Telegram Group Search
أشباه ونظائر:

«ولستُ أرجو انتصافًا منكَ ما ذَرَفتْ
عيني دموعًا وأنت الخَصْمُ والحَكَمُ»
-دعبل الخزاعي.

«يئستُ من الإنصافِ بيني وبينَهُ
ومن ليَ بالإنصاف والخصمُ يحكمُ»
-أبو فراس الحمداني.
مهما قويت الوشائج بين الرجل والمرأة وترابطت حتى يخال الناظر في حالهما أنهما واحد لا اثنان، ومهما كان الرجل خبيرا بتركيبة الأنثى النفسية فقيها قلبُه بما تهواه النساء وترومه وتيمّم نحوه، فالحق أن ثَمّ أمور لا يفهمها حق فهمها عن الأنثى إلا أنثى مثلها.

تحدّثني صديقة نبيلة عن صنيعها في خطوبة أحد رجال بيتها، وانبرائها في إيناس مخطوبته وإظهار الحفاوة بها والإقبال عليها والتلطف معها، وتكرارها إيصاء أهل البيت بالإحسان إليها قولا وفعلا، وإرشادهم لما تُحبّ الأنثى أن يُبذل لها وما لا تحبّه، ودافعها الأول في ذلك حديث النبي ﷺ: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه"، وتقرُّبا وتعبّدا لله بجبر خاطرها.

فسبحان من وهبها هذه الروح الشفيفة ووسّع عليها في نفسها وقلبها، وأخلق بمن انتهج مبادئ الشريعة الغراء وتمثّل في نفسه خلال النبلاء ذوي المروءات أن يعمر دنياه ومن حوله بالنُّعمى والأنس والسعد.
يقول ابن رشيق في العمدة: "الغناء حلة الشعر، إن لم يلبسها طُويت".
وذلك أنّ الاقتران والتلازم بين الشعر والغناء قديم، عند العرب وعند غيرهم من الأمم وحتى عند الشعوب البدائية*، وهذا ما يعزّز عندي كونهما -الشعر والغناء- من الأمور الملازمة والمصاحبة للإنسان، المنتمية إليه انتماءا طبيعيا بأصل فطرته. سمعت الدكتور طه عبد الرحمن في إحدى حوارياته يقول ما معناه: «يُخال إليّ أنّ الإنسان نطق أول ما نطقَ شعرا!».

والعرب عرفت أنواعا كثيرة من الغناء منها الحداء والنصب والهزج والتغبير والرجز والسناد وغيرها، لكلٍّ منه موضع تحسن فيه.
يقول سيدنا حسان بن ثابت:
تغنّ بالشعر إمّا أنت قائله
إنّ الغناء لهذا الشعر مضمار!

ويقول طرفة بن العبد في معلقته:
ندامايَ بيضٌ كالنجوم وقينـــــةٌ
تروح علينا بين بُردٍ ومُجْســــــد
رحيبٌ قطاب الجيْب منها رفيقـــةٌ
بجَسِّ النّدامى، بضَّةُ المتجــــــرَّد
إذا نحن قلنا أَسمعينا انبرتْ لنــا
على رسلها مطروفةً لم تَشـــــَدّد
إذا رجّعت في صوتها خلت صوتهـا
تجاوبَ أظآرٍ على رُبَـــــعٍ رَدِيْ!

ولهذا الغرض مكث أبو فرج الأصفهاني العالم الموسوعي خمسين سنة يجمع أغانيه، وهو المصنّف ذائع الصيت، وأشهر دواوين العرب وأجلها وأضخمها، بل الإجماع منعقد على أنه منقطع النظير في بابه.
فجمع فيه ما غنى المغنون من الشعر العربي، مع ذكر تراجمهم وأخبارهم، وذكر الصوت والطريقة الإيقاع وواضعه وغير ذلك، فصهر في كتابه هذا صفوة معارفه، حتى أنّ الصاحب بن عباد كان معتادا أن يصحب معه في أسفاره حمل ثلاثين جملا من الكتب، فلما حظي بالأغاني استغنى عن جميعها.


*وقعت منذ فترة على كتاب بعنوان لافت ويغري بالاطلاع عليه، واسمه: "الغناء والشعر عند الشعوب البدائية".
روى البيهقي في الشُّعَب عن رجلٍ من ولد عبادة بن الصامت عن أبي هريرة مرفوعًا: «أمرَ الله عزّ وجلّ بعبدٍ إلى النار فلما وقف على شفتها التفت، فقال: أما والله يا ربّ إن كان ظنّي بكَ لحَسَنًا، فقال الله عزّ وجلّ: رُدَّوهُ فأنا عندَ ظنّ عبدي بي».
«قد جعل الله لكلّ مطلوب مفتاحا يفتح به؛ فجعل مفتاح الصّلاة الطّهور، ومفتاح الحجّ الإحرام، ومفتاح البرّ الصّدقة، ومفتاح الجنّة التّوحيد، ومفتاح العلم حسن السؤال والإصغاء، ومفتاح الظّفر الصّبر، ومفتاح المزيد الشّكر، ومفتاح الولاية والمحبّة الذّكر، ومفتاح الفلاح التّقوى، ومفتاح التّوفيق الرّغبة والرّهبة، ومفتاح الإجابة الدّعاء، ومفتاح الرّغبة في الآخرة الزّهد في الدّنيا، ومفتاح الإيمان التفكّر في مصنوعات الله، ومفتاح الدّخول على الله استسلام القلب والإخلاص له في الحبّ والبغض، ومفتاح حياة القلوب تدبّر القرآن والضّراعة بالأسحار وترك الذّنوب، ومفتاح حصول الرّحمة الإحسان في عبادة الحقّ؛ والسّعي في نفع الخلق؛ ومفتاح الرزق السّعي مع الاستغفار، ومفتاح العزّ الطّاعة، ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل، ومفتاح كلّ خير الرّغبة في الآخرة، ومفتاح كلّ شرّ حبّ الدّنيا وطول الأمل. وهذا باب واسع من أنفع أبواب العلم، وهو معرفة مفاتيح الخير والشر، ولا يقف عليه إلّا الموفّقون».

-المناوي رحمه الله، فيض القدير.
ومن يُحرَمِ التوفيق لم يُغن رأيُهُ
وحسبُ امرئٍ من رأيهِ أن يُوفَّقا

-أبو العتاهية.
بِاللَهِ يا حُلوَةَ العَينَينِ زوريني
قَبلَ المَماتِ وَإِلّا فَاِستَزيريني

هَذانِ أَمرانِ فَاِختاري أَحَبَّهُما
إِلَيكَ أَو لا فَداعي المَوت يَدعوني

إِن شِئتِ موتاً فَأَنتِ الدَهرَ مالِكَةٌ
روحي وَإِن شِئتِ أَن أَحيا فَأَحيِيني

يا عُتبَ ما أنت إلا بدعة خلقت
من غير طين، وخلق الناس من طين

كَم عائِبٍ لَكَ لَم أَسمَع مَقالَتَهُ
وَلَم يَزِدكِ لَدَينا غَيرَ تَزيِينِ

كَأَنَّ عائِبَكُم يُبدي مَحاسِنَكُم
وَصفاً فَيَمدَحُكُم عِندي وَيُغريني

ما فَوقَ حُبِّكِ حُبّاً لَستُ أَعلَمُهُ
فَلا يَضُرُّكِ أَن لا تَستَزيديني

إني لأعجب من حب يقربني
مما يباعدني عنه، ويقصيني

لو كان ينصفني مما كلفت به
إذن رضيت، وكان النصف يرضيني

يا أهل ودّي إني قد لطفت بكم
في الحب جهدي، ولكن لا تبالوني

الحمد لله، قد كنا نظنكمُ
من أرحم الناس طرًّا بالمساكين

أما الكثير، فلا أرجوه منك، ولو
أطمعتني في قليل كان يكفيني

-أبو العتاهية قبل اعتزال النسيب :)
كان أبو العتاهية قد قصد بغداد من الكوفة، مع زميلين له، ليستفيد بشعره عند أمرائها، ولم يكن لهم في بغداد من يقصدونه، فنزلوا غرفة بالقرب من الجسر، وكانوا يبكرون فيجلسون بالمسجد الذي بباب الجسر في كل غداة، فمرت بهم يومًا امرأة راكبة، معها خدم سودان، فقالوا: من هذه؟ قالوا: خالصة. فقال أحدهم: قد عشقت خالصة. وعمل فيها شعرًا أعانوه عليه.

ثم مرت بهم أخرى، راكبة أيضًا، ومعها خدم بيضان. فقالوا: من هذه؟ قالوا: هذه (عتبة)، فقال أبو العتاهية: قد عشقت عتبة، وعمل فيها شعرًا.

ولم يزالوا كذلك، حتى شاع الشعر المصنوع إلى الجاريتين، وتحدث الناس بعشق أبي العتاهية وزميله لهما، فقال صاحبا الجاريتين: نمتحن العاشقين بمال على أن يدعا التعرض للجاريتين، فإن قبلا المال كانا مستأكلين، وإن لم يقبلاه كانا عاشقين.

فلما كان الغد، مرت (عتبة) فعرض لها صاحبها، فقال له الخدم: اتبعنا، فتبعهم، فمضت به إلى منزل خليط لها يزار، فلما جلست دعت به، فقالت له: يا هذا، إنك شاب، وأرى لك أدبًا، وأنا حرمة خليفة، وقد تأنيتك، فإن أنت كففت وإلا أنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين، ثم لم آمن عليك.

فقال لها أبو العتاهية: فافعلي، بأبي أنت وأمي، فإنك إن سفكت دمي أرحتني، فأسألك بالله إلا فعلت ذلك إذا لم يكن لي فيك نصيب!

فقالت له: أبق على نفسك، وخذ هذه الخمس مئة دينار، واخرج عن هذا البلد، فلما سمع ذكر المال ولى هاربًا، فقالت: ردوه، وألحت عليه فيها. فقال لها: جعلت فداك، ما أصنع بعرض زائل من الدنيا وأنا لا أراك؟ … والله إنك لتبطئين يومًا واحدًا عن الركوب، فتضيق عليّ الدنيا بما رحبت*، فزادت له في الدنانير، وما زالت تلح عليه فلا يزداد إلا رفضًا.

----

*لبلبل الغرام الحاجري:
يدنو فيوسِعُ لي سُم الخياطِ كما
يضيق بي حين ينأَى السَّهل والجبلُ!
من واسع رحمة الله بعباده ولطفه الجميل بهم أن جعل مراضي النّفس وسرورها في أمور شتى، حتى إذا أوصد دونها بابٌ مما تستلذّ به وتأنس؛ فتح الله لها أبوابًا أُخَر تتجلى فيها سعة ربّنا التي لا حدّ لها وجليل ما عنده، ومن أراد الله به خيرًا بصّره وأغناه!
سُقيا ومربع
من واسع رحمة الله بعباده ولطفه الجميل بهم أن جعل مراضي النّفس وسرورها في أمور شتى، حتى إذا أوصد دونها بابٌ مما تستلذّ به وتأنس؛ فتح الله لها أبوابًا أُخَر تتجلى فيها سعة ربّنا التي لا حدّ لها وجليل ما عنده، ومن أراد الله به خيرًا بصّره وأغناه!
يا نفس إن لم تظفري لا تجزعي
وإلى موايد جود مولاك اهرعي

وإذا تأخر مطلب فلربما
في ذلك التأخير كل المطمع

فاستأنسي بالمنع وارعي حقه
إن الرضى وصف المنيب الألمع

وإذا بدا من ناطق الوجدان ما
يدعوك لليأس الذميم الأشنع

فاستيقظي من نومة الغفلات ول
يكن الرجا لك مرتعا فيه ارتعي

إن العطا أمداده متنوع
يا حسن ذيّاك العطا المتنوع


وردوا على نهر الحياة وكلهم
شربوا وكم في الركب من متضلع

حاشا الكريم يردهم عطشا وقد
وردوا وأصل الجود من ذا المنبع

يا رب لي ظن جميل وافر
قدمته امشي به يسعى معي

كل الذي يرجون فضلك امطروا
حاشاك ان يبقى هشيما مربعي

ثم الصلاة على الحبيب محمد
سببي القوي إلى المقام الأرفع

هو عصمتي هو عروتي فاستمسكي
يا نفس بالمجد العظيم الأمنع

-علي بن محمد الحبشي.
لا يغري القلب الحصيف بالزهد في الدنيا كما تفعل الاحتمالية الموصوم بها كل موجودٍ ممكن قابل للزوال والتغيُّر، ولولا اليقين بالله لهلكنا، فجزى الله الإيمان عنا خيرا، والموفّق من بصّره الله بحقيقة الدنيا وأراه الأشياء كما هي.
«قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذًا تكفى همك ويغفر لك ذنبك».

قال القاري رحمه الله في مرقاة المفاتيح: وذلك، لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله وتعظيم الرسول والاشتغال بأداء حقه عن أداء مقاصد نفسه وإيثاره بالدعاء على نفسه، ما أعظمه من خلال جليلة الأخطار وأعمال كريمة الآثار.
سقى اللهُ قلبًا بينَ جنبيَّ رَيُّه
وما نافعٌ قلبي منَ الماء جَمُّهُ

ولكنَّ مُشتاقًا إِذا بَلغَ المُنى
تَقَضّى أُوامُ¹ القَلبِ أَو زالَ وغمُهُ²

-الشريف الرضيّ.

¹-الأوام: حرارة العطش.
²-الوغم: القهر.
سلامٌ على من لا أراهُ وإنَّما
أُمَنِّي به هذا الفؤادَ المُفجَّعا

وأمحضهُ وُدِّي وأنتابُ عَهدَه
بقلبي إذا عَهدُ المُحبِّينَ ضُيِّعا

وأتَّبع الآمالَ فيه، وقلَّما
تعيشُ إذا لم تُتبعِ العَينَ مَطمَعا

يَقِرّ بعيني أن أُحدَّث أنَّهُ
قَريرٌ رَضِيُّ النفسِ لم يُذرِ مَدمَعا

ويَسلِبُ هذي النفسَ لَذَّةَ عَيشِها
حديثٌ أتاها أنَّه باتَ مُوجَعا

وتَحتال نفسي أن ترى عنه مَذهبًا
إذا وَلِهَت مِن خشيةٍ أن تَمَزَّعا

فتَأبى ويأبى القلبُ إنكارَ عَهدِه
ولو رَضِيَا لم يُلفِيا عنه مَنزَعا

بنفسي الذي نفسي عليه حريصةٌ
وإن مَسَّها مِن حُبِّه الضرُّ أجمَعا

وإن صَلِيَت منه على النأي حُرقةً
ووجدًا طويلا يَتركُ القلبَ أسفعا


-أبو المنذر.
وقال حبيبٌ في بني تغلبَ من أهلِ الجزيرة، يصفُهم بالجفاء وقلّة الأدبِ مع كرمِ النُّفوس:

«لا رِقَّةَ الحَضَرِ اللَّطيفِ غَذَتْهُمُ
وتباعَدوا عن فِطنةِ الأعرابِ¹

فإذا كشَفْتَهم وجدْتَ لديهم
كَرَمَ النُّفوسِ وقِلَّةَ الآدابِ» يجرح ويأسو :)

¹-يقولون: فطنة الأعراب يُضرب بها المثل، وذلك لصفاء أذهانهم، وجودة قرائحهم.
فاكهة اليوم:
كيف اعتدلت مع اعتدال الغصن في
حركاته وفعلت فعل الجائر

وعلمت إثم السحر حين ذممتَه
وأراك متخذًا أداة الساحر

يا شاعرًا في طرفه وبهائه
وجماله عذّبتَ قلب الشاعر!

-أبو تمام.
في صدق الفِراسة ودقّة الحدس :)

«تَشُفُّ خِلالُ المَرءِ لي قَبلَ نُطقِهِ
وَقَبلَ سُؤالي عَنهُ في القَومِ ما اِسمُهُ» -الشريف الرّضي.
سُقيا ومربع
في صدق الفِراسة ودقّة الحدس :) «تَشُفُّ خِلالُ المَرءِ لي قَبلَ نُطقِهِ وَقَبلَ سُؤالي عَنهُ في القَومِ ما اِسمُهُ» -الشريف الرّضي.
«فهذا ما حضرنا من القول، وأمكننا من الاحتجاج. وما أشكُّ أنَّ من خبر أمرك أكثر من اختباري كان عنده أكثر من علمي. وعلى أنَّ منظرك -أسعدك الله- يُغني عن المخبر، والفراسة فيك تكفي مؤونة التجربة لك. ولو لم يتعقَّبوا أمرك، ويتصفَّحوا سيرتك في نفسك ثم في خاصَّتك وعامَّتك، لكان في صدق الفراسة وظهور المحبّة ما تقضي به النفوس، ويستدلُّ به المجرِّب، وظنُّ العاقل كيقين غيره».

-من رسالة الجاحظ إلى محمد بن أحمد بن أبي داود.
2024/09/22 00:35:45
Back to Top
HTML Embed Code: