ماذا لو قيل لك أن حلقة من مسلسل تاريخي تفوق تكلفتها مئات الآلاف من الدولارات وأن الدقيقة كلّفت كذا وكذا من الأموال، فهل يُعقل أن هذه التكاليف لهدف سطحي بسيط ؟
المتابع اليقظ لما يطرح في الدراما التاريخية يجد أن هناك أهدافًا بينة وأخرى مستترة، وثالثة تبنى في نفس المشاهد فتؤدي نتائج يصل إليها المشاهد تباعًا، ومن أظهر ما يستشعره المشاهد للدراما التاريخية بناء أو تعزيز جانب الهوية للأمم المستهدفة؛ فلا تعرف دراما تاريخية لأمم بائدة ليس لها وارث، ولهذا الدافع -الهوية- رموز ومظاهر وشخصيات تبدأ باللباس ونمط العيش ولغة اللسان بل الحِكم والأمثلة والتصرفات… فرفع القبعة أسلوب تحية في الثقافة الإنجليزية لكنها ليست كذلك في غالب الثقافات، المراد أن ما أشاعَ هذا الأسلوب استخدامُه في وسائل الإعلام ومنها الدراما، وهناك من العادات والتقاليد والأمثال الشعبية ما يشيعه ويصل بسنده من الأمة السابقة إلى الأمة اللاحقة ما يطرح في الأفلام والمسلسلات التاريخية.
ولكي نفتح نافذة على أهداف الدراما التاريخية: تخيل أنك جالس في مقعد منتج أو مخرج أو كاتب السيناريو في الدراما التاريخية! لتتفهم هدف كل فريق من أهل الدراما التاريخية فكاتب النص الدرامي -مثلاً- يروم ذكرى حدث أو حقبة أو شخصية تاريخية ويحاول ملء هامش الحدث التاريخي بما يراه من تفسير لذلك الحدث، ومثله المخرج والمنتج فربما أرادوا أن يُقرأ الحاضر بمرآة الماضي حسب رأيهم، وأحيانا يكون الدافع موجه و"ترند" يستخدمه أهل الدراما التاريخية للوصول إلى رؤيتهم وأهدافهم، فيُضخم جانب في التاريخ ويتناسى جانب كان أظهر وأولى في سياق الحدث التاريخي وكتبه، وقد استُخدمت الدراما عامة والتاريخية منها كأداة ناعمة في التأثير وصياغة التصورات التي تُبنى منها مواقف إما تأويلية للحدث التاريخي أو تبريرية، وأحيانًا يهدف أرباب الدراما التاريخية إلى بناء ذاكرة تاريخية للقومية؛ إذ أن من ركائز الهوية القومية التاريخ المشترك والموقف من أحداثه وصراعاته، وأقلها استبقاء الحق في تفسير الأحداث التاريخية من خلال أداة الدارما التاريخية، وقد تهدف الدراما التاريخية إلى أهداف رأسمالية موسعة غير مباشرة ولو استعرنا تفسير "بيير بورديو" لأنماط رأس المال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وكيف يرتبط كل نمط بالآخر؟ لوجدنا ذلك ظاهراً في الدراما التاريخية، وأظن أن القارئ الكريم يستطيع أن يمثّل لكل باعث وحافز للدراما التاريخية بمثال أو أكثر ولولا أن الأمثلة مجلبة للجدال لضربنا لكل نقطة شاهدا ومثالاً.
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
المتابع اليقظ لما يطرح في الدراما التاريخية يجد أن هناك أهدافًا بينة وأخرى مستترة، وثالثة تبنى في نفس المشاهد فتؤدي نتائج يصل إليها المشاهد تباعًا، ومن أظهر ما يستشعره المشاهد للدراما التاريخية بناء أو تعزيز جانب الهوية للأمم المستهدفة؛ فلا تعرف دراما تاريخية لأمم بائدة ليس لها وارث، ولهذا الدافع -الهوية- رموز ومظاهر وشخصيات تبدأ باللباس ونمط العيش ولغة اللسان بل الحِكم والأمثلة والتصرفات… فرفع القبعة أسلوب تحية في الثقافة الإنجليزية لكنها ليست كذلك في غالب الثقافات، المراد أن ما أشاعَ هذا الأسلوب استخدامُه في وسائل الإعلام ومنها الدراما، وهناك من العادات والتقاليد والأمثال الشعبية ما يشيعه ويصل بسنده من الأمة السابقة إلى الأمة اللاحقة ما يطرح في الأفلام والمسلسلات التاريخية.
ولكي نفتح نافذة على أهداف الدراما التاريخية: تخيل أنك جالس في مقعد منتج أو مخرج أو كاتب السيناريو في الدراما التاريخية! لتتفهم هدف كل فريق من أهل الدراما التاريخية فكاتب النص الدرامي -مثلاً- يروم ذكرى حدث أو حقبة أو شخصية تاريخية ويحاول ملء هامش الحدث التاريخي بما يراه من تفسير لذلك الحدث، ومثله المخرج والمنتج فربما أرادوا أن يُقرأ الحاضر بمرآة الماضي حسب رأيهم، وأحيانا يكون الدافع موجه و"ترند" يستخدمه أهل الدراما التاريخية للوصول إلى رؤيتهم وأهدافهم، فيُضخم جانب في التاريخ ويتناسى جانب كان أظهر وأولى في سياق الحدث التاريخي وكتبه، وقد استُخدمت الدراما عامة والتاريخية منها كأداة ناعمة في التأثير وصياغة التصورات التي تُبنى منها مواقف إما تأويلية للحدث التاريخي أو تبريرية، وأحيانًا يهدف أرباب الدراما التاريخية إلى بناء ذاكرة تاريخية للقومية؛ إذ أن من ركائز الهوية القومية التاريخ المشترك والموقف من أحداثه وصراعاته، وأقلها استبقاء الحق في تفسير الأحداث التاريخية من خلال أداة الدارما التاريخية، وقد تهدف الدراما التاريخية إلى أهداف رأسمالية موسعة غير مباشرة ولو استعرنا تفسير "بيير بورديو" لأنماط رأس المال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وكيف يرتبط كل نمط بالآخر؟ لوجدنا ذلك ظاهراً في الدراما التاريخية، وأظن أن القارئ الكريم يستطيع أن يمثّل لكل باعث وحافز للدراما التاريخية بمثال أو أكثر ولولا أن الأمثلة مجلبة للجدال لضربنا لكل نقطة شاهدا ومثالاً.
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
Telegram
دراية للعلوم الإنسانية
قناة تستهدف الإثراء في بعض العلوم الإنسانية(الاجتماع - الاقتصاد - الإعلام - التاريخ)
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
الدراما التاريخية والتوجيه الثقافي!
الدراما التاريخية ليست وسيلة للتسلية فقط، ولا مجرد تصوير لوقائع مضت، بل (وسيلة ناعمة لتمرير الأفكار في الحاضر).
فعلى سبيل المثال: يُعد مسلسل The Crown – العمل البريطاني الذي يتناول سيرة الملكة إليزابيث الثانية – من أعمق التجارب الدرامية التي لم تكتفِ بسرد الوقائع، بل سعت إلى تمرير رسائل معاصرة عبر بنية درامية محكمة ومضامين متعددة الطبقات.
من أبرز الرسائل التي يمررها المسلسل؛ ما يتعلق (بالحضور النسوي)، الذي وإن لم يُعلِن عن نفسه، إلا أنه فرض موقعه في المسلسل من خلال الإيحاء بالمعاناة التي حملتها المرأة داخل نظام عام يُدار بالوصاية السياسية والرمزية الذكورية.
لم تكن المرأة في المسلسل في الهامش أو ملحقة بالحدث، بل كانت جزءًا من صياغته؛ شخصيات مثل: مارغريت تاتشر، والأميرة ديانا، والأميرة مارجريت، لا تُقدَّم بوصفها تابعة أو مؤطرة، بل كانت بمثابة نقاط توتر مركزية بين البنية التقليدية للمجتمع وبين صوت أنثوي يسعى إلى مساحة مستقلة للاعتراف والتمثيل.
الملكة إليزابيث نفسها، لا تُقدَّم بوصفها رمزًا منزَّهًا، بل فتاة تحمل عبء التاج مبكرًا، وزوجها الأمير فيليب يظهر كمن يعيش في ظل سلطة زوجته، أما الأميرة مارجريت، فتمثل التوتر الحاد بين الفردانية وقواعد العائلة السياسية.
الرسائل في هذا العمل الدرامي لا تُعلَن صراحة، بل تتكوَّن عبر تفاصيل الإخراج: توزيع الضوء، الصمت، الموسيقى، الأزياء، بل وحتى ترتيب الجلوس في المشهد.
لا شعارات، بل إشارات هادئة تُنتج دلالات أكثر عمقًا وتأثيرًا.
المسلسل بذلك لا يطرح مواقف جاهزة، بل يدفع المشاهِد إلى إعادة تفسير الوقائع والتفاعل معها من موقع شخصي.
وهو ما يعكس استراتيجية أوسع في الدراما التاريخية: تمرير الرسائل المعاصرة عبر قوالب الماضي، لا بالمواجهة المباشرة، بل بالإيحاء السردي والبصري.
وقد جعل ذلك من The Crown عملًا يُقرأ أيضًا كإعادة كتابة تاريخية من زاوية نسوية، دون أن يسقط في المباشرة أو الشعارات.
ميزانية الإنتاج التي تجاوزت 13 مليون دولار للحلقة الواحدة، وتوظيف الأزياء والمواقع والموسيقى بدقة لافتة، كلها عناصر تؤكد أن الرسالة لا تُقدَّم فقط من خلال الحوار، بل من خلال لغة الصورة بكامل أدواتها.
وهكذا، يقدّم The Crown نموذجًا للدراما التاريخية بوصفها أداة توجيه ثقافي غير مباشر، لا تُعلِّم، لكنها تُعيد تشكيل الذائقة، وتُخاطب المشاهد لا كمستهلك للمعلومة، بل كفاعل في تمثّلها.
إنها دراما لا تعرض التاريخ من أجل التسلية، بل لإعادة تأويله، ولتشكيل قيم جديدة.
الدراما التاريخية ليست رواية للماضي وحسب، بل وعي يُبعث، وذاكرة تُبنى من جديد.
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
الدراما التاريخية ليست وسيلة للتسلية فقط، ولا مجرد تصوير لوقائع مضت، بل (وسيلة ناعمة لتمرير الأفكار في الحاضر).
فعلى سبيل المثال: يُعد مسلسل The Crown – العمل البريطاني الذي يتناول سيرة الملكة إليزابيث الثانية – من أعمق التجارب الدرامية التي لم تكتفِ بسرد الوقائع، بل سعت إلى تمرير رسائل معاصرة عبر بنية درامية محكمة ومضامين متعددة الطبقات.
من أبرز الرسائل التي يمررها المسلسل؛ ما يتعلق (بالحضور النسوي)، الذي وإن لم يُعلِن عن نفسه، إلا أنه فرض موقعه في المسلسل من خلال الإيحاء بالمعاناة التي حملتها المرأة داخل نظام عام يُدار بالوصاية السياسية والرمزية الذكورية.
لم تكن المرأة في المسلسل في الهامش أو ملحقة بالحدث، بل كانت جزءًا من صياغته؛ شخصيات مثل: مارغريت تاتشر، والأميرة ديانا، والأميرة مارجريت، لا تُقدَّم بوصفها تابعة أو مؤطرة، بل كانت بمثابة نقاط توتر مركزية بين البنية التقليدية للمجتمع وبين صوت أنثوي يسعى إلى مساحة مستقلة للاعتراف والتمثيل.
الملكة إليزابيث نفسها، لا تُقدَّم بوصفها رمزًا منزَّهًا، بل فتاة تحمل عبء التاج مبكرًا، وزوجها الأمير فيليب يظهر كمن يعيش في ظل سلطة زوجته، أما الأميرة مارجريت، فتمثل التوتر الحاد بين الفردانية وقواعد العائلة السياسية.
الرسائل في هذا العمل الدرامي لا تُعلَن صراحة، بل تتكوَّن عبر تفاصيل الإخراج: توزيع الضوء، الصمت، الموسيقى، الأزياء، بل وحتى ترتيب الجلوس في المشهد.
لا شعارات، بل إشارات هادئة تُنتج دلالات أكثر عمقًا وتأثيرًا.
المسلسل بذلك لا يطرح مواقف جاهزة، بل يدفع المشاهِد إلى إعادة تفسير الوقائع والتفاعل معها من موقع شخصي.
وهو ما يعكس استراتيجية أوسع في الدراما التاريخية: تمرير الرسائل المعاصرة عبر قوالب الماضي، لا بالمواجهة المباشرة، بل بالإيحاء السردي والبصري.
وقد جعل ذلك من The Crown عملًا يُقرأ أيضًا كإعادة كتابة تاريخية من زاوية نسوية، دون أن يسقط في المباشرة أو الشعارات.
ميزانية الإنتاج التي تجاوزت 13 مليون دولار للحلقة الواحدة، وتوظيف الأزياء والمواقع والموسيقى بدقة لافتة، كلها عناصر تؤكد أن الرسالة لا تُقدَّم فقط من خلال الحوار، بل من خلال لغة الصورة بكامل أدواتها.
وهكذا، يقدّم The Crown نموذجًا للدراما التاريخية بوصفها أداة توجيه ثقافي غير مباشر، لا تُعلِّم، لكنها تُعيد تشكيل الذائقة، وتُخاطب المشاهد لا كمستهلك للمعلومة، بل كفاعل في تمثّلها.
إنها دراما لا تعرض التاريخ من أجل التسلية، بل لإعادة تأويله، ولتشكيل قيم جديدة.
الدراما التاريخية ليست رواية للماضي وحسب، بل وعي يُبعث، وذاكرة تُبنى من جديد.
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
Telegram
دراية للعلوم الإنسانية
قناة تستهدف الإثراء في بعض العلوم الإنسانية(الاجتماع - الاقتصاد - الإعلام - التاريخ)
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
المناخ القيمي في الدراما التاريخية
كثيرًا ما يقع الخلط بين وقائع التاريخ وتفسيره، وهما مقامان متباينان يظهر تباينهما في التقعيد ويقتربان من حد الشعرة في القص والسرد والتمثيل! ما يعنينا هنا ما اختلط واختُلق في الدراما التاريخية بين هذين المقامين وما زِيد عليهما.
لاشك أن الدراما عامة ومن ضمنها التاريخية لابد وأن تقوم على أحداث وحبكة في الحكاية، وإلا أصبحت عبثاً ينأى عنه كل صاحب ذوق من المشاهدين، والإشكال أن في ثنايا الحبكة يدخل في تصرّف العاملين في الدراما التاريخية(من كتّاب السيناريو والمخرج و…) فيُصورن - أحيانًا - قيماً لم تكن باعثة أو حاضرة في تلك الحقبة أو أن أثر تلك القيم أضعف من أن يكون لها تأثير واضح ومباشر في مسار الأحداث التاريخية، فإن لكل عصر جمهور ومناخ عام من القيم التي تظهر بين أفراده، ولا ينفي هذا وجود جيوب وحالات نادرة من الأشخاص يتبنون غير القيم المهيمنة، فإذا قرأنا تاريخنا الإسلامي وفتوحاته علمنا من أفراد أحداث التاريخ أن باعث حركة الفتوح نشر الدعوة الإسلامية، إذن القيمة التي كانت باعثًا لحركة الفتوح الإسلامية "الدين" فلو زعم دعيٌّ أن دافع تلك الحشود وحركة الفتوح إنما هو استغلال ثروات الشعوب! أو أن دافعهم نشر حرية التعبير! فإن مناخ تلك الأحداث يدل على عدم وجود تلك القيم أو تأخر مكانتها، في المقابل لو ادّعى مدّعٍ أن حركة الاستعمار الغربي في القرون (١٥ - ١٩) للعالم هي لأجل تنوير العالم وعمارة أرضهم، رُدّ عليه من أرباب الحركة الاستعمارية في أدبيات آدم سميث وثروة الأمم! وما رسّخته الأحداث والحوادث التاريخية من نهب ثروات الشعوب، وليس المثالين من قبيل التندر والإغراب في الحديث، بل إن أفراد تلك الأفكار كانت حاضرة في الدراما التاريخية، إما تشويهًا لحقبة أو تسويقًا لحالة استعمارية، المراد: أن من مقتضيات السرد التاريخي ومنه الدراما التعرّف على الجو والمناخ والأحوال والقيم التي كانت حاضرة في تلك الحقبة التي يراد تمثيلها، ويكون هذا بـ :
تتبع تفاصيل الأحداث من قبل كاتب السيناريو ليصل بها إلى المناخ الفكري والقيمي العام الذي كان يحكم تلك المجتمعات، مثلًا: ليس من المنطق أن تأتي الحوادث التاريخية مستفيضة على حشمة النساء ووصف لباسهن أنه قد أُرخي حتى يسحب في الأرض ثم تأتي الدراما التاريخية تصور المرأة في تلك الحقب أنّها خرّاجة ولّاجة متبرجة غير محتجبة عن الرجال!
مثال آخر : إذا تتبعنا أخبار طبقة الشافعي وأحمد -رحمهم الله- ومن حولهما من الشيوخ والطلبة والمدارس والمجالس العلمية توصلنا بكثرة الأخبار إلى تصور عن الحالة العلمية المتفشية التي كانت حاضرة في قيم ذاك المجتمع وتلك الحقبة، ولا يسوغ حينئذ الانفصال في الدراما التاريخية أو تناسي أو تغييب المناخ العلمي وقيمه الحاضرة في المجتمع آنذاك، ولهذا طرق، منها: سعة الاطلاع والدراسة كما ذكرنا بالإضافة إلى قصد أحوال رؤوس القوم من الولاة والعلماء لنتعرف على الحالة القيمية السائدة في تلك الأعصار، وأستعير هنا ما ذكره ابن كثير -رحمه الله- عن حال الناس، فحينما كان الخليفة الوليد بن عبدالملك مهتماً بالعمارة والبناء كان حديث الناس كم بنيت وماذا عمّرت؟ وكانت همة أخيه سليمان النساء ، كان سؤال الناس كم تزوجت وماذا اشتريت من السراري؟ وكانت همة عمر بن عبدالعزيز الصلاة وقراءة القرآن كان هم الناس كم وردك وماذا صليت من الليل؟ فمن المجحف أن لا تذكر الدراما التاريخية مثل تلك الأحوال إذا قصدت تصوير تلك الحقبة أو شخصية فيها.
من الأمور التي يتوصل بها إلى معرفة المناخ القيمي المهيمن في أي حقبة تاريخية معرفة حالة المجتمع من فقر، أو غنى أو توحيد أو تشرذم أو فتنٍ أو استقرار، ومعرفة النواحي التي تطغى عليها تلك الحالة، والنواحي التي لم تعش تلك الحالة، فحالة أهل المدينة عام الرمادة مختلفة عن حال أهل مصر والشام والعراق، وما يكتبه العلماء والمؤرخون عن حالة القوة والتمكين غير ما يُكتب زمن الوهن والاستضعاف، فمعرفة التبدّل بين الأحوال معتبر في السرد التاريخي، يقول ابن خلدون -رحمه الله- منبهًا على هذا المقام :
"ومن الغلط الخفي في التاريخ: الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار، ومرور الأيام وهو داء دوي شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخلقية؛ وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة، سنة الله التي خلت في عباده "
كثيرًا ما يقع الخلط بين وقائع التاريخ وتفسيره، وهما مقامان متباينان يظهر تباينهما في التقعيد ويقتربان من حد الشعرة في القص والسرد والتمثيل! ما يعنينا هنا ما اختلط واختُلق في الدراما التاريخية بين هذين المقامين وما زِيد عليهما.
لاشك أن الدراما عامة ومن ضمنها التاريخية لابد وأن تقوم على أحداث وحبكة في الحكاية، وإلا أصبحت عبثاً ينأى عنه كل صاحب ذوق من المشاهدين، والإشكال أن في ثنايا الحبكة يدخل في تصرّف العاملين في الدراما التاريخية(من كتّاب السيناريو والمخرج و…) فيُصورن - أحيانًا - قيماً لم تكن باعثة أو حاضرة في تلك الحقبة أو أن أثر تلك القيم أضعف من أن يكون لها تأثير واضح ومباشر في مسار الأحداث التاريخية، فإن لكل عصر جمهور ومناخ عام من القيم التي تظهر بين أفراده، ولا ينفي هذا وجود جيوب وحالات نادرة من الأشخاص يتبنون غير القيم المهيمنة، فإذا قرأنا تاريخنا الإسلامي وفتوحاته علمنا من أفراد أحداث التاريخ أن باعث حركة الفتوح نشر الدعوة الإسلامية، إذن القيمة التي كانت باعثًا لحركة الفتوح الإسلامية "الدين" فلو زعم دعيٌّ أن دافع تلك الحشود وحركة الفتوح إنما هو استغلال ثروات الشعوب! أو أن دافعهم نشر حرية التعبير! فإن مناخ تلك الأحداث يدل على عدم وجود تلك القيم أو تأخر مكانتها، في المقابل لو ادّعى مدّعٍ أن حركة الاستعمار الغربي في القرون (١٥ - ١٩) للعالم هي لأجل تنوير العالم وعمارة أرضهم، رُدّ عليه من أرباب الحركة الاستعمارية في أدبيات آدم سميث وثروة الأمم! وما رسّخته الأحداث والحوادث التاريخية من نهب ثروات الشعوب، وليس المثالين من قبيل التندر والإغراب في الحديث، بل إن أفراد تلك الأفكار كانت حاضرة في الدراما التاريخية، إما تشويهًا لحقبة أو تسويقًا لحالة استعمارية، المراد: أن من مقتضيات السرد التاريخي ومنه الدراما التعرّف على الجو والمناخ والأحوال والقيم التي كانت حاضرة في تلك الحقبة التي يراد تمثيلها، ويكون هذا بـ :
تتبع تفاصيل الأحداث من قبل كاتب السيناريو ليصل بها إلى المناخ الفكري والقيمي العام الذي كان يحكم تلك المجتمعات، مثلًا: ليس من المنطق أن تأتي الحوادث التاريخية مستفيضة على حشمة النساء ووصف لباسهن أنه قد أُرخي حتى يسحب في الأرض ثم تأتي الدراما التاريخية تصور المرأة في تلك الحقب أنّها خرّاجة ولّاجة متبرجة غير محتجبة عن الرجال!
مثال آخر : إذا تتبعنا أخبار طبقة الشافعي وأحمد -رحمهم الله- ومن حولهما من الشيوخ والطلبة والمدارس والمجالس العلمية توصلنا بكثرة الأخبار إلى تصور عن الحالة العلمية المتفشية التي كانت حاضرة في قيم ذاك المجتمع وتلك الحقبة، ولا يسوغ حينئذ الانفصال في الدراما التاريخية أو تناسي أو تغييب المناخ العلمي وقيمه الحاضرة في المجتمع آنذاك، ولهذا طرق، منها: سعة الاطلاع والدراسة كما ذكرنا بالإضافة إلى قصد أحوال رؤوس القوم من الولاة والعلماء لنتعرف على الحالة القيمية السائدة في تلك الأعصار، وأستعير هنا ما ذكره ابن كثير -رحمه الله- عن حال الناس، فحينما كان الخليفة الوليد بن عبدالملك مهتماً بالعمارة والبناء كان حديث الناس كم بنيت وماذا عمّرت؟ وكانت همة أخيه سليمان النساء ، كان سؤال الناس كم تزوجت وماذا اشتريت من السراري؟ وكانت همة عمر بن عبدالعزيز الصلاة وقراءة القرآن كان هم الناس كم وردك وماذا صليت من الليل؟ فمن المجحف أن لا تذكر الدراما التاريخية مثل تلك الأحوال إذا قصدت تصوير تلك الحقبة أو شخصية فيها.
من الأمور التي يتوصل بها إلى معرفة المناخ القيمي المهيمن في أي حقبة تاريخية معرفة حالة المجتمع من فقر، أو غنى أو توحيد أو تشرذم أو فتنٍ أو استقرار، ومعرفة النواحي التي تطغى عليها تلك الحالة، والنواحي التي لم تعش تلك الحالة، فحالة أهل المدينة عام الرمادة مختلفة عن حال أهل مصر والشام والعراق، وما يكتبه العلماء والمؤرخون عن حالة القوة والتمكين غير ما يُكتب زمن الوهن والاستضعاف، فمعرفة التبدّل بين الأحوال معتبر في السرد التاريخي، يقول ابن خلدون -رحمه الله- منبهًا على هذا المقام :
"ومن الغلط الخفي في التاريخ: الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار، ومرور الأيام وهو داء دوي شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخلقية؛ وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة، سنة الله التي خلت في عباده "
Telegram
دراية للعلوم الإنسانية
قناة تستهدف الإثراء في بعض العلوم الإنسانية(الاجتماع - الاقتصاد - الإعلام - التاريخ)
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
من هذا نعلم أن معرفة التاريخ تنسحب إلى التعرف على المفاهيم والمناخ القيمي الحاكم في تلك الحقبة التاريخية وهو جزء تُفهم به حوادث التاريخ، فانصراف الدراما التاريخية عن القيم أو تأويلها للقيم التي كانت حاضرة في تلك الحقبة ضرب من الافتراء على التاريخ وأشخاصه، وهو جهد لابد منه لتقترب الدراما التاريخية من الحقيقة.
تحرير أ. عبدالله السليم
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
تحرير أ. عبدالله السليم
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
Telegram
دراية للعلوم الإنسانية
قناة تستهدف الإثراء في بعض العلوم الإنسانية(الاجتماع - الاقتصاد - الإعلام - التاريخ)
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
الفائدة من دراسة #تفسير_التاريخ :
د.نعمان السامرائي
د.نعمان السامرائي
تشهد كثير من العلوم الإنسانية حالة من التشظي والتقسيمات، تؤدي أحيانا إلى نشوء علوم من رحم العلم الأم، وتأتي بأدوات جديدة مضارعة لأدوات العلم الأساسي وقد لا تكون مثبتة في العلم الأساسي، وإنما مستلهمة أو مستفادة من حقول علوم أخرى، في علم التاريخ ظهر علم: فلسفة التاريخ، أو تفسير التاريخ، فما هي أبرز الأدوات التي ميزت هذا الفن؟
قبل الدخول في أدوات علم تفسير التاريخ نشير إلى أن تفسير التاريخ هو ذلك العلم الذي يبحث عن أسباب الحوادث التاريخية، ويستشرف نتائجها، أما عن الأدوات يذكر من يتكلم في أدوات تفسير التاريخ أن هناك مفسرين للتاريخ استندوا في تفسيرهم على أسباب دينية، يقابلهم من استند على تفسيرات منطقية أو مادية أو عقلانية؛ وذلك في حالة المفاصلة بين الدين والعلم في سياق الحضارة الغربية، بخلاف الحضارة الإسلامية، فسياق تفسير التاريخ في الحضارة الإسلامية يرجع أصلا إلى الوحي قرآنًا وسنة، ولا ينفي التجارب والمعارف الإنسانية، فكتاب الله وسنة رسوله الكريم -ﷺ- احتويا قصصًا قُصد منها العظة والاعتبار، وهذا فحوى تفسير التاريخ الذي ينظر إلى الماضي ليؤوله طبقًا لرؤيته إلى المستقبل الحضاري لمجتمعه، والشاهد أن أدوات علم تفسير التاريخ الذي يهتم بأحداث وردت في الوحي تتقاطع مع أدوات النظر اللازمة في علم التفسير والحديث، بل إن أشبه علم بالتاريخ في الحضارة الإسلامية علم الحديث، كطريقته في إثبات الواقعة التاريخية وطريقة النظر فيها "ما سُمّي بالسند والمتن" ولا تقل أدوات علوم أخرى مثل الفقه والسياسية الشرعية والعقائد أهمية وإن كان حضور غيرها أكثر في تفسير التاريخ، يقول د.عبد الحليم مهورباشه في سياق حديثه عن تفسير التاريخ عند ابن خلدون: "فصحيح أنه اقتبس هذه القاعدة من علماء الحديث والمعروفة بقاعدة الجرح والتعديل، لكنّه طورها لدراسة الوقائع التاريخية…"
أما في الجانب الآخر ممن حاول تفسير التاريخ في سياق العصر الحديث فما من رمز إلا وبنى نظريته التفسيرية على نظريات وأدوات علوم أخرى وإن كان منطلقهم فكرة نظرية التطور لكن كل فرد عالجها بطريقته واستعار أدوات من خارج سياق علم التاريخ ليفسر بها التاريخ، ولا مناص للناظر والقارئ لتفسير التاريخ من التعرف على تلك الأدوات سواء كانت مستعارة من المنطق أو الاقتصاد أو فقه اللغة، فالمؤرخ جون باتيستا فيكو 1744م دعا إلى ضرورة أن يستعين المؤرخون بفقه اللغة والفلسفة لتفسير التاريخ، ولم يبتعد هيجل 1831م حين اعتمد الفلسفة في الكتابة التاريخية، أما الماركسية فقد اعتمدت على أدوات الاقتصاد السياسي وفلسفة هيجل المثالية والفكرة الاشتراكية الفرنسية ثم صاغت نظريتها معتمدة على كل أدوات هذه العلوم، فلن يُفهم تفسير التاريخ عند كارل ماركس 1883م دون فهم الأدوات التي استخدمها مثل الجدلية، وكذلك تفسير التاريخ عند توينبي 1975 إذ اعتمد على فكرة التحدي والاستجابة من علم النفس، يقول أنور محمود الزناتي: "... فيفسر توينبي نشوء الحضارات الأولى من خلال نظريته الخاصة الشهيرة بالتحدي والاستجابة التي اعترف أنه استلهمها من علم النفس السلوكي"
من خلال هذا العرض الموجز عن استعارة أو استفادة علم تفسير التاريخ من أدوات علوم أخرى، فإنه يُفضّل للمهتم والقارئ للتاريخ وتفسيره أن يحقق الحد الأدنى في فهم تلك الأدوات، وأن يعلم أن الإغراق في التخصصات على مافيه من التجويد إلا أنه يحجب الرؤية الشاملة للمعارف والعلوم.
تحرير أ. عبدالله السليم
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
قبل الدخول في أدوات علم تفسير التاريخ نشير إلى أن تفسير التاريخ هو ذلك العلم الذي يبحث عن أسباب الحوادث التاريخية، ويستشرف نتائجها، أما عن الأدوات يذكر من يتكلم في أدوات تفسير التاريخ أن هناك مفسرين للتاريخ استندوا في تفسيرهم على أسباب دينية، يقابلهم من استند على تفسيرات منطقية أو مادية أو عقلانية؛ وذلك في حالة المفاصلة بين الدين والعلم في سياق الحضارة الغربية، بخلاف الحضارة الإسلامية، فسياق تفسير التاريخ في الحضارة الإسلامية يرجع أصلا إلى الوحي قرآنًا وسنة، ولا ينفي التجارب والمعارف الإنسانية، فكتاب الله وسنة رسوله الكريم -ﷺ- احتويا قصصًا قُصد منها العظة والاعتبار، وهذا فحوى تفسير التاريخ الذي ينظر إلى الماضي ليؤوله طبقًا لرؤيته إلى المستقبل الحضاري لمجتمعه، والشاهد أن أدوات علم تفسير التاريخ الذي يهتم بأحداث وردت في الوحي تتقاطع مع أدوات النظر اللازمة في علم التفسير والحديث، بل إن أشبه علم بالتاريخ في الحضارة الإسلامية علم الحديث، كطريقته في إثبات الواقعة التاريخية وطريقة النظر فيها "ما سُمّي بالسند والمتن" ولا تقل أدوات علوم أخرى مثل الفقه والسياسية الشرعية والعقائد أهمية وإن كان حضور غيرها أكثر في تفسير التاريخ، يقول د.عبد الحليم مهورباشه في سياق حديثه عن تفسير التاريخ عند ابن خلدون: "فصحيح أنه اقتبس هذه القاعدة من علماء الحديث والمعروفة بقاعدة الجرح والتعديل، لكنّه طورها لدراسة الوقائع التاريخية…"
أما في الجانب الآخر ممن حاول تفسير التاريخ في سياق العصر الحديث فما من رمز إلا وبنى نظريته التفسيرية على نظريات وأدوات علوم أخرى وإن كان منطلقهم فكرة نظرية التطور لكن كل فرد عالجها بطريقته واستعار أدوات من خارج سياق علم التاريخ ليفسر بها التاريخ، ولا مناص للناظر والقارئ لتفسير التاريخ من التعرف على تلك الأدوات سواء كانت مستعارة من المنطق أو الاقتصاد أو فقه اللغة، فالمؤرخ جون باتيستا فيكو 1744م دعا إلى ضرورة أن يستعين المؤرخون بفقه اللغة والفلسفة لتفسير التاريخ، ولم يبتعد هيجل 1831م حين اعتمد الفلسفة في الكتابة التاريخية، أما الماركسية فقد اعتمدت على أدوات الاقتصاد السياسي وفلسفة هيجل المثالية والفكرة الاشتراكية الفرنسية ثم صاغت نظريتها معتمدة على كل أدوات هذه العلوم، فلن يُفهم تفسير التاريخ عند كارل ماركس 1883م دون فهم الأدوات التي استخدمها مثل الجدلية، وكذلك تفسير التاريخ عند توينبي 1975 إذ اعتمد على فكرة التحدي والاستجابة من علم النفس، يقول أنور محمود الزناتي: "... فيفسر توينبي نشوء الحضارات الأولى من خلال نظريته الخاصة الشهيرة بالتحدي والاستجابة التي اعترف أنه استلهمها من علم النفس السلوكي"
من خلال هذا العرض الموجز عن استعارة أو استفادة علم تفسير التاريخ من أدوات علوم أخرى، فإنه يُفضّل للمهتم والقارئ للتاريخ وتفسيره أن يحقق الحد الأدنى في فهم تلك الأدوات، وأن يعلم أن الإغراق في التخصصات على مافيه من التجويد إلا أنه يحجب الرؤية الشاملة للمعارف والعلوم.
تحرير أ. عبدالله السليم
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
Telegram
دراية للعلوم الإنسانية
قناة تستهدف الإثراء في بعض العلوم الإنسانية(الاجتماع - الاقتصاد - الإعلام - التاريخ)
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
الفرق بين عمل المؤرخ وعمل الفيلسوف التاريخي
الفرد في حركة التاريخ
دعني أبوح لك أيها القارئ الكريم بفائدة تتابع المؤرخون ومفلسفي حركة التاريخ على إضمارها، هو أن مقصد جهدهم هو محاولة التنبؤ بما سيحدث بناء على معطيات وأحداث التاريخ الماضية، ولكلٍ منزعهُ ومستندهُ إما بنص ديني أو حكمة سيارة أو بيت شعر مشهور، أو اعتمادٍ على سنة في الحياة أوقاعدة في علمٍ ما، وجلّ ما كُتب في تفسير التاريخ ُأريد منه استشراف ما سيحدث في المستقبل.
درج الدارسون في تتبع مسار وحركة التاريخ التركيزَ على الأحداث المفصلية العظام أو ذكر القادة المُبرّزين في تلك المرحلة والأوضاع التي هيأت لتلك الأحداث وهو كثير متوافر، إلا أن كثيراً ممن تحدث عن تفسير التاريخ غفل أو لم يذكر دور الأفراد "العاديين" ومدى تأثيرهم في مسار وحركة التاريخ؛ وذاك لأن مدونة التاريخ لن تستوعب ذكر أفراد الناس وتفاصيل أفعالهم مثل ذكر الأحداث الجسام والقادة العظماء مع أن هذه الأمور(القادة والأحداث)هي نتاج مجتمعهم من الأفراد والأشخاص والبيئة، ومع ذلك يُغفل بعض الأحيان عن ذكر الأفراد وتأثيرهم.
إن لكل فرد مدونته التاريخية الخاصة به، يتذكر فيها أحداث حياته ونتقلاتها، فهو صانع الحدث فيها والمُكرمُ بإنجازته والمسؤول عن إخفاقاته؛ فالفرد شخص مؤثر قوي في دائرته، صحيح أن هناك تغاير من فرد لآخر في طبيعة التأثير سعة وانكماشاً عمقاً وانتشاراً، لكن الحد الأدنى أنه مؤثر ومتأثر، وتصرفات كل فرد هي تاريخه وهي المناط المُسائل عنه، فإذا تواترت تصرفات آحاد الناس في زمن معين صارت تاريخاً مدوّنا وبيئة مهيئة للحدث التاريخي، ولئن كانت وظيفة المؤرخ تدوين الأحداث فإن مفسر التاريخ يزيد عليه في تتبع حالة الأفراد والمزاج العام الذي هيأ للحدث التاريخ، ومسؤولية الفرد والمربي بناء بيئة تصلح تصورات الأفراد وتصرفاتهم؛ فإن الله تعالى حينما ذكر هلاك الأمم السابقة ألمح إلى سببية سوء تصوراتهم وتصرفاتهم…"بما كانوا يظلمون،… بماكانوا يفسقون"…وإن من مظان تفسير التاريخ واستشراف المستقبل -مع ماذكره مفسري حركة التاريخ - النظر إلى آحاد تصرفات الأفراد وأفعالهم.
تحرير أ. عبدالله السليم
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
دعني أبوح لك أيها القارئ الكريم بفائدة تتابع المؤرخون ومفلسفي حركة التاريخ على إضمارها، هو أن مقصد جهدهم هو محاولة التنبؤ بما سيحدث بناء على معطيات وأحداث التاريخ الماضية، ولكلٍ منزعهُ ومستندهُ إما بنص ديني أو حكمة سيارة أو بيت شعر مشهور، أو اعتمادٍ على سنة في الحياة أوقاعدة في علمٍ ما، وجلّ ما كُتب في تفسير التاريخ ُأريد منه استشراف ما سيحدث في المستقبل.
درج الدارسون في تتبع مسار وحركة التاريخ التركيزَ على الأحداث المفصلية العظام أو ذكر القادة المُبرّزين في تلك المرحلة والأوضاع التي هيأت لتلك الأحداث وهو كثير متوافر، إلا أن كثيراً ممن تحدث عن تفسير التاريخ غفل أو لم يذكر دور الأفراد "العاديين" ومدى تأثيرهم في مسار وحركة التاريخ؛ وذاك لأن مدونة التاريخ لن تستوعب ذكر أفراد الناس وتفاصيل أفعالهم مثل ذكر الأحداث الجسام والقادة العظماء مع أن هذه الأمور(القادة والأحداث)هي نتاج مجتمعهم من الأفراد والأشخاص والبيئة، ومع ذلك يُغفل بعض الأحيان عن ذكر الأفراد وتأثيرهم.
إن لكل فرد مدونته التاريخية الخاصة به، يتذكر فيها أحداث حياته ونتقلاتها، فهو صانع الحدث فيها والمُكرمُ بإنجازته والمسؤول عن إخفاقاته؛ فالفرد شخص مؤثر قوي في دائرته، صحيح أن هناك تغاير من فرد لآخر في طبيعة التأثير سعة وانكماشاً عمقاً وانتشاراً، لكن الحد الأدنى أنه مؤثر ومتأثر، وتصرفات كل فرد هي تاريخه وهي المناط المُسائل عنه، فإذا تواترت تصرفات آحاد الناس في زمن معين صارت تاريخاً مدوّنا وبيئة مهيئة للحدث التاريخي، ولئن كانت وظيفة المؤرخ تدوين الأحداث فإن مفسر التاريخ يزيد عليه في تتبع حالة الأفراد والمزاج العام الذي هيأ للحدث التاريخ، ومسؤولية الفرد والمربي بناء بيئة تصلح تصورات الأفراد وتصرفاتهم؛ فإن الله تعالى حينما ذكر هلاك الأمم السابقة ألمح إلى سببية سوء تصوراتهم وتصرفاتهم…"بما كانوا يظلمون،… بماكانوا يفسقون"…وإن من مظان تفسير التاريخ واستشراف المستقبل -مع ماذكره مفسري حركة التاريخ - النظر إلى آحاد تصرفات الأفراد وأفعالهم.
تحرير أ. عبدالله السليم
https://www.group-telegram.com/Deerayah.com
Telegram
دراية للعلوم الإنسانية
قناة تستهدف الإثراء في بعض العلوم الإنسانية(الاجتماع - الاقتصاد - الإعلام - التاريخ)
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١
إحدى مبادرات أناسي للعلوم الإنسانية eyalahc.com
٩٦٦٥٦٧٢٥٧٨٤١