group-telegram.com/bmojjy1/1258
Last Update:
"يا حسين انطك راس الشيعة"
بعد ظهيرة عاشوراء، حين تعالت صرخات الخيول وتلاشى صهيلها في لهيب الصحراء، وامتزج وهج الرمال بدم الحسين الطاهر، لم يكن الدم المسفوك على رمال كربلاء دمًا هدرًا، بل كان حبرًا خطّ به الإنسان سفر خلوده. هناك، تحت ظلال السيوف المسنونة، وفي وهج العطش والموت، وقف الحسين لا كضحية للقدر، بل كصانع له. جسده المثخن بالجراح كان أكثر حياة من قاتليه، وصوته المقطوع كان صدى يتردد في أعماق القرون، يهزّ ضمائر الأحرار ويصرخ: “هيهات منا الذلة”.
لم يكن استشهاد الحسين انكسارًا، بل كان وثبة الروح فوق قيود الأرض، وثبة الإنسان حين يرفض أن يُكسر حتى تحت وطأة السيوف. لقد تحوّل ذلك الدم الى نهر متدفّق يجري في شرايين كل من رفض الذل، جرحًا مفتوحًا في قلب الزمن لا يندمل لأنه اختار أن يبقى شاهدًا دائمًا على معنى الكرامة.
وهكذا، لم يكن التشيّع مجرّد مذهبٍ يُقرأ في بطون الكتب أو يُختزل في طقوس من البكاء والحزن، بل كان صرخة الإنسان الحرّ في وجه كل طاغية، تمردًا خالدًا على الظلم. التشيّع هو فلسفة الرفض الأبدي، هو دموع ممزوجة بالدماء، وانحناءة ظهر لا تعني الانكسار بل تحمل ثقل الثورة. لقد حاول الطغاة عبر القرون طمس هذا الصوت، أرادوا له أن يتحول الى صدى بعيد بين جدران النسيان، لكنهم غفلوا عن حقيقة النار التي اشتعلت في كربلاء، نار لا تخبو، بل تبقى جمرة متقدة تنتظر لحظة الانفجار.
وهذه اللحظة العظيمة جاءت كفجرٍ مزّق سدول الليل بعد قرون من الظلام الدامس، حين دوّى صوت روح الله كالرعد الجبّار. كان صوته نداء الخلود في وجه الفناء، تحدّياً لقدَرٍ أسود رسمه الشيطان الأكبر وزبانيته بأحبار من الاستكبار. لم تكن ثورته مجرّد انتفاضة ضد طاغوت أو انهيار عرشٍ مترنّح، بل كانت زلزلةً للروح، بعثًا جديدًا للإنسان الذي كاد يُدفن حيًّا تحت ركام عبوديته الداخلية.
ولم يكن هذا الانبعاث إلا تعويضًا لتلك القرون السوداء، تلك الحقبة التي أرادوا فيها للتشيّع أن يكون صدى الماضي الباكي لا صوت الحاضر الهادر. فجاءت تلك اللحظة كريح عاتية، تقتلع رماد القرون لتكشف عن جمرٍ لا زال حارًا. ومن بين هذا اللهيب خرج رجالٌ من صلب كربلاء، رجال كأنهم من دم الحسين، برز سليماني كأنه سيفٌ قديم نُزع من غمده بعد قرون، وظهر نصر الله كصدى لتلك الصرخة الأولى التي دوّت في عاشوراء، يحمل إرث الحسين على كتفيه ويردد كلماته بكل يقين: “ما تركتك يا حسين.”
كربلاء لم تنتهِ، بل امتدت كخط دموي يربط الماضي بالحاضر، صراع لا يزال قائمًا بين الدم والسيف، بين الحق والباطل. وكما انتصر دم الحسين ذات ظهيرة، سيبقى هذا الدم يسقي جذور الحرية حتى يسقط آخر شيطان بشري.
BY صفي الدين

Share with your friend now:
group-telegram.com/bmojjy1/1258