الاقتصادي خادماً لرأس المال الثقافي مع وجود الحد الأدنى من الربح الاقتصادي، وأصحاب المصالح الاقتصادية يكون الجانب الثقافي خادماً لمصالحهم الاقتصادية مع وجود الحد الأدنى من التبرير الثقافي.
تحرير:
أ. عبدالله السليم
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
Telegram
دراية للعلوم الإنسانية
قناة تستهدف الإثراء في بعض العلوم الإنسانية(الاجتماع - الاقتصاد - الإعلام - التاريخ)
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
لماذا_حقق_الأنمي_هذه_الشعبية_1.pdf
2.2 MB
لماذا حقق الأنمي هذه الشعبية؟
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
عرض سريع لكتاب الفترة القادمة
نظريةالدراما من أرسطو إلى الآن
عرض: أ.عبدالله السليم
نظريةالدراما من أرسطو إلى الآن
عرض: أ.عبدالله السليم
لماذا الدراما ؟
قيل في نعت الإنسان أنه"كائن حكّاء" يستحسن الفكرة أو القضية المرتبطة بحبكة وحكاية، يدور مع أحداث الحكاية ويزيد في خياله ويهذّب حتى تتكون لديه أسطورة يصوغ منها ملاحمه وتاريخه وهويته ورؤيته للحياة.
الدراما هو ذلك الجزء الذي يصوغه المتحدث والقاصّ والكاتب والأديب مما احتف بأحداث الحياة ليحاكي عقول متلقيه من سامع ومشاهد، وهنا تبرز أهمية الدراما وقوة تأثيرها في الخطاب، وأُشير إلى الجزء الخافت في موضوع الدراما؛ إذ يغفل كثير من الناس أن ما يحتف من أحداث الرموز من قصص وأخبار حصرية ومصادر مطلعة هي جزء من الدراما، قصص البطولات في الحكايات الشعبية كأبي زيد الهلالي ولكل قوم حكاياتهم ورموزهم هي جزء من الدراما، الأخبار الحصرية عن المشاهير والرموز التي تعج بها الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي هي جزء من الدراما، المسرحيات الجوّالة في الميادين العامة هي جزء من الدراما،الأفلام القصيرة التي تعزز قيمة أو تناقش مشكلة وفيها حبكة هي دراما، أما عن المسرحيات المصورة والأفلام السينمائية فهي أشهر نموذج درامي حاضر، المُراد من تعدد الأمثلة لفت الانتباه سعة هذا الفن وعدم حصرة في جانب، مع الإقرار أن الأفلام السينمائية الدرامية هي أكثر فنٍ نالت نصيب واسعًا من الاهتمام؛ بفعل طبيعة الحياة الاجتماعية للمجتمعات الحديثة مثل النزوع إلى الفردانية إذ أصبحت وسائل العصر ومستجداته وتطبيقاته تدفع لهذا الاتجاه الفرداني، فأضحت الأفلام- للغارق فيها-أقوى تأثيرًا من البيئة المحيطة للفرد، واتسعت منصات العرض الدرامية من صالات عامة إلى تلفاز في البيت إلى منصات شخصية في هاتف كل فرد، وقد اتسم فن الدراما بسمات جعلته غاية في التأثير منها: أن الدراما لحظة مفارقة عن الحياة الطبيعية بتشذيب مالا يعُرف معنى لوقوعه في الحياة الطبيعية إلى الحتمية الدرامية، فيركن الفرد إلى المعاني الإنسانية التي يخشى أو يتمنى حدوثها، وأظن أنه كلما نزعت ظروف الحياة إلى استخدام المرء كآلة، نزع الإنسان وقت فراغه إلى ما يعيد إنسانيته من الخيال الرحمة والعطف والحب وغيرها من المعاني الإنسانية التي تعج بها الدراما، فيجد المتلقي إشباعًا في قيمهِ أو نزواته، وأحياناً يصوغ من الدراما مواقفه وتصرفاته وليس في هذا مبالغة! - وسنتحدث لاحقاً عن شيء من أدوات تأثير الدراما - بل تُشكّل هويته وتؤثر على مبادئه ومعتقداته؛ يشهد لهذا أن الدراما كانت حكراً في البلدان الشيوعية في أيدي صناع القرار فظهر لديهم المسرح الاشتراكي والدراما الفكرية التي تعزز القيم الشيوعية وذاك بسبب قناعتهم بعمق تأثير وسيلة الأعمال الدرامية.
تحرير أ. عبدالله السليم
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
قيل في نعت الإنسان أنه"كائن حكّاء" يستحسن الفكرة أو القضية المرتبطة بحبكة وحكاية، يدور مع أحداث الحكاية ويزيد في خياله ويهذّب حتى تتكون لديه أسطورة يصوغ منها ملاحمه وتاريخه وهويته ورؤيته للحياة.
الدراما هو ذلك الجزء الذي يصوغه المتحدث والقاصّ والكاتب والأديب مما احتف بأحداث الحياة ليحاكي عقول متلقيه من سامع ومشاهد، وهنا تبرز أهمية الدراما وقوة تأثيرها في الخطاب، وأُشير إلى الجزء الخافت في موضوع الدراما؛ إذ يغفل كثير من الناس أن ما يحتف من أحداث الرموز من قصص وأخبار حصرية ومصادر مطلعة هي جزء من الدراما، قصص البطولات في الحكايات الشعبية كأبي زيد الهلالي ولكل قوم حكاياتهم ورموزهم هي جزء من الدراما، الأخبار الحصرية عن المشاهير والرموز التي تعج بها الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي هي جزء من الدراما، المسرحيات الجوّالة في الميادين العامة هي جزء من الدراما،الأفلام القصيرة التي تعزز قيمة أو تناقش مشكلة وفيها حبكة هي دراما، أما عن المسرحيات المصورة والأفلام السينمائية فهي أشهر نموذج درامي حاضر، المُراد من تعدد الأمثلة لفت الانتباه سعة هذا الفن وعدم حصرة في جانب، مع الإقرار أن الأفلام السينمائية الدرامية هي أكثر فنٍ نالت نصيب واسعًا من الاهتمام؛ بفعل طبيعة الحياة الاجتماعية للمجتمعات الحديثة مثل النزوع إلى الفردانية إذ أصبحت وسائل العصر ومستجداته وتطبيقاته تدفع لهذا الاتجاه الفرداني، فأضحت الأفلام- للغارق فيها-أقوى تأثيرًا من البيئة المحيطة للفرد، واتسعت منصات العرض الدرامية من صالات عامة إلى تلفاز في البيت إلى منصات شخصية في هاتف كل فرد، وقد اتسم فن الدراما بسمات جعلته غاية في التأثير منها: أن الدراما لحظة مفارقة عن الحياة الطبيعية بتشذيب مالا يعُرف معنى لوقوعه في الحياة الطبيعية إلى الحتمية الدرامية، فيركن الفرد إلى المعاني الإنسانية التي يخشى أو يتمنى حدوثها، وأظن أنه كلما نزعت ظروف الحياة إلى استخدام المرء كآلة، نزع الإنسان وقت فراغه إلى ما يعيد إنسانيته من الخيال الرحمة والعطف والحب وغيرها من المعاني الإنسانية التي تعج بها الدراما، فيجد المتلقي إشباعًا في قيمهِ أو نزواته، وأحياناً يصوغ من الدراما مواقفه وتصرفاته وليس في هذا مبالغة! - وسنتحدث لاحقاً عن شيء من أدوات تأثير الدراما - بل تُشكّل هويته وتؤثر على مبادئه ومعتقداته؛ يشهد لهذا أن الدراما كانت حكراً في البلدان الشيوعية في أيدي صناع القرار فظهر لديهم المسرح الاشتراكي والدراما الفكرية التي تعزز القيم الشيوعية وذاك بسبب قناعتهم بعمق تأثير وسيلة الأعمال الدرامية.
تحرير أ. عبدالله السليم
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
Telegram
دراية للعلوم الإنسانية
قناة تستهدف الإثراء في بعض العلوم الإنسانية(الاجتماع - الاقتصاد - الإعلام - التاريخ)
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
مرآة الدراما
الفن وأساليبه يولد من رحم المجتمعات وآمالها وهموهما، بل إن الفنون مرآة لما كانت عليه المجتمعات من نمط العيش وقيمه المؤثرة وحتى أدواته، فالشعر الجاهلي -مثلًا- مع حفظه للكلمات وتراكيبها جاء بالقضايا التي شغلت العربي آنذاك، فلو قرأت "المعلقات" أو شعر صدر الإسلام من غير استصحاب القيم وطبيعة الحياة فلن تحصل على الإثراء والإعجاب والدهشة بذلك الشعر، فالفنون عامة هي انعكاس ومرآة لقيم المجتمعات التي خرجت منها.
"الدراما" هو نمط داخل تلك الفنون من شعر ومسرح وأدب الرواية أيضاً قائم على الدراما ، ومثلها الأفلام الدرامية، فتلك الفنون الدرامية لن تخرج عن رؤية الأديب ونظرته للواقع ورسالته التي يريد وصولها، فإذا فتشت في الدراما التي زامنت عصر الإمبراطوريات وجدت قيم الشجاعة والفروسية والشرف غالبة على فنونهم، ومرغوبة لدى متلقيهم، وإذا انتقلت إلى ما كُتب "دراميا" في عصر التنوير وجدت في القيم تقديماً وتأخيراً وحذفا وإضافة عن العصر الذي سبقه، وفي زمن أضيق تجد اختلاف القيم في الدراما من عقد زمني إلى العقد الذي يليه فالمُلاحِظ لموضوعات الدراما أول العقد الماضي يدرك من أو نظرة تبدّل الموضوعات والقيم -وإن كان جزئيًا- ؛وذلك بما طرأ على حياة الناس من أدوات ومستجدات وتطبيقات تحوي مبادئ وقيم واتجاهات تصبح مع الزمن شيئًا من الماضي.
يراودني بين الفينة الأخرى تساؤل إذا طرح موضوع "صورة الناس والشعوب على الشاشة" ومنها ما يظهر في الدراما المصورة:
هل الدراما تعكس الواقع وقيمه؟
فهل واقع المجتمع التركي هو ما يُصور في الدراما التركية؟
أم أن الدراما تسعى لرسم واقع تحكمه قيم؟
في البداية ما يقال ليس إجابة محكمة وإنما محاولة للوصول للإجابة وذكر بعض النقاط الدالة على الأجابة، وليس مهما الوصول لإجابة قطعية. أولا: نمط الدولة الحديثة يتسع ويتوغل في الحياة العامة والخاصة والفنون من شعر ومسرح ورواية ودراما أداة يُخاطب بها العامة؛ لذا حاولت الدولة الحديثة وضع الأطر التي تضبط هذه الأداة بما يخدم مصالحها، وأحياناً تستخدم الفنون ومنها الدراما في رسالتها، وهذا كان جليا في حقبة التلفاز واحتكار البث التلفزيوني فالاتحاد السوفيتي بنى الدراما على رمزية عامل المنجم والفلّاح الذي يعمل ولا يتعب، في المقابل نجد أشهر صورة رمزية بطولية في السينما الأمريكية "الجنود والعلم" نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد حقبة التلفاز شرّعت الدول أنظمة تضبط إطار ما يعرض على الشاشة ومنه الدراما ضبطاً عاماً، ومن هنا قد يُقال إن الدراما بهذا النمط تسعى لإيجاد واقع تحلم به وإن صوّرت الواقع فبما يخدم تطلّعاتها ولهذا أوجدت في مؤسساتها ما يكون بذرة في صنع الصورة التي تريد في الدراما وغيرها كالاهتمام بالمواهب كالشعر والقصة والمسرح. ثانيًا: قد تقوم فكرة النص الدرامي على تصوير واقع ماضي حسب رأي صانع للدراما وموقفه من ذلك الواقع مثلما يصور الواقع في الأفلام التاريخية حسب رؤية صانع الدراما، ومثلما صوّر البلاشفة عهد قيصر روسيا نيكولا والصورة التي أُريد الوصول لها هي مطابقة لرؤية البلاشفة لذلك العهد، بتضخيم ما لا يُرغب، السكوت عن غيره. ثالثاً: حسن الحبكة الدرامية لا تستلزم التصوير الخاطئ للواقع فهناك أعمال فنية درامية لم تغاير في نقل الواقع وقيمه.
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
الفن وأساليبه يولد من رحم المجتمعات وآمالها وهموهما، بل إن الفنون مرآة لما كانت عليه المجتمعات من نمط العيش وقيمه المؤثرة وحتى أدواته، فالشعر الجاهلي -مثلًا- مع حفظه للكلمات وتراكيبها جاء بالقضايا التي شغلت العربي آنذاك، فلو قرأت "المعلقات" أو شعر صدر الإسلام من غير استصحاب القيم وطبيعة الحياة فلن تحصل على الإثراء والإعجاب والدهشة بذلك الشعر، فالفنون عامة هي انعكاس ومرآة لقيم المجتمعات التي خرجت منها.
"الدراما" هو نمط داخل تلك الفنون من شعر ومسرح وأدب الرواية أيضاً قائم على الدراما ، ومثلها الأفلام الدرامية، فتلك الفنون الدرامية لن تخرج عن رؤية الأديب ونظرته للواقع ورسالته التي يريد وصولها، فإذا فتشت في الدراما التي زامنت عصر الإمبراطوريات وجدت قيم الشجاعة والفروسية والشرف غالبة على فنونهم، ومرغوبة لدى متلقيهم، وإذا انتقلت إلى ما كُتب "دراميا" في عصر التنوير وجدت في القيم تقديماً وتأخيراً وحذفا وإضافة عن العصر الذي سبقه، وفي زمن أضيق تجد اختلاف القيم في الدراما من عقد زمني إلى العقد الذي يليه فالمُلاحِظ لموضوعات الدراما أول العقد الماضي يدرك من أو نظرة تبدّل الموضوعات والقيم -وإن كان جزئيًا- ؛وذلك بما طرأ على حياة الناس من أدوات ومستجدات وتطبيقات تحوي مبادئ وقيم واتجاهات تصبح مع الزمن شيئًا من الماضي.
يراودني بين الفينة الأخرى تساؤل إذا طرح موضوع "صورة الناس والشعوب على الشاشة" ومنها ما يظهر في الدراما المصورة:
هل الدراما تعكس الواقع وقيمه؟
فهل واقع المجتمع التركي هو ما يُصور في الدراما التركية؟
أم أن الدراما تسعى لرسم واقع تحكمه قيم؟
في البداية ما يقال ليس إجابة محكمة وإنما محاولة للوصول للإجابة وذكر بعض النقاط الدالة على الأجابة، وليس مهما الوصول لإجابة قطعية. أولا: نمط الدولة الحديثة يتسع ويتوغل في الحياة العامة والخاصة والفنون من شعر ومسرح ورواية ودراما أداة يُخاطب بها العامة؛ لذا حاولت الدولة الحديثة وضع الأطر التي تضبط هذه الأداة بما يخدم مصالحها، وأحياناً تستخدم الفنون ومنها الدراما في رسالتها، وهذا كان جليا في حقبة التلفاز واحتكار البث التلفزيوني فالاتحاد السوفيتي بنى الدراما على رمزية عامل المنجم والفلّاح الذي يعمل ولا يتعب، في المقابل نجد أشهر صورة رمزية بطولية في السينما الأمريكية "الجنود والعلم" نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد حقبة التلفاز شرّعت الدول أنظمة تضبط إطار ما يعرض على الشاشة ومنه الدراما ضبطاً عاماً، ومن هنا قد يُقال إن الدراما بهذا النمط تسعى لإيجاد واقع تحلم به وإن صوّرت الواقع فبما يخدم تطلّعاتها ولهذا أوجدت في مؤسساتها ما يكون بذرة في صنع الصورة التي تريد في الدراما وغيرها كالاهتمام بالمواهب كالشعر والقصة والمسرح. ثانيًا: قد تقوم فكرة النص الدرامي على تصوير واقع ماضي حسب رأي صانع للدراما وموقفه من ذلك الواقع مثلما يصور الواقع في الأفلام التاريخية حسب رؤية صانع الدراما، ومثلما صوّر البلاشفة عهد قيصر روسيا نيكولا والصورة التي أُريد الوصول لها هي مطابقة لرؤية البلاشفة لذلك العهد، بتضخيم ما لا يُرغب، السكوت عن غيره. ثالثاً: حسن الحبكة الدرامية لا تستلزم التصوير الخاطئ للواقع فهناك أعمال فنية درامية لم تغاير في نقل الواقع وقيمه.
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
Telegram
دراية للعلوم الإنسانية
قناة تستهدف الإثراء في بعض العلوم الإنسانية(الاجتماع - الاقتصاد - الإعلام - التاريخ)
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١