Telegram Group Search
عجبا، كيف لمن يعرف أنَّ اختبار الحياة فرديٌّ فلا يُكلَف إلا نفسه، وبحسب الممكن فلا يُكلَف إلا وسعه، أن يصيبه اليأس بعد ذلك؟!
إذا رأيتُ مشهدا من مشاهد آلام المسلمين، أتذكر محمدا ﷺ، وأتذكر أن هذه أمته، أمته التي قضى عمره مجاهدا مضحيا كي تصل لهم رسالته وينضموا لركبه، وأن هؤلاء المكلومون الذين أراهم، هم الذين سيسيرون خلفه ويكونون في زمرته يوم القيامة..
فالشأن اليوم شأنُ غيرةٍ على أمته، وإثباتٍ لمحبته، وانحيازٍ إلى فريقه، وحفظٍ لأمانته وعهده وسعيه، وقومةٍ -آن أوانها- يقومها المرء فلا يقعد منها حتى يلقاه عند حوضه.
{ وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُستَضعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلدَ ٰ⁠نِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخرِجنَا مِن هَـٰذِهِ ٱلقَریَةِ ٱلظَّالِمِ أَهلُهَا وَٱجعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا }

هذه آيةٌ عجيبةٌ والله غاية العجب: رجالٌ مستضعفون، ونساءٌ مستضعفات، وولدان صغار، قد عُذبوا وفُتنوا في دينهم حتى ضاقت بهم السبل، واشتد عليهم الظلم، وقلَّ لهم النصير، يرفعون أيديهم إلى الله عز وجل، ويشكون حالهم إليه، طالبين منه النجاة من القوم الظالمين..

فماذا قال الله عز وجل؟ من العجيب أنه توجه باللوم سبحانه -بعد تلك الدعوات التي رُفعت إليه- إلى المقصرين من المسلمين عن القيام بحق إخوانهم، القاعدين عن نصرتهم، وحمَّلهم مسؤولية رفع الظلم عنهم، وهيجهم إلى ذلك بذكر حال أولئك المستضعفين واستغاثتهم ودعائهم..

فجعل الله سبب إجابة دعاء المستضعفين: رجالا ينهضون لنصرتهم، ولم يجعله صاعقةً تنزل من السماء على ظالميهم، وفي هذا المعنى ما فيه من الفقه بسنن الله، ومن شحذ همم النفوس المؤمنة لتنهض وتسعى وتعمل، وتكون هي الأسباب التي يستعملها الله في تحقق مراده في الأرض، قبل أن يستبدل بها غيرها.
.
هل ينالك العذاب الأليم إذا "عجزت" عن نصرة إخوانك؟

ذكرت الآية شرطا للنجاة من العذاب لمن كانت حاله كذلك من العاجزين، ألا وهو: (إذا نصحوا لله ورسوله).

- يقول السعدي: "فهؤلاء ليس عليهم حَرَجٌ، بشرط أن ينصحوا لله ورسوله؛ بأن يكونوا صادقي الإيمان، وأن يكون من نيَّتهم وعزمهم أنهم لو قدروا لجاهدوا، وأن يفعلوا ما يقدِرون عليه من الحثِّ والترغيب والتَّشجيع على الجهاد."

- ويقول البقاعي: "فإنهم حِينَئِذٍ مُحْسِنُونَ في نُصْحِهِمُ الَّذِي مِنهُ تَحَسُّرُهم عَلى القُعُودِ عَلى هَذا الوَجْهِ وعَزْمُهم عَلى الخُرُوجِ مَتى قَدَرُوا"

ويظهر ذلك الصدق في تلك الدموع التي سجلتها الآية التالية: { تَوَلَّوا۟ وَّأَعیُنُهُمۡ تَفِیضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا یَجِدُوا۟ مَا یُنفِقُونَ }.. فهم لم يفرحوا بسقوط الواجب عنهم، بل تمنوا -بكل صدقٍ- لو تغير ظرفهم واستطاعوا القيام به..

فكم بين عاجزٍ وعاجز!
مالذي يجعل أحدهم وهو مستقرٌ في بيته، آمنٌ بين أهله، لديه كل ما يحتاجه من سبل معيشته ورفاهيته، مالذي يدعوه -رغم كل ذلك- أن يحترق داخله كمدا على حال أناسٍ في أقصى الأرض يدعوهم "إخوانه"، يودُّ لو يفديهم بنفسه وماله!

ألا ما أعظم هذا الدين، وما أشرف معانيه التي ترفع العبد من ضيق الأرض إلى سعة السماء.
وأنت تقرأ الآيات لا أريدك أن تتعامل مع السورة بطريقة؛ البحث عن موضوع السورة، وجماليات السورة..
ولكن قبل ذلك أريدك أن تبصر الرحلة التي أخذتك إليها السورة؛ ما الذي غيرته فيك؟

فهذه السور آيات وعلامات تقودك لتغيير وجهتك للوجهة الحقيقية، لتعيش في عالم مطرد متناسق مع عالم الغيب فلا تحس بالتناقضات..

د. أحمد عَبدالمُنعـم | منارات الدين |اقتباسات بتصرف
أما وقد تحدثنا كثيرا عن القرآن.. فمتى سنقرؤه بحق؟!

ألم يحن الوقت لنكون من أولئك الذين يقضون الأوقات الطوال بين يدي كتاب ربهم، لا يقطعهم عنه قاطع، يتلونه ويأنسون به، يستبشرون ببشرياته، ويتعظون بمواعظه، لا يقومون من مجلسه إلا وقد ازدادوا يقينا بحقائقه، وتصديقا بوعوده، وخرجوا منه بغير القلب الذي دخلوا به..

ألم يأن لهذه القلوب المؤمنة أن تخشع حقا لذكر الله وما نزل من الحق؟!
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
الحمدلله الذي جعلنا نعيش يوما كيوم الأحزاب، لا نرى فيه الفرج والنجاة ممن تكالبوا علينا إلا بحسن الظن به والتصديق بوعده واليقين بنصره.
يفسر بعض المفسرين لفظ "المُلك" في القرآن عندما يكون في حق الله: بالتصرف والتدبير، وهذا يفتح بابا للتدبر، فالملك لا يعني الملكية فحسب، بل لله -كذلك- التدبير والتصرف "الكامل" في ملكه الذي يملكه، وليس ذاك لملوك الأرض، الذين قد يكونون ملوكا بالاسم ثم لا يملكون -في الحقيقة- كل ما يكون داخل ممالكهم، ولو ملكوه لا يكون لهم حق التصرف الكامل في كل أجزائه، ولو ملكوا حق التصرف ما استطاعوا أن يفعلوا كل ما أرادوه لنقص القدرات والموارد والمعلومات.

أما مُلك الله عز وجل للسموات والأرض، فلا يشبه مُلك البشر في شيء، ففيه ملكيته لكل ما فيهما، والتصرف الكامل والتدبير فيهما دون أن يغالبه أحد، وعلمه التام بكل ذرةٍ تحويهما، ثم القدرة الكاملة على كل شيء أراده فيهما، ولذلك فإن ذِكر المُلك في القرآن يأتي بعده كثيرا ذِكر القدرة المطلقة لله الملك عز وجل، فتأمل.

(قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلۡمُلكِ تُؤۡتِی ٱلمُلكَ مَن تَشَاۤءُ وَتَنزِعُ ٱلمُلكَ مِمَّن تَشَاۤءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاۤءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاۤءُۖ بِیَدِكَ ٱلۡخَیرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ)
[سورة آل عمران 26]

(وَلِلَّهِ مُلكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ)
[سورة آل عمران 189]

(وَلِلَّهِ مُلكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلأَرۡضِ وَمَا بَینَهُمَاۚ یَخلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ)
[سورة المائدة 17]

(أَلَمۡ تَعلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُۥ مُلكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلأَرۡضِ یُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُ وَیَغفِرُ لِمَن یَشَاۤءُۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ)
[سورة المائدة 40]

(لِلَّهِ مُلكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا فِیهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرُۢ)
[سورة المائدة 120]

(لَهُۥ مُلكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ)
[سورة الحديد 2]

(یُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلأَرۡضِۖ لَهُ ٱلۡمُلكُ وَلَهُ ٱلحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ)
[سورة التغابن 1]

(تَبَـٰرَكَ ٱلَّذِی بِیَدِهِ ٱلمُلكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ)
[سورة الملك 1]

فسبحان الملك الحق، القادر المتصرف في ملكه كيف يشاء!
إذا وُفِقت كلما سمعت كلمة "الله" أن تتذكر تألهك لربك، وأنه يقتضي غاية "المحبة" وغاية "التعظيم" فيمتلأ صدرك بهما... فقد حصلت حظا وافرا من العلم، وتذوقت شيئا مما ذاقه الذين إذا ذُكر "الله" وجلت قلوبهم.
تعظيم الله باعثٌ على السعي لإعلاء كلمته ولا بد.
ومحبته باعثةٌ على التضحية في سبيله، والغيرة على حرماته، ولابد.
والولاء للمؤمنين باعثٌ على نصرتهم ولا بد.

فلا تبحث عن أكمل الناس عقيدةً بعيدا عن ساحات النصرة والمدافعة والعمل!
من أحب الآيات إليَّ في سورة الفاتحة، قوله تعالى حامدا نفسه بأنه { الرحمن الرحيم }.

كم أجد من السعة في هذه الآية! ويكأنها بحرٌ لا ساحل له من المعاني والمتعلقات والشواهد المنطوية تحتها.

فإذا قلت كلمة { الرحمن } طار القلب عاليا إلى الملكوت الأعلى، وكأنه يرى الرحمن -في عليائه- على العرش استوى، يقول (أنا الرحمن)، وعنده كتاب فوق العرش قد كتب فيه (إن رحمتى سبقت غضبي)، فكم يعرّفك هذا الاسم بالله الذي هذه صفته، وكم تحبه وتحمده وتتعلق به عند التأمل في حسنها وجمالها وعظمتها.

ثم إذا قلت كلمة { الرحيم } نزل قلبك إلى مسرح الكون، وشاهد آثار صفة الرحمة في الخلق، وعلم حقا أن رحمة الله وسعت كل شيء، فلا يرى شيئا تقع عليه عينه، ولا تفكرَ في شأنٍ من شؤون الخلق والأمر، والتكليف والتقدير، إلا رأى آثار رحمة الله بادية فيها.

فانظر لسعة هذه الآية التي لا تفارقك متعلقاتها كل لحظة، في كل شيئا تراه، وفي كل شيء تفكر به، وتفتح لك أبوابا من العلم بالله وحمده والثناء عليه، ولا عجب أن تعلقت هذه الآية بالحمد في أول السورة.
العاملون للدين في هذا الزمن الصعب يجب أن يمتلؤوا باليقين، ذلك اليقين الذي يجعلهم يرون النور خلف كل تلك الحجب، ويصدقون بوعد الله في أحلك الظروف، ويبصرون ظهور الدين القادم كأنهم رأي عين..

ولا شيء يصل بهم إلى ذلك اليقين كمثل جرعةٍ يوميةٍ مكثفةٍ من كتاب الله، قراءةٌ طويلةٌ متأنيةٌ واعية، فيها تذكرٌ واعتبار، وخوفٌ واستبشار، قراءةٌ مختلطةٌ بالدموع، ومحركةٌ للنهوض، وكاشفةٌ للطريق!
وصلتُ اليوم وأنا أقرأ وردي إلى هذه الآية التي جاءت في حق أهل النار: ﴿ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ﴾
ولا أدري لم توقفت عندها هذه المرة، فكم أثر في نفسي معنى "الاستعتاب" أو طلب العتبى، الذي يرفعه أهل النار إلى ربهم، ملتمسين أن يزيل سخطه عنهم، وأن يحل محله رضاه عنهم..
يا الله! قد علموا في تلك اللحظة أن الله هو الله، وأن رضاه أعظم الغايات، وسخطه أعظم العقوبات، علموا أنه إذا رضي سبحانه عن العبد وقرَّبه فأي نعيمٍ يناله..
"رضا الله" ما أعذبه من معنى، وما أشرفه من مطلوب، قد علموا كل ذلك الآن، وتكشفت لهم الحقائق، لكن المصيبة كل المصيبة حينئذٍ أنه لن تُتاح لهم الفرصة، ولن يُفتح لهم باب التقرب من القريب الودود، وسيُقال في حقهم إذا استعتبوا: (وما هم من المعتبين)، والله أحسب أن هذه الكلمة من أشد العذاب عليهم في ذلك اليوم، أجارنا الله، ووفقنا لصرف العمر تقربا إليه وطلبا لرضاه، فالفرصة لا زالت متاحة، وها نحن نُدعى إلى السجود والاقتراب، ولا زلنا سالمين يمكننا فعل ذلك.
Forwarded from || غيث الوحي ||
{ كُلُّ نَفْسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوْت
وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمۡ یَوْمَ القِیَـٰمَة
فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلجَنَّةَ فَقَدْ فَاز
وَمَا الحَیَوٰةُ ٱلدُّنْیَاۤ إِلَّا مَتَـٰعُ الغُرُور
}


ألا ما أعظمَ هذه الآية.. وما أشدَّ سلطانها على القلب..

كلماتٌ إذا قرأتها تجد فيها من عزة المتكلم بها -سبحانه- وعلوّه، وتمام علمه وحكمته، ما لا تجده -والله- في كلام أحدٍ من البشر.

كلماتٌ قلائل، لكنها جامعةٌ للحقائق الكبرى المتعلقة بوجود الإنسان ومصيره:
حقيقة الموت وحتميته..
حقيقة الحياة وزينتها..
حقيقة الفوز وطبيعته..
حقيقة الجزاء وموعده..

هذه الآية منهج حياة، ودستورٌ يستحق أن يُكتب، ويُبرز في كل مكان، ويُستحضر في كل حين..
في جلسةٍ إيمانيةٍ لطيفة مع بعض الأحبة كنا نتحدث حول تلك اللحظة العجيبة في حياة الإنسان، التي يكون فيها مستغرقا في معصية الله منشغلا بها، ثم في لحظةٍ مفاجئةٍ ودون مقدماتٍ ينتابه خاطرٌ في قلبه يذكّره بالرجوع إلى ربه والإقلاع عن الذنب، فكنا أثناء حديثنا نتعجب من رحمة الله بالعاصي إذ يمنُّ عليه بقذف ذلك الخاطر في نفسه رغم أنه يبارزه بالمعصية في الوقت ذاته، فما أوسع رحمته سبحانه، وكنا مع ذلك نتساءل عن ذلك الخاطر، كيف جاء؟ ومالشرارة التي أشعلت فتيله حتى وُجد في نفس العبد؟

حتى وقعتُ بعد ذلك على عبارةٍ للأُقْلِيشيُّ يتحدث فيها عن التوبة، يقول: "سَمَّى الله سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ تَوَّابًا؛ لِأَنَّهُ خَالِقُ التَّوْبَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَمُيَسِّرُ أَسْبَابَهَا لَهُم، وَالرَّاجِعُ بِهِم مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي يَكْرَهُ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي يَرْضَى".

فسبحان خالق الأشياء من العدم، وكم فتح لي هذا المعنى من التأمل في اسم الله الخالق، وسعة النظر إليه، ومحبته.
.
فلا تحسبن.. الله لا يخبرنا بالوعد فحسب، بل يريدنا نحن ألا نحسب تخلفه أو نشك في تحققه، يريدنا نحن أن نتعبده في هذه الأزمات، يريد منا تحت وطأة الشدائد أن نوقن به، ونصدق وعده، ونحسن الظن به، يريد منا أن يكون تصديقنا بأنه صادق الوعد، وأنه (عزيز ذو انتقام)، أكبر من تصديقنا بميزان القوى المادية فحسب، وذلك هو اختبار الإيمان بالغيب.
2024/11/15 11:56:55
Back to Top
HTML Embed Code: