Telegram Group Search
وكان بالمدينة زمَنَ أبي جعفر المنصور قاضٍ يقال له عبد العزيز بن عبد المطلب المخزومي، فخاصَمَتْ إليه امرأةٌ زَوجَها، وكانت قد قالت له: أجَعْتَنِي وأسأتَ إليَّ، واللهِ ما تستطيع فِئرانُ بَيتِكَ أن يَمشِينَ من الجوع والجَهد، وما يُقِمْنَ هنا إلا على حُبِّ الوَطَن، فقال لها زوجها: أنتِ طالق إن لم يُقِمْنَ إلا على حُبّ الوطن.
فأخبَرَتِ المرأة القاضي بما حدَث بينها وبين زوجها، فقال القاضي - يَطلُب له المَعَاذير- : وَرَبِّك إنَّ الإبل لَتكُونُ بالمكانِ الجَدِيب الخَسِيس المَرْعَى، فَتُقِيمُ به لِحُبّ الوَطن.

فقال الزوج - حين رآه يَحتال لئلا يُفرِّقَ بينهما-: كأنها أَشْكَلَتْ عليك، هي طَالِقٌ عشرين.

فقال القاضي: قد خَفَّفتَ الأمر علينا 😁
"ما تعاظَم أحدٌ على مَن دونه إلّا بقدر ما تصاغر لمَن فوقه".

- الإمتاع والمؤانسة للتوحيدي-
ميزانٌ دقيق:
-------

" جرَت بيني وبين أخي الكبير المُلّا عبد الله - رحمه الله- هذه المُحاورة، سأوردها لكم:

- كان أخي المرحوم من خواصّ مُريدي الشيخ ضياء الدين - قُدس سره- وهو من الأولياء الصالحين، وأهلُ الطرق الصوفية لا يرون بأسا في الإفراط في حُب مُرشدهم والمبالغة في حُسن الظن بهم؛ بل يرضَون بهذا الإفراط وهذه المبالغة، لذا قال لي أخي ذات يوم : " إن الشيخ ضياء الدين على علمٍ واسع جدا واطّلاعٍ على ما يجري في الكون بمثلِ اطلاع القطب الأعظم " ثم سرَد الكثير من الأمثلة على خوارق أعماله وعُلوّ مقامه .. كل ذلك لِيُغريني بالانتساب إليه والارتباط به.

- ﻭﻟﻜﻨﻲ ﻗﻠﺖ ﻟﻪ:

"ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﺃﻧﺖ ﺗُﻐﺎﻟﻲ! ﻓﻠﻮ ﻗﺎﺑﻠﺖُ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺿﻴﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﺄﻟﺰﻣﺘُﻪ ﺍﻟﺤُﺠَّﺔ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ، ﻭﺇﻧﻚ ﻟﺎ ﺗُﺤﺒﻪ ﺣﺒًﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴًﺎ ﻣﺜﻠﻲ! ﻟﺄﻧﻚ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺗُﺤﺐ ﺿﻴﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﺨﻴَّﻠﻪ ﻓﻲ ﺫﻫﻨﻚ ﻋﻠﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﻗُﻄﺐ ﺃﻋﻈﻢ ﻟﻪ ﻋﻠﻢٌ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻮﻥ! ﻓﺄﻧﺖ ﻣُﺮﺗﺒﻂ ﻣﻌﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﻭﺗُﺤﺒﻪ ﻟﺄﺟﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺔ، ﻓﻠﻮ ﺭُﻓﻊ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ ﻭﺑﺎﻧﺖ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ، ﻟﺰﺍﻟﺖ ﻣﺤﺒﺘُﻚ ﻟﻪ ﺃﻭ ﻗﻠَّﺖ ﻛﺜﻴﺮًﺍ! ﺃﻣﺎ ﺃﻧﺎ -ﻳﺎ ﺃﺧﻲ- ﻓﺄُﺣﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﻮﻟﻲ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺣﺒًﺎ ﺷﺪﻳﺪًﺍ ﺑﻤﺜﻞ ﺣُﺒﻚ ﻟﻪ، ﺑﻞ ﺃﻭﻗِّﺮﻩ ﺗﻮﻗﻴﺮًﺍ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻪ ﻭﺃُﺟﻠّﻪ ﻭﺃﺣﺘﺮﻣﻪ ﻛﺜﻴﺮًﺍ، ﻟﺄﻧﻪ ﻣُﺮﺷﺪ ﻋﻈﻴﻢ ﻟﺄﻫﻞ ﺍﻟﺈﻳﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻳﺔ ﺑﺎﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ.

ﻓﻠﻴﻜﻦ ﻣﻘﺎﻣﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻣﺎ ﻳﻜﻮﻥ، ﻓﺄﻧﺎ ﻣﺴﺘﻌﺪ ﻟﺄﻥ ﺃﺿﺤِّﻲ ﺑﺮﻭﺣﻲ ﻟﺄﺟﻞ ﺧﺪﻣﺘﻪ الإيمانَ، ﻓﻠﻮ ﺃُﻣِﻴﻂ ﺍﻟﻠﺜﺎﻡُ ﻋﻦ ﻣﻘﺎﻣﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻓﻠﺎ ﺃﺗﺮﺍﺟﻊ ﻭﻟﺎ ﺃﺗﺨﻠﻰ ﻋﻨﻪ ﻭﻟﺎ ﺃﻗﻠﻞ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺘﻲ ﻟﻪ، ﺑﻞ ﺃﻭﺛِّﻖ ﺍﻟﺎﺭﺗﺒﺎﻁ ﺑﻪ ﺃﻛﺜﺮ، ﻭﺃُﻭﻟﻴﻪ ﻣﺤﺒﺔ ﺃﻋﻈﻢ ﻭﺃﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﺗﻮﻗﻴﺮﻩ؛ ﻓﺄﻧﺎ ﺇﺫﻥ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺃُﺣﺐ ﺿﻴﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻭﻋﻠﻰ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ؛ ﺃﻣﺎ ﺃﻧﺖ ﻓﺘﺤﺐ ﺿﻴﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺧﻴﺎﻟﻚ؛ ﻟﺄﻧﻚ ﺗﻄﻠﺐ ﻟﻤﺤﺒﺘﻚ ﺛﻤﻨًﺎ ﻏﺎﻟﻴًﺎ ﺟﺪًﺍ، ﺇﺫ ﺗُﻔﻜِّﺮ ﺃﻥ ﻳُﻘﺎﺑﻞ ﻣﺤﺒﺘﻚ ﺑﻤﺎ ﻳﻔﻮﻕ ﺛﻤﻨﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﺿﻌﻒ، ﻭﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻥ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﺤﺒﺔ ﻟﻤﻘﺎﻣﻪ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺗﻈﻞ ﺯﻫﻴﺪﺓ ﺟﺪًّﺍ.

- الأستاذ الحكيم العلامة سعيد النورسي رحمه الله-
اللهم بلغنا رمضان وبارك لنا فيه
Forwarded from الدُّرّ النَّثِير (سامي الأزهري)
قال المَاوَردي - رحمه الله - " ولا يُسوِّف نفسَه بالمواعيد الكاذبة، ويُمَنِّيها بانقطاع الأشغال المتصلة؛ فإنَّ لكلّ وقتٍ شُغلا، وفي كل زمانٍ عُذرا".

وقال ابن عطاء الله السكندري- رحمه الله- : " إِحالتُك الأعمالَ على وجود الفراغ = من رُعونات النفْس ".

فإن أشغال الدنيا متصلة يدعو بعضُها بعضا، وانتظار الفراغ فيها من الحُمق؛ لأنه لا يكاد يتحقق، وما ذلك إلا لأن الإنسان كثيرا ما تُحدّثه نفسُه بالكمال فيما يريد عمَله، فلهذا يطلب له الوقت الذي يظنه كافيا، إلا أنه مع طول هذا الانتظار يذوِي نشاطُه ويتناقص عُمره، فالمُسارعة إلى الخيرات من صفات العقلاء قبل المؤمنين، وكذلك التسديد والتقريب فيما يُرام من أعمال البرّ.
" وكم يَخفى على الفقهاء والحُكَّامِ الحَقُّ في كثيرٍ من المَسائل! بسببِ الجَهل بالحسابِ والطبِّ والهندسة؛ فيَنبغي لذوي الهِمَم العَلِيَّة أن لا يَتركوا الاطِّلاع على العلوم ما أمكَنهم ذلك.

فلم أرَ في عيوب الناس عيبًا
كنقصِ القادرين على التَّمامِ".

- الإمام القرافي -

أضِف إلى ذلك العلومَ الحديثة جميعا إذا كان لها مزيد تعلُّق بحوادث الأحيان؛ فكثيرا ما يكون القصور والسطحية في الفتاوى بسبب إغفال الجوانب المتعلقة بهذه التخصصات وعدم اعتبارها ورعايتها، وبالطبع ليس المقصود أن يُطالب الفقيه بالتخصص في هذه العلوم إلى جانب اشتغاله بالفقه؛ فإن هذا مما لا يكاد يُقدر عليه، وإنما المطلوب هو أن يستمع إلى توصيف المتخصصين لطبائع الحالات والوقائع وأن يتصورها جيدا وأن تكون لديه القدرة على التعامل مع هذه الأمور المركبة، ولا يُكتفى حينئذ بالنقل من الكتب، بل نصوا على أنه لا يجوز الاعتماد على ما في الكتب هكذا مجردا من غير نظر في هذه القرائن
#يصدر قريبا عن " دار اللباب" نسيم الرياض شرح الشفا للقاضي عياض.

في 10 مجلدات

الحقيقة أن دار اللباب رائدة في النشر، وهي تُسجل اسمها في قائمة الدور العظيمة ذات الأثر في نشر النصوص العربية والإسلامية
"في جدال عن الغذاء يدور أمام جمهورٍ من الأطفال، فإن الحلوانيّ كفيل بأن يهزم الطبيب، وفي جدال أمام جمهور من الكبار فإن سياسيًّا تسلّح بالقدرة الخطابيّة وحيل الإقناع كفيل بأن يهزم أيّ مهندس أو عسكريّ حتّى لو كان موضوع الجدال هو من تخصّص هذين الأخيرين، وليكن تشييد الحصون أو الثّغور.
إنّ دغدغة عواطف الجمهور ورغباته لأشدّ إقناعًا من أيّ احتكام إلى العقل".اهـ

من محاورة "جورجياس" لأفلاطون .
حُصولُ المشقَّة لا يَستلزم حصولَ التخفيف؛ لأن أصل العبادات موضوع على المَشاقِّ، على ما دلَّ عليه اشتقاقها من التعبُّد وهو الخضوع والتذلل، وفي ذلك من المشقة على النفس والبدن ما لا يُنكَر، وإنما تفضَّل الله تعالى بالتخفيف في بعض محالِّ المشاق دون بعض، فلا يجوز إلحاقُ غيرِ محلِّ التفضُّل به بمجرَّدِ التَّحكُّم.

[ نجم الدين الطوفي].
تنبيه:

التشبُّث بالتعليق على الأخطاء اللغوية والإملائية حين المناقشة في غير موضوعهما، والتوصّل من خلالها إلى إثبات الضعف أو عدم الأهلية - مغالطة قبيحة، وشيء في غاية السخف مع الأسف، ولا ينبغي أن يُفهَم من هذا التقليلُ من شأن تصحيح العبارات وإجرائها على قانون العربية المستقيم، بل هذا هو الأحسَن، ولكن مخالفته لا تفيد بطلان المطلوب، ولا تقتضي كل هذا التشغيب المؤدي إلى الخروج عن محل البحث، لا سيما والمخاطب عالم بمراد المتكلم.

وقد نبَّه ابن حزم رحمه الله إلى ذلك، قال :

واعلم أنّ مَن ترَك ما هو فيه مع خصمِه من المناظرة وخرَج إلى مسألة أخرى، فجاهلٌ مُشغّب منقطع، كمثل ما شاهدناه كثيرا ممّن ترَك ما هما بسبيله وجعَل يتعقّب لحنَ صاحبه في كلامه، ولسنا نقول هذا نصرًا للحن، ولكن نصرًا للحق، وتركًا للاشتغال بغير ما شرَعا فيه، وليس على الخَصم أكثر من أن يُعبّر عن مراده بما يُفهِم به خصمَه، ولا مزيد بأيّ لفظٍ كان، وبأي لغةٍ كان، إلا أننا نختار الاختصار الجامع لكثير المعاني في قليل الألفاظ وسَبْطِها وسهلها وفصيحِها لمن قدَر على ذلك.
معارضة الخطأ بوقوع مثله من الغير لا تعني صيرورة الخطأ الأول صوابا، وهذا من المغالطات المنتشرة في النقاشات المتداولة؛ حيث يثبُت على " أ " مثلا أنه أخطأ في كذا، فإذا به يقول: وكذلك فعل " ب " نفس الخطأ، أو يقال له : أنت فعلت الشيء الفلاني وهو خطأ، فيرُدّ : وأنت أيضا فعلتَه أو فعلتَ مثله.

من يومين رأيت أحد الأفاضل يذكر أن الفتاوى الشاذة التي وقعت من الشيخ فلان قال بمثلها فلان ممن يُعظِّمه المعترضون، وهذا المسلك من معارضة الخطأ بمثله لا يصح، اللهم إلا في حالة أن يكون قصْد المعترض التشغيب والتعاصي عن قبول الحق والبرهان، فيجوز هنا إظهار تعصُّبه وتحامُله ببيان أنه يَقبل من فلان عينَ ما أنكره على غيره، ومع ذلك فغاية هذا المَسلك هو ردّ تشغيب المعترض، أمَّا أنه يُفيد صوابَ المعترَض عليه فلا.
الدُّرّ النَّثِير
Photo
مما حصَّلته من معرض الكتاب الشهر الماضي هذا الكتاب " كتاب النصيحتين إلى أهل الحِكمتين" لموفق الدين عبد اللطيف البغدادي ت629هـ نشره معهد المخطوطات العربية، وكنت قرأته من حوالي سنتين من نسخة رديئة على الإنترنت، ونشرةُ معهد المخطوطات أضبط وأدقّ.

والكتاب عبارة عن رسالتين، الأولى نصيحة إلى الأطباء،
والثانية نصيحة يُوجّهها إلى المشتغلين بالعلوم الحِكمية ( الفلسفة ) واختار النصيحة لأصحاب هذين العلمين؛ لأن الحكمة موضوعة لخلاص النفوس من آلام الجهل إلى سلامة المعرفة، والطب لخلاص الأبدان من الأسقام.

وفي تضاعيف نصائحه إليهم يذكر تجربته المعرفية ورحلته العلمية في اكتساب هذه العلوم الشريفة وما درَسه من الكتب وما حفِظه من الرسائل والمصنفات، مع وصفٍ لها وتقييمٍ لبعضها، وقد توافقه في بعض ما يذكره من آرائه الشخصية عن بعض الكتب وعن بعض العلماء أيضا وقد تخالفه في ذلك.

غير أن الصبغة الظاهرة على أحكامه النقدية هي إعلاؤه من شأن مؤلفات المتقدمين وتعظيمه لها، مع حطِّه وتشنيعه على المتأخرين الذين أفسدوا أوضاعها وفهموها على غير وجهها.

والمتأخرون الذين يصدُق عليهم هذا النعت من وجهة نظره هم ابن سينا والغزالي والرازي والسهرَوردي وأضرابهم، فهو على سبيل المثال لا يكاد يعترف لابن سينا بفضلٍ، بل يرى أنه أفسَد الفلسفة ويُفضِّل نفسه عليه، وأنَّ من أراد هذه العلوم كما ينبغي فليجعل وجهته كتبَ الحكماء المتقدمين من أمثال أرسطو وأفلاطون.

يقول مثلا :" وصِرتُ أُعاود محفوظي من كلام ابن سينا وأقرِن بينه وبين ما أجده في كتبهم فأشعر بنقصه وسخَفه وقصوره في اللفظ وفي المعنى، ومع هذا كله فنفسي لا تسمح بالتصريح والإعراض لرسوخ الإلف به وشدة الاعتقاد فيه، وصرتُ كلما ازددتُ بصيرةً بكلام القوم ازددتُ زهدا في كلامه ورغبةً عنه، ويظهر لي كل يوم من نقصه ما لم أكن أظن أن مثله يغلط فيه وأن مثلي لا يتفطن له، ومرَّ على ذلك أكثر من عشرين سنة إلى أن صرَّحتُ وبسطتُ القول وصرتُ أتأسف على تلك الأيام التي ضاعت باطلا في الاشتغال بكلامه".

ويرى كذلك أن كتب ابن سينا ناقصة لم تستوفِ أجزاء الحكمة، وأن مَن لا خبرة عنده يظنها مستوفية لها، بل يقول إن أكثر كتبه غير جيدة وأن بعضها مأخوذ من بعض ومسلوخ من بعض، بل حتى في الطب يرى أن ميزة كتاب " القانون" ليست إلا في أنه جمَع كلام المتقدمين ورتَّبه ولم يزِد فيه شيئا من عند نفسه.

ويقول إن المنزلة التي نالها ابن سينا والمرتبة التي وصل إليها هي من إكبابه على كتب المتقدمين فلمَ لا تنالون من نفس المورد الذي ورده وتكرعون من البحر الذي كرع ! ويتعجَّب من الدارسين للفلسفة كيف أن الواحد منهم يعيش خمسين سنة يُعلِّم ويتعلَّم ولا تشتاق نفسه إلى أن يَطِّلع على كتب أرسطوطاليس وهو مع ذلك يسمع من يحكي عنه وينقل من كتبه" إن هذه لغفلةٌ وعدم توفيق وقلةُ همة"، ولم أرَه يوقِّر أحدا من المتأخرين إلا الفارابي، فهو عنده أفضل المتأخرين.

وآراؤه في علماء عصره تقريبا على هذا النحو، ويظهر منها اعتداده الكبير بنفسه وثقته الكبيرة في فهمه، وإني وإن كنت لا أحب هذه النفسيات العيَّابة ولا أرى الطعن في أرباب الصناعات فإنك لا تعدم منهم تنبيهات مفيدة جدا وانتباهات ذكية للغاية وفوائد، وبعْثا وحثًّا على النظر والتأمل وتحريكا للمياه الراكدة.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
على لسان الشيخ راشد، رئيس طائفة الحَشّاشين الباطنية:

تريد أن تسأل: ماذا أريد، وعَمَّ أبحَث!!

ما أريد أجَلُّ مِن أن يُسَمَّى، يعرفه الذوق وتُخفِيه العبارة، فاللغةُ حَجَّابة، ومَن يستطيع أن يَجمع البحر في قدَح، والريحَ في زُجاجة، والكونَ في عباءة! أريد ما لا يَحضُر إلا حين تغيب، وما لا يَثبُت إلا حين تَنْمحِي، وما لا يَظهر إلا حين تختفي ، أريد أن أَستحْضِر في الحياة ما لا يُدرَك إلا بالموت، وفي الزمان ما لا يَتحقَّق إلا بانقضاء الزمان، أريد ما يُوَحِّد بين الكثرة والأضداد، ويَجمع بين الحيّ والجماد، أريد أن أسترجِع الماضي مِمّن خَطَفُوه غَصبا، لِأُعِيدَ صوغَه على المثال القديم، فأتحرَّرَ من عِبئه القديم، وإرثِه الثقيل الأليم، أريد أن أستَعِير المستقبلَ من المستقبل، فأتحرَّر من حُكمه، وأجعلَه في حكمي، عندها يصبح الحاضر الذي أريد حاضرا على الحقيقة، ثابتا لا يتغيّر، دائرةً أوَّلها آخرها، أما الآن فليس الحاضر إلا حَدًّا مُتوهَّما بين ماضٍ لم نكن فيه، ومستقبلٍ لا نَقطُنه، خلاصةُ القول يا شهاب الدين أنني أريد الفردوس الموعود الآن، وهنا ..

في آخر المشهد قال له: فهل تفهم قولي يا شهاب الدين!!

قال : لا . 🤣
وإياك أن تستهين بشيء من العلوم، تقليدًا لِما سمعتَه من جهلة أسلافك من الطعن فيه؛ بل يجب أن تَجعل لكلِّ علمٍ حظَّه الذي يستحقُّه، ومنزله الذي يستوجبه، وتشكُر مَن هداك إلى فهمه وصار سببًا لعلمه.

فقد حُكي عن بعض الفضلاء أنه قال: يجب أن نشكر العلماء الذين جاءوا بالشكوك؛ إذ كانوا أسبابا في تحريك خواطرنا للنظر في العلم، فضلا عن شُكرنا مَن أفادنا طرَفا من العلم.

ولولا مكانُ فِكر مَن تقدَّمَنا لأصبح المتأخرون حيارى قاصرين عن مصالح دنياهم فضلا عن مصالح آخرتهم.

فمن تأمَّل حكمةَ الله في أقلّ شيء يستعمله الناس أكثرَ من تعظيم الله وشكره، ويقول" سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنا له مُقرنين".

- طاشْكُبْري زَادَهْ ت968 هـ -
" وكثير من الناس: إذا عَلِمَ مِنَ الرجُل ما يُحبه؛ أحَبَّ الرجل مطلقًا، وأعرض عن سيئاته.

وإذا علم منه ما يُبغضه، أبغضه مُطلقًا، وأعرض عن حسناته.

وهذا من أقوال أهل البدع والخوارج والمعتزلة والمرجئة.

وأهلُ السنة والجماعة يقولون ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وهو أنَّ المؤمنَ يستحقُّ وَعْدَ الله وفضله والثوابَ على حسناته، ويستحق العقاب على سيئاته.

وأنَّ الشخصَ الواحد يَجتمع فيه ما يثاب عليه، وما يعاقب عليه، وما يُحمد عليه، وما يُذَمُّ عليه، وما يُحَب منه، وما يُبغَض منه، فهذا وهذا".

- ابن تيمية رحمه الله-

كلمات واضحة وسهلة ومنصفة، بعيدا عن العقول الصبيانية والروائح الطائفية المتعصبة التي تُزكم الأنوف.
القياس في العلاقات الزوجية والاجتماعية بشكل عام لا يصح بل هو مُضرّ جدا؛ لأن كل حالة زواج هي حالة خاصة جدا، قد لا تتكرر، ولا يمكن القياس عليها لا في محاسنها ومزاياها ولا في مشاكلها وعقباتها، فما تَعيشه أنت قد لا يعيشه غيرك، وما تُجرِّبه أنت قد لا يَمُرّ به أحدٌ غيرك، وما تُحبّه أو تُبغضه في صورةِ حياتِك ونمط أمورِك العائلية قد لا يناسب آخرين، وكذلك تختلف طبائع النفوس في التكيُّف مع المشكلات الأسرية وفي الإحساس بقوتها وبتأثيرها على النفس تبعا لاختلاف ظروف المعيشة واختلاف البيئة واختلاف طبيعة كل شخص عن الآخر، هي أمور نسبية تختلف درجة الشعور بها من أسرة لأخرى ومن بيت لبيت ومن شخص لشخص.

وبالتالي فالأفضل هو أن يكون التوجيه والإرشاد إلى العمومات الكلية التي لا خلاف عليها والتي لا تتغير بتغيُّر الظروف والشخصيات والبيئات، كأن يقال مثلا : لابد من الاحترام والتعاون بين الطرَفين وأن تكون الثقة متبادلة، والمحبة متوفرة، وأنه لابد من توفير الحماية والأمان والحفاظ على المشاعر وعدم الإهانة والتقصير في الحقوق ونحو ذلك من الأشياء المتفق عليها بهذا العموم، أما تفاصيل هذه الأمور العامة فهي مختلفة بين الناس ولا يكاد يوجد فيها اتفاق على شيء من الجزئيات.

وكذلك أيضا لا يصح تعميم التجارب الشخصية، سواء كانت جيدة أو سيئة، وجعْلها هي المناط في الصحة أو الفساد، لأن النفوس مختلفة في تلقّي هذه الجزئيات وفي الانفعال بها واتخاذ قرارات موحَّدة بشأنها.

جزئيات العلاقات عموما مُعقّدة ومركّبة، يمكننا أن نقول: هي مِثلُ بَصمة اليد، لكلِّ بصمةٍ خصائص وسِمات لا تُشبه خصائص الأخرى وسِماتها.
الإشفاق على الخلق وتحبيب الله إليهم ببيان رحمته وعفوه لا يكون بالكذب على الله ورسوله وتحريف الكلم عن مواضعه، ومخالفة القطعيّ المعلوم من الدين بالضرورة، بل يكون ببذْل الغاية في إرشادهم وهدايتهم وتبصيرهم بالدين الحق كما بلَّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووارثوه من أهل العلم، لا بتحريفه لأجل عيونهم، فإن كان كذلك فهذا شيء آخر غير دين محمد صلى الله عليه وسلم.
تعذيب الكفار في الآخرة ثابتٌ في كل المِلل والنِحل، لا تختصّ به مِلة دون أخرى، وإن اختلفتْ ماهيّته بين الملل تَبعا لاختلاف تصوراتها الدينية.

بل صرًّح العلامة المفتي خاتمة المحققين في الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي- رحمه الله- : أن نفيَ العذاب مطلقا عن كل أحد لم يقل به أحدٌ ممن يؤمن بالله واليوم الآخر، حتى إن المجوس يقولون به، مع أنهم بلغوا في الهذيان أقصاه.

ثم لو كان مجرد الجواز العقلي يقدح في القطعيات السمعية الثابتة بالنصوص الصريحة فلماذا خصَّ هؤلاء المُجوِّزون لعدم وقوع العذاب هذا القدحَ بإدخال الكافرين النار ! فهل يستطيعون القول بأن هذا الجواز نفسه - بناءً على كلامهم - يشمل أيضا جواز إدخال المؤمنين النار، بل احتمالية دخول الأنبياء عليهم السلام النار وتخليدهم فيها، مع استواء الطرفين في التجويز العقلي!

فإن كان منشأ هذا القول بأن رحمته تقتضي عدم تمحُّض الضرر للعبد، فهذا أيضا لا ينفعهم؛ لأن تصوُّر الرحمة بناءً على هذا تقتضي عدم خَلقهم كُفارا وإماتتهم على الكفر من أول الأمر، ولا شك أن هذا تطفُّل على الحكمة الإلهية وتحكُّمٌ على الأقدار.

والزعم بأن آيات العذاب دعائية أو أنها تدل على الاستحقاق لا الوقوع يؤدي إلى العبث بنصوص الوحي وعدم الثقة بشيء منها رأسا، ومثاله في الشاهد أن المَلِك الذي تتقاصر همته عن تطبيق القانون الذي وضعه كان ذلك القانون عبثا، ثم مؤدى هذا أن يكون هذا الكلام القاضي بتعذيب الكافر في النار مجازا، ولا قرينةَ هنا تصرف الكلام عن الظاهر.

وفي الأمثلة الأرضية لابد للملك العادل من صفة القهر، وصفة الرحمة، تتحقق كل منهما عند توفُّر مقتضاها ووجود محلها، فما بالك بأحكم الحاكمين، سبحانه وتعالى !.

وكل هذا مأتاه من عدم توازن الخطاب الديني الذي يجنح دائما في هذه الأعصار إما إلى إفراط وإما إلى تفريط، قال بعض العارفين : مَنْ عَبَدَ اللهَ بِالْحُبِّ وَحْدَهُ فَهُوَ زِنْدِيقٌ ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْخَوْفِ وَحْدَهُ فَهُوَ حروري* ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ فَهُوَ مُرْجِئٌ ، وَمَنْ عَبَدَهُ بِالْحُبِّ وَالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ.

* الحرورية طائفة من الخوارج.
2025/02/24 01:43:46
Back to Top
HTML Embed Code: