Telegram Group & Telegram Channel
Groundless Ground
Photo
لا يمكن لوم من مدح هذا العمل وأعلا من شأنه ووضعه مرتبة ليست كغيره، إذ ليس من المبالغة عدُّ Arcane تحفة فنية فلسفية تتجاوز كونه كرتونا ورسومات، فالمسلسل لا يقتصر على تقديم شخصيات أو حبكة متسقة، بل كأنه يعوز لأخذ الشخصيات والسرد وسيلة لطرح قضايا فلسفية وجودية، وسياسية.
ما يجعله عملا متفردا هو رفضه للثنائيات المبسطة، فلا وجود لخير مطلق، ولا لشر خالص، فلكي توجد الأشياء، لا بد أن يوجد نقيضها معها، ليس كخصم خارجي، بل كمكون جوهري في تعريفها، الهيكستك، الذي خُلق لحماية البشر، أصبح سريعا أداة للدمار، ليس لأن البشر أشرار بطبيعتهم، بل لأن كل شيء مشروط بازدواجيته، فالخير لا يوجد دون الشر، الحب لا يُفهم دون الكراهية، النور لا يُدرك دون الظلام، وهناك سحر في الطريقة التي يلتقط بها المسلسل جوهر الإنسانية هذا.
يبدأ المسلسل، باستدعائه للمسألة الأزلية: كيف ينبغي أن يُدار المجتمع؟ ومن يملك السلطة لتحديد مصائر الأفراد؟
ومن الصعب تجاهل أوجه الشبه بين بيلتوفر كما يعرضها، وجمهورية أفلاطون كما كتبها في القرن الرابع قبل الميلاد، في الجمهورية، قُسمت المدينة الفاضلة إلى ثلاث طبقات:
الحكام الفلاسفة، وهم المدفوعون بالعقل والحكمة.
المحاربون، وهم الذين تحركهم الروح والشجاع.
المنتجون وهم المحكومون بالشهوة والرغبات المادية.
في بيلتوفر، إعادة إنتاج لهذا النموذج، وإن كان بشكل أكثر حداثة وعلموية، فالعلماء والأكاديميون يقودون المجتمع، حاملين شعار التقدم، بينما تمثل قوات الأمن (المنفذون، ثم لاحقا النوكسوس) الطبقة العسكرية التي تمارس القوة لحفظ النظام، أما سكان زون، فهم طبقة المنتجين، الذين يُنظر إليهم على أنهم مدفوعون فقط بغرائزهم المادية، أشبه بالحرفيين والتجار في جمهورية أفلاطون.
لكن على عكس أفلاطون، الذي رأى أن تقسيم المجتمع بهذا الشكل يحقق العدالة، يتناول العمل الوجه المظلم لهذا النموذج وتداعياته، فلا يقتصر الصراع بين بيتلتوفر وزون على كونه نزاعا سياسيا واقتصاديا، بل وصل الأمر لأن تحرم الطبقات العليا الطبقات السفلى شروط العيش الأساسية، فتبحث عن خلاصها بأي وسائل، وهو ما أدى بشخصية سيلكو لاتخاذ سبل قد تبدو في خانة الشر، إلا أنها لا تصنف إلا بالمنطق البارد للقوة غير المقيدة، الذي رآه الشرط الوحيد لاستعادة حقوق مدينة زون وكرامتها، وشخصيته هي حصيلة نظام اجتماعي غير عادل وظلم كبير تعرض له، لأن الطبقة الحاكمة تخلق الظروف التي تجعلهم في وضع دائم من الاستغلال والحرمان، وسيلكو عكس صديقه فاندر الذي طالما كان يسعى لتحقيق توازن بطرق دبلوماسية بين زون وبيلتوفر، بينما سيلكو على النقيض، إذ يرى الثورة العنيفة هي السبيل الوحيد للتحرر.
غير أن الشخصية الأكثر تعقيدا برأيي هي فيكتور، فهو يشبه في طموحه الصانع في تيماوس لأفلاطون، الكائن الذي يسعى لخلق عالم أكثر كمالا، لكن تطلعات فيكتور تحتاج كتابات كاملة مستقلة لسبر أغوارها، وكذا أغلب الشخصيات.
واحدة من أكثر العبارات التي أعجبتني هي عندما يقول العالم سينجد وهو برأيي أفخم شخصية في المسلسل، بأن "لا أحد في السلطة بريء"، وهذه ربما هذه هي الحقيقة التي يواجهها المشاهد أن لا يوجد خير خالص ولا شر خالص، بل فقط أشخاص يتخذون قرارات، مدفوعين بمصالحهم وكل قرار، مهما بدا نبيلا، يحمل توابع من الظلم على أحد ما.
عامة، ما يجعل هذا العمل الفني استثنائيا هو عرضه العظيم لفلسفة الخير والشر، والتقدم ودورة الحضارة، والحتمية والإرادة الحرة، ومحاولة التأله والنقص البشري، والقوة والضعف، وكل شخصية هي فلسفة قائمة بنفسها، وكل قراراتها بناءا على فهمها الخاص للعالم وموقعها فيه، وهذا التعقيد في الشخصيات يجعلك تتعاطف معها وتتبنى بعض مواقفها، رغم أخطائها، وقدرة المسلسل على إظهار هذه الازدواجية في كل شخصية هي عجيبة بصراحة.
14👍1



group-telegram.com/glodenagenonpervert/894
Create:
Last Update:

لا يمكن لوم من مدح هذا العمل وأعلا من شأنه ووضعه مرتبة ليست كغيره، إذ ليس من المبالغة عدُّ Arcane تحفة فنية فلسفية تتجاوز كونه كرتونا ورسومات، فالمسلسل لا يقتصر على تقديم شخصيات أو حبكة متسقة، بل كأنه يعوز لأخذ الشخصيات والسرد وسيلة لطرح قضايا فلسفية وجودية، وسياسية.
ما يجعله عملا متفردا هو رفضه للثنائيات المبسطة، فلا وجود لخير مطلق، ولا لشر خالص، فلكي توجد الأشياء، لا بد أن يوجد نقيضها معها، ليس كخصم خارجي، بل كمكون جوهري في تعريفها، الهيكستك، الذي خُلق لحماية البشر، أصبح سريعا أداة للدمار، ليس لأن البشر أشرار بطبيعتهم، بل لأن كل شيء مشروط بازدواجيته، فالخير لا يوجد دون الشر، الحب لا يُفهم دون الكراهية، النور لا يُدرك دون الظلام، وهناك سحر في الطريقة التي يلتقط بها المسلسل جوهر الإنسانية هذا.
يبدأ المسلسل، باستدعائه للمسألة الأزلية: كيف ينبغي أن يُدار المجتمع؟ ومن يملك السلطة لتحديد مصائر الأفراد؟
ومن الصعب تجاهل أوجه الشبه بين بيلتوفر كما يعرضها، وجمهورية أفلاطون كما كتبها في القرن الرابع قبل الميلاد، في الجمهورية، قُسمت المدينة الفاضلة إلى ثلاث طبقات:
الحكام الفلاسفة، وهم المدفوعون بالعقل والحكمة.
المحاربون، وهم الذين تحركهم الروح والشجاع.
المنتجون وهم المحكومون بالشهوة والرغبات المادية.
في بيلتوفر، إعادة إنتاج لهذا النموذج، وإن كان بشكل أكثر حداثة وعلموية، فالعلماء والأكاديميون يقودون المجتمع، حاملين شعار التقدم، بينما تمثل قوات الأمن (المنفذون، ثم لاحقا النوكسوس) الطبقة العسكرية التي تمارس القوة لحفظ النظام، أما سكان زون، فهم طبقة المنتجين، الذين يُنظر إليهم على أنهم مدفوعون فقط بغرائزهم المادية، أشبه بالحرفيين والتجار في جمهورية أفلاطون.
لكن على عكس أفلاطون، الذي رأى أن تقسيم المجتمع بهذا الشكل يحقق العدالة، يتناول العمل الوجه المظلم لهذا النموذج وتداعياته، فلا يقتصر الصراع بين بيتلتوفر وزون على كونه نزاعا سياسيا واقتصاديا، بل وصل الأمر لأن تحرم الطبقات العليا الطبقات السفلى شروط العيش الأساسية، فتبحث عن خلاصها بأي وسائل، وهو ما أدى بشخصية سيلكو لاتخاذ سبل قد تبدو في خانة الشر، إلا أنها لا تصنف إلا بالمنطق البارد للقوة غير المقيدة، الذي رآه الشرط الوحيد لاستعادة حقوق مدينة زون وكرامتها، وشخصيته هي حصيلة نظام اجتماعي غير عادل وظلم كبير تعرض له، لأن الطبقة الحاكمة تخلق الظروف التي تجعلهم في وضع دائم من الاستغلال والحرمان، وسيلكو عكس صديقه فاندر الذي طالما كان يسعى لتحقيق توازن بطرق دبلوماسية بين زون وبيلتوفر، بينما سيلكو على النقيض، إذ يرى الثورة العنيفة هي السبيل الوحيد للتحرر.
غير أن الشخصية الأكثر تعقيدا برأيي هي فيكتور، فهو يشبه في طموحه الصانع في تيماوس لأفلاطون، الكائن الذي يسعى لخلق عالم أكثر كمالا، لكن تطلعات فيكتور تحتاج كتابات كاملة مستقلة لسبر أغوارها، وكذا أغلب الشخصيات.
واحدة من أكثر العبارات التي أعجبتني هي عندما يقول العالم سينجد وهو برأيي أفخم شخصية في المسلسل، بأن "لا أحد في السلطة بريء"، وهذه ربما هذه هي الحقيقة التي يواجهها المشاهد أن لا يوجد خير خالص ولا شر خالص، بل فقط أشخاص يتخذون قرارات، مدفوعين بمصالحهم وكل قرار، مهما بدا نبيلا، يحمل توابع من الظلم على أحد ما.
عامة، ما يجعل هذا العمل الفني استثنائيا هو عرضه العظيم لفلسفة الخير والشر، والتقدم ودورة الحضارة، والحتمية والإرادة الحرة، ومحاولة التأله والنقص البشري، والقوة والضعف، وكل شخصية هي فلسفة قائمة بنفسها، وكل قراراتها بناءا على فهمها الخاص للعالم وموقعها فيه، وهذا التعقيد في الشخصيات يجعلك تتعاطف معها وتتبنى بعض مواقفها، رغم أخطائها، وقدرة المسلسل على إظهار هذه الازدواجية في كل شخصية هي عجيبة بصراحة.

BY Groundless Ground




Share with your friend now:
group-telegram.com/glodenagenonpervert/894

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

The message was not authentic, with the real Zelenskiy soon denying the claim on his official Telegram channel, but the incident highlighted a major problem: disinformation quickly spreads unchecked on the encrypted app. "Russians are really disconnected from the reality of what happening to their country," Andrey said. "So Telegram has become essential for understanding what's going on to the Russian-speaking world." In the past, it was noticed that through bulk SMSes, investors were induced to invest in or purchase the stocks of certain listed companies. Official government accounts have also spread fake fact checks. An official Twitter account for the Russia diplomatic mission in Geneva shared a fake debunking video claiming without evidence that "Western and Ukrainian media are creating thousands of fake news on Russia every day." The video, which has amassed almost 30,000 views, offered a "how-to" spot misinformation. Since January 2022, the SC has received a total of 47 complaints and enquiries on illegal investment schemes promoted through Telegram. These fraudulent schemes offer non-existent investment opportunities, promising very attractive and risk-free returns within a short span of time. They commonly offer unrealistic returns of as high as 1,000% within 24 hours or even within a few hours.
from us


Telegram Groundless Ground
FROM American