Telegram Group & Telegram Channel
كان الاعتقاد السائد في علم النّفس أنّ البشر كُلّما زادت الخيارات المُتاحة أمامهم، كُلّما كانوا أكثر سعادة وأكثر قدرة على تحقيق ذواتهم بالشكل المطلوب.

لاحقًا لاحظ العُلماء أنّ زيادة عدد الخيارات المُتاحة أمّام الإنسان، تجعله أكثر تعاسة، إذ الاستقرار على أيّ خيار، يعني خسارة كُلّ الخيارات المُمكنة الأخرى، هذا يعني حسرة أكبر، وشعور أعلى بالندم، بل وما هو أسوأ، كثرة التشكّك في الخيار الذي تمّ الاستقرار عليه، والشعور الدائم بعدم الرضا، لأنّه كان بالإمكان أن يكون غير الذي كان.

هذا تحديدًا ما صار علماء النفس يصطلحون عليه: مُعضلة الاختيار The Paradox of Choice وهي تسمية صكّها عالِم النفس الأمريكي باري شوارتز في كتابه المُسمّى بنفس العنوان السابق. لهذه الظاهرة تطبيقات عديدة، يعرفها مُصمّمو واجهات المُستخدمين وِفق "قانون هيك" (Hick's law) وهو أنّ البشر يقضون وقتًا أكبر ويشعرون بالارتباك حين يكونون بمواجهة خيارات عدّة أمامهم.

لا تؤدّي مُعضلة الاختيار إلى التعاسة فحسب، بل قد تدفع الإنسان للشعور بالعجز والشلل السلوكي، أيّ العجز عن اختيار أي خيار بالأساس، من شدّة وفرة الخيارات، وهي ذات الحالة التي يصفها الروائي البُلغاري في كتابه "فيزياء الحزن" حين يقول:

"الأمر الأكثر كآبة في المَتاهة هو أنّك دومًا في حالة الاختيار
ما يُربكك.. ليس غياب المَخرج وإنّما: وَفرة المخارج"

ينضج الإنسان ويصير أكثر اتّزانًا، حين يستطيع أن يتقبّل ما هو عليه.. دُونَ أن يحسد الآخرين على ما هُم عليه.

إنّ البشر بطبعهم لا يستطيعون تجاوز قصور ذواتهم بسهولة، لهذا يقضي البشر فترة طويلة من أعمارهم وهُم يُحاربون كُل تلك الخيارات التي عجزوا عن تحقيقها.

يُقدّم المُحلّل النفسي آدم فيليبس مُرافعة ممتازة عن مُعاناة الإنسان الحديث وشعوره المُتضخّم بالحسرة والألم نتيجة رؤيته لكلّ هؤلاء النّاس من حوله وهُم يحقّقون مسارات أخرى للعيش، لم يتمكّن هو نفسه من تحقيقها.

في كتابه "فوائت الحياة: في مديح الحيوات غير المُعاشة" (https://drive.google.com/file/d/1QW__ua7i0O3cFZ1yQP3cP9YkmqlmVJDK/view?usp=sharing) يتحدّث فيلبيس عن لعنة الحسرة والحسد التي تجتاح الإنسان المُعاصر وهو يرى نفسه يعيش حياة واحدة فقط، حياة محدودة، خاصّة وهو يُراقب غيره على منصّات التواصل الاجتماعي وقد أصبح الواحد منهم كابتن طائرة، وآخر رياضي ناجح، وثالث طبيب مُختصّ في أفضل مستشفيات العالَم ورابع أب لعائلة رائعة يقضون وقتهم مُسافرين من دولة لأخرى.

يُمكِن القول أنّ هذا الشعور يتضخّم اليوم أكثر من السابق، بفعل سعي الإنسان الحثيث لتأليه نفسه (أن يكون إلهًا). وَحدَه الإله يستطيع أن يمضي في جميع المسارات في نفس الوقت وفي أماكن مُتعدّدة.

يُريد الإنسان أن يُطارد جميع المسارات وأن يختبرها كما لو أنّه إلَه كَونِه، وكما لو أنّه القيّوم على جميع المُمكنات الأخرى للعيش، وكما لو أنّه كائن مُخلّد، يملك الوقت لمُطاردة جميع الاحتمالات الإحصائية لكُل خيار يُتاح أمامه في الحياة.

على النقيض تمامًا، يتحدّث أحد أهمّ عُلماء النفس الباحثين في مجال السعادة، دانييل غيلبرت عن الالتزامات التي لا يُمكِن تغييرها Irrevocable Commitments أو بمعنى أدقّ، عن تلك الخيارات التي لا يُمكِن التراجع عنها.

وجدت دراسات غلبرت وفريقه البحثي حول السعادة، أنّ البشر يكونون أكثر سعادة في حياتهم، حين لا يستطيعون التراجع عن اختياراتهم. حين يملك الإنسان خيار التراجع عن خياراته، فإنّه سيشعر على الدوام بأنّ قراره لم يكن أفضل قرار ممكن، وسيسعى لاستبدال خياره ومطاردة خيار جديد آخر، وهكذا يقضي عُمره يُطارد مسارات غير مُكتملة، يملؤه الحسرة والندم وعدم الرضا، دون أن يعيش قصّة واحدة مكتملة في حياته.

إنّها "لَو" التي تفتح عمل الشيطان، وتفتح الإرهاق الوجودي والنفسي الذي يُسبّبه التفكير بالاحتمالات الأخرى للوجود، وكأنّنا أمام قول الرسول الكريم الذي أوتي الحِكمة وهو يقول: وإن أصابَك شيءٌ فلا تقلْ : لو أنّي فعلتُ لكانَ كذا وكذا ، ولكن قلْ قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعلَ فإن "لو" تفتحُ عملَ الشيطانِ!

في المُقابل حين لا يكون بإمكان النّاس التراجع عن قراراتهم (مثل الزواج، وعقد النيّة على تأبيد هذه العلاقة وعدم التراجع عنها) يميل البشر إلى أن يكونوا أكثر سعادة تجاه خياراتهم، وأكثر اقتناعًا ورضًا، بل بحسب دراسات غلبرت، سيركّزون على الجوانب الإيجابية للعلاقة، لأنّه ليس لديهم أيّ خيار آخر!

.... 👇🏻



group-telegram.com/ourclub_nadina/1167
Create:
Last Update:

كان الاعتقاد السائد في علم النّفس أنّ البشر كُلّما زادت الخيارات المُتاحة أمامهم، كُلّما كانوا أكثر سعادة وأكثر قدرة على تحقيق ذواتهم بالشكل المطلوب.

لاحقًا لاحظ العُلماء أنّ زيادة عدد الخيارات المُتاحة أمّام الإنسان، تجعله أكثر تعاسة، إذ الاستقرار على أيّ خيار، يعني خسارة كُلّ الخيارات المُمكنة الأخرى، هذا يعني حسرة أكبر، وشعور أعلى بالندم، بل وما هو أسوأ، كثرة التشكّك في الخيار الذي تمّ الاستقرار عليه، والشعور الدائم بعدم الرضا، لأنّه كان بالإمكان أن يكون غير الذي كان.

هذا تحديدًا ما صار علماء النفس يصطلحون عليه: مُعضلة الاختيار The Paradox of Choice وهي تسمية صكّها عالِم النفس الأمريكي باري شوارتز في كتابه المُسمّى بنفس العنوان السابق. لهذه الظاهرة تطبيقات عديدة، يعرفها مُصمّمو واجهات المُستخدمين وِفق "قانون هيك" (Hick's law) وهو أنّ البشر يقضون وقتًا أكبر ويشعرون بالارتباك حين يكونون بمواجهة خيارات عدّة أمامهم.

لا تؤدّي مُعضلة الاختيار إلى التعاسة فحسب، بل قد تدفع الإنسان للشعور بالعجز والشلل السلوكي، أيّ العجز عن اختيار أي خيار بالأساس، من شدّة وفرة الخيارات، وهي ذات الحالة التي يصفها الروائي البُلغاري في كتابه "فيزياء الحزن" حين يقول:

"الأمر الأكثر كآبة في المَتاهة هو أنّك دومًا في حالة الاختيار
ما يُربكك.. ليس غياب المَخرج وإنّما: وَفرة المخارج"

ينضج الإنسان ويصير أكثر اتّزانًا، حين يستطيع أن يتقبّل ما هو عليه.. دُونَ أن يحسد الآخرين على ما هُم عليه.

إنّ البشر بطبعهم لا يستطيعون تجاوز قصور ذواتهم بسهولة، لهذا يقضي البشر فترة طويلة من أعمارهم وهُم يُحاربون كُل تلك الخيارات التي عجزوا عن تحقيقها.

يُقدّم المُحلّل النفسي آدم فيليبس مُرافعة ممتازة عن مُعاناة الإنسان الحديث وشعوره المُتضخّم بالحسرة والألم نتيجة رؤيته لكلّ هؤلاء النّاس من حوله وهُم يحقّقون مسارات أخرى للعيش، لم يتمكّن هو نفسه من تحقيقها.

في كتابه "فوائت الحياة: في مديح الحيوات غير المُعاشة" (https://drive.google.com/file/d/1QW__ua7i0O3cFZ1yQP3cP9YkmqlmVJDK/view?usp=sharing) يتحدّث فيلبيس عن لعنة الحسرة والحسد التي تجتاح الإنسان المُعاصر وهو يرى نفسه يعيش حياة واحدة فقط، حياة محدودة، خاصّة وهو يُراقب غيره على منصّات التواصل الاجتماعي وقد أصبح الواحد منهم كابتن طائرة، وآخر رياضي ناجح، وثالث طبيب مُختصّ في أفضل مستشفيات العالَم ورابع أب لعائلة رائعة يقضون وقتهم مُسافرين من دولة لأخرى.

يُمكِن القول أنّ هذا الشعور يتضخّم اليوم أكثر من السابق، بفعل سعي الإنسان الحثيث لتأليه نفسه (أن يكون إلهًا). وَحدَه الإله يستطيع أن يمضي في جميع المسارات في نفس الوقت وفي أماكن مُتعدّدة.

يُريد الإنسان أن يُطارد جميع المسارات وأن يختبرها كما لو أنّه إلَه كَونِه، وكما لو أنّه القيّوم على جميع المُمكنات الأخرى للعيش، وكما لو أنّه كائن مُخلّد، يملك الوقت لمُطاردة جميع الاحتمالات الإحصائية لكُل خيار يُتاح أمامه في الحياة.

على النقيض تمامًا، يتحدّث أحد أهمّ عُلماء النفس الباحثين في مجال السعادة، دانييل غيلبرت عن الالتزامات التي لا يُمكِن تغييرها Irrevocable Commitments أو بمعنى أدقّ، عن تلك الخيارات التي لا يُمكِن التراجع عنها.

وجدت دراسات غلبرت وفريقه البحثي حول السعادة، أنّ البشر يكونون أكثر سعادة في حياتهم، حين لا يستطيعون التراجع عن اختياراتهم. حين يملك الإنسان خيار التراجع عن خياراته، فإنّه سيشعر على الدوام بأنّ قراره لم يكن أفضل قرار ممكن، وسيسعى لاستبدال خياره ومطاردة خيار جديد آخر، وهكذا يقضي عُمره يُطارد مسارات غير مُكتملة، يملؤه الحسرة والندم وعدم الرضا، دون أن يعيش قصّة واحدة مكتملة في حياته.

إنّها "لَو" التي تفتح عمل الشيطان، وتفتح الإرهاق الوجودي والنفسي الذي يُسبّبه التفكير بالاحتمالات الأخرى للوجود، وكأنّنا أمام قول الرسول الكريم الذي أوتي الحِكمة وهو يقول: وإن أصابَك شيءٌ فلا تقلْ : لو أنّي فعلتُ لكانَ كذا وكذا ، ولكن قلْ قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعلَ فإن "لو" تفتحُ عملَ الشيطانِ!

في المُقابل حين لا يكون بإمكان النّاس التراجع عن قراراتهم (مثل الزواج، وعقد النيّة على تأبيد هذه العلاقة وعدم التراجع عنها) يميل البشر إلى أن يكونوا أكثر سعادة تجاه خياراتهم، وأكثر اقتناعًا ورضًا، بل بحسب دراسات غلبرت، سيركّزون على الجوانب الإيجابية للعلاقة، لأنّه ليس لديهم أيّ خيار آخر!

.... 👇🏻

BY نَادِيْنَا


Warning: Undefined variable $i in /var/www/group-telegram/post.php on line 260

Share with your friend now:
group-telegram.com/ourclub_nadina/1167

View MORE
Open in Telegram


Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

That hurt tech stocks. For the past few weeks, the 10-year yield has traded between 1.72% and 2%, as traders moved into the bond for safety when Russia headlines were ugly—and out of it when headlines improved. Now, the yield is touching its pandemic-era high. If the yield breaks above that level, that could signal that it’s on a sustainable path higher. Higher long-dated bond yields make future profits less valuable—and many tech companies are valued on the basis of profits forecast for many years in the future. The Securities and Exchange Board of India (Sebi) had carried out a similar exercise in 2017 in a matter related to circulation of messages through WhatsApp. The last couple days have exemplified that uncertainty. On Thursday, news emerged that talks in Turkey between the Russia and Ukraine yielded no positive result. But on Friday, Reuters reported that Russian President Vladimir Putin said there had been some “positive shifts” in talks between the two sides. At its heart, Telegram is little more than a messaging app like WhatsApp or Signal. But it also offers open channels that enable a single user, or a group of users, to communicate with large numbers in a method similar to a Twitter account. This has proven to be both a blessing and a curse for Telegram and its users, since these channels can be used for both good and ill. Right now, as Wired reports, the app is a key way for Ukrainians to receive updates from the government during the invasion. Right now the digital security needs of Russians and Ukrainians are very different, and they lead to very different caveats about how to mitigate the risks associated with using Telegram. For Ukrainians in Ukraine, whose physical safety is at risk because they are in a war zone, digital security is probably not their highest priority. They may value access to news and communication with their loved ones over making sure that all of their communications are encrypted in such a manner that they are indecipherable to Telegram, its employees, or governments with court orders.
from vn


Telegram نَادِيْنَا
FROM American