وصف أبو فهر شيخه المرصفي وهو يلقي الشعر فقال:
:«كانت للشيخ رحمه الله وأثابه عند قراءةِ الشعرِ وقفاتٌ، يقف على الكلمة أو على البيت أو على الأبيات يُعِيدُها ويُرَدِّدُها، ويُشير بيده وتَبْرُقُ عيناهُ، وتُضِيءُ مَعارِفُ وجهِه، ويهتزُّ يَمْنةً ويَسْرَةً، ويرفع من قامته مادًّا ذراعَيْهِ، مُلَوِّحًا بهما يَهُمُّ أن يطير، وترى شفَتَيْهِ والكلماتُ تخرج من بينهما، تراه كأنه يَجِدُ للكلمات في فمه من اللذة والنشوة والحلاوة ما يفوق كلَّ تصوُّر، كنتُ أنصِتُ وأُصْغِي إليه لا يفارِقُه نظري، لا تكاد عيني تطرُفُ، وصوتُه ينحدر في أقصى أعماق نفسي، فإذا كفَّ عن الإنشادِ والترَنُّم أقبلَ يشرح ويُبَيِّنُ، ولكنَّ شرحَه وتبيينَه لهذا الذي يُحرِّكُه كلَّ هذا التحريك، كان دُونَ ما أُحِسُّه وأفهَمُه ويتغلغل في أقاصي نفسي من هيئته وملامحه وهو يترنَّم بالشعر أو يُرَدِّد».
ويقول: «فإذا سمعت الشعرَ وهو يقرؤه فهمتُه على ما فيه من غريب أو غموض أو تقديم أو تأخير أو اعتراض، فكأنه يُمَثِّله لك تمثيلًا لا تحتاج بعده إلى شَرْحٍ أو توقيف».
:«كانت للشيخ رحمه الله وأثابه عند قراءةِ الشعرِ وقفاتٌ، يقف على الكلمة أو على البيت أو على الأبيات يُعِيدُها ويُرَدِّدُها، ويُشير بيده وتَبْرُقُ عيناهُ، وتُضِيءُ مَعارِفُ وجهِه، ويهتزُّ يَمْنةً ويَسْرَةً، ويرفع من قامته مادًّا ذراعَيْهِ، مُلَوِّحًا بهما يَهُمُّ أن يطير، وترى شفَتَيْهِ والكلماتُ تخرج من بينهما، تراه كأنه يَجِدُ للكلمات في فمه من اللذة والنشوة والحلاوة ما يفوق كلَّ تصوُّر، كنتُ أنصِتُ وأُصْغِي إليه لا يفارِقُه نظري، لا تكاد عيني تطرُفُ، وصوتُه ينحدر في أقصى أعماق نفسي، فإذا كفَّ عن الإنشادِ والترَنُّم أقبلَ يشرح ويُبَيِّنُ، ولكنَّ شرحَه وتبيينَه لهذا الذي يُحرِّكُه كلَّ هذا التحريك، كان دُونَ ما أُحِسُّه وأفهَمُه ويتغلغل في أقاصي نفسي من هيئته وملامحه وهو يترنَّم بالشعر أو يُرَدِّد».
ويقول: «فإذا سمعت الشعرَ وهو يقرؤه فهمتُه على ما فيه من غريب أو غموض أو تقديم أو تأخير أو اعتراض، فكأنه يُمَثِّله لك تمثيلًا لا تحتاج بعده إلى شَرْحٍ أو توقيف».
لم أزل طربًا لهذين البيتين إذا ما وردا على خاطري، وأراهما من أعظم ما قيل في المدح:
.
إنما الدُّنيا أبو دُلفٍ
بين مغزاه ومحتضره
.
فإذا ولّى أبو دُلفٍ
ولتِ الدنيا على أَثره
..
معقد العلو عندي ليس في المعنى فقط؛ بل في وضعها بهذا الموضع من النظم كما يقول عبد القاهر يرحمه الله.
انظر كيف قصر الدنيا كلها على أبي دلفٍ في المبتدأ والخبر، ثم أتبعهما بالظرف المتعلق بالمبتدأ ليقيد المعنى به حيثما اغتدى أو راح، فزادت حُسنًا على حُسن.
ثم انظر إلى معقد الشرط وحلاوته؛ إذ أوقف الدنيا كلها على حضوره وذهابه. وهذا لعمري غور من البيان عجيب، ومذهب في نظمه غريب.
..
والقصيدة كلها تقطر بيانًا وحلاوة وعُلوًّا
.
إنما الدُّنيا أبو دُلفٍ
بين مغزاه ومحتضره
.
فإذا ولّى أبو دُلفٍ
ولتِ الدنيا على أَثره
..
معقد العلو عندي ليس في المعنى فقط؛ بل في وضعها بهذا الموضع من النظم كما يقول عبد القاهر يرحمه الله.
انظر كيف قصر الدنيا كلها على أبي دلفٍ في المبتدأ والخبر، ثم أتبعهما بالظرف المتعلق بالمبتدأ ليقيد المعنى به حيثما اغتدى أو راح، فزادت حُسنًا على حُسن.
ثم انظر إلى معقد الشرط وحلاوته؛ إذ أوقف الدنيا كلها على حضوره وذهابه. وهذا لعمري غور من البيان عجيب، ومذهب في نظمه غريب.
..
والقصيدة كلها تقطر بيانًا وحلاوة وعُلوًّا
كتاب المعاني الكبير لابن قتيبة كتاب كبير، وصاحبه من أهل العلم بالشعر ومتقدمي الرواة الثقات، وهو في منزلة أبي سعيد السكري وأبي بكر الأنباري وابن دريد وطبقتهم في العلم بجهات اللسان، وكتابه هذا أشبه بوصف دقيق لحياة العرب وتصرفاتهم وخلائقهم وانتحاء بيانهم عن أغراضهم في كل ما هم بسبيله من المعايش، وذلك من طريق الشعر وتصرفات القول فيه. وهو حقيق بأن يستبد به طالب الأدب وأن يديم العالم بالشعر النظر فيه وفي تفسيراته، وأشباهه ونظائره. والمأمول أن ييسر الله له من يقوم بحق تحقيقه من جديد.
..
..
قليلٌ ليومِ الشرِّ -ويكَ- تعرُّضي
فإنْ حلَّ يومًا قلتُ للشَّرِّ مرحبا
..
فإنْ حلَّ يومًا قلتُ للشَّرِّ مرحبا
..