Telegram Group Search
بكى الجميع
إلا أنا
من شدّةِ الحزن
أطرقتُ أبحث عن دموع.
قلبي خردةُ حبٍّ
ويدايَ بقايا موعد.
حتّى إنّني
لم أعُدْ أتذكرُ
أيّ السكاكينِ كانتْ أحنّ.
‏لستَ نبيًّا
‏لكنني أريدُ أن أتبعك
‏ولا مُوْفَدًا من الله
‏غيرَ أنّ المعجزات
‏لا تكفُّ عن المثولِ على يديك
‏أريدُ أن أؤمن بأوْرادِ روحِك
‏ولو مَزَّعَتْها الشكوك
‏وأريدُ أن أصدّقك، وإن لم تقل شيئا
عندما تَطَلقت أمي ورحلت في حال سبيلها، أجبرنا والدي على عدم زيارتها، وكانت الأيام كفيلة بأن أنساها وأعتاد على زوجة أبٍّ سيئة…
أخي الذي كان يغيب عن المنزل لليلةٍ أو اثنتين.
لم يأبه حين يعود للعقاب الذي ينتظره، ومع الكثير من الركل والصفع كان يتظاهر أنه فاقد للوعي، فينفذ من الاعتراف عن مكان غيابه؛ كنت صديق أخي الوحيد مع ذلك لم يخبرني أيضاً أين كان يقضي الأيام التي يغيبها ربما لأني كنت جباناً وأخاف من ظلي.
يوماً أتذكر أنه دام على غياب أخي أكثر من ثلاث أيام وكان والدي يستشيط غضباً ولكثرة ما أغدقت زوجته برأسه عليه أراد أن يسبب له موتاً مؤقتاً ما هي إلا ساعة واحدة كان ممدداً على أرضية الغرفة غارقًا بدمائه عندها أدركت أن الوحدة كفيلة أيضًا بجعلي أنساه هو الآخر.
في ليلةٍ باردة وجدت تحت وسادته رسالة خائفة قال فيها:
“ واصل زيارة أمنا فهي عمياء ولن تفرق صوتنا واصل رعايتها تحت التعذيب ولا تشعرها أن أحدنا قد رحل ”.
على سريرٍ باردِ الألوانِ في صمتِ المدى
أرنو إلى الجدرانِ تَحملُ عن جراحي ما بدا
جدرانُ هذا المستشفى قد طالَ فيها الانتظارْ
بيضاءُ لكنَّ الأسى قد خطَّ فيها ألفَ نارْ
في الممراتِ البعيدةْ..
ثَمَّةَ أقدامٌ تمُرُّ.. ولا تَراني
ثَمَّةَ أحلامٌ تموتُ.. بلا أمانِ
ثَمَّةَ موتى لا يُواريهم ترابٌ.. بلْ جراحُ الانتظارْ
ناديتُ باسمكِ والدموعُ على وسادَتِها تنامْ
كالموجِ.. كالأمطارِ.. كالليلِ الحزينِ بلا مَلامْ
ناديتُ باسمكِ.. هل تُرى ما زالَ في عينيكِ ضوءٌ كي يُعيدَ لنا الحياةْ؟
أم أنّها الأيّامُ تَسقُطُ من يديَّ.. إلى المماتْ؟
يا غربتي..
يا جوعَ أيّامي وخوفي في المساءْ
كم كنتُ أحلمُ أن يُضيءَ الصبحُ وجهَ الفُقراءْ
لكنني ما زلتُ وحدي في سريري والشتاءْ
أحصي الدقائقَ.. كلُّ شيءٍ ينتهي إلا العذابْ
وأمدُّ كفّي للسماءْ..
كأنني طفلٌ يُنادي في الظلامِ.. بلا جوابْ
أين الطريق؟
ضيّعتُ عُمري في الطريقْ..
ونسيتُ يوماً أنّ لي حلمًا ينامُ على الرصيفِ بلا رفيقْ
ضيّعتُ أيّامي على الأوهامِ.. وانتحرَ الأمانْ
وسألتُ عن زمني الحزينِ..
فقال لي: ماتَ الحنانْ
كانَت هنا يوماً تُغنّي في المساءْ
كانَت هنا يوماً تُسامِرُ نجمةً..
وتهيمُ بينَ الناسِ طِفلةْ.. كالفراشاتِ الصّغيرةِ في الضياءْ
كانَت هنا.. والآنَ أبحثُ في الدروبْ
لا شيء يبقى في المدينةِ غيرَ صمتٍ.. أو غروبْ
ايات بعيدةٍ ترتيلها
لا تسأليني عن دموعي.. والرياحْ
فالعُمرُ رحْلٌ تاهَ في ليلِ الجراحْ
يا زهرتي..
ما زلتُ أمضي في الطريقْ
أُحصي خُطايَ على الرصيفِ..
ولا أرى.. إلا الحريقْ
وقَفَتْ على أرصِفةِ الوداعْ..
كانت تلوّحُ في الضبابْ
كالعابرينَ بلا ظلالٍ.. أو كتذكارِ السرابْ
وتساقطتْ منها الدموعُ.. كأنّها طفلٌ يضيعْ
وتوقّفتْ
تحدو خطاها في ضياعِ المستحيلْ
ورجوتُها..
لا ترحلي فالليلُ يعصفُ بالدروبْ
ما عاد في عينيكِ دفءٌ للبقاءْ
كانت تُردّدُ في أسى:
“العمرُ يسري.. والرجوعُ المستحيلْ”
ورحلتُ عنها..
والمدينةُ خلفنا كانت تُعانِقُها الظلالْ
وأنا وحيدٌ في الطريقْ
أحصي الوجوهَ بلا ملامحْ
كلٌّ يُسافرُ في اتجاهِ المستحيلْ
وحين ألقاكِ
وحين ألقاكِ يضيعُ العمرُ منّي في يديكِ
وأعودُ طفلًا ضلَّ عن وطنٍ بعيدْ
أرنو إليكِ.. فتسافرُ الأيامُ في عينيكِ نهرًا من عبيرْ
وتعودُ أحلامي التي انطفأتْ تغنّي للزمانْ
وأهيمُ في دربٍ تطوفُ به الزهورُ ولا يضيعْ
وأقولُ: يا كلَّ الذي كانَ انتظارًا في ضلوعي
قد جئتُ.. كي أحيا بعينيكِ الحياةْ.
لتأتِ النصالُ في كُلِّ لحظة.
مرحباً بها في كُلّ حين.
و لتتكَسّرَ بعضها على بعضها
فوق قلبي.
فقط..
لا أريدها أن تكونَ صَدِئة.
أنا "شيخٌ" الآن.
لكنَّ جروحي
لا تشفى.
النصالُ كانت صَدِئة.
إنّ النصالَ الصَدِئة
تجعلُ الجروحَ طريّةً
لا تشيخ.
حيثُ
عندما تَطَلقت أمي ورحلت في حال سبيلها، أجبرنا والدي على عدم زيارتها، وكانت الأيام كفيلة بأن أنساها وأعتاد على زوجة أبٍّ سيئة… أخي الذي كان يغيب عن المنزل لليلةٍ أو اثنتين. لم يأبه حين يعود للعقاب الذي ينتظره، ومع الكثير من الركل والصفع كان يتظاهر أنه فاقد…
في تلك الليلة، كانت الريح تعوي في الخارج كأنها تبكي أحد الراحلين، وكان القمر حزينًا، يتوارى خلف الغيوم كوجه أمٍّ أرهقها الانتظار. جلستُ في ركن الغرفة، أراقب ظلال الأشياء التي ترقص فوق الجدران المتهالكة، وأستعيد في ذاكرتي ملامح لم تعد هنا، أصواتًا خافتة اندثرت مع الزمن، وحكاياتٍ كنتُ يومًا جزءًا منها… ثم انتهت.
منذ رحيل أمي، لم يعد للبيت معنى، صار جدرانًا باردة وسقفًا يثقلني كلما نظرتُ إليه. كان أبي رجلاً قاسيًا، لم يسأل يومًا كيف ننام، كيف نكبر، كيف نختنق في صمتنا. أما زوجته، فكانت تشبه هذا الليل… طويلة، سوداء، موحشة. اعتدنا أن نحيا في ظلّها كأننا أخطاء عابرة، واعتادت أن تسحق أرواحنا كأنها تقطع الأعشاب اليابسة تحت قدميها.
أخي وحده لم يقبل أن يكون جزءًا من هذه المأساة… كان يتمرد، يهرب ليالي طويلة، يعود مرهقًا، وعيناه تشتعلان بشيء لم أفهمه يومًا، كأن في داخله حلمًا أكبر من هذا المكان، أكبر من الألم. كان أبي يضربه بلا رحمة، لكنه ظل صامتًا، يبتسم وسط الركلات، كأن في صدره سرًا لن يبوح به لأحد.
وذات مساء، غاب طويلًا… ثم عاد، لكنه لم يكن كما كان. عاد جثةً، محمولًا بين ذراعين لا أعرفهما، وقد تسللت من شفتيه آخر ابتسامة. وقفتُ أمامه، كنتُ أراه وأرفض أن أصدق، كنتُ أسمع أبي يتنفس بعنف، وزوجته تبكي بدموع زائفة، بينما كان الليل طويلًا، وكان القمر أكثر حزنًا من ذي قبل.
في تلك الليلة، حين فتشتُ تحت وسادته، وجدتُ رسالة، كانت الكلمات ترتجف فوق السطور، وكأن يده كانت تكتبها في العتمة، خائفًا أن يراها أحد…
“لا تخبر أمنا، فهي لا تحتمل الفقد، قل لها إنني تأخرتُ قليلًا، وإنني سأعود قريبًافقط، لا تتركها تنتظر.
طيّنتُ الرسالة بين يدي، أغلقتُ عينيّ للحظة، ثم أدركتُ أنني لن أنام بعد اليوم… ولن أخبرها أبدًا أن الذين يرحلون، لا يعودون.
رسالة إلى الشتاء الأخير..
لا شيء في هذا النهارُ سوى صمتٍ يئنُّ في صدر السماء،
وريحٍ تُعانق النوافذ كيدِ عاشقٍ تائه،
ومطرٍ يُغنّي على الأرصفةِ أغنيةَ الفقدِ الأخيرة.
وأنا؟
أنا ظلٌّ يمشي بلا ملامح،
وحلمٌ قديمٌ نسيه الزمنُ على عتبةِ النسيان،
أنا بقايا إنسانٍ كان يومًا يملأُ الأرضَ ضحكًا،
ثم صار حزنًا يسيرُ على قدمين.
أما زلتَ تسأل عن الحب؟
أيُّ حبٍ هذا الذي يحيا في عالمٍ بلا قلب؟
أيُّ حبٍ هذا الذي ينجو من أيدي الفقراء،
من قسوةِ الطرقات،
من ليلٍ طويلٍ يقطعه البؤسُ إلى ألفِ عام؟
كنا نظنُّ أن الحب ضوء،
فأحرقنا كاللهب،
كنا نظنُّ أن الحب حياة،
فماتت أعمارُنا في انتظاره.
والفقر؟
هو أن تحملَ قلبًا أثقلَ من عمرك،
أن تسير بين الناس بجسدٍ أرهقته الأحلامُ المؤجلة،
أن تسندَ ظهركَ على جدارِ الأمل،
ثم ينهارُ من تحتهِ العمرُ دفعةً واحدة.
أما الدموع،
فهي الوطنُ الوحيدُ لمن لم يعرفوا الأوطان،
هي الليلُ الذي لا يخون،
هي الكلماتُ التي لا تكذب،
هي الصديقُ الأخير حينَ يرحلُ الجميع،
وحينَ تنطفئ المدينة،
ولا يبقى غير الحزن… يُضيء.
وها هو الشتاءُ يعود،
بكلِّ بردهِ،
بكلِّ وحدته،
بكلِّ ملامحه التي تشبهني.
فلا تسألني متى يأتي الربيع،
فقد طالَ بنا هذا الليل،
حتى صرنا نخشى الصباح.
كان الشتاءُ طويلًا هذا العام…
أطول مما يجب،
كأن الريحَ قد عقدت عهدًا ألا ترحل،
كأن البردَ قد وجد فينا وطنًا لا يضيع.
كنتُ أراقبُ الطرقاتِ الخالية،
النوافذَ التي أغلقتها الأيام،
الأشجارَ العاريةَ إلا من ظلِّها،
كأنها تنتظرُ شيئًا لن يأتي…
كأنها تشبهنا!
كلُّ شيءٍ صار باهتًا،
كوجهِ عاشقٍ قديم نسي كيف يبتسم،
كضحكةِ طفلٍ جائع،
كأحلامٍ تساقطت من بين الأصابع،
كدموعٍ حاولنا أن نخفيها… فلم نستطع.
أما الحب،
فقد كان ضوءًا خافتًا في آخرِ الليل،
كان يدًا تمتدُّ لنا وسط الغرق،
كان وعدًا بأن الحياةَ ستكون أقل قسوة،
لكن الحبَّ، ككلِّ الأشياءِ الجميلة،
لا يعرفُ كيف يبقى طويلًا،
هو عابرٌ كظلِّ الغيم،
قاسٍ كرحيلِ الذين وعدونا بالبقاء.
والحزن؟
أصبح وجهًا آخر لنا،
نرتديه كلَّ صباحٍ دون أن نشعر،
نحملهُ في أعيننا حينَ نحاول أن نضحك،
نسيرُ بهِ في الطرقاتِ كأنه نحن.
والفقر؟
ليس جوعًا فقط،
بل أن تمتدَّ يداك للعالم…
فلا تجد غير الفراغ،
أن تبحث عن وجهٍ واحدٍ يفهمك،
فلا ترى إلا الجدران.
والدموع؟
ما عادت تسقطُ من العيون،
بل تسكنُ القلب،
تصير جزءًا من ملامحنا،
من أصواتنا،
من خطواتنا،
كأننا نحملها معنا… أينما ذهبنا.
وها هو الشتاءُ يعود،
وحدهُ لا يخذلنا،
وحدهُ يطرقُ الأبوابَ كل عام،
يعود كما تركناه…
باردًا، صامتًا، مثقلًا بالغياب.
لقد اشتعلتَ كثيراً
كثيراً مثل غابةٍ
كثيفة.
وها أنت الآن
وقد احترقتَ بكاملك..
تتحدثُ بكلامٍ متفحمٍ ولا
أحد يفهمُك.
لمْ أُغيِّرْ عاداتي
لكنّني أَسعى كلّ صباح
إلى ابتكارِ صيغةٍ أقلَّ ضراوةً
للأملِ الخجول
ألوِّحُ بيدي في الشّارعِ
كمنْ يريدُ برفقٍ أن يروّع حمامةً
خشيةَ أن تطحنها
عرباتُ النهار
ولستُ أعنيكَ أبداً أيُّها التأريخ
فأنتَ سائقُ حافلةٍ بغيضٌ
تثيرُ كثيراً منَ الغبارِ
حينَ تعبرُ أوقاتنا مسرعاً
أكتب على البابِ
عباراتٍ لا يدركها أحدٌ
سواها
تلك التي تتفحّص نومي
في زوايا قصيّةٍ من البيت
عساها تستكينُ
قبل أن تقفلَ بابَ الحُزن
على تواريخَ مبهمةٍ
و بيتٍ طينِيٍّ
نفتِّشُ معاً عنْ نارٍ حميمةٌ
تجود عليه
برداءٍ من الخزَف
أنا "جَدٌّ" الآنَ
أبكي بعُمقٍ
وبصوتٍ داكنٍ
مثل "جَدّةٍ" سابقة
كانت تموءُ على غيابِ أصغرِ احفادِها
الذي ماتَ في الحربِ
أو ماتَ مُصادفةً
أو ماتَ بالخُذلانِ المُبَكِّرِ
او ماتَ بسكتةٍ في الحَظِّ
قبلَ أن يبلُغَ الثلاثينَ المريرة.
جَدَّتي يومها
كانت تقولُ لأمّي
لا تحزني
إنّ اللهَ معنا
وهوَ اللهُ..
يعطي ويأخُذُ
أنّا شاءَ
وفي كُلِّ حين.
كانت تقولُ لأمّي
لا تحزني
وهيَ التي يهدُّها الحزنُ
وتقولُ لها
لا تبكي
وهي التي تغُصُّ بشهقتها في الليلِ
وأنا أسمعها الآنَ
بوضوحٍ لئيم.
هل ستنقَطِعُ السلسلة؟
هل سوفَ تموتُ السلالاتُ
التي يعلكِها الحزنُ
حتّى إذا ماتَ عصفورٌ
في حديقةِ البيتِ
بصوتٍ خفيض؟
حتّى إذا باعَ الدارَ
الورَثَةُ الجاحِدونَ
وأُجتُثَّ مع النخلِ
كُلُّ وجهٍ أليف؟
الحزنُ الداكنُ
كالحظِّ السيّءِ
كالحبيباتِ الشبيهاتِ
بالجحودِ الجيّدِ
كالأيّامِ النبيذةِ في آخرِ العُمرِ.
الحزنُ هذا
يشبهُ أباً ماتَ
هكذا فجأةً
من شدّةِ العُزلةِ
في عائلةٍ كثيفةٍ
مثلُ قطٍّ أليف.
في آخرِ الوقتِ هذا
في الحُبِّ، كما في الحُزن
أنا جادٌّ جدّاً
جادٌّ تماماً
مثل نوبةٍ قلبيّة.
“أنا” كما أنتم مُتْعَبٌ مِنَ الدَّاخِل
مُتْعَبٌ بِعُمْق
مُتْعَبٌ جِدًّا
لِلْعُمْرِ حَوْبَة
لِلْحُزْنِ حَوْبَة
لِلْهُمُومِ حَوْبَات
وَالحَوْبَاتُ هِيَ جَمْعُ حَوْبَة
وَالحَوْبَةُ تَعْنِي الدَّيْنَ المُؤَجَّلَ وَاجِبَ الدَّفْعِ غَيْرَ القَابِلِ لِلسَّدَادِ الآني
وَحَوْبَتِي فِيكَ تَعْنِي أَنْ تَدْفَعَ لِي مُرْغَمًا تَكَالِيفَ التَّرْمِيمِ الفَوْرِيِّ لِلنُّدُوبِ السَّابِقَةِ العَمِيقَة
تِلْكَ السِّيَاخُ الَّتِي وَسَمْتَ بِهَا دُونَ سَبَبٍ قَلْبِي وَرُوحِي
مَثَلًا
عِنْدَمَا أُحِبُّكِ حُبًّا جَمًّا وَأَعْشَقُ تَفَاصِيلَ وَجْهِكِ المُدْهِشَة
وَأَنْتِ تَلْتَفِتِينَ إِلَى وَجْهٍ لَيْسَ وَجْهِي
وَكَأَنَّنِي بِلَا وَجْه
وَبَيْنَمَا أَنْتِ تَمْشِينَ عَلَى قَلْبِي
سَتَتَعَثَّرِينَ فِي لَحْظَةِ الخُذْلَانِ هَذِهِ بِأَطْرَافِ تَنُّورَتِكِ الكَافِرَة
وَسَأَقُولُ لَكِ بِصَوْتٍ لَا يَسْمَعُهُ غَيْرُكِ
اسْمُ اللهِ عَلَيْكِ
وَسَتَكُونُ عَثْرَتُكِ الحُلْوَةُ هَذِهِ هِيَ حَوْبَتِي فِيكِ
مِنْ كُلِّ قَلْبِي
في نادي الليلِ
يحتسي الغرباءُ الأسى.
وعندما تأتينَ كجُرعَةٍ زائدة
ويورِقُ الوقتُ الأسوَدُ العظيمُ
برائحةِ "الجُمّارِ" الرَطبِ
والطَلْعِ اليابس
أُغمِضُ عيني كرضيعٍ مُشاكس،
وأروحُ أبحثُ عن خلاصٍ جاهزٍ
في بستانِ اللبنِ الرَحب.
دائماً تأتينَ إلى نادي الليلِ في الليلِ
وعلى حائطِ نادي الليلِ تكتبينَ..
متى ستأتي؟
وعندما تغادرينَ صالة الذهولِ الكبير
تاركةً خلفكِ حفيفاً باهتاً لفستانٍ أليف
أنا وحدي الذي سيذهبُ بعدكِ كُلّ ليلةٍ
إلى حائطِ الأمنياتِ البارد
ويمسحُ سؤالَكِ على عَجَلٍ
ويخرجُ خلفكِ إلى حيثُ تخذلهُ الحَواس
ويحتضنُ الريحَ وحده.
أريده نصًا
يكثف الهشاشة في زجاجة قامتي
بصياغات لا نهائية بحسب الريح.
نرجسيًا
كوحش فر من شبك العنكبوت.
نص يشبهني
يرتدي عباءة روحي
يعيد ترتيبي.
إنني في حالة من الشتات
تصير معه الكتابة جهد حفار القبور.
لا أريد نصًا ينضم لقائمة الجثث
يجوع بذنب فادح.
أريد أن آكل من خبز الأرواح
بقلب شبع
لا أغسل بعده حقيقتي.
يا لَعنةَ الرّغيفِ الّذي شَهدَ جوعَنا،
وسَخِرَ مِن أوجاعِنا،
يا كسرةَ الخُبزِ الّتي سَقطَتْ في حَلْقي كدمعةٍ مالِحة،
أتُراكَ تَعلمُ كيفَ يَنبضُ وجعُ الجوعِ في أضلاعِنا؟
أواهُ يا خُبزَ الأمهاتِ،
كيفَ يَعلو وجْهُك ساخِنًا كالقُبلات،
ثمّ تُصبِحُ بارِدًا كالأكفان؟
كيفَ تُطعمُ صِغارًا يَحلمونَ بالغَد،
وتَذبحُ كِبارًا ما عادوا يَحلمون؟
كأنَّهُ يُعاتبُني على لُقمةٍ سَرقتُها مِن زَمانٍ لَمْ يُطْعِمْني،
كأنَّهُ يَسألُني: أأنتَ الجائِعُ،
أم أنَّ الجوعَ وَلدَ فيكَ جُوعًا آخَر؟
يا لَعنةَ الرّغيفِ،
مَن مِنّا أحقُّ بالحياة؟
أأنا؟ أم الجُوعُ؟
2025/02/26 05:35:56
Back to Top
HTML Embed Code: