Telegram Group Search
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الوجه الرابع: زوجات النبي ﷺ كذلك، فلا معنى لقصر الحجاب عليهن دون بقية نساء المؤمنين، ولهذا كان حكم فرض الحِجاب عامًّا لكل مؤمنةٍ، مؤبدًا إلىٰ يوم القيامة، وهو الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم، كما تقدَّم من حجبهم نساءهم رضي الله عنهن. حراسة الفضيلة|صـ29
الوجه الخامس: ومن القرائن الدالة علىٰ عموم حكم فرض الحجاب على نساء المؤمنين: أنَّ الله سبحانه استفتح الآية بقولِهِ: (يا أيُّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتَ النبيِّ إلا أن يؤذن لكم)، وهذا الاستئذان أدبٌ عام لجميع بيوت النبي ﷺ دون بقية بيوت المؤمنين، ولهذا قال ابن كثير رحمه الله، في تفسير (٥٠٥/٣): "حُظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله ﷺ بغير إذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامِهِ -تعالى- هذه الأمة، ولهذا قال رسول الله ﷺ: «إياكم والدخول على النساء» الحديث .." انتهى.
ومن قال بتخصيص فرض الحجاب على أزواج النبي لزمه أن يقول بقصر حكم الاستئذان كذلك، ولا قائل به.

حراسة الفضيلة|صـ30
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الوجه الخامس: ومن القرائن الدالة علىٰ عموم حكم فرض الحجاب على نساء المؤمنين: أنَّ الله سبحانه استفتح الآية بقولِهِ: (يا أيُّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتَ النبيِّ إلا أن يؤذن لكم)، وهذا الاستئذان أدبٌ عام لجميع بيوت النبي ﷺ دون بقية بيوت المؤمنين، ولهذا قال…
الوجه السادس: ومما يفيد أن الآية بعدها: (لا جُناحَ عليهِنَّ في آبائهن)، فإن النفي الجناح استثناء من الأصل العام، وهو فرضُ الحجاب، ودعوىٰ تخصيص الأصل يستلزم تخصيص الفرع، وهو غير مُسَلَّم بها إجماعًا، لما علم من عموم نفي الجناح بخروج المرأة أمام محارمها كالأب غير مححبة الوجه والكفين، أما غير المحارم فواجبٌ على المرأة الاحتجاب عنهم.
قال ابن كثير رحمه الله، في تفسير هذه الآية (٥٠٦/٣): "لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب بيَّن أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم، كما استثناهم في سورة النور عند قوله -تعالى-: (ولا يبدين زينتهُنَّ إلا لبعلوتهن)." انتهى.
وتأتي الآية بتمامِها في الدليل الرابع، وقد سمَّاها ابن العربي رحمه الله: آية الضمائر؛ لأنها أكثر آية في كتاب الله فيها ضمائر.

حراسة الفضيلة|صـ30
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الوجه السادس: ومما يفيد أن الآية بعدها: (لا جُناحَ عليهِنَّ في آبائهن)، فإن النفي الجناح استثناء من الأصل العام، وهو فرضُ الحجاب، ودعوىٰ تخصيص الأصل يستلزم تخصيص الفرع، وهو غير مُسَلَّم بها إجماعًا، لما علم من عموم نفي الجناح بخروج المرأة أمام محارمها كالأب…
الوجه السابع: ومما يفيد العموم ويبطل التخصيص، قوله -تعالىٰ-: (ونساءِ المؤمنينَ) في قولِهِ -تعالىٰ-: (يا أيُّها النبيُّ قل لأزواجِكَ وبناتك ونساءِ المؤمنين يُدنين عليهنَّ من جلابيبِهِنَّ)، وبهذا ظهر عموم فرض الحجاب علىٰ نساء المؤمنين على التأبيد.

حراسة الفضيلة|صـ30
الدليل الثالث: آية الحجاب الثانية آمرة بإدناء الجلابيب على الوجوه:
قال الله -تعالى-: (يا أيُّها النبيُّ قل لأزواجِكَ وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذ ٰلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذيْنَ وكان الله غفورًا رحيمًا).
قال السيوطي رحمه الله: "هذه آية الحجاب في حق سائر النساء، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن" انتهى.
وقد خصَّ الله سبحانه في هذه الآية بالذكر أزواج النبي ﷺ وبناته؛ لشرفهن ولأنهن آكد في حقه من غيرهن لقربهن منه، والله -تعالى- يقول: (يا أيُّها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم نارًا)، ثم عمم سبحانه الحكم على نساء المؤمنين، وهذه الآية صريحةٌ كآية الحجاب الأولى، على أنه يجب على جميع نساء المؤمنين أن يغطين ويسترن وجوههن وجميع البدن والزينة المكتسبة، عن الرجال الأجانب عنهن، وذلك السِّتر بالتحجب بالجلباب الذي يغطِّي ويستر وجوههن وجميع أبدانهن وزينتهن، وفي هذا تمييزٌ لهن عن اللائي يكشفن من نساء الجاهلية، حتى لا يتعرضن للأذىٰ ولا يطمع فيهن طامع.

حراسة الفضيلة|صـ31
والأدلة من هذه الآية على أن المراد بها ستر الوجه وتغطيته من وجوهٍ، وهي:
الوجه الأول: معنىٰ الجلباب في الآية هو معناه في لسان العرب: اللباس الواسع الذي يُغَطِّي جميع البدن، وهو بمعنى: الملاءة أو العباءة، فتلبسه المرأة فوقَ ثيابها من أعلى رأسها مُدنية ومرخية له على وجهها وسائر جسدها، وما على جسدها من زينة مكتسبة، ممتدًّا إلى ستر قدميها.
فثبت بهذا حجب الوجه بالجلباب كسائر البدن لغةً وشرعًا.

حراسة الفضيلة|صـ31
آثار الشيخ بكر أبو زيد
والأدلة من هذه الآية على أن المراد بها ستر الوجه وتغطيته من وجوهٍ، وهي: الوجه الأول: معنىٰ الجلباب في الآية هو معناه في لسان العرب: اللباس الواسع الذي يُغَطِّي جميع البدن، وهو بمعنى: الملاءة أو العباءة، فتلبسه المرأة فوقَ ثيابها من أعلى رأسها مُدنية ومرخية…
الوجه الثاني: أن شمول الجلباب لستر الوجه هو أول معنى مراد؛ لأن الذي كان يبدو من بعض النساء في الجاهلية هو: الوجه، فأمر الله نساء النبي ﷺ والمؤمنين بسترِهِ، وتغطيته، بإدناء الجلباب عليه، لأن الإدتاء عُدِّي بحرف على، وهو دالٌ على تضمن معنى الإرخاء، والإرخاء لا يكون إلا من أعلى، فهو هنا من فوق الرءوس على الوجوه والأبدان.

حراسة الفضيلة|صـ31
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الوجه الثاني: أن شمول الجلباب لستر الوجه هو أول معنى مراد؛ لأن الذي كان يبدو من بعض النساء في الجاهلية هو: الوجه، فأمر الله نساء النبي ﷺ والمؤمنين بسترِهِ، وتغطيته، بإدناء الجلباب عليه، لأن الإدتاء عُدِّي بحرف على، وهو دالٌ على تضمن معنى الإرخاء، والإرخاء…
الوجه الثالث: أنَّ ستر الجلباب للوجهِ وجميع البدن وما عليه من الثياب -الزينة المكتسبة- هو الذي فهمه نساء الصحابة رضي الله عنهم، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية: (يُدنِينَ عليهنَّ من جلـٰبيبهِنَّ) خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «رحم الله -تعالى- نساء الأنصار، لما نزلت: (يا أيُّها النبيُّ قل لأزواجِكَ وبناتك) الآية .. شقَقن مُرُوطهن، فاعتجرن بها، فصَلَّين خلف رسول الله ﷺ كأنها على رءوسهن الغربان»، رواه ابن مردويه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: (وليضرِبْنَ بخُمُرهِنَّ على جيوبهِنَّ) شققن مروطهن فاختمرن بها»، رواه البخاري في صحيحه.
والاعتجار: هو الاختمار، فمعنىٰ فاعتجرن بها، واختمرن بها: أي غطين وجوههن.
وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: «أمرنا رسول الله ﷺ أن نخرجهن في الفطر والأضحىٰ، العواتق، والحُيَّض، وذوات الخدور، أما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخبر ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: «لتلبسها أختها من جلبابها»، متفق على صحته.
وهذا صريحٌ في منع المرأة من بروزها أمام الأجانب بدون الجلباب، والله أعلم.

حراسة الفضيلة|صـ32
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الوجه الثالث: أنَّ ستر الجلباب للوجهِ وجميع البدن وما عليه من الثياب -الزينة المكتسبة- هو الذي فهمه نساء الصحابة رضي الله عنهم، وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما نزلت هذه الآية: (يُدنِينَ عليهنَّ من جلـٰبيبهِنَّ) خرج…
الوجه الرابع: في الآية قرينة نصية دالة علىٰ هذا المعنى للجلباب، وعلىٰ هذا العمل الذي بادر إليه نساء الأنصار والمهاجرين رضي الله عن الجميع بستر وجوههن بإدناء الجلابيب عليها، وهي أنَّ في قولِهِ -تعالىٰ-: (قل لأزواجك) وجوب حجب أزواجه ﷺ وستر وجوههن، لا نزاع فيه بين أحد من المسلمين، وفي هذه الآية ذكر أزواجه ﷺ مع بناته ونساء المؤمنين، وهو ظاهرُ الدلالة علىٰ وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب على جميع المؤمنات.

حراسة الفضيلة|صـ32
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الوجه الرابع: في الآية قرينة نصية دالة علىٰ هذا المعنى للجلباب، وعلىٰ هذا العمل الذي بادر إليه نساء الأنصار والمهاجرين رضي الله عن الجميع بستر وجوههن بإدناء الجلابيب عليها، وهي أنَّ في قولِهِ -تعالىٰ-: (قل لأزواجك) وجوب حجب أزواجه ﷺ وستر وجوههن، لا نزاع فيه…
الوجه الخامس: هذا التعليل (ذَٰلك أدنى أن يُعرفْنَ فلا يؤذيْنَ) راجع إلىٰ الإدناء، المفهوم من قوله: (يُدْنِينَ) وهو حكم بالأولىٰ على وجوب ستر الوجه؛ لأن ستره علامة على معرفة العفيفات فلا يؤذين، فهذه الآية نصٌ على ستر الوجه وتغطيته، ولأنّ من تستر وجهها لا يطمع فيها طامع بالكشف عن باقي بدنها وعورتها، فصار في كشف الحجاب عن الوجه تعرض لها بالأذى من السُّفهاء، فدلَّ هذا التعليل على فرض الحجاب على نساء المؤمنين لجميع البدن والزينة بالجلباب، وذلك حتى يعرفن بالعفة، وأنهن مستورات محجبات بعيدات عن أهل الرِّيب والخنا، وحتى لت يفتَتِنَّ ولا يفتن غيرهن فلا يؤذين.
ومعلوم أن المرأة إذا كانت غاية في الستر والانضمام، لم يقدم عليها من في قلبِهِ مرض، وكَفَّت عنها الأعين الخائنة، بخلاف المتبرجة المنتشرة الباذلة لوجهها، فإنها مطموع فيها.

حراسة الفضيلة|صـ33
واعلم أن الستر بالجلباب، وهو ستر النساء العفيفات، يقتضي -كما تقدم في صفة لبسه- أن يكونَ الجلباب علىٰ الرأس لا على الكتفين، ويقتضي أن لا يكون الجلباب -العباءة- زينة في نفسه، ولا مضافًا إليه ما يزينه من نقشٍ أو تطريز، ولا ما يلفت النظر إليه، وإلا كان نقضًا لمقصود الشارع من إخفاء البدن والزينة وتغطيتها عن عيون الأجانب عنها.

حراسة الفضيلة|صـ33
ولا تغتر المسلمة بالمترجلات اللاتي يتلذذن بمعاكسة الرجال لهن، وجلب الأنظار إليهن، اللائي يُعْلنَّ بفعلهن تعدادهن في المتبرجات السافرات، ويعدلن عن أن يكن مصابيح البيوت العفيفات التقيَّات النقيات الشريفات الطيبات، ثبَّت الله نساء المؤمنين على العفة وأسبابها.

حراسة الفضيلة|صـ33
الدليل الرابع: في آيتي سورة النور:
قال الله -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
تعددت الدلالة في هاتين الآيتين الكريمتين علىٰ فرض الحجاب وتغطية الوجه من وجوه أربعة مترابطة، هي:
الوجه الأول: الأمر بغضِّ البصر وحفظ الفرج من الرجال والنساء على حدِّ سواء في الآية الأولىٰ وصدر الآية الثانية، وما ذاك إلا لعظم فاحشة الزنى، وأن غض البصر وحفظ الفرج أزكىٰ للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وأبعد عن الوقوع في هذه الفاحشة، وإن حفظ الفرج لا يتم إلَّا ببذل أسباب السلامة والوقاية، ومن أعظمها غض البصر، وغض البصر لا يتم إلا بالحجاب التام لجميع البدن، ولا يرتاب عاقل أن كشف الوجه سببٌ للنظر إليه، والتلذذ به، والعينان تزنيان وزناهما النظر، والوسائل لها أحكام المقاصد، ولهذا جاء الأمر بالحجاب صريحًا في الوجه بعده.

حراسة الفضيلة|صـ34
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الدليل الرابع: في آيتي سورة النور: قال الله -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ…
الوجه الثاني: (ولا يُبدِينَ زينتهُنَّ إلا ما ظهر منها) أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب عن عمدٍ وقصدٍ، إلا ما ظهر منها اضطرارًا لا اختیارًا، مما لا يمكن إخفاؤه كظاهر الجلباب -العباءة، ويقال: الملاءة- الذي تلبسه المرأة فوق القميص والخمار، وهي ما لا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدن المرأة الأجنبية، فإنَّ ذلك معفوٌّ عنه.
وتأمل سِرًّا من أسرار التنزيل في قوله -تعالى-: (ولا يُبْدِينـ زينتهن) كيف أسند الفعل إلىٰ النساء في عدم إبداء الزينة متعديًا وهو فعل مضارع: (يُبدِينَ) ومعلوم أن النهي إذا وقع بصيغة المضارع، يكون آكد في التحريم، وهذا دليلٌ صريح على وجوب الحجاب لجميع البدن وما عليه من زينة مكتسبة، وستر الوجه والكفين من باب أوْلى.
وفي الاستثناء (إلا ما ظهَرَ منها) لم يسند الفعل إلىٰ النساء، إذ لم يجئ متعدیًا، بل جاء لازمًا، ومقتضىٰ هذا: أن المرأة مأمورة بإخفاء الزينة مطلقًا، غير مخيرة في إبداء شيء منها، وأنه لا يجوز لها أن تتعمد إبداء شيء منها إلا ما ظهر اضطرارًا بدون قصد، فلا إثم عليها، مثل: انکشاف شيء من الزينة من أجل الرياح، أو لحاجة علاج لها ونحوه من أحوال الاضطرار، فيكون معنى هذا الاستثناء: رفع الحرج، كما في قولِ الله -تعالى-: (لا يُكلِّفَ الله نفسًا إلا وُسعَها).
وفي قولِهِ -تعالى-: (وقد فصَّل لكم ما حرَّمَ عليكم إلا ما اضطُرِرتُم إليه).

حراسة الفضيلة|صـ35
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الوجه الثاني: (ولا يُبدِينَ زينتهُنَّ إلا ما ظهر منها) أي: لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب عن عمدٍ وقصدٍ، إلا ما ظهر منها اضطرارًا لا اختیارًا، مما لا يمكن إخفاؤه كظاهر الجلباب -العباءة، ويقال: الملاءة- الذي تلبسه المرأة فوق القميص والخمار، وهي ما لا يستلزم…
الوجه الثالث: (وليَضرِبْنَ بخُمرِهنَّ على جيوبهن): لما أوجب الله على نساء المؤمنین الحجاب للبدن والزينة في الموضعين السابقين، وأن لا تتعمد المرأة إبداء شيء من زينتها، وأن ما يظهر منها من غير قصد معفو عنه، ذکر سبحانه لكمال الاستتار، مبيّنًا أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، وبما أن القميص يكون مشقوق الجيب عادة بحيث يبدو شيء من العنق والنحر والصدر، بيَّن سبحانه وجوب ستره وتغطيته، وكيفية ضرب المرأة للحجاب على ما لا يستره القميص، فقال عز شأنه: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)، والضرب: إيقاع شيء علىٰ شيء، ومنه: (ضُرِبت عليهم الذِّلَّةُ)، أي: التحفتهم الذلة التحاف الخيمة بمن ضُربت عليه.

حراسة الفضيلة|صـ35
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الوجه الثالث: (وليَضرِبْنَ بخُمرِهنَّ على جيوبهن): لما أوجب الله على نساء المؤمنین الحجاب للبدن والزينة في الموضعين السابقين، وأن لا تتعمد المرأة إبداء شيء من زينتها، وأن ما يظهر منها من غير قصد معفو عنه، ذکر سبحانه لكمال الاستتار، مبيّنًا أن الزينة التي يحرم…
و«الخمر»: جمع خِمار، مأخوذ من الخمر، وهو: الستر والتغطية، ومنه قيل للخمر خمرًا، لأنها تستر العقل وتغطيه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري: ٤٨٩/٨): «ومنه خمار المرأة»؛ لأنه يستر وجهها. انتهى.
ويقال: اختمرت المرأة وتختمَّرت، إذا احتجبت وغطَّت وجهها.

حراسة الفضيلة|صـ35
آثار الشيخ بكر أبو زيد
و«الخمر»: جمع خِمار، مأخوذ من الخمر، وهو: الستر والتغطية، ومنه قيل للخمر خمرًا، لأنها تستر العقل وتغطيه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (فتح الباري: ٤٨٩/٨): «ومنه خمار المرأة»؛ لأنه يستر وجهها. انتهى. ويقال: اختمرت المرأة وتختمَّرت، إذا احتجبت وغطَّت وجهها.…
و«الجيوب»: مفردها: جيب، وهو شق في طول القميص.
فيكون معنىٰ: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) أمر من الله لنساء المؤمنين أن يلقين بالخمار إلقاء محكمًا على المواضع المكشوفة، وهي: الرأس، والوجه، والعنق، والنحر، والصدر، وذلك بِلَفِّ الخمار الذي تضعه المرأة على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهذا هو التقنع، وهذا خلافًا لما كان عليه أهل الجاهلية من سدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما هو قدامها، فأمرن بالاستتار.
ويدل لهذا التفسير المتسق مع ما قبله، الملاقي للسان العرب كما ترىٰ، أن هذا هو الذي فهمه نساء الصحابة رضي الله عن الجميع، فعملن به، وعليها ترجم البخاري في صحيحه، فقال: «باب: ليضربن بخمرهن علىٰ جيوبهن».
وساق بسنده حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «يرحمُ الله نساء المهاجرين الأول، لما أنزل الله: (ليضربن بخُمُرهِن على جيوبهن) شققن مروطهن فاختمرن بها».
قال ابن حجر في (الفتح: ٤٨٩/٨) في شرح هذا الحديث: «قوله: فاختمرن: أي غطين وجوههن -وذكر صفته كما تقدَّم-» انتهى.

حراسة الفضيلة|صـ36
آثار الشيخ بكر أبو زيد
و«الجيوب»: مفردها: جيب، وهو شق في طول القميص. فيكون معنىٰ: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) أمر من الله لنساء المؤمنين أن يلقين بالخمار إلقاء محكمًا على المواضع المكشوفة، وهي: الرأس، والوجه، والعنق، والنحر، والصدر، وذلك بِلَفِّ الخمار الذي تضعه المرأة على رأسها،…
ومَن نازع فقال بكشف الوجه؛ لأن الله لم يصرح بذكره هنا، فإنَّا نقول له: إن الله سبحانه لم يذكر هنا: الرأس، والعنق، والنحر، والصدر، والعضدين، والذراعين، والكفين، فهل يجوز الكشف عن هذه المواضع؟ فإن قال: لا، قلنا: والوجه كذلك لا يجوز کشفه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة، وكيف تأمر الشريعة بستر الرأس والعنق والنحر والصدر والذراعين والقدمين، ولا تأمر بستر الوجه وتغطيته، وهو أشد فتنة وأكثر تأثيرًا على الناظر والمنظور إليه؟ وأيضًا ما جوابکم عن فهم نساء الصحابة رضي الله عن الجميع في مبادرتهن إلى ستر وجوههن حين نزلت هذه الآية؟

حراسة الفضيلة|صـ36
جزى الله من ساهم في نشر هذه القناة عني خيرًا، ونفعنا وإياكم بعلم الشيخ، وجمعنا به في الفردوس الأعلى.
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الوجه الثالث: (وليَضرِبْنَ بخُمرِهنَّ على جيوبهن): لما أوجب الله على نساء المؤمنین الحجاب للبدن والزينة في الموضعين السابقين، وأن لا تتعمد المرأة إبداء شيء من زينتها، وأن ما يظهر منها من غير قصد معفو عنه، ذکر سبحانه لكمال الاستتار، مبيّنًا أن الزينة التي يحرم…
الوجه الرابع: (لا يضربن بأرجلهن لِيُعْلَمَ ما يخفين من زينتهن):
لما أمر الله سبحانه بإخفاء الزينة، وذكر جل وعلا كيفية الاختمار، وضربه علىٰ الوجه والصدر ونحوهما، نهىٰ سبحانه لكمال الاستتار، ودفع دواعي الافتتان، نساء المؤمنين إذا مشين عن الضرب بالأرجل، حتى لا يُصوَّت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بذلك، فيكون سببًا للفتنة، وهذا من عمل الشيطان.

حراسة الفضيلة|صـ36
آثار الشيخ بكر أبو زيد
الوجه الرابع: (لا يضربن بأرجلهن لِيُعْلَمَ ما يخفين من زينتهن): لما أمر الله سبحانه بإخفاء الزينة، وذكر جل وعلا كيفية الاختمار، وضربه علىٰ الوجه والصدر ونحوهما، نهىٰ سبحانه لكمال الاستتار، ودفع دواعي الافتتان، نساء المؤمنين إذا مشين عن الضرب بالأرجل، حتى لا…
وفي هذا الوجه ثلاث دلالات:
الأولى: يحرم علىٰ نساء المؤمنین ضرب أرجلهن ليعلم ما عليهن من زينة.
الثانية: يجب علىٰ نساء المؤمنین ستر أرجلهن وما عليهن من الزينة، فلا يجوز لهن كشفها.
الثالثة: حرَّم الله على نساء المؤمنين كل ما يدعو إلى الفتنة، وإنه من باب الأولىٰ والأقوى يحرم سفور المرأة وكشفها عن وجهها أمام الأجانب عنها من الرجال؛ لأن كشفه أشد داعية لإثارة الفتنة وتحريكها، فهو أحقُّ بالستر والتغطية وعدم إبدائه أمام الأجانب، ولا يستريب في هذا عاقِلٌ.
فانظر كيف انتظمت هذه الآية حجب النساء عن الرجال الأجانب من أعلى الرأس إلى القدمين، وإعمال سد الذرائع الموصلة إلى تعمد كشف شيء من بدنها أو زينتها خشية الافتنان بها، فسبحان من شرع فأحكم.

حراسة الفضيلة|صـ37
2024/11/06 00:42:49
Back to Top
HTML Embed Code: