فوائد الديوانين

فوائد الديوانين

«مختصر طبقات الحنابلة» لشيخ شيوخنا عالم الحنابلة وقاضيهم ومفتيهم بالشام العلامة المتفنن الشيخ جميل الشَّطِّي رحمه الله تعالى لعله أول ما طبع في بابه، وقد تولى طبعه بمطبعة الترقي في دمشق سنة 1339. لخص فيه ترجمة الإمام أحمد وعيون متقدمي أصحابه فمن بعدهم إلى…

لئن كان تصرف صاحب الطبعة المتأخرة لكتاب الشيخ جميل الشطي بذلك السوء المذكور في المقالة السابقة؛ حيث أوهم بحذف ترجمته للشيخ محمد ووضع ترجمة أخرى له مع عزوها لمصدرها أنَّ الشيخ جميلاً لم يكتب له ترجمة أصلاً، فأسوء منه بكثير كثير ما لو أبقى الترجمة وتصرَّف فيها ولو بمجرد حذف ما لا يريده وكتْمه، فإنه بهذا يوهم القارئ من موقف المصنف ومقصوده خلاف الواقع، فهذا الصنيع أخون من الصنيع الأول وأفحش، فإن ضُم إليه التصريح بأن هذا التصرف يمثل موقف المؤلف ومقصوده كان هذا أوغل في الباطل والكذب وتحريف الكلم عن مواضعه، ولئن كان الساكت عن الحق وبيان الحقيقة شيطاناً أخرس، فالمتكلم المظهر لخلافها شيطان ناطق، وفضل ما بينهما في دركات الشر والسوء كفضل النطق على الخرَس والبكم.

على أن المصنف الشطي إنما استعرض في تلك الترجمة خلاصةَ مبلغ علمه وما تحصل له وقت التأليف من خبر المترجم وأتباعه واختلاف الناس فيهم؛ مما رآه مناسباً لحال كتابه المختصر، وملبياً لحاجة زمانه ومكانه مقبولاً عند متلقيه، ولا سيما مع استمرار احتدام ذلك الاختلاف في الواقع حتى بلغ حد التكفير والقتال بين أطراف هذه الخصومات، مما قوى ميله إلى التخفف من هذا النزاع وتجنبه وعدم التوغل فيه ما أمكن، وقد افتتح الترجمة واختتمها وضمنها ما يدل على حقيقة رأيه وموقفه وما يستصوبه.
فافتتح الترجمة بتلخيص عمه الشيخ مراد لترجمة المترجم في «كتاب أبجد العلوم» للنواب صديق حسن خان رحمهم الله تعالى.
ثم قال في غضون الترجمة: «والحق لا يزال بين الإفراط والتفريط، ومن نحو هذا الاعتدال كان مشرب أستاذنا العلامة الشيخ جمال الدين القاسمي قدس الله روحه .. »، وبقدر معرفة أحوال من أحال عليهم وتراثهم وما اكتنفهم من بيئة وظروف يفهم مقصوده وإشارته.
ثم ختم الترجمة بدعوة صالحة نؤمن عليها ويؤمن عليها كل من رزق الدين والعقل والمروءة فقال: «كفانا الله الجدال، ورزقنا الاعتدال في كل الأحوال».
وقد لخصت هذه الدعوة، وما قبلها حقيقة منهجه وما يستصوبه ويدعو إليه في هذا الباب.
ولأنَّ من الناس من قد لا يفهم ذلك عنه على وجهه لاقتضابه وإجماله في زحمة ما استعرضه من خلاف ونزاع ضغطهما في نحو ورقتين، فلذا أفرد في هذا الموضوع بخصوصه رسالة وجيزة في بضع ورقات، ثم طبعها سنة 1340وهي التالية لسنة طبعه لكتابه «مختصر طبقات الحنابلة»، وسماها بـ«الوسيط بين الإفراط والتفريط»، وهو اسم يلخص منهجه المذكور، ويشعر القارئ به بمجرد وقوفه عليه.
وبعد ذكره هذا الاختلاف لأهل زمانه ومكانه بما يشعرهم بعدم ميله إلى الجهة التي يرى فيها أو عليها تطرفاً يستصلحه بالتوسط والاعتدال، باح بأنه قد وقع في الجانبين غلو وإفراط وتفريط وصل إلى حد التكفير والقتل فما دونهما قديماً وحديثاً، وأنه قد جنح من كل جانب إلى السَّلْم ومنهج التوسط والاعتدال فئة، وأشار إلى تقدم أستاذه القاسمي وتميزه في هذا المنهج، ونوه به، وذب عنه.
ثم ختم الرسالة بدستور جامع وقانون نافع يظهر حسن سياسة الشرع للواقع فقال: «بهذا التوسط والاعتدال يزول الاختلاف ويحصل الائتلاف.
وهكذا لو:
-خفَّفنا من غُلواء الفريقين،
-ونظرناهم بعين الرضا والقبول،
-وقصدنا الحق أين كان وحيث وجد
= لهان الأمر، وسهُل الصعب، ولم يبق من خلاف يفضي إلى مناقشات ومنازعات، فضلاً عن تكفير وتبديع واستباحة دماء وأموال، قال تعالى:"ادع 1 إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".
ولو فكَّرنا فيما حولنا من المشكلات الدينية الكبرى، والمعضلات الوطنية العظمى لوجدنا أن ما نحن فيه أولى أن يُنسى لا أن يُذكر، وأحق أن يُطوَى لا أن يُنشر.
وحسُبنا ما مضى وفاتَ هفواتٍ وعثراث، فلنعدل عن القشور إلى اللباب 2، وعن المباني إلى المعاني، لنكون يداً واحدة تُجاه خَطْبنا الديني وبلائنا الوطني.
هذا ما عندي، والله يضل من يشاء ويهدي.
والسلام على من اتبع الهدى، ونهى النفس عن الهوى.
تمت تحريراً في 25 ذي القعدة سنة 1340.
وذلك على يد الفقير إلى الله تعالى محمد جميل ابن المرحوم عمر أفندي بن الشيخ محمد الشطي الحنبلي الأثري
غفر الله لهم آمين».
ثم ذيَّل الرسالة بنقل «ترجمة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مختصرة من «كتاب أبجد العلوم» للعلامة الشهير صديق حسن خان، ملك بهوبال (وهو من علماء الاعتدال)»، وما بين علامتي التنصيص هو نصُّ كلامه.
وقال في آخرها ما لفظُه: «انتهى كلام صديق حسن خان قدس الله روحه، ولا غرو فإن كلام الملوك ملوك الكلام، والسلام ختام، حرره محمد جميل الشطي عفي عنه»
فانجلى بذلك معتمده، ومقصوده، ولا شك أنَّ أصوله وأركانه المذكورة لا ينازع فيها ذو علم وإيمان وبصيرة وإيثار لله ورسوله ودينه والدار الآخرة، وأن الحاجة إلى ذلك اليوم وغداً كحاجتها لما قال ذلك قبل مئة عام، وما أشبه الليلة بالبارحة.
1.وقع في ط: وادع.
2وقع في ط: الألباب.

https://www.group-telegram.com/us/arrewayahalthkafh.com

Telegram

فوائد الديوانين

فوائد ديواني الثقافة الإسلامية، والرواية والإسناد

👍11👎2

www.group-telegram.com/us/arrewayahalthkafh.com/2873

3.56K viewsedited  Nov 22, 2022 at 14:06

لئن كان تصرف صاحب الطبعة المتأخرة لكتاب الشيخ جميل الشطي بذلك السوء المذكور في المقالة السابقة؛ حيث أوهم بحذف ترجمته للشيخ محمد ووضع ترجمة أخرى له مع عزوها لمصدرها أنَّ الشيخ جميلاً لم يكتب له ترجمة أصلاً، فأسوء منه بكثير كثير ما لو أبقى الترجمة وتصرَّف فيها ولو بمجرد حذف ما لا يريده وكتْمه، فإنه بهذا يوهم القارئ من موقف المصنف ومقصوده خلاف الواقع، فهذا الصنيع أخون من الصنيع الأول وأفحش، فإن ضُم إليه التصريح بأن هذا التصرف يمثل موقف المؤلف ومقصوده كان هذا أوغل في الباطل والكذب وتحريف الكلم عن مواضعه، ولئن كان الساكت عن الحق وبيان الحقيقة شيطاناً أخرس، فالمتكلم المظهر لخلافها شيطان ناطق، وفضل ما بينهما في دركات الشر والسوء كفضل النطق على الخرَس والبكم.

على أن المصنف الشطي إنما استعرض في تلك الترجمة خلاصةَ مبلغ علمه وما تحصل له وقت التأليف من خبر المترجم وأتباعه واختلاف الناس فيهم؛ مما رآه مناسباً لحال كتابه المختصر، وملبياً لحاجة زمانه ومكانه مقبولاً عند متلقيه، ولا سيما مع استمرار احتدام ذلك الاختلاف في الواقع حتى بلغ حد التكفير والقتال بين أطراف هذه الخصومات، مما قوى ميله إلى التخفف من هذا النزاع وتجنبه وعدم التوغل فيه ما أمكن، وقد افتتح الترجمة واختتمها وضمنها ما يدل على حقيقة رأيه وموقفه وما يستصوبه.
فافتتح الترجمة بتلخيص عمه الشيخ مراد لترجمة المترجم في «كتاب أبجد العلوم» للنواب صديق حسن خان رحمهم الله تعالى.
ثم قال في غضون الترجمة: «والحق لا يزال بين الإفراط والتفريط، ومن نحو هذا الاعتدال كان مشرب أستاذنا العلامة الشيخ جمال الدين القاسمي قدس الله روحه .. »، وبقدر معرفة أحوال من أحال عليهم وتراثهم وما اكتنفهم من بيئة وظروف يفهم مقصوده وإشارته.
ثم ختم الترجمة بدعوة صالحة نؤمن عليها ويؤمن عليها كل من رزق الدين والعقل والمروءة فقال: «كفانا الله الجدال، ورزقنا الاعتدال في كل الأحوال».
وقد لخصت هذه الدعوة، وما قبلها حقيقة منهجه وما يستصوبه ويدعو إليه في هذا الباب.
ولأنَّ من الناس من قد لا يفهم ذلك عنه على وجهه لاقتضابه وإجماله في زحمة ما استعرضه من خلاف ونزاع ضغطهما في نحو ورقتين، فلذا أفرد في هذا الموضوع بخصوصه رسالة وجيزة في بضع ورقات، ثم طبعها سنة 1340وهي التالية لسنة طبعه لكتابه «مختصر طبقات الحنابلة»، وسماها بـ«الوسيط بين الإفراط والتفريط»، وهو اسم يلخص منهجه المذكور، ويشعر القارئ به بمجرد وقوفه عليه.
وبعد ذكره هذا الاختلاف لأهل زمانه ومكانه بما يشعرهم بعدم ميله إلى الجهة التي يرى فيها أو عليها تطرفاً يستصلحه بالتوسط والاعتدال، باح بأنه قد وقع في الجانبين غلو وإفراط وتفريط وصل إلى حد التكفير والقتل فما دونهما قديماً وحديثاً، وأنه قد جنح من كل جانب إلى السَّلْم ومنهج التوسط والاعتدال فئة، وأشار إلى تقدم أستاذه القاسمي وتميزه في هذا المنهج، ونوه به، وذب عنه.
ثم ختم الرسالة بدستور جامع وقانون نافع يظهر حسن سياسة الشرع للواقع فقال: «بهذا التوسط والاعتدال يزول الاختلاف ويحصل الائتلاف.
وهكذا لو:
-خفَّفنا من غُلواء الفريقين،
-ونظرناهم بعين الرضا والقبول،
-وقصدنا الحق أين كان وحيث وجد
= لهان الأمر، وسهُل الصعب، ولم يبق من خلاف يفضي إلى مناقشات ومنازعات، فضلاً عن تكفير وتبديع واستباحة دماء وأموال، قال تعالى:"ادع 1 إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".
ولو فكَّرنا فيما حولنا من المشكلات الدينية الكبرى، والمعضلات الوطنية العظمى لوجدنا أن ما نحن فيه أولى أن يُنسى لا أن يُذكر، وأحق أن يُطوَى لا أن يُنشر.
وحسُبنا ما مضى وفاتَ هفواتٍ وعثراث، فلنعدل عن القشور إلى اللباب 2، وعن المباني إلى المعاني، لنكون يداً واحدة تُجاه خَطْبنا الديني وبلائنا الوطني.
هذا ما عندي، والله يضل من يشاء ويهدي.
والسلام على من اتبع الهدى، ونهى النفس عن الهوى.
تمت تحريراً في 25 ذي القعدة سنة 1340.
وذلك على يد الفقير إلى الله تعالى محمد جميل ابن المرحوم عمر أفندي بن الشيخ محمد الشطي الحنبلي الأثري
غفر الله لهم آمين».
ثم ذيَّل الرسالة بنقل «ترجمة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مختصرة من «كتاب أبجد العلوم» للعلامة الشهير صديق حسن خان، ملك بهوبال (وهو من علماء الاعتدال)»، وما بين علامتي التنصيص هو نصُّ كلامه.
وقال في آخرها ما لفظُه: «انتهى كلام صديق حسن خان قدس الله روحه، ولا غرو فإن كلام الملوك ملوك الكلام، والسلام ختام، حرره محمد جميل الشطي عفي عنه»
فانجلى بذلك معتمده، ومقصوده، ولا شك أنَّ أصوله وأركانه المذكورة لا ينازع فيها ذو علم وإيمان وبصيرة وإيثار لله ورسوله ودينه والدار الآخرة، وأن الحاجة إلى ذلك اليوم وغداً كحاجتها لما قال ذلك قبل مئة عام، وما أشبه الليلة بالبارحة.
1.وقع في ط: وادع.
2وقع في ط: الألباب.

https://www.group-telegram.com/us/arrewayahalthkafh.com

BY فوائد الديوانين