group-telegram.com/byan_alsamaa/1998
Last Update:
من أكثر الأمور التي تُفسد دين العبد وإيمانه؛ كثرة خلطته بالنّاس، واجتماعه بهم، وذلك أنّ خلطة الأقران وإن كانت مُباحة؛ لها تبَعات على القلب وسيره إلى ربّه، ومعلومٌ أنّ المُجالسة يتبعها مُجانسة، فكم ممّن تأثر بفكرة باطلة، وطبعٌ سفليّ، وكم ممّن تأثّر بالكلمة، وكانت هذه المُجالسة بابٌ ممهّد لفتح أبواب الخلافات وسوء الظُّنون الآثمة، ومعلومٌ كذلك أنّ فضول المُخالطة والاجتماع الدائم بالأقران؛ يورث قسوةٌ في القلب، وللسّلف الصالح أحوالٌ يطول شرحها في هذا المَقام، فقد كانوا يخلّلون من أيّامهم؛ أيّامٌ وساعات يعتزلون بها مُجالسة الخلق، طلبًا للحقّ وإيثارًا لأوقاته، يقول ابن تيميّة رحمه الله: "ولا بدّ للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه، في دعائه وذكره وصلاته وتفكُّره ومحاسبة نفسه وإصلاح قلبه، وما يختصّ به من الأمور التي لا يُشركُهُ فيها غيره، فهذه يحتاج فيها إلى انفراده بنفسه إمّا في بيته كما قال طاوس: نعم صومعة الرّجل بيتُه، يكفّ فيها بصره ولسانه، وإمّا في غير بيته، فاختيار المُخالطة مطلقًا خطأ، واختيار الانفراد مُطلقًا خطأ".. وقال ابن عثيمين: "من كان يخشى على دينه بالاختلاط بالناس: فالأفضل له العزلة، ومن لا يخشى؛ فالأفضل أن يخالط الناس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على آذاهم)".
=فإن كانت خلطته بأقرانه تؤثر على إيمانه، ونقص همّته، وتبعث عليه وابلٌ من الحسرات وضياع الأوقات؛ فليجتنب هذه المَواطن ما أمكنه إلى ذلك سبيلا، فإنّ المؤمن قلبه عزيز، وأعزّ ما يملكه في الدّنيا أن يُحافظ عليه من صروفها وأحوَالها التي تغيّب عنه معاني الوصول، ومعلومٌ كذلك أنّ فضول المُخالطة يتبعه حسرة على فوات الأوقات المبذولة في سبيل الدّنيا وأهلها، ومن الفقه أن يُوازن العبد بين المواطن التي تزيد من سيره، والمَواطن التي تُؤخّره عن المعالي، والأوقات التي تضيع في سبيل -فضول المخالطة-؛ إنّما هي قواطع طريق، وسرابٌ سيزول حتمًا في القريب، ولا يبقى من أثره شيءٌ مديد، كابتغاء الأجر الجزيل، من الله الجليل!
وقد يُراود العبد شيئًا من الأسئلة التي تدور في ذهنه، عن ماهية السّبيل للموازنة بين اجتماعه بأقرانه، وبين اعتزاله وتأثير هذه المُخالطة على عمل قلبه وإيمانه، أيّهما أكمل، وما هو الأنفع له، فإنّ الإجابة تدور حول فلك إيماني تعبُّدي، أن يكون حضوره بينهم ملموسًا به غاية تعبّدية ينتفع بها وينفع بها من حوله، أن يُشركهم مُباحاته في إطار النّفع القائم على أساس العبوديّة، فإنّ العبوديّة لباسٌ باطني يُجمّل أحواله الظاهريّة، وهو اللباس الذي إن لبسه؛ ارتاح من عناء التكلّف وعاش لله بكلّيته، حتى في مخالطته أقرانه، يعيش بها لله وبالله، ولنا في قول ابن القيّم مفادٌ وعبرة، يقول رحمه الله: "إن دعَت الحاجة إلى مُخالطة النّاس في فضول المُباحات؛ فليجتهد المرء أن يقلب ذلك المَجلس طاعة لله إن أمكنه، ويشجّع نفسَه ويقوّي قلبَه، ولا يلتفت إلى الوارد الشّيطاني القاطع له عن ذلك بأنّ هذا رياء ومحبّة لإظهار علمك وحالك، ونحو ذلك، فليُحاربه وليستعن بالله تعالى"!
فاللهم صلاحًا وتوفيقًا وهدايةً منك ترشدنا بها إلى السّبيل الأقوم. . .
BY قناة | بَيــان.
Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260
Share with your friend now:
group-telegram.com/byan_alsamaa/1998