Telegram Group Search
Forwarded from تَوَهُّجَات
وأيُّ خيانةٍ أعظمُ مِمَّن لبَّسَ على المسلمينَ، وأكلَ الدُّنيا بالدين، وأظهرَ للنَّاس أنه على طريقةِ الصدِّيقين، وهو في الباطن حريصٌ على صحبة الملوكِ والسلاطين.

~الإمام فخر الدين الرّازي
﴿لَّیۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ [ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ] وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَٱلسَّاۤىِٕلِینَ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ۖ وَٱلصَّـٰبِرِینَ فِی ٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَحِینَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ﴾

السُّؤالُ: لِمَ خُصَّ الإيمانُ بِهَذِهِ الأُمُورِ الخَمْسَةِ ؟

الجَوابُ: لِأنَّهُ دَخَلَ تَحْتَها كُلُّ ما يَلْزَمُ أنْ نُصَدِّقَ بِهِ، فَقَدْ دَخَلَ تَحْتَ الإيمانِ بِاللَّهِ: مَعْرِفَتُهُ بِتَوْحِيدِهِ وعَدْلِهِ وحِكْمَتِهِ، ودَخَلَ تَحْتَ اليَوْمِ الآخِرِ: المَعْرِفَةُ بِما يَلْزَمُ مِن أحْكامِ الثَّوابِ والعِقابِ والمَعادِ، إلى سائِرِ ما يَتَّصِلُ بِذَلِكَ، ودَخَلَ تَحْتَ المَلائِكَةِ ما يَتَّصِلُ بِأدائِهِمُ الرِّسالَةَ إلى النَّبِيِّ ﷺ لِيُؤَدِّيَها إلَيْنا إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَجِبُ أنْ يُعْلَمَ مِن أحْوالِ المَلائِكَةِ، ودَخَلَ تَحْتَ الكِتابِ القُرْآنُ، وجَمِيعُ ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى أنْبِيائِهِ، ودَخَلَ تَحْتَ النَّبِيِّينَ الإيمانُ بِنُبُوَّتِهِمْ، وصِحَّةِ شَرائِعِهِمْ، فَثَبَتَ أنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِمّا يَجِبُ الإيمانُ بِهِ إلّا دَخَلَ تَحْتَ هَذِهِ الآيَةِ.

وتَقْرِيرٌ آخَرُ: وهو أنَّ لِلْمُكَلَّفِ مَبْدَأً ووَسَطًا ونِهايَةً، ومَعْرِفَةُ المَبْدَأِ والمُنْتَهى هو المَقْصُودُ بِالذّاتِ، وهُوَ المُرادُ بِالإيمانِ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ، وأمّا مَعْرِفَةُ مَصالِحِ الوَسَطِ فَلا تَتِمُّ إلّا بِالرِّسالَةِ وهي لا تَتِمُّ إلّا بِأُمُورٍ ثَلاثَةٍ: المَلائِكَةِ الآتِينَ بِالوَحْيِ، ونَفْسِ ذَلِكَ الوَحْيِ وهو الكِتابُ، والمُوحى إلَيْهِ وهو الرَّسُولُ.

#سؤال_وجوابه
﴿لَّیۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَٱلسَّاۤىِٕلِینَ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ۖ وَٱلصَّـٰبِرِینَ فِی ٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَحِینَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ﴾

السُّؤالُ: لِمَ قُدِّمَ هَذا الإيمانُ عَلى أفْعالِ الجَوارِحِ، وهو إيتاءُ المالِ، والصَّلاةُ، والزَّكاةُ.

الجَوابُ: لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ أعْمالَ القُلُوبِ أشْرَفُ عِنْدَ اللَّهِ مِن أعْمالِ الجَوارِحِ.

#سؤال_وجوابه
﴿لَّیۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ وَٱلۡكِتَـٰبِ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَٱلسَّاۤىِٕلِینَ وَفِی ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَـٰهَدُوا۟ۖ وَٱلصَّـٰبِرِینَ فِی ٱلۡبَأۡسَاۤءِ وَٱلضَّرَّاۤءِ وَحِینَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ﴾

السُّؤالُ: إنَّهُ لا طَرِيقَ لَنا إلى العِلْمِ بِوُجُودِ المَلائِكَةِ ولا إلى العِلْمِ بِصِدْقِ الكُتُبِ إلّا بِواسِطَةِ صِدْقِ الرُّسُلِ، فَإذا كانَ قَوْلُ الرُّسُلِ كالأصْلِ في مَعْرِفَةِ المَلائِكَةِ والكُتُبِ فَلِمَ قَدَّمَ المَلائِكَةَ والكُتُبَ في الذِّكْرِ عَلى الرُّسُلِ ؟

الجَوابُ: أنَّ الأمْرَ وإنْ كانَ كَما ذَكَرْتُمُوهُ في عُقُولِنا وأفْكارِنا، إلّا أنَّ تَرْتِيبَ الوُجُودِ عَلى العَكْسِ مِن ذَلِكَ؛ لِأنَّ المَلَكَ يُوجَدُ أوَّلًا، ثُمَّ يَحْصُلُ بِواسِطَةِ تَبْلِيغِهِ نُزُولُ الكُتُبِ، ثُمَّ يَصِلُ ذَلِكَ الكِتابُ إلى الرَّسُولِ، فالمُراعى في هَذِهِ الآيَةِ تَرْتِيبُ الوُجُودِ الخارِجِيِّ، لا تَرْتِيبُ الِاعْتِبارِ الذِّهْنِيِّ.

#سؤال_وجوابه
﴿ولَيُبَدِّلَنَّهم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْنًا﴾

وتَنْكِيرُ (أمْنًا) لِلتَّعْظِيمِ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ مُبْدَلًا مِن بَعْدِ خَوْفِهِمِ المَعْرُوفِ بِالشِّدَّةِ. والمَقْصُودُ: الأمْنُ مِن أعْدائِهِمُ المُشْرِكِينَ والمُنافِقِينَ. وفِيهِ بِشارَةٌ بِأنَّ اللَّهَ مُزِيلٌ الشِّرْكَ والنِّفاقَ مِنَ الأُمَّةِ. ولَيْسَ هَذا الوَعْدُ بِمُقْتَضٍ أنْ لا تَحْدُثَ حَوادِثُ خَوْفٍ في الأُمَّةِ في بَعْضِ الأقْطارِ كالخَوْفِ الَّذِي اعْتَرى أهْلَ المَدِينَةِ مِن ثَوْرَةِ أهْلِ مِصْرَ الَّذِينَ قادَهُمُ الضّالُّ مالِكٌ الأشْتَرُ النَّخَعِيُّ، ومِثْلِ الخَوْفِ الَّذِي حَدَثَ في المَدِينَةِ يَوْمَ الحَرَّةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الحَوادِثِ، وإنَّما كانَتْ تِلْكَ مُسَبَّباتٍ عَنْ أسْبابٍ بَشَرِيَّةٍ وإلى اللَّهِ إيابُهم وعَلى اللَّهِ حِسابُهم.

#التحرير_والتنوير
اللهم صلّ وسلّم على نبيّنا محمد وآله.
من جعل نفسه شيخا لطائفة فهو في الحقيقة صار كالعبد القن لكل واحد منهم ، لا يلتذ إلا بالإقبال عليهم ، ولا يغتم إلا بإعراضهم وأما أولئك المريدون فإن كل واحد منهم ليس إلا في قيد ذلك الرجل الواحد ، فهذا المريد ليس إلا عبدا لرجل وأما ذاك المراد فهو عبد لكل واحد من أولئك المريدين ، فهكذا صاحب الجاه حاول ملك القلوب وهو في الحقيقة بلغ في المملوكية إلى أقصى الغايات وفي العبودية إلى أبلغ النهايات.

الفخر الرازي.
﴿وإنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ﴾

والعزيزُ له معنيان:

أحدُهما: الغالبُ القاهِر.

والثاني: الذي لا يوجدُ نظيرُهُ.

أمّا كون القرآنِ عزِيزًا بمعنى كونهِ غالِبًا، فالأمْرُ كذلكَ؛ لأنَّهُ بِقُوَّةِ حُجَّتِهِ غَلَبَ عَلى كُلِّ ما سِواهُ.

وأمّا كونهُ عَزِيزًا بِمَعْنى عَدِيمِ النَّظِيرِ، فالأمْرُ كَذَلِكَ؛ لِأنَّ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ عَجَزُوا عَنْ مُعارَضَتِهِ.

[تفسير مفاتيح الغيب|| للإمام فخر الدين الرّازي -رحمه الله-].
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿تَنْزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ أيْ حَكِيمٍ في جَمِيعِ أحْوالِهِ وأفْعالِهِ، حَمِيدٌ إلى جَمِيعِ خَلْقِهِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ نِعَمِهِ، ولِهَذا السَّبَبِ جَعَلَ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾ فاتِحَةَ كَلامِهِ، وأخْبَرَ أنَّ خاتِمَةَ كَلامِ أهْلِ الجَنَّةِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ﴾.

[تفسير مفاتيح الغيب|| للإمام فخر الدين الرّازي -رحمه الله-].
﴿وقل رب أعوذ بك من همز ٰ⁠ت ٱلشیـٰطین وأعوذ بك رب أن یحضرون حتىٰ إذا جاء أحدهم ٱلموت قال رب ٱرجعون لعلی أعمل صـٰلحا فیما تركت كلا إنها كلمة هو قاىٕلها ومن وراىٕهم برزخ إلىٰ یوم یبعثون﴾

اعلم أنه سبحانه لما أدب رسوله بقوله: ﴿ادفع بالتي هي أحسن السيئة﴾ أتبعه بما به يقوى على ذلك، وهو الاستعاذة بالله من أمرين:

أحدهما: من همزات الشياطين، والهمزات جمع الهمزة، وهو الدفع والتحريك الشديد، وهو كالهز والأز، ومنه مهماز الرائض، وهمزاته هو كيده بالوسوسة، ويكون ذلك منه في الرسول بوجهين:

أحدهما: بالوسوسة.
والآخر بأن يبعث أعداءه على إيذائه، وكذلك القول في المؤمنين؛ لأن الشيطان يكيدهم بهذين الوجهين.

ومعلوم أن من ينقطع إلى الله تعالى ويسأله أن يعيذه من الشيطان، فإنه يجب أن يكون متذكرا متيقظا فيما يأتي ويذر، فيكون نفس هذا الانقطاع إلى الله تعالى داعية إلى التمسك بالطاعة وزاجرا عن المعصية، قال الحسن: «كان عليه السلام يقول بعد استفتاح الصلاة: لا إله إلا الله. ثلاثا، الله أكبر. ثلاثا، اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين همزه ونفثه ونفخه، فقيل: يا رسول الله وما همزه؟ قال: الموتة التي تأخذ ابن آدم -أي: الجنون الذي يأخذ ابن آدم- قيل: فما نفثه؟ قال: الشعر. قيل: فما نفخه؟ قال: الكبر».

وثانيها: قوله: ﴿وأعوذ بك رب أن يحضرون﴾ وفيه وجهان:

أحدهما: أن يحضرون عند قراءة القرآن؛ لكي يكون متذكرا فيقل سهوه.

وقال آخرون: بل استعاذ بالله من نفس حضورهم؛ لأنه الداعي إلى وسوستهم، كما يقول المرء: أعوذ بالله من خصومتك، بل أعوذ بالله من لقائك، وروي عن رسول الله ﷺ، وقد «اشتكى إليه رجل أرقا يجده فقال: إذا أردت النوم فقل: أعوذ بالله وبكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون».


أما قوله: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت﴾ ففيه مسائل:

المسألة الأولى: قال صاحب الكشاف (حتى) متعلق بـ (يصفون) أي: لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض، والتأكيد للإغضاء عنهم مستعينا بالله على الشيطان أن يستزله عن الحلم. والله أعلم.

المسألة الثانية: اختلفوا في قوله: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت﴾ فالأكثرون على أنه راجع إلى الكفار، وقال الضحاك: كنت جالسا عند ابن عباس، فقال: من لم يزك ولم يحج سأل الرجعة عند الموت، فقال واحد: إنما يسأل ذلك الكفار، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا أقرأ عليك به قرآنا ﴿وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق﴾ [المنافقون: ١٠] قال رسول الله ﷺ: «إذا حضر الإنسان الموت جمع كل شيء كان يمنعه من حقه بين يديه، فعنده يقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت». والأقرب هو الأول، إذا عرف المؤمن منزلته في الجنة، فإذا شاهدها لا يتمنى أكثر منها، ولولا ذلك لكان أدونهم ثوابا يغتم بفقد ما يفقد من منزلة غيره، وأما ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من قوله: ﴿وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت﴾ فهو إخبار عن حال الحياة في الدنيا لا عن حال الثواب، فلا يلزم على ما ذكرنا.

المسألة الثالثة: اختلفوا في وقت مسألة الرجعة فالأكثرون على أنه يسأل في حال المعاينة؛ لأنه عندها يضطر إلى معرفة الله تعالى وإلى أنه كان عاصيا، ويصير ملجأ إلى أنه لا يفعل القبيح بأن يعلمه الله تعالى أنه لو رامه لمنع منه، ومن هذا حاله يصير كالممنوع من القبائح بهذا الإلجاء، فعند ذلك يسأل الرجعة، ويقول: ﴿رب ارجعون﴾ ﴿لعلي أعمل صالحا فيما تركت﴾ وقال آخرون: بل يقول ذلك عند معاينة النار في الآخرة، ولعل هذا القائل إنما ترك ظاهر هذه الآية لما أخبر الله تعالى في كتابه عن أهل النار في الآخرة أنهم يسألون الرجعة، لكن ذلك مما لا يمنع أن يكونوا سائلين الرجعة في حال المعاينة، والله تعالى يقول: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون﴾ فعلق قولهم هذا بحال حضور الموت، وهو حال المعاينة، فلا وجه لترك هذا الظاهر.

المسألة الرابعة: اختلفوا في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ارجعون﴾ من المراد به؟ فقال بعضهم: الملائكة الذين يقبضون الأرواح وهم جماعة، فلذلك ذكره بلفظ الجمع، وقال آخرون: بل المراد هو الله تعالى؛ لأن قوله: (رب) بمنزلة أن يقول: يا رب، وإنما ذكر بلفظ الجمع للتعظيم كما يخاطب العظيم بلفظه فيقول: فعلنا وصنعنا، وقال الشاعر:

فإن شئت حرمت النساء سواكم

ومن يقول بالأول يجعل ذكر الرب للقسم، فكأنه عند المعاينة قال: بحق الرب ارجعون.

وهاهنا سؤالات:

السؤال الأول: كيف يسألون الرجعة وقد علموا صحة الدين بالضرورة، ومن الدين أن لا رجعة؟ الجواب: أنه وإن كان كذلك فلا يمتنع أن يسألوه؛ لأن الاستعانة بهذا الجنس من المسألة تحسن وإن علم أنه لا يقع، فأما إرادته للرجعة فلا يمتنع أيضا على سبيل ما يفعله المتمني.

السؤال الثاني: ما معنى قوله: ﴿لعلي أعمل صالحا﴾ أفيجوز أن يسأل الرجعة مع الشك؟
الجواب: ليس المراد بـ (لعل) الشك؛ فإنه في هذا الوقت باذل للجهد في العزم على الطاعة، إن أعطي ما سأل، بل هو مثل من قصر في حق نفسه وعرف سوء عاقبة ذلك التقصير فيقول: مكنوني من التدارك لعلي أتدارك، فيقول هذه الكلمة مع كونه جازما بأنه سيتدارك، ويحتمل أيضا أن الأمر المستقبل إذا لم يعرفوه أوردوا الكلام الموضوع للترجي والظن دون اليقين، فقد قال تعالى: ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه﴾ [الأنعام: ٢٨].

السؤال الثالث: ما المراد بقوله: (فيما تركت )؟

الجواب: قال بعضهم: فيما خلفت من المال؛ ليصير عند الرجعة مؤديا لحق الله تعالى منه، والمعقول من قوله: ﴿تركت﴾ التركة. وقال آخرون: بل المراد أعمل صالحا فيما قصرت فيدخل فيه العبادات البدنية والمالية والحقوق، وهذا أقرب، كأنهم تمنوا الرجعة ليصلحوا ما أفسدوه، ويطيعوا في كل ما عصوا.

السؤال الرابع: ما المراد بقوله: (كلا )؟

الجواب: فيه قولان:

أحدهما: أنه كالجواب لهم في المنع مما طلبوا، كما يقال لطالب الأمر المستبعد: هيهات، روي أنه عليه السلام قال لعائشة رضي الله عنها: «إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى دار الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان؟ لا بل قدوما على الله، وأما الكافر فيقال له: نرجعك؟ فيقول: ارجعون. فيقال له: إلى أي شيء ترغب؛ إلى جمع المال أو غرس الغراس أو بناء البنيان أو شق الأنهار؟ فيقول: لعلي أعمل صالحا فيما تركت، فيقول الجبار: كلا»

الثاني: يحتمل أن يكون على وجه الإخبار بأنهم يقولون ذلك، وأن هذا الخبر حق، فكأنه قال: حقا إنها كلمة هو قائلها، والأقرب الأول.

أما قوله: ﴿إنها كلمة هو قائلها﴾ ففيه وجهان:

الأول: أنه لا يخليها ولا يسكت عنها؛ لاستيلاء الحسرة عليه.

الثاني: أنه قائلها وحده ولا يجاب إليها ولا يسمع منه.أما قوله تعالى: ﴿ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون﴾ فالبرزخ هو الحاجز والمانع، كقوله في البحرين ﴿بينهما برزخ لا يبغيان﴾ [الرحمن: ٢٠] أي: فهؤلاء صائرون إلى حالة مانعة من التلافي حاجزة عن الاجتماع وذلك هو الموت، وليس المعنى أنهم يرجعون يوم البعث، إنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة.

[تفسير مفاتيح الغيب|| للإمام فخر الدين الرّازي -رحمه الله-].
﴿فإذا نفخ في الصور﴾

الصور = آلة إذا نفخ فيها يظهر صوت عظيم، جعله الله تعالى علامة لخراب الدنيا ولإعادة الأموات.

[تفسير مفاتيح الغيب|| للإمام فخر الدين الرّازي -رحمه الله-].
"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ":

فإن قيل : ما الفرق بين الفَظّ وبين غليظ القلب ؟

قلنا : الفَظُّ هو الذي يكون سيّئ الخُلق، وغليظ القلب هو الذي لا يتأثر قلبُه لشيء، فقد لا يكون الإنسان سيئ الخُلق ولا يؤذي أحدا من الناس، ولكنه مع ذلك لا يرِقُّ لهم ولا يرحمهم ولا يتعاطف معهم، فظهر الفرق من هذا الوجه، وجُمع له صلى الله عليه وسلم بين الفضيلتين: حُسن الخُلق، والرحمة.

- الإمام الرازي، بتصرف-
وطعن بعض الملحدة فقال: قوله: ﴿ولا يتساءلون﴾ وقوله: ﴿ولا يسأل حميم حميما﴾ يناقض قوله: ﴿وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون﴾ وقوله: ﴿يتعارفون بينهم﴾.

والجواب عنه من وجوه:

أحدها: أن يوم القيامة مقداره خمسون ألف سنة ففيه أزمنة وأحوال مختلفة فيتعارفون ويتساءلون في بعضها، ويتحيرون في بعضها لشدة الفزع.

وثانيها: أنه إذا نفخ في الصور نفخة واحدة شغلوا بأنفسهم عن التساؤل، فإذا نفخ فيه أخرى أقبل بعضهم على بعض وقالوا: ﴿ياويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن﴾ [يس: ٥٢].

وثالثها: المراد: لا يتساءلون بحقوق النسب.

ورابعها: أن قوله: ﴿لا يتساءلون﴾ صفة للكفار وذلك لشدة خوفهم.

[تفسير مفاتيح الغيب|| للإمام فخر الدين الرّازي -رحمه الله-].
إذا أُشكل عليكَ الأمر، ولم تَفرُق بینَ الصالحِ والمنافقِ فقمْ مِن اللیلِ وصلِّ ركعتينِ ثمّ قلْ: یا ربِّ دلني على الصالحينَ من خلقك، دلني على من يدلني عليكَ، ويطعمني من طعامِك، ويسقيني من شرابِك، ویكحل عین قربي بنور قربك، و يخبرني بما رأى عياناً لا تقليداً.

الشيخ عبد القادر الجيلاني.
وبالقرآن يَزولُ كل شك عن القلب.

[الفخر الرّازي].
يقول الصفدي صاحب كتاب الوافي والوافيات تـ764هـ عن فخر الملة والدين إمامنا الرازي تـ606هـ: اجتمع له خمسة أشياء ما جمعها الله لغيره فيما علمته من أمثاله وهي:

سعة العبارة في القدرة على الكلام.
وصحة الذهن.
والاطلاع الذي ما عليه مزيد.
والحافظة المستوعبة.
والذاكرة التي تعينه على ما يريده في تقرير الأدلة والبراهين.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
التلاوة الخالدة بحق!
تليّن القلب بشكل عجيب غريب!
سبحان الله!
ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ﴾ والمَعْنى أنَّ حُصُولَ الِاجْتِماعِ بَيْنَ يُوسُفَ وبَيْنَ أبِيهِ وإخْوَتِهِ مَعَ الأُلْفَةِ والمَحَبَّةِ وطِيبِ العَيْشِ وفَراغِ البالِ كانَ في غايَةِ البُعْدِ عَنِ العُقُولِ إلّا أنَّهُ تَعالى لَطِيفٌ، فَإذا أرادَ حُصُولَ شَيْءٍ سَهَّلَ أسْبابَهُ فَحَصَلَ وإنْ كانَ في غايَةِ البُعْدِ عَنِ الحُصُولِ.

[تفسير مفاتيح الغيب|| للإمام فخر الدين الرّازي -رحمه الله-].
الأجسام في نفسها أخس أقسام الموجودات.

[أبو حامد الغزّالي|| مشكاة الأنوار].
2024/09/21 14:31:35
Back to Top
HTML Embed Code: