Telegram Group & Telegram Channel
سعة المذاهب وضيقها، وترجيح بعضها على بعض لمجرد السّعة

قد جرى بيني وبين بعض الأحبة كلام في تفاوت المذاهب الأربعة في السعة والضيق، وذكرتُ رسالة علمية جيدة نوقشت قريبا وطبعت، تقارن بين المذاهب الأربعة في السعة والضيق باعتبار الأبواب الفقهية، وهي بعنوان: (اتساع المذاهب الأربعة أو ضيقها في الأبواب الفقهية )، وطبعت مع تغيير يسير في العنوان: (السعة والضيق في الأبواب الفقهية).
وكان من نتائجها:
١- أن كل مذهبٍ له جزءٌ مقسوم من السعة في أبواب، ومن الضيق في أبواب أخرى؛ فلكل مذهبٍ امتيازٌ في باب ما، ولا يطّرد وصفُ مذهبٍ معيّن بأنه أوسع مطلقا أو أضيق مطلقا.
٢- وأن هذه السّعة ليست راجعة إلى التيسير على المكلف، لأن هذا أصل متفق عليه، وإنما ترجع إلى أسباب أخرى.

وممن وجه الأنظار إلى هذه الموازنات: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذه المزيّة من جملة مزايا منهجه التيمي القائم على:
- التحقيق للمسائل والموازنة بين المراتب.
- والإنصاف لأقوال المجتهدين وآرائهم.

غيرَ أنّ من تتمات النظر هنا: القول في ترجيح بعض المذاهب على بعض بمثل هذه المعاني الكلية، بأن يقال: المذهب الذي يكون أقرب إلى التوسعة في باب أو مسألة يكون هو أرجح المذاهب في هذا الباب والمسألة.
فهل هذا مسلك سديد في الموازنة بين المذاهب؟ وهل تُتلقّى الأرجحية من مجرد السعة؟

الحق: أنّ الأرجحيّة بين المذاهب لا تُتلقّى من مجرد السّعة، بأن يقال: هذا المذهب أرجح في هذه المسألة؛ لأن قوله أوسع الأقوال، بل يعرف الرجحان هنا بمجموع نظرين:

الأول: النظر إلى قاعدة الباب؛ لأن من الأبواب في الشريعة ما بُني على التوسعة، ومن الأبواب ما بُني على الضيق، وهو ضيق نسبيٌّ مصلحيٌّ، وإلا فالحرج في الشريعة مرفوع.

الثاني: النظر إلى الأدلة الخاصة بالمسألة المعيّنة ؛ لأنها قد تنقل حكم المسألة من السعة إلى الضيق أو من الضيق إلى السعة، مع أنّ بابها الذي تنتمي إليه يكون حكمه الغالب على عكس ذلك. فهذا من قبيل الاستثناء.

فإذن؛ هو نظرٌ في أصل الباب وقاعدته الكلية، ثم يتلوه نظر آخر متمّمٌ له في المسألة المعيّنة: أَهي باقية على بابها من السعة أو الضيق أو هي مستثناةٌ منه.


ومن الأمثلة التي يتضح بها المقام:
١- باب الرّبا مبنيٌّ على الضيق حتى في مقدماته وذرائعه، ثم استثنيت منه صورة إباحة العرايا، وما قيس عليها، وهذا الاستثناء استثناء توسعة من شيءٍ الأصلُ فيه الضيق.

٢- باب البيع مبنيٌّ على الإباحة والتوسعة، ثم استثنيت منه معاملات معيَّنة خرجت عن هذه التوسعة، كالمعاملة المشتملة على غررٍ، فهذه معاملة مضيَّقة ترجع إلى أصلٍ موسّع.
ونظائر ذلك كثيرة.

فالمسلك الراجح هو الجمع بين النظر الكلي والنظر الجزئي، بحيث يُنظَر إلى أصل الباب في الشريعة، وإلى الأدلة الخاصة بالمسألة؛ إذ قد يرد عليها من الاستثناء ما ينقلها من ضيق إلى سعة، أو من سعة إلى ضيق.

وعلى هذا؛ فأرجح المذاهب في كل بابٍ هو المذهب الذي يُحكِم هذين النظرين معا، ويجمع بينهما من غير تقصير ولا مجاوزة، فلا يُغلِّب الكُلّي ويهمل الجُزئيَّ، ولا يُغلِّب الجزئيَّ ويهمل الكُلّيَّ، واجتماع النّظرين متفاوت لا يطّرد في مذهب معين، وإنما هو موزّع على المذاهب، كما يفيده الاستقراء الذي جرت عليه هذه الرسالة المذكورة وأمثالها.

والأصل أنك تجد الفقهاء يتقاربون في الأدلَّة الكلّيّة، وإنما يتباينون في إحاطتهم بالأدلة الجزئية وكيفيّة ترتيبها على الأدلة الكلية، فمن كان أكثر إحاطة بالنُّصوص الخاصَّة المفصَّلة في المسألة، كان أقرب إلى الرُّجحان في آرائه، وأحقَّ بالسَّداد في اختياراته، والله أعلم.



group-telegram.com/mihad_osol/3283
Create:
Last Update:

سعة المذاهب وضيقها، وترجيح بعضها على بعض لمجرد السّعة

قد جرى بيني وبين بعض الأحبة كلام في تفاوت المذاهب الأربعة في السعة والضيق، وذكرتُ رسالة علمية جيدة نوقشت قريبا وطبعت، تقارن بين المذاهب الأربعة في السعة والضيق باعتبار الأبواب الفقهية، وهي بعنوان: (اتساع المذاهب الأربعة أو ضيقها في الأبواب الفقهية )، وطبعت مع تغيير يسير في العنوان: (السعة والضيق في الأبواب الفقهية).
وكان من نتائجها:
١- أن كل مذهبٍ له جزءٌ مقسوم من السعة في أبواب، ومن الضيق في أبواب أخرى؛ فلكل مذهبٍ امتيازٌ في باب ما، ولا يطّرد وصفُ مذهبٍ معيّن بأنه أوسع مطلقا أو أضيق مطلقا.
٢- وأن هذه السّعة ليست راجعة إلى التيسير على المكلف، لأن هذا أصل متفق عليه، وإنما ترجع إلى أسباب أخرى.

وممن وجه الأنظار إلى هذه الموازنات: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذه المزيّة من جملة مزايا منهجه التيمي القائم على:
- التحقيق للمسائل والموازنة بين المراتب.
- والإنصاف لأقوال المجتهدين وآرائهم.

غيرَ أنّ من تتمات النظر هنا: القول في ترجيح بعض المذاهب على بعض بمثل هذه المعاني الكلية، بأن يقال: المذهب الذي يكون أقرب إلى التوسعة في باب أو مسألة يكون هو أرجح المذاهب في هذا الباب والمسألة.
فهل هذا مسلك سديد في الموازنة بين المذاهب؟ وهل تُتلقّى الأرجحية من مجرد السعة؟

الحق: أنّ الأرجحيّة بين المذاهب لا تُتلقّى من مجرد السّعة، بأن يقال: هذا المذهب أرجح في هذه المسألة؛ لأن قوله أوسع الأقوال، بل يعرف الرجحان هنا بمجموع نظرين:

الأول: النظر إلى قاعدة الباب؛ لأن من الأبواب في الشريعة ما بُني على التوسعة، ومن الأبواب ما بُني على الضيق، وهو ضيق نسبيٌّ مصلحيٌّ، وإلا فالحرج في الشريعة مرفوع.

الثاني: النظر إلى الأدلة الخاصة بالمسألة المعيّنة ؛ لأنها قد تنقل حكم المسألة من السعة إلى الضيق أو من الضيق إلى السعة، مع أنّ بابها الذي تنتمي إليه يكون حكمه الغالب على عكس ذلك. فهذا من قبيل الاستثناء.

فإذن؛ هو نظرٌ في أصل الباب وقاعدته الكلية، ثم يتلوه نظر آخر متمّمٌ له في المسألة المعيّنة: أَهي باقية على بابها من السعة أو الضيق أو هي مستثناةٌ منه.


ومن الأمثلة التي يتضح بها المقام:
١- باب الرّبا مبنيٌّ على الضيق حتى في مقدماته وذرائعه، ثم استثنيت منه صورة إباحة العرايا، وما قيس عليها، وهذا الاستثناء استثناء توسعة من شيءٍ الأصلُ فيه الضيق.

٢- باب البيع مبنيٌّ على الإباحة والتوسعة، ثم استثنيت منه معاملات معيَّنة خرجت عن هذه التوسعة، كالمعاملة المشتملة على غررٍ، فهذه معاملة مضيَّقة ترجع إلى أصلٍ موسّع.
ونظائر ذلك كثيرة.

فالمسلك الراجح هو الجمع بين النظر الكلي والنظر الجزئي، بحيث يُنظَر إلى أصل الباب في الشريعة، وإلى الأدلة الخاصة بالمسألة؛ إذ قد يرد عليها من الاستثناء ما ينقلها من ضيق إلى سعة، أو من سعة إلى ضيق.

وعلى هذا؛ فأرجح المذاهب في كل بابٍ هو المذهب الذي يُحكِم هذين النظرين معا، ويجمع بينهما من غير تقصير ولا مجاوزة، فلا يُغلِّب الكُلّي ويهمل الجُزئيَّ، ولا يُغلِّب الجزئيَّ ويهمل الكُلّيَّ، واجتماع النّظرين متفاوت لا يطّرد في مذهب معين، وإنما هو موزّع على المذاهب، كما يفيده الاستقراء الذي جرت عليه هذه الرسالة المذكورة وأمثالها.

والأصل أنك تجد الفقهاء يتقاربون في الأدلَّة الكلّيّة، وإنما يتباينون في إحاطتهم بالأدلة الجزئية وكيفيّة ترتيبها على الأدلة الكلية، فمن كان أكثر إحاطة بالنُّصوص الخاصَّة المفصَّلة في المسألة، كان أقرب إلى الرُّجحان في آرائه، وأحقَّ بالسَّداد في اختياراته، والله أعلم.

BY قناة | مِهاد الأُصُول


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/mihad_osol/3283

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

Telegram users are able to send files of any type up to 2GB each and access them from any device, with no limit on cloud storage, which has made downloading files more popular on the platform. Perpetrators of these scams will create a public group on Telegram to promote these investment packages that are usually accompanied by fake testimonies and sometimes advertised as being Shariah-compliant. Interested investors will be asked to directly message the representatives to begin investing in the various investment packages offered. "Your messages about the movement of the enemy through the official chatbot … bring new trophies every day," the government agency tweeted. Telegram was co-founded by Pavel and Nikolai Durov, the brothers who had previously created VKontakte. VK is Russia’s equivalent of Facebook, a social network used for public and private messaging, audio and video sharing as well as online gaming. In January, SimpleWeb reported that VK was Russia’s fourth most-visited website, after Yandex, YouTube and Google’s Russian-language homepage. In 2016, Forbes’ Michael Solomon described Pavel Durov (pictured, below) as the “Mark Zuckerberg of Russia.” In December 2021, Sebi officials had conducted a search and seizure operation at the premises of certain persons carrying out similar manipulative activities through Telegram channels.
from ua


Telegram قناة | مِهاد الأُصُول
FROM American