قوله عز وجل: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ، يعني: أمهلهم وأجلهم، حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت وهم الكفار، قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ يعني: يقول لملك الموت وأعوانه: يا سيدي ردني، ويقال: يدعو الله تعالى، ويقول: يا رب ارجعون، ويقال: إنما قال بلفظ الجماعة، لأن العرب تخاطب جليل الشأن بلفظ الجماعة. ويقال: معناه يا رب مرهم ليرجعوني إلى الدنيا. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً يعني: خالصاً فِيما تَرَكْتُ في الدنيا.
قال الله تعالى: كَلَّا وهو رد عليهم، يعني: أنه لا يرد إلى الدنيا. ثم قال: إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها يعني: يقولها ولا تنفعه.
ثم قال: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ يعني: من بعدهم القبر إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة، ويقال: بين كل شيئين حاجز فهو برزخ، ويقال: هو بين النفختين، وقال قتادة: البرزخ بقية الدنيا، وقال الحسن: القبر بين الدنيا والآخرة.
قوله عز وجل: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ يعني: النفخة الأخيرة، فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يعني: لا ينفعهم يَوْمَئِذٍ النسبُ، وَلا يَتَساءَلُونَ عن ذلك. فهذه حالات لا يتساءلون في موضع، ويتساءلون في موضع آخر. فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ يعني: رجحت حسناته على سيئاته، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يعني: الناجون في الآخرة، وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ يعني:
رجحت سيئاته على حسناته، فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ قوله تعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ يعني: تنفح. قال أهل اللغة: النفح واللفح بمعنى واحد، إلا أن اللفح أشد تأثيراً وهو الدفع، يعني: تضرب وجوههم النار. وَهُمْ فِيها يعني:
في النار، كالِحُونَ يعني: كلحت وعبست وجوههم، والكالح: الذي قد قلصت شفتاه عن أسنانه، ونحو ما تُرى من رؤوس الغنم مشوية إذا بدت الأسنان، يعني: كلحت وجوههم فلم تلتق شفاههم. وقال ابن مسعود: «كالرأس النضيج» .
ثم قال: أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ يعني: ألم يكن يقرأ عليكم القرآن فيه بيان هذا اليوم، وما هو كائن فيه؟ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ يعني: بالآيات.
[تفسير السمرقندي].
قال الله تعالى: كَلَّا وهو رد عليهم، يعني: أنه لا يرد إلى الدنيا. ثم قال: إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها يعني: يقولها ولا تنفعه.
ثم قال: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ يعني: من بعدهم القبر إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة، ويقال: بين كل شيئين حاجز فهو برزخ، ويقال: هو بين النفختين، وقال قتادة: البرزخ بقية الدنيا، وقال الحسن: القبر بين الدنيا والآخرة.
قوله عز وجل: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ يعني: النفخة الأخيرة، فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يعني: لا ينفعهم يَوْمَئِذٍ النسبُ، وَلا يَتَساءَلُونَ عن ذلك. فهذه حالات لا يتساءلون في موضع، ويتساءلون في موضع آخر. فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ يعني: رجحت حسناته على سيئاته، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يعني: الناجون في الآخرة، وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ يعني:
رجحت سيئاته على حسناته، فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ قوله تعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ يعني: تنفح. قال أهل اللغة: النفح واللفح بمعنى واحد، إلا أن اللفح أشد تأثيراً وهو الدفع، يعني: تضرب وجوههم النار. وَهُمْ فِيها يعني:
في النار، كالِحُونَ يعني: كلحت وعبست وجوههم، والكالح: الذي قد قلصت شفتاه عن أسنانه، ونحو ما تُرى من رؤوس الغنم مشوية إذا بدت الأسنان، يعني: كلحت وجوههم فلم تلتق شفاههم. وقال ابن مسعود: «كالرأس النضيج» .
ثم قال: أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ يعني: ألم يكن يقرأ عليكم القرآن فيه بيان هذا اليوم، وما هو كائن فيه؟ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ يعني: بالآيات.
[تفسير السمرقندي].
قَالَ ٱخۡسَـُٔوا۟ فِیهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ!
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا أبو حفص، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب الأزدي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «إن أهل النار ليدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً، ثم يرد عليهم: إنكم ماكثون. ثم يدعون ربهم: ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا فإنا ظالمون، فلا يجيبهم مقدار ما كانت الدنيا مرتين، ثم يجيبهم: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ، فو الله ما نبس القوم بعد هذا بكلمة إلا الزفير والشهيق».
وروي عن ابن عباس أنه قال: «لما قال الله تعالى: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ، «فانطبقت أفواههم وانكسرت ألسنتهم، فمن الأجواف يعوون كعواء الكلب» ويقال: اخْسَؤُا أي تباعدوا تباعد سخط. يقال: خسأت الكلب، إذا زجرته ليتباعد.
[تفسير السمرقندي].
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا أبو حفص، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب الأزدي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «إن أهل النار ليدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً، ثم يرد عليهم: إنكم ماكثون. ثم يدعون ربهم: ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا فإنا ظالمون، فلا يجيبهم مقدار ما كانت الدنيا مرتين، ثم يجيبهم: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ، فو الله ما نبس القوم بعد هذا بكلمة إلا الزفير والشهيق».
وروي عن ابن عباس أنه قال: «لما قال الله تعالى: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ، «فانطبقت أفواههم وانكسرت ألسنتهم، فمن الأجواف يعوون كعواء الكلب» ويقال: اخْسَؤُا أي تباعدوا تباعد سخط. يقال: خسأت الكلب، إذا زجرته ليتباعد.
[تفسير السمرقندي].
﴿وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَ ٰتِ ٱلشَّیَـٰطِینِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن یَحۡضُرُونِ﴾
قال أهل المعاني: يعني دفعهم بالإغواء إلى المعاصي، والهمز: شدّة الدفع، ومنه قيل للحرف الذي يخرج من هواء الفم للدفع همزة.
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ في شيء من أموري.
[تفسير الثعلبي].
قال أهل المعاني: يعني دفعهم بالإغواء إلى المعاصي، والهمز: شدّة الدفع، ومنه قيل للحرف الذي يخرج من هواء الفم للدفع همزة.
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ في شيء من أموري.
[تفسير الثعلبي].
Forwarded from سلطان المتكلمين!
﴿وقل رب أعوذ بك من همز ٰت ٱلشیـٰطین وأعوذ بك رب أن یحضرون حتىٰ إذا جاء أحدهم ٱلموت قال رب ٱرجعون لعلی أعمل صـٰلحا فیما تركت كلا إنها كلمة هو قاىٕلها ومن وراىٕهم برزخ إلىٰ یوم یبعثون﴾
اعلم أنه سبحانه لما أدب رسوله بقوله: ﴿ادفع بالتي هي أحسن السيئة﴾ أتبعه بما به يقوى على ذلك، وهو الاستعاذة بالله من أمرين:
أحدهما: من همزات الشياطين، والهمزات جمع الهمزة، وهو الدفع والتحريك الشديد، وهو كالهز والأز، ومنه مهماز الرائض، وهمزاته هو كيده بالوسوسة، ويكون ذلك منه في الرسول بوجهين:
أحدهما: بالوسوسة.
والآخر بأن يبعث أعداءه على إيذائه، وكذلك القول في المؤمنين؛ لأن الشيطان يكيدهم بهذين الوجهين.
ومعلوم أن من ينقطع إلى الله تعالى ويسأله أن يعيذه من الشيطان، فإنه يجب أن يكون متذكرا متيقظا فيما يأتي ويذر، فيكون نفس هذا الانقطاع إلى الله تعالى داعية إلى التمسك بالطاعة وزاجرا عن المعصية، قال الحسن: «كان عليه السلام يقول بعد استفتاح الصلاة: لا إله إلا الله. ثلاثا، الله أكبر. ثلاثا، اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين همزه ونفثه ونفخه، فقيل: يا رسول الله وما همزه؟ قال: الموتة التي تأخذ ابن آدم -أي: الجنون الذي يأخذ ابن آدم- قيل: فما نفثه؟ قال: الشعر. قيل: فما نفخه؟ قال: الكبر».
وثانيها: قوله: ﴿وأعوذ بك رب أن يحضرون﴾ وفيه وجهان:
أحدهما: أن يحضرون عند قراءة القرآن؛ لكي يكون متذكرا فيقل سهوه.
وقال آخرون: بل استعاذ بالله من نفس حضورهم؛ لأنه الداعي إلى وسوستهم، كما يقول المرء: أعوذ بالله من خصومتك، بل أعوذ بالله من لقائك، وروي عن رسول الله ﷺ، وقد «اشتكى إليه رجل أرقا يجده فقال: إذا أردت النوم فقل: أعوذ بالله وبكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون».
أما قوله: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت﴾ ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب الكشاف (حتى) متعلق بـ (يصفون) أي: لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض، والتأكيد للإغضاء عنهم مستعينا بالله على الشيطان أن يستزله عن الحلم. والله أعلم.
المسألة الثانية: اختلفوا في قوله: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت﴾ فالأكثرون على أنه راجع إلى الكفار، وقال الضحاك: كنت جالسا عند ابن عباس، فقال: من لم يزك ولم يحج سأل الرجعة عند الموت، فقال واحد: إنما يسأل ذلك الكفار، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا أقرأ عليك به قرآنا ﴿وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق﴾ [المنافقون: ١٠] قال رسول الله ﷺ: «إذا حضر الإنسان الموت جمع كل شيء كان يمنعه من حقه بين يديه، فعنده يقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت». والأقرب هو الأول، إذا عرف المؤمن منزلته في الجنة، فإذا شاهدها لا يتمنى أكثر منها، ولولا ذلك لكان أدونهم ثوابا يغتم بفقد ما يفقد من منزلة غيره، وأما ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من قوله: ﴿وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت﴾ فهو إخبار عن حال الحياة في الدنيا لا عن حال الثواب، فلا يلزم على ما ذكرنا.
المسألة الثالثة: اختلفوا في وقت مسألة الرجعة فالأكثرون على أنه يسأل في حال المعاينة؛ لأنه عندها يضطر إلى معرفة الله تعالى وإلى أنه كان عاصيا، ويصير ملجأ إلى أنه لا يفعل القبيح بأن يعلمه الله تعالى أنه لو رامه لمنع منه، ومن هذا حاله يصير كالممنوع من القبائح بهذا الإلجاء، فعند ذلك يسأل الرجعة، ويقول: ﴿رب ارجعون﴾ ﴿لعلي أعمل صالحا فيما تركت﴾ وقال آخرون: بل يقول ذلك عند معاينة النار في الآخرة، ولعل هذا القائل إنما ترك ظاهر هذه الآية لما أخبر الله تعالى في كتابه عن أهل النار في الآخرة أنهم يسألون الرجعة، لكن ذلك مما لا يمنع أن يكونوا سائلين الرجعة في حال المعاينة، والله تعالى يقول: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون﴾ فعلق قولهم هذا بحال حضور الموت، وهو حال المعاينة، فلا وجه لترك هذا الظاهر.
المسألة الرابعة: اختلفوا في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ارجعون﴾ من المراد به؟ فقال بعضهم: الملائكة الذين يقبضون الأرواح وهم جماعة، فلذلك ذكره بلفظ الجمع، وقال آخرون: بل المراد هو الله تعالى؛ لأن قوله: (رب) بمنزلة أن يقول: يا رب، وإنما ذكر بلفظ الجمع للتعظيم كما يخاطب العظيم بلفظه فيقول: فعلنا وصنعنا، وقال الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم
ومن يقول بالأول يجعل ذكر الرب للقسم، فكأنه عند المعاينة قال: بحق الرب ارجعون.
وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: كيف يسألون الرجعة وقد علموا صحة الدين بالضرورة، ومن الدين أن لا رجعة؟ الجواب: أنه وإن كان كذلك فلا يمتنع أن يسألوه؛ لأن الاستعانة بهذا الجنس من المسألة تحسن وإن علم أنه لا يقع، فأما إرادته للرجعة فلا يمتنع أيضا على سبيل ما يفعله المتمني.
السؤال الثاني: ما معنى قوله: ﴿لعلي أعمل صالحا﴾ أفيجوز أن يسأل الرجعة مع الشك؟
اعلم أنه سبحانه لما أدب رسوله بقوله: ﴿ادفع بالتي هي أحسن السيئة﴾ أتبعه بما به يقوى على ذلك، وهو الاستعاذة بالله من أمرين:
أحدهما: من همزات الشياطين، والهمزات جمع الهمزة، وهو الدفع والتحريك الشديد، وهو كالهز والأز، ومنه مهماز الرائض، وهمزاته هو كيده بالوسوسة، ويكون ذلك منه في الرسول بوجهين:
أحدهما: بالوسوسة.
والآخر بأن يبعث أعداءه على إيذائه، وكذلك القول في المؤمنين؛ لأن الشيطان يكيدهم بهذين الوجهين.
ومعلوم أن من ينقطع إلى الله تعالى ويسأله أن يعيذه من الشيطان، فإنه يجب أن يكون متذكرا متيقظا فيما يأتي ويذر، فيكون نفس هذا الانقطاع إلى الله تعالى داعية إلى التمسك بالطاعة وزاجرا عن المعصية، قال الحسن: «كان عليه السلام يقول بعد استفتاح الصلاة: لا إله إلا الله. ثلاثا، الله أكبر. ثلاثا، اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين همزه ونفثه ونفخه، فقيل: يا رسول الله وما همزه؟ قال: الموتة التي تأخذ ابن آدم -أي: الجنون الذي يأخذ ابن آدم- قيل: فما نفثه؟ قال: الشعر. قيل: فما نفخه؟ قال: الكبر».
وثانيها: قوله: ﴿وأعوذ بك رب أن يحضرون﴾ وفيه وجهان:
أحدهما: أن يحضرون عند قراءة القرآن؛ لكي يكون متذكرا فيقل سهوه.
وقال آخرون: بل استعاذ بالله من نفس حضورهم؛ لأنه الداعي إلى وسوستهم، كما يقول المرء: أعوذ بالله من خصومتك، بل أعوذ بالله من لقائك، وروي عن رسول الله ﷺ، وقد «اشتكى إليه رجل أرقا يجده فقال: إذا أردت النوم فقل: أعوذ بالله وبكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون».
أما قوله: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت﴾ ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب الكشاف (حتى) متعلق بـ (يصفون) أي: لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض، والتأكيد للإغضاء عنهم مستعينا بالله على الشيطان أن يستزله عن الحلم. والله أعلم.
المسألة الثانية: اختلفوا في قوله: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت﴾ فالأكثرون على أنه راجع إلى الكفار، وقال الضحاك: كنت جالسا عند ابن عباس، فقال: من لم يزك ولم يحج سأل الرجعة عند الموت، فقال واحد: إنما يسأل ذلك الكفار، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا أقرأ عليك به قرآنا ﴿وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق﴾ [المنافقون: ١٠] قال رسول الله ﷺ: «إذا حضر الإنسان الموت جمع كل شيء كان يمنعه من حقه بين يديه، فعنده يقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت». والأقرب هو الأول، إذا عرف المؤمن منزلته في الجنة، فإذا شاهدها لا يتمنى أكثر منها، ولولا ذلك لكان أدونهم ثوابا يغتم بفقد ما يفقد من منزلة غيره، وأما ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من قوله: ﴿وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت﴾ فهو إخبار عن حال الحياة في الدنيا لا عن حال الثواب، فلا يلزم على ما ذكرنا.
المسألة الثالثة: اختلفوا في وقت مسألة الرجعة فالأكثرون على أنه يسأل في حال المعاينة؛ لأنه عندها يضطر إلى معرفة الله تعالى وإلى أنه كان عاصيا، ويصير ملجأ إلى أنه لا يفعل القبيح بأن يعلمه الله تعالى أنه لو رامه لمنع منه، ومن هذا حاله يصير كالممنوع من القبائح بهذا الإلجاء، فعند ذلك يسأل الرجعة، ويقول: ﴿رب ارجعون﴾ ﴿لعلي أعمل صالحا فيما تركت﴾ وقال آخرون: بل يقول ذلك عند معاينة النار في الآخرة، ولعل هذا القائل إنما ترك ظاهر هذه الآية لما أخبر الله تعالى في كتابه عن أهل النار في الآخرة أنهم يسألون الرجعة، لكن ذلك مما لا يمنع أن يكونوا سائلين الرجعة في حال المعاينة، والله تعالى يقول: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون﴾ فعلق قولهم هذا بحال حضور الموت، وهو حال المعاينة، فلا وجه لترك هذا الظاهر.
المسألة الرابعة: اختلفوا في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ارجعون﴾ من المراد به؟ فقال بعضهم: الملائكة الذين يقبضون الأرواح وهم جماعة، فلذلك ذكره بلفظ الجمع، وقال آخرون: بل المراد هو الله تعالى؛ لأن قوله: (رب) بمنزلة أن يقول: يا رب، وإنما ذكر بلفظ الجمع للتعظيم كما يخاطب العظيم بلفظه فيقول: فعلنا وصنعنا، وقال الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم
ومن يقول بالأول يجعل ذكر الرب للقسم، فكأنه عند المعاينة قال: بحق الرب ارجعون.
وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: كيف يسألون الرجعة وقد علموا صحة الدين بالضرورة، ومن الدين أن لا رجعة؟ الجواب: أنه وإن كان كذلك فلا يمتنع أن يسألوه؛ لأن الاستعانة بهذا الجنس من المسألة تحسن وإن علم أنه لا يقع، فأما إرادته للرجعة فلا يمتنع أيضا على سبيل ما يفعله المتمني.
السؤال الثاني: ما معنى قوله: ﴿لعلي أعمل صالحا﴾ أفيجوز أن يسأل الرجعة مع الشك؟
Forwarded from سلطان المتكلمين!
الجواب: ليس المراد بـ (لعل) الشك؛ فإنه في هذا الوقت باذل للجهد في العزم على الطاعة، إن أعطي ما سأل، بل هو مثل من قصر في حق نفسه وعرف سوء عاقبة ذلك التقصير فيقول: مكنوني من التدارك لعلي أتدارك، فيقول هذه الكلمة مع كونه جازما بأنه سيتدارك، ويحتمل أيضا أن الأمر المستقبل إذا لم يعرفوه أوردوا الكلام الموضوع للترجي والظن دون اليقين، فقد قال تعالى: ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه﴾ [الأنعام: ٢٨].
السؤال الثالث: ما المراد بقوله: (فيما تركت )؟
الجواب: قال بعضهم: فيما خلفت من المال؛ ليصير عند الرجعة مؤديا لحق الله تعالى منه، والمعقول من قوله: ﴿تركت﴾ التركة. وقال آخرون: بل المراد أعمل صالحا فيما قصرت فيدخل فيه العبادات البدنية والمالية والحقوق، وهذا أقرب، كأنهم تمنوا الرجعة ليصلحوا ما أفسدوه، ويطيعوا في كل ما عصوا.
السؤال الرابع: ما المراد بقوله: (كلا )؟
الجواب: فيه قولان:
أحدهما: أنه كالجواب لهم في المنع مما طلبوا، كما يقال لطالب الأمر المستبعد: هيهات، روي أنه عليه السلام قال لعائشة رضي الله عنها: «إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى دار الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان؟ لا بل قدوما على الله، وأما الكافر فيقال له: نرجعك؟ فيقول: ارجعون. فيقال له: إلى أي شيء ترغب؛ إلى جمع المال أو غرس الغراس أو بناء البنيان أو شق الأنهار؟ فيقول: لعلي أعمل صالحا فيما تركت، فيقول الجبار: كلا»
الثاني: يحتمل أن يكون على وجه الإخبار بأنهم يقولون ذلك، وأن هذا الخبر حق، فكأنه قال: حقا إنها كلمة هو قائلها، والأقرب الأول.
أما قوله: ﴿إنها كلمة هو قائلها﴾ ففيه وجهان:
الأول: أنه لا يخليها ولا يسكت عنها؛ لاستيلاء الحسرة عليه.
الثاني: أنه قائلها وحده ولا يجاب إليها ولا يسمع منه.أما قوله تعالى: ﴿ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون﴾ فالبرزخ هو الحاجز والمانع، كقوله في البحرين ﴿بينهما برزخ لا يبغيان﴾ [الرحمن: ٢٠] أي: فهؤلاء صائرون إلى حالة مانعة من التلافي حاجزة عن الاجتماع وذلك هو الموت، وليس المعنى أنهم يرجعون يوم البعث، إنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة.
[تفسير مفاتيح الغيب|| للإمام فخر الدين الرّازي -رحمه الله-].
السؤال الثالث: ما المراد بقوله: (فيما تركت )؟
الجواب: قال بعضهم: فيما خلفت من المال؛ ليصير عند الرجعة مؤديا لحق الله تعالى منه، والمعقول من قوله: ﴿تركت﴾ التركة. وقال آخرون: بل المراد أعمل صالحا فيما قصرت فيدخل فيه العبادات البدنية والمالية والحقوق، وهذا أقرب، كأنهم تمنوا الرجعة ليصلحوا ما أفسدوه، ويطيعوا في كل ما عصوا.
السؤال الرابع: ما المراد بقوله: (كلا )؟
الجواب: فيه قولان:
أحدهما: أنه كالجواب لهم في المنع مما طلبوا، كما يقال لطالب الأمر المستبعد: هيهات، روي أنه عليه السلام قال لعائشة رضي الله عنها: «إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى دار الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان؟ لا بل قدوما على الله، وأما الكافر فيقال له: نرجعك؟ فيقول: ارجعون. فيقال له: إلى أي شيء ترغب؛ إلى جمع المال أو غرس الغراس أو بناء البنيان أو شق الأنهار؟ فيقول: لعلي أعمل صالحا فيما تركت، فيقول الجبار: كلا»
الثاني: يحتمل أن يكون على وجه الإخبار بأنهم يقولون ذلك، وأن هذا الخبر حق، فكأنه قال: حقا إنها كلمة هو قائلها، والأقرب الأول.
أما قوله: ﴿إنها كلمة هو قائلها﴾ ففيه وجهان:
الأول: أنه لا يخليها ولا يسكت عنها؛ لاستيلاء الحسرة عليه.
الثاني: أنه قائلها وحده ولا يجاب إليها ولا يسمع منه.أما قوله تعالى: ﴿ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون﴾ فالبرزخ هو الحاجز والمانع، كقوله في البحرين ﴿بينهما برزخ لا يبغيان﴾ [الرحمن: ٢٠] أي: فهؤلاء صائرون إلى حالة مانعة من التلافي حاجزة عن الاجتماع وذلك هو الموت، وليس المعنى أنهم يرجعون يوم البعث، إنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة.
[تفسير مفاتيح الغيب|| للإمام فخر الدين الرّازي -رحمه الله-].
﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ يعني: فيما ضيَّعتُ.
Forwarded from عبد الله الخضراوي
قلتُ يا رسولَ اللهِ! إني أُكثِرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟
فقال: ما شئتَ، قلت : الربعَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: النصفَ؟! قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلت: فالثُّلُثَيْنِ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: أجعلُ لك صلاتي كلَّها؟!
قال: إذًا تُكْفَى همَّك، ويُكَفَّرُ لك ذنبَك.
حديث شريف.
فقال: ما شئتَ، قلت : الربعَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: النصفَ؟! قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلت: فالثُّلُثَيْنِ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: أجعلُ لك صلاتي كلَّها؟!
قال: إذًا تُكْفَى همَّك، ويُكَفَّرُ لك ذنبَك.
حديث شريف.
﴿حريص عليكم﴾
لا يلقي بكم في المهالك، ولا يدفع بكم إلى المهاوي؛ فإذا هو كلّفكم الجهاد، وركوب الصعاب، فما ذلك من هوان بكم عليه، ولا بقسوة في قلبه وغلظة، إنما هي الرحمة في صورة من صورها . . الرحمة بكم من الذل والهوان، والرحمة بكم من الذنب والخطيئة، والحرص عليكم أن يكون لكم شرف حمل الدعوة، وحظ رضوان الله، والجنة التي وعد المتقون.
الظلال!
لا يلقي بكم في المهالك، ولا يدفع بكم إلى المهاوي؛ فإذا هو كلّفكم الجهاد، وركوب الصعاب، فما ذلك من هوان بكم عليه، ولا بقسوة في قلبه وغلظة، إنما هي الرحمة في صورة من صورها . . الرحمة بكم من الذل والهوان، والرحمة بكم من الذنب والخطيئة، والحرص عليكم أن يكون لكم شرف حمل الدعوة، وحظ رضوان الله، والجنة التي وعد المتقون.
الظلال!
Forwarded from أبو حامد الغزّالي
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الشيخ مصطفى إسماعيل!
آمين آمين آمين.
سلطان والله والّي ميتسلطنش من سماعه -مع كامل احترامي- ذوقه فاسد!
آمين آمين آمين.
سلطان والله والّي ميتسلطنش من سماعه -مع كامل احترامي- ذوقه فاسد!
قيلَ فِي اسم اللهِ اللطيفِ = هو الَّذي يُنسي العبَاد ذنوبهم لئلَّا يَخجلوا.
[تفسير البَغوي].
[تفسير البَغوي].
قيل في تفسير اسم الله ﴿الودود﴾ = هو الذي يتودد إلى خلقه بما يعطيهم من النعم في وأرزاقهم.
[تفسير ابن أبي زمنين].
[تفسير ابن أبي زمنين].
﴿ذو ٱلعرش ٱلمجید﴾
﴿المجيد﴾ يقرأ (المجيد) بالرفع والجر، فمن قرأ بالرفع رجع إلى قوله: ﴿وهو الغفور الودود﴾ المجيد ذو العرش، ومن قرأها بالجر جعله من صفة (العرش) وتفسير المجيد: الكريم.
#قراءات_قرآنية
﴿المجيد﴾ يقرأ (المجيد) بالرفع والجر، فمن قرأ بالرفع رجع إلى قوله: ﴿وهو الغفور الودود﴾ المجيد ذو العرش، ومن قرأها بالجر جعله من صفة (العرش) وتفسير المجيد: الكريم.
#قراءات_قرآنية
﴿بل هُوَ قُرْآن مجيد﴾ كريم على الله
[تفسير ابن أبي زمنين].
[تفسير ابن أبي زمنين].
﴿قرآن مجيد﴾ = شريف، عالي الطبقة في الكتب، وفي نظمه، وإعجازه، ليس كما يزعمون أنه مفترى، وأنه أساطير الأولين.
[تفسير النسفي].
[تفسير النسفي].
﴿قُرْآنٌ مجِيدٌ﴾: عظيم في اللفظ والمعنى.
[تفسير الإيجي].
[تفسير الإيجي].
﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾
﴿بَلْ هُوَ﴾ أي: ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام ﴿قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ أي: ذو عظمةٍ ومجد، ووَصْف القرآنِ بأنَّه مجيدٌ لا يعني أن المجد وصْفٌ للقرآن نفسه فقط، بل هو وصْفٌ للقرآن ولِمَن تحمَّل هذا القرآنَ فحمله وقام بواجبه من تلاوته حقَّ تلاوته، فإنَّه سيكون له المجد والعِزَّة والرِّفعة.
وقوله تعالى: ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ يعني بذلك اللوحَ المحفوظَ عند الله عز وجل الذي هو أمُّ الكتاب؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد ٣٩]. هذا اللوح لو سألَنا سائلٌ: من أيِّ مادَّةٍ هو؟ ماذا نقول؟
* طالب: نقول: الله أعلم.
* الشيخ: نقول: الله أعلم.
يعني لو قال: هل من خشب؟ من حديد؟ من زجاج؟ من ذهب؟ من فضة؟ ما ندري، هو لوحٌ كتب الله به مقاديرَ كلِّ شيءٍ، ومن جُملة ما كتب به أنَّ هذا القرآن سينزل على محمد ﷺ، فهو ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾.
قال العلماء: ﴿مَحْفُوظٍ﴾ لا يناله أحدٌ، محفوظٌ عن التغيير والتبديل.
والتبديلُ والتغييرُ إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأنَّ الكتابة من الله عز وجل أنواعٌ، وأرجو أن تنتبهوا لهذا: النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ، وهذه الكتابة لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر، ولهذا سَمَّاه الله لوحًا محفوظًا، لا يمكن أن يُبَدَّل أو يُغَيَّر ما فيه؛ لأنَّه هو النهائي.
الثاني: الكتابة على بني آدم وهُم في بطون أمَّهاتهم؛ لأنَّ الإنسان في بطن أمِّه إذا تَمَّ له أربعة أشهرٍ بعثَ الله إليه ملكًا موكَّلًا بالأرحام فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأنَّ الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نُفِخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمَر بأربع كلمات: بكَتْب رِزقه، وأجَله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ.
هناك كتابة أخرى حوليَّة؛ كلَّ سَنَة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القَدْر؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى يُقَدِّر في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان ٤]، فيُكتَب في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة.
هناك كتابة رابعة، وهي كتابة الصُّحُف التي في أيدي الملائكة، وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلُّها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يُكتَب على الإنسان ما يعمل من قولٍ بلسانه أو فعلٍ بجوارحه أو اعتقادٍ بقلبه، فإنَّ الملائكة الموكَّلين بحفظ بني آدم -أي: بحفظ أعمالهم- يكتبون؛ قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾.
لكن هذه الكتابة الأخيرة تختلف عن الكتابات الثلاث السابقة؛ لأنها كتابة ما بعد العمل حتى يُكتَب على الإنسان ما عَمِل، فإذا كان يوم القيامة فإنَّه يُعطى هذا الكتاب؛ كما قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾. يعني تُعطَى الكتابَ ويُقال: أنت، اقرأْ وحاسبْ نفسَك.
قال بعض السلف: لقد أَنْصفك مَن جعلك حسيبًا على نفسك.
وهذا صحيح، أيُّ إنصافٍ أَبْلغ مِن أن يُقال للشخص: تفضَّل، هذا ما عَمِلْتَ، حاسبْ نفسَك؟! أليس هذا هو الإنصاف؟! أكبرُ إنصافٍ هو هذا، فيوم القيامة تُعطى هذا الكتابَ منشورًا مفتوحًا أمامك ليس مغلقًا، تقرأ، ويتبيَّن لك أنك عملتَ في يوم كذا في مكان كذا: كذا وكذا، شيءٌ مضبوطٌ ما يتغيَّر، وإذا أنكرتَ هنا مَن يشهد عليك؟ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ يقول اللسان: نطقتُ بكذا، ﴿أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، تقول اليد: بطشتُ، تقول الرِّجل: مشيتُ، بل يقول الجِلد أيضًا، الجلود تشهد بما لمست؛ ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
المهمُّ الآن أنَّ اللوح المحفوظ هو هذا اللوح الذي كتب الله فيه مقاديرَ كلِّ شيءٍ، هو محفوظٌ من التغيير، محفوظٌ من أن يناله أحدٌ، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كتب فيه، وقلنا: إنَّه محفوظٌ لأنه لا يتغيَّر، وما بأيدي الملائكة يتغيَّر. وقلنا: إنَّ الكتابات أربع:
اللوح المحفوظ.
الثاني: كتابة الأجنَّة.
والثالث: الكتابة الحوليَّة تكون في ليلة القدر. والرابعة: كتابة الأعمال بعد وقوعها وتكون هذه بأيدي الملائكة؛ عن اليمين واحد من الملائكة وعن الشمال واحد، يسجِّلون على الإنسان كلَّ ما يقول.
﴿بَلْ هُوَ﴾ أي: ما جاء به الرسولُ عليه الصلاة والسلام ﴿قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ أي: ذو عظمةٍ ومجد، ووَصْف القرآنِ بأنَّه مجيدٌ لا يعني أن المجد وصْفٌ للقرآن نفسه فقط، بل هو وصْفٌ للقرآن ولِمَن تحمَّل هذا القرآنَ فحمله وقام بواجبه من تلاوته حقَّ تلاوته، فإنَّه سيكون له المجد والعِزَّة والرِّفعة.
وقوله تعالى: ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ يعني بذلك اللوحَ المحفوظَ عند الله عز وجل الذي هو أمُّ الكتاب؛ كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد ٣٩]. هذا اللوح لو سألَنا سائلٌ: من أيِّ مادَّةٍ هو؟ ماذا نقول؟
* طالب: نقول: الله أعلم.
* الشيخ: نقول: الله أعلم.
يعني لو قال: هل من خشب؟ من حديد؟ من زجاج؟ من ذهب؟ من فضة؟ ما ندري، هو لوحٌ كتب الله به مقاديرَ كلِّ شيءٍ، ومن جُملة ما كتب به أنَّ هذا القرآن سينزل على محمد ﷺ، فهو ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾.
قال العلماء: ﴿مَحْفُوظٍ﴾ لا يناله أحدٌ، محفوظٌ عن التغيير والتبديل.
والتبديلُ والتغييرُ إنما يكون في الكتب الأخرى؛ لأنَّ الكتابة من الله عز وجل أنواعٌ، وأرجو أن تنتبهوا لهذا: النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ، وهذه الكتابة لا تُبَدَّل ولا تُغَيَّر، ولهذا سَمَّاه الله لوحًا محفوظًا، لا يمكن أن يُبَدَّل أو يُغَيَّر ما فيه؛ لأنَّه هو النهائي.
الثاني: الكتابة على بني آدم وهُم في بطون أمَّهاتهم؛ لأنَّ الإنسان في بطن أمِّه إذا تَمَّ له أربعة أشهرٍ بعثَ الله إليه ملكًا موكَّلًا بالأرحام فينفخ فيه الروح بإذن الله، لأنَّ الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نُفِخت فيه الروح صار إنسانًا، ويؤمَر بأربع كلمات: بكَتْب رِزقه، وأجَله، وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ.
هناك كتابة أخرى حوليَّة؛ كلَّ سَنَة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القَدْر؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى يُقَدِّر في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان ٤]، فيُكتَب في هذه الليلة ما يكون في تلك السَّنَة.
هناك كتابة رابعة، وهي كتابة الصُّحُف التي في أيدي الملائكة، وهذه الكتابة تكون بعد العمل، والكتابات الثلاث السابقة كلُّها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل، يُكتَب على الإنسان ما يعمل من قولٍ بلسانه أو فعلٍ بجوارحه أو اعتقادٍ بقلبه، فإنَّ الملائكة الموكَّلين بحفظ بني آدم -أي: بحفظ أعمالهم- يكتبون؛ قال الله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾.
لكن هذه الكتابة الأخيرة تختلف عن الكتابات الثلاث السابقة؛ لأنها كتابة ما بعد العمل حتى يُكتَب على الإنسان ما عَمِل، فإذا كان يوم القيامة فإنَّه يُعطى هذا الكتاب؛ كما قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾. يعني تُعطَى الكتابَ ويُقال: أنت، اقرأْ وحاسبْ نفسَك.
قال بعض السلف: لقد أَنْصفك مَن جعلك حسيبًا على نفسك.
وهذا صحيح، أيُّ إنصافٍ أَبْلغ مِن أن يُقال للشخص: تفضَّل، هذا ما عَمِلْتَ، حاسبْ نفسَك؟! أليس هذا هو الإنصاف؟! أكبرُ إنصافٍ هو هذا، فيوم القيامة تُعطى هذا الكتابَ منشورًا مفتوحًا أمامك ليس مغلقًا، تقرأ، ويتبيَّن لك أنك عملتَ في يوم كذا في مكان كذا: كذا وكذا، شيءٌ مضبوطٌ ما يتغيَّر، وإذا أنكرتَ هنا مَن يشهد عليك؟ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ يقول اللسان: نطقتُ بكذا، ﴿أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، تقول اليد: بطشتُ، تقول الرِّجل: مشيتُ، بل يقول الجِلد أيضًا، الجلود تشهد بما لمست؛ ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.
المهمُّ الآن أنَّ اللوح المحفوظ هو هذا اللوح الذي كتب الله فيه مقاديرَ كلِّ شيءٍ، هو محفوظٌ من التغيير، محفوظٌ من أن يناله أحدٌ، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كتب فيه، وقلنا: إنَّه محفوظٌ لأنه لا يتغيَّر، وما بأيدي الملائكة يتغيَّر. وقلنا: إنَّ الكتابات أربع:
اللوح المحفوظ.
الثاني: كتابة الأجنَّة.
والثالث: الكتابة الحوليَّة تكون في ليلة القدر. والرابعة: كتابة الأعمال بعد وقوعها وتكون هذه بأيدي الملائكة؛ عن اليمين واحد من الملائكة وعن الشمال واحد، يسجِّلون على الإنسان كلَّ ما يقول.
نحن الآن نسجِّل في مسجِّل في الشريط لا يفوت شيءٌ من كلامنا، حتى النَّفَس يُدرَك بهذا الشريط، هم أيضًا -الملائكة- يكتبون كلَّ شيءٍ؛ ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد﴾ [ق ١٨]، و﴿مِنْ قَوْلٍ﴾ هذه يقول علماء البلاغة: إنَّ النكرة في سياق النفي تكون للعموم؛ أيُّ قولٍ تقوله فعندك رقيبٌ عتيدٌ حاضرٌ لا يغيب عنك.
ويُذكَر أنَّ الإمام أحمد رحمه الله كان مريضًا، وكان يئِنُّ في مرضه من شدَّة المرض، فدخل عليه أحد أصحابه وقال: يا أبا عبد الله، إنَّ طاوسًا -وهو رجلٌ من التابعين معروفٌ- يقول: إنَّ الملائكة تكتب على الإنسان حتى أنينَ المرض، حتى أنينَه في مرضه. فأمسكَ رحمه الله عن الأنين.
فالأمر ليس بالأمر الهيِّن، نسأل الله تعالى أن يتولَّانا وإيَّاكم بعَفْوه ومغفرته.
وإلى هنا ينتهي الكلامُ على هذه السورة العظيمة التي ابتدأها الله تعالى بالقَسَم بالسماء ذاتِ البروج وأنهاها بقوله: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج ٢١، ٢٢]، فمَن تمسَّك بهذا القرآن العظيم فله المجدُ والعِزَّة والكرامة والرِّفعة، ولهذا ننصح أُمَّتنا الإسلامية بادئينَ بأفراد شعوبها أن يتمسَّكوا بالقرآن العظيم، ونُوجِّه الدعوة على وجهٍ أوكد وأوكد إلى وُلاةِ أُمُورها أن يتمسَّكوا بالقرآن العظيم، وألَّا يغُرَّهم البهرج المزخرف الذي يَرِدُ من الأُمَم الكافرة التي تضع القوانين المخالِفة للشريعة، المخالِفة للعدل، المخالِفة لإصلاح الخلْق، أن يضعوها موضعَ التنفيذ ثم ينبذوا كتابَ الله وسُنَّة رسوله وراء ظهورهم، فإنَّ هذا -واللهِ- سببُ التأخُّر، ولا أظنُّ أحدًا يتصوَّر الآن أن أمَّةً بهذا العدد الهائل تكون متأخِّرةً هذا التأخُّرَ وكأنَّها إمارةٌ في قريةٍ بالنسبة للدول الكافرة، لكن سبب ذلك -لا شك- معلومٌ؛ هو أنَّنا تَرَكْنا ما به عِزَّتُنا وكرامتُنا وهو التمسُّك بهذا القرآن العظيم، وذهبْنا نلهثُ وراء أنظمةٍ بائدةٍ فاسدةٍ مخالفةٍ للعدل، مبنيَّةٍ على الظلم والجور.
فنحن نُناشد وُلاةَ أُمُورنا -وأقصد بوُلاة أمورنا وُلاةَ أُمُور المسلمين جميعًا؛ لأنَّنا أُمَّةٌ واحدةٌ وإن تفرَّقت بنا البلدان واختلفتْ منَّا الألسُن- أُناشِدُهم أن يتَّقوا الله عز وجل، وأن يرجعوا رجوعًا حقيقيًّا إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله ﷺ، حتى يستتبَّ لهم الأمنُ والاستقرارُ، وتحصلَ لهم العِزَّة والمجد والرِّفعة، وتطيعَهم شعوبُهم، ولا يكون في قلوب شعوبهم عليهم شيءٌ؛ وذلك لأنَّ الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين ربِّه أصلح الله ما بينه وبين الناس، فإذا كان وُلاة الأمور يريدون أن تُذعِن لهم الشعوبُ وأن يطيعوا الله فيهم فلْيُطيعوا الله أوَّلًا حتى تطيعهم أُمَمُهم، وإلَّا فليس من المعقول أن يعصوا الملك الأكبر -وهو الله عز وجل- ثم يريدون أن تطيعهم شعوبُهم، هذا بعيد، بل كلَّما بَعُد القلبُ عن الله بَعُد الناسُ عن صاحبه-نسأل الله العافية- كلَّما قَرُب من الله قَرُب الناسُ منه، فنسأل الله أن يُعيد لهذه الأُمَّة الإسلامية مجدَها وكرامتَها، وأن يُذِلَّ أعداءَ المسلمين في كلِّ مكان، ونسأل الله تعالى أن ينصر إخوانَنا المسلمين في البوسنة والهرسك وأن يُعينهم على ما أصابهم من هؤلاء النصارى الذين لا يريدون أن يقوم للمسلمين قائمةٌ في أيِّ مكان، ونسأل الله أن يُذِلَّ النصارى واليهودَ، وأن يَكْبتهم، وأن يَرُدَّهم على أعقابهم خائبين، وكذلك كل عدوٍّ للمسلمين، إنَّه على كلِّ شيءٍ قدير.
[تفسير ابن عثيمين تـ1421هـ].
ويُذكَر أنَّ الإمام أحمد رحمه الله كان مريضًا، وكان يئِنُّ في مرضه من شدَّة المرض، فدخل عليه أحد أصحابه وقال: يا أبا عبد الله، إنَّ طاوسًا -وهو رجلٌ من التابعين معروفٌ- يقول: إنَّ الملائكة تكتب على الإنسان حتى أنينَ المرض، حتى أنينَه في مرضه. فأمسكَ رحمه الله عن الأنين.
فالأمر ليس بالأمر الهيِّن، نسأل الله تعالى أن يتولَّانا وإيَّاكم بعَفْوه ومغفرته.
وإلى هنا ينتهي الكلامُ على هذه السورة العظيمة التي ابتدأها الله تعالى بالقَسَم بالسماء ذاتِ البروج وأنهاها بقوله: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج ٢١، ٢٢]، فمَن تمسَّك بهذا القرآن العظيم فله المجدُ والعِزَّة والكرامة والرِّفعة، ولهذا ننصح أُمَّتنا الإسلامية بادئينَ بأفراد شعوبها أن يتمسَّكوا بالقرآن العظيم، ونُوجِّه الدعوة على وجهٍ أوكد وأوكد إلى وُلاةِ أُمُورها أن يتمسَّكوا بالقرآن العظيم، وألَّا يغُرَّهم البهرج المزخرف الذي يَرِدُ من الأُمَم الكافرة التي تضع القوانين المخالِفة للشريعة، المخالِفة للعدل، المخالِفة لإصلاح الخلْق، أن يضعوها موضعَ التنفيذ ثم ينبذوا كتابَ الله وسُنَّة رسوله وراء ظهورهم، فإنَّ هذا -واللهِ- سببُ التأخُّر، ولا أظنُّ أحدًا يتصوَّر الآن أن أمَّةً بهذا العدد الهائل تكون متأخِّرةً هذا التأخُّرَ وكأنَّها إمارةٌ في قريةٍ بالنسبة للدول الكافرة، لكن سبب ذلك -لا شك- معلومٌ؛ هو أنَّنا تَرَكْنا ما به عِزَّتُنا وكرامتُنا وهو التمسُّك بهذا القرآن العظيم، وذهبْنا نلهثُ وراء أنظمةٍ بائدةٍ فاسدةٍ مخالفةٍ للعدل، مبنيَّةٍ على الظلم والجور.
فنحن نُناشد وُلاةَ أُمُورنا -وأقصد بوُلاة أمورنا وُلاةَ أُمُور المسلمين جميعًا؛ لأنَّنا أُمَّةٌ واحدةٌ وإن تفرَّقت بنا البلدان واختلفتْ منَّا الألسُن- أُناشِدُهم أن يتَّقوا الله عز وجل، وأن يرجعوا رجوعًا حقيقيًّا إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله ﷺ، حتى يستتبَّ لهم الأمنُ والاستقرارُ، وتحصلَ لهم العِزَّة والمجد والرِّفعة، وتطيعَهم شعوبُهم، ولا يكون في قلوب شعوبهم عليهم شيءٌ؛ وذلك لأنَّ الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين ربِّه أصلح الله ما بينه وبين الناس، فإذا كان وُلاة الأمور يريدون أن تُذعِن لهم الشعوبُ وأن يطيعوا الله فيهم فلْيُطيعوا الله أوَّلًا حتى تطيعهم أُمَمُهم، وإلَّا فليس من المعقول أن يعصوا الملك الأكبر -وهو الله عز وجل- ثم يريدون أن تطيعهم شعوبُهم، هذا بعيد، بل كلَّما بَعُد القلبُ عن الله بَعُد الناسُ عن صاحبه-نسأل الله العافية- كلَّما قَرُب من الله قَرُب الناسُ منه، فنسأل الله أن يُعيد لهذه الأُمَّة الإسلامية مجدَها وكرامتَها، وأن يُذِلَّ أعداءَ المسلمين في كلِّ مكان، ونسأل الله تعالى أن ينصر إخوانَنا المسلمين في البوسنة والهرسك وأن يُعينهم على ما أصابهم من هؤلاء النصارى الذين لا يريدون أن يقوم للمسلمين قائمةٌ في أيِّ مكان، ونسأل الله أن يُذِلَّ النصارى واليهودَ، وأن يَكْبتهم، وأن يَرُدَّهم على أعقابهم خائبين، وكذلك كل عدوٍّ للمسلمين، إنَّه على كلِّ شيءٍ قدير.
[تفسير ابن عثيمين تـ1421هـ].