يؤمن الجميع بأن في آخر الزمان يخرج الأمل، الذي يتجسد في شخص المحرر العظيم، كاسر القيود، محارب الظلم والطغيان، ناصر المستضعفين وحامي الحق. يختلف الناس في تفاصيل هويته، لكننا، نحن الشيعة الإمامية، نوقن أنه الإمام الثاني عشر، محمد المهدي، وعد الله الذي لن يُخلف، ورجل العدل الذي سيقيم ميزانه حين ينهار كل شيء.
تربينا على انتظاره، كبرنا على الإيمان بحضوره، وأيقنّا بحتمية ظهوره. نحتفل في كل عام بميلاده، نجدّد له البيعة، ونرفع دعاءنا باسمه، منتظرين شروق شمس دولته التي ستبدد ظلمات الأرض. لم يكن مجرد فكرة في الكتب، ولا اسمًا يتردد في الأذهان، بل كان الرجاء الذي يسكن القلوب، والعهد الذي لا يُنقض.
أما أنا، فلم أتعرف إليه من المجالس والمناسبات وحدها، بل رأيته يتجلى أمامي يومًا، يوم ميلاده عام ٢٠٠٦، بعد أسابيع قليلة من انتهاء معركة تموز. كانت الشوارع تفيض بصور السيد الشهيد حسن نصر الله، وكانت عبارات النصر تتردد في الأرجاء: “جبروتهم تحت قدميك، وتحطيم أسطورة الميركافا.” كان العراقيون، كما كل الأحرار، يغمرهم الفرح بانتصار حزب الله، والمنازل تضج بالاحتفالات، وفي بيتنا، كانت أمي تصنع الحلوى لميلاد الإمام المهدي.
كنت طفلًا، يملؤني الفضول، فسألت: من هو الإمام المهدي؟ من سيقاتل؟ ولماذا؟ لم يكن الجواب حينها كلاسيكيًا عن الدجال والسفياني، بل كان قريبًا، حيًا، نابضًا بالواقع: “سيحارب الظالمين كما حاربهم السيد نصر الله قبل ظهوره، وسيزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة.”
كان ذلك الجواب بمثابة خارطة، بوصلة رسمت لي الطريق. في ذلك اليوم، لم يعد الإمام المهدي مجرد نبوءة بعيدة، بل أصبح الوعد الحتمي، المقاتل الأخير في ساحة الحق، القائد الذي ستسير خلفه جيوش النور، ليكمل ما بدأه المقاومون، ويحطم آخر عروش الظلم.
تربينا على انتظاره، كبرنا على الإيمان بحضوره، وأيقنّا بحتمية ظهوره. نحتفل في كل عام بميلاده، نجدّد له البيعة، ونرفع دعاءنا باسمه، منتظرين شروق شمس دولته التي ستبدد ظلمات الأرض. لم يكن مجرد فكرة في الكتب، ولا اسمًا يتردد في الأذهان، بل كان الرجاء الذي يسكن القلوب، والعهد الذي لا يُنقض.
أما أنا، فلم أتعرف إليه من المجالس والمناسبات وحدها، بل رأيته يتجلى أمامي يومًا، يوم ميلاده عام ٢٠٠٦، بعد أسابيع قليلة من انتهاء معركة تموز. كانت الشوارع تفيض بصور السيد الشهيد حسن نصر الله، وكانت عبارات النصر تتردد في الأرجاء: “جبروتهم تحت قدميك، وتحطيم أسطورة الميركافا.” كان العراقيون، كما كل الأحرار، يغمرهم الفرح بانتصار حزب الله، والمنازل تضج بالاحتفالات، وفي بيتنا، كانت أمي تصنع الحلوى لميلاد الإمام المهدي.
كنت طفلًا، يملؤني الفضول، فسألت: من هو الإمام المهدي؟ من سيقاتل؟ ولماذا؟ لم يكن الجواب حينها كلاسيكيًا عن الدجال والسفياني، بل كان قريبًا، حيًا، نابضًا بالواقع: “سيحارب الظالمين كما حاربهم السيد نصر الله قبل ظهوره، وسيزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة.”
كان ذلك الجواب بمثابة خارطة، بوصلة رسمت لي الطريق. في ذلك اليوم، لم يعد الإمام المهدي مجرد نبوءة بعيدة، بل أصبح الوعد الحتمي، المقاتل الأخير في ساحة الحق، القائد الذي ستسير خلفه جيوش النور، ليكمل ما بدأه المقاومون، ويحطم آخر عروش الظلم.
في ظل التوترات المتزايدة والتجاذبات الجيوسياسية التي تتسارع وتيرتها، خصوصًا بعد العروض التي قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران بشأن المفاوضات، والتي قوبلت برفض قاطع من قِبَل المرشد الأعلى، يتضح أن المنطقة باتت على مشارف مرحلة جديدة من التصعيد المتبادل.
وعلى هذا الأساس، وفي إطار ما يبدو أنه إعادة رسم لمعادلات الاشتباك والردع، أعلنت حركة النجباء عن تشكيل قوة جديدة تحت مسمى “قوة البرهان”، والتي وُصفت بأنها معنية بمواجهة الاحتلال، سواء داخل العراق أو خارجه.
هذه التطورات تضع المشهد الإقليمي أمام معادلات أكثر تعقيدًا، إذ إن إعلان تشكيل هذه القوة يعكس تحولًا نوعيًا في استراتيجية الفصائل، بحيث يبدو أنها تنتقل من الدفاع التقليدي الى تبني استراتيجية “الهجوم الاستباقي” ضمن سياقات جغرافية متعددة.
وعلى هذا الأساس، وفي إطار ما يبدو أنه إعادة رسم لمعادلات الاشتباك والردع، أعلنت حركة النجباء عن تشكيل قوة جديدة تحت مسمى “قوة البرهان”، والتي وُصفت بأنها معنية بمواجهة الاحتلال، سواء داخل العراق أو خارجه.
هذه التطورات تضع المشهد الإقليمي أمام معادلات أكثر تعقيدًا، إذ إن إعلان تشكيل هذه القوة يعكس تحولًا نوعيًا في استراتيجية الفصائل، بحيث يبدو أنها تنتقل من الدفاع التقليدي الى تبني استراتيجية “الهجوم الاستباقي” ضمن سياقات جغرافية متعددة.
في مثل هذا اليوم من عام ٢٠٢١، وفي تصعيد استراتيجي لعمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق، تعرضت قاعدة حرير الأمريكية في أربيل، التي تُعدّ حجر الزاوية في الوجود العسكري الأمريكي في إقليم كردستان، لهجوم صاروخي جريء.
شملت العملية إطلاق ٢٤ صاروخًا من عيار ١٢٢ ملم، من نقطة لا تبعد سوى ٧ كيلومترات عن القاعدة، باستخدام عجلة كيا تم شراؤها من داخل أربيل، في اختراق أمني مذهل يشير الى قدرة الفصائل على تنفيذ الهجمات داخل أكثر المناطق التي يُفترض أنها محصنة. وقد تبنّت الهجوم سرايا أولياء الدم، وهي مجموعة يُنظر إليها أمريكيًا باعتبارها واجهة لكتائب سيد الشهداء.
أسفر الهجوم عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة خمسة جنود أمريكيين، فضلًا عن أضرار جسيمة طالت منشآت القاعدة، بما في ذلك احتراق منامات الجنود، وهو تطور بالغ الأهمية، ليس فقط بسبب الخسائر البشرية، ولكن لأنه يُظهر قدرة الفصائل على توجيه ضربات نوعية حتى في المناطق التي طالما اعتُبرت بعيدة عن نفوذها.
شملت العملية إطلاق ٢٤ صاروخًا من عيار ١٢٢ ملم، من نقطة لا تبعد سوى ٧ كيلومترات عن القاعدة، باستخدام عجلة كيا تم شراؤها من داخل أربيل، في اختراق أمني مذهل يشير الى قدرة الفصائل على تنفيذ الهجمات داخل أكثر المناطق التي يُفترض أنها محصنة. وقد تبنّت الهجوم سرايا أولياء الدم، وهي مجموعة يُنظر إليها أمريكيًا باعتبارها واجهة لكتائب سيد الشهداء.
أسفر الهجوم عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة خمسة جنود أمريكيين، فضلًا عن أضرار جسيمة طالت منشآت القاعدة، بما في ذلك احتراق منامات الجنود، وهو تطور بالغ الأهمية، ليس فقط بسبب الخسائر البشرية، ولكن لأنه يُظهر قدرة الفصائل على توجيه ضربات نوعية حتى في المناطق التي طالما اعتُبرت بعيدة عن نفوذها.
على أرض الواقع، يواجه حزب الله تحديات استراتيجية، حيث بات من الواضح أن تراجعه في بعض الملفات الداخلية أفسح المجال لتزايد النفوذ السعودي الأمريكي في تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة. هذا التوازن الجديد في المشهد السياسي انعكس بقرارات حكومية جاءت بالضد من مصالح الحزب، مما دفعه الى إعادة تموضع تكتيكية تتلاءم مع المستجدات الراهنة.
التجمعات التي شهدها شارع المطار خلال اليومين الماضيين يمكن قراءتها ضمن هذا السياق، إذ يبدو أنها تحمل رسائل مباشرة ومركزة تهدف الى إعادة ضبط قواعد الاشتباك الداخلي سريعًا. ومع ذلك، فإن حزب الله، الذي لطالما استخدم الشارع كأداة ضغط، قد يؤجل تصعيده الداخلي الى ما بعد إتمام مراسم تشييع السيد الشهيد، حيث يسعى في هذه المرحلة الى تجنب أي تعقيدات إضافية قد تؤثر على مسار التشييع أو تخلط الأوراق في لحظة حساسة.
أما على الجبهة الخارجية، فلا تزال احتمالات التصعيد مع الكيان الصهيوني قائمة بقوة، لا سيما في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للهدنة ورفضه الانسحاب من بعض قرى الجنوب اللبناني. من هذا المنطلق، قد يتجه حزب الله نحو عملية نوعية تعيد فرض قواعد الاشتباك من موقع قوة، وربما نشهد عملية خطف، خاصة مع استمرار احتجاز عدد من عناصره لدى الكيان. كما أن الحزب قد يسعى الى تنفيذ هجوم محسوب يضع الحكومة اللبنانية المدعومة خليجيًا في موقف حرج، مما يعيد خلط الأوراق ويفرض واقعًا جديدًا على جميع الأطراف المعنية.
إجمالًا، إعادة التموضع التي يقوم بها الحزب ليست مجرد خطوة دفاعية، بل تأتي في إطار استراتيجية متعددة الأبعاد، تتراوح بين ضبط الداخل، وتوجيه رسائل إقليمية، وإبقاء الكيان في حالة تأهب مستمر، مما يجعله لاعبًا صعب التجاوز في المعادلة اللبنانية والإقليمية.
التجمعات التي شهدها شارع المطار خلال اليومين الماضيين يمكن قراءتها ضمن هذا السياق، إذ يبدو أنها تحمل رسائل مباشرة ومركزة تهدف الى إعادة ضبط قواعد الاشتباك الداخلي سريعًا. ومع ذلك، فإن حزب الله، الذي لطالما استخدم الشارع كأداة ضغط، قد يؤجل تصعيده الداخلي الى ما بعد إتمام مراسم تشييع السيد الشهيد، حيث يسعى في هذه المرحلة الى تجنب أي تعقيدات إضافية قد تؤثر على مسار التشييع أو تخلط الأوراق في لحظة حساسة.
أما على الجبهة الخارجية، فلا تزال احتمالات التصعيد مع الكيان الصهيوني قائمة بقوة، لا سيما في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للهدنة ورفضه الانسحاب من بعض قرى الجنوب اللبناني. من هذا المنطلق، قد يتجه حزب الله نحو عملية نوعية تعيد فرض قواعد الاشتباك من موقع قوة، وربما نشهد عملية خطف، خاصة مع استمرار احتجاز عدد من عناصره لدى الكيان. كما أن الحزب قد يسعى الى تنفيذ هجوم محسوب يضع الحكومة اللبنانية المدعومة خليجيًا في موقف حرج، مما يعيد خلط الأوراق ويفرض واقعًا جديدًا على جميع الأطراف المعنية.
إجمالًا، إعادة التموضع التي يقوم بها الحزب ليست مجرد خطوة دفاعية، بل تأتي في إطار استراتيجية متعددة الأبعاد، تتراوح بين ضبط الداخل، وتوجيه رسائل إقليمية، وإبقاء الكيان في حالة تأهب مستمر، مما يجعله لاعبًا صعب التجاوز في المعادلة اللبنانية والإقليمية.
عام ١٩٩٣ وبعد الإعلان عن التوقيع المرتقب لإتفاقية أوسلو بين عرفات ورابين بمباركة كلينتون في أمريكا يوم ١٣/سبتمبر، قرر حزب الله الخروج بمظاهرةٍ سلمية في بيروت كموقفٍ شعبيٍ رافض بالتزامن مع توقيع الإتفاقية، بعد استحصال كافة الموافقات بخصوص المظاهرة تعرضت المظاهرة لتغيير المسار أكثر من مرة فضلاً عن الإلغاء المتكرر، بعدها قرر حزب الله إبعاد كل الشخصيات التي تحتاج الى مرافقة للحفاظ على سلمية المظاهرة دون وجود أي سلاح، بعد تحرك المظاهرة تعرضت للمضايقات المتكررة بالأسلحة من قوات الأمن اللبنانية المنتشرة على طول خط المسير حتى بدأت عناصر من الجيش بقنص المتظاهرين مما أدى لسقوط عشرة شهداء وأربعين جريحاً جراحهم متوزعة بين الرأس والصدر، في حينها قاد منظموا المظاهرة نحو مقر الأمانة العامة لحزب الله وأتى السيد الشهيد حسن نصر الله فوراً وخطب بالحشود محاولاً تهدئتهم وضبط ردة فعلهم، بعد عشرة سنوات أشار السيد الى أن إطلاق النار كان مخطط لإستفزاز حزب الله وجره الى صدامٍ مسلح مع قوى الأمن اللبنانية .
صفي الدين
جزء من كتاب مديرية الاستخبارت العسكرية للنظام البعثي المرسل الى رئاسة الجمهورية في شهر رمضان عام ٢٠٠٢، يتضمن خلاف اعضاء المجلس فيما بينهم واستقالة الشهيد المهندس من فيلق بدر، وتولي هادي العامري منصب نائب قائد الفيلق بدلاً عن الشهيد المهندس..
قبل سقوط نظام صدام حسين بأشهر قليلة، وبعد انهياره، شهد فيلق بدر، الجناح العسكري للمجلس الأعلى آنذاك، انقسامات داخلية. برز خلاف جوهري بين تيارين: أحدهما آثر الانخراط في العملية السياسية وترك العمل العسكري ضد الوجود الأجنبي، والآخر رفض المسار السياسي دون استمرار العمل المسلح.
توزع التيار الذي اختار استمرار العمل المسلح بين تشكيلات جديدة، كان أبرزها كتائب حزب الله، التي ضمت في صفوفها غالبية من عناصر بدر الداخل، وبين من فضّل البقاء تحت مظلة بدر والاستمرار في العمليات العسكرية ضد التواجد الأجنبي، بغض النظر عن توجهات القيادة السياسية. ومع ذلك، لم تحظ عمليات الذين بقوا في بدر بالصدى الإعلامي الواسع، إذ طغت على المشهد عمليات الفصائل الأخرى التي حصدت الاهتمام الأكبر بفضل كثافة عملياتها وتأثيرها الإعلامي.
تركز نشاط العاملين ضد الوجود الأجنبي تحت اسم بدر الجناح العسكري في محافظات الجنوب، وتحديدًا في البصرة، مع عمليات محدودة في بغداد. لكن ما ميزهم عن غيرهم هو نهجهم القائم على العمل المشترك، وتقديم الدعم للفصائل الأخرى، خاصة في البصرة. قاد هذه العمليات مجموعة من القادة الذين عُرفوا في الإعلام لاحقًا بعد أحداث داعش، وكان من أبرزهم الشهداء: أبو منتظر المحمداوي، أبو حبيب السكيني، أبو طه الناصري، أبو غازي التميمي، وسلام الديراوي، الى جانب آخرين.
توزع التيار الذي اختار استمرار العمل المسلح بين تشكيلات جديدة، كان أبرزها كتائب حزب الله، التي ضمت في صفوفها غالبية من عناصر بدر الداخل، وبين من فضّل البقاء تحت مظلة بدر والاستمرار في العمليات العسكرية ضد التواجد الأجنبي، بغض النظر عن توجهات القيادة السياسية. ومع ذلك، لم تحظ عمليات الذين بقوا في بدر بالصدى الإعلامي الواسع، إذ طغت على المشهد عمليات الفصائل الأخرى التي حصدت الاهتمام الأكبر بفضل كثافة عملياتها وتأثيرها الإعلامي.
تركز نشاط العاملين ضد الوجود الأجنبي تحت اسم بدر الجناح العسكري في محافظات الجنوب، وتحديدًا في البصرة، مع عمليات محدودة في بغداد. لكن ما ميزهم عن غيرهم هو نهجهم القائم على العمل المشترك، وتقديم الدعم للفصائل الأخرى، خاصة في البصرة. قاد هذه العمليات مجموعة من القادة الذين عُرفوا في الإعلام لاحقًا بعد أحداث داعش، وكان من أبرزهم الشهداء: أبو منتظر المحمداوي، أبو حبيب السكيني، أبو طه الناصري، أبو غازي التميمي، وسلام الديراوي، الى جانب آخرين.
في ١٦ فبراير من عام ١٩٨٥، الموافق لذكرى استشهاد أحد أبرز مؤسسي حزب الله، الشيخ راغب حرب، أعلن التنظيم، الذي كان يُهمس باسمه سرًّا والذي سُمّي لاحقًا بـ”حزب الله”، عن بيانه التأسيسي المعنون “رسالة مفتوحة للمستضعفين”، وذلك من على منبر حسينية الشياح، إحدى مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت.
في هذا البيان، أوضح حزب الله تصوراته حول الوضع داخل لبنان وخارجه، خاصة تجاه أمريكا وإسرائيل وفرنسا وحزب الكتائب المسيحي، واصفًا إياهم بـ”أئمة الكفر”. كما بيّن موقفه العدائي تجاه الولايات المتحدة، مستمدًا نهجه من الثورة الإسلامية، حيث قال: “إننا متوجهون لمحاربة المنكر من جذوره، وأول جذوره أمريكا”.
وعلى هذا الأساس، ركّز الحزب الناشئ على المواجهة، مؤكدًا: “رأينا أن العدوان لا يُردّ إلا بالتضحيات، والكرامة لا تكون إلا ببذل الدماء”. واستمرارًا في هذا النهج، قدّم حزب الله، في ذكرى استشهاد الشيخ راغب حرب وإعلان تأسيسه، أمينه العام السيد عباس الموسوي شهيدًا، وفي الشهر نفسه، عام ٢٠٠٨، قدّم قائده العسكري المؤسس عماد مغنية، الذي اغتيل أيضًا. وفي هذا الشهر ستُوارى جثامين أمينيه العامَّين السابقين الثرى.
في هذا البيان، أوضح حزب الله تصوراته حول الوضع داخل لبنان وخارجه، خاصة تجاه أمريكا وإسرائيل وفرنسا وحزب الكتائب المسيحي، واصفًا إياهم بـ”أئمة الكفر”. كما بيّن موقفه العدائي تجاه الولايات المتحدة، مستمدًا نهجه من الثورة الإسلامية، حيث قال: “إننا متوجهون لمحاربة المنكر من جذوره، وأول جذوره أمريكا”.
وعلى هذا الأساس، ركّز الحزب الناشئ على المواجهة، مؤكدًا: “رأينا أن العدوان لا يُردّ إلا بالتضحيات، والكرامة لا تكون إلا ببذل الدماء”. واستمرارًا في هذا النهج، قدّم حزب الله، في ذكرى استشهاد الشيخ راغب حرب وإعلان تأسيسه، أمينه العام السيد عباس الموسوي شهيدًا، وفي الشهر نفسه، عام ٢٠٠٨، قدّم قائده العسكري المؤسس عماد مغنية، الذي اغتيل أيضًا. وفي هذا الشهر ستُوارى جثامين أمينيه العامَّين السابقين الثرى.
صفي الدين
عرضت قناة الجزيرة في برنامجها “في الواجهة” يوم ٣٠ يونيو عام ٢٠٠٩ حلقة تتكلم عن الضغوط التي واجهها مجمع بازالت الروسي المختص بتصنيع قاذف أر بي جي-٢٩ والذي حازته فصائل المقاومة في العراق ولبنان والذي ساهم بتدمير الكثير من دبابات الأبرامز الامريكية في العراق…
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
في موقع ويكيليكس، توجد وثيقة مسربة من وزارة الدفاع الأمريكية تعود الى أكتوبر ٢٠٠٨، تتناول القذائف الغامضة التي استهدفت دبابات M1A1 أبرامز في العراق، والتي برز فيها صائد الأبرامز الشهيد حسام الحميداوي.
جاء في الوثيقة:
“أعتقد أن هذه القذيفة ربما تكون نموذجًا متطورًا من قذائف RPG الروسية أو الصينية، وليست قذيفة RPG-7 التقليدية. من المحتمل أن تكون قذيفة RPG-29 أو ما شابه ذلك، نظرًا لطول الاختراق وقدرتها على النفاذ من أحد جانبي الدبابة والخروج من الجهة الأخرى، مما يشير الى الطبيعة التدميرية العالية لهذا السلاح. من غير المحتمل أن يكون هذا سلاحًا محلي الصنع.
بحسب المصادر، فإن قذيفة RPG-29 يمكنها اختراق ٣.٧٥ متر من الدروع الخفيفة أو غير المدرعة، و٠.٧٥ متر فقط من الدروع الفولاذية المتجانسة. لذا، من المرجح أن السلاح المستخدم هو RPG-29. ربما قامت روسيا بإرسال بعض النماذج الى العراق بشكل غير رسمي لاختبارها؟ لن يكون ذلك مفاجئًا. أو ربما تم تهريب RPG-29 الى العراق عبر سوريا.
بالإضافة الى ذلك، في مايو ٢٠٠٨، تم الإبلاغ عن تضرر دبابة M1 في العراق إثر إصابتها بقذيفة من قاذفة RPG-29 سوفييتية الصنع، والتي تستخدم رأسًا حربيًا مزدوج الشحنة قادرًا على اختراق الدروع التفاعلية والانفجارية، مما يعزز الفرضية القائلة بأن RPG-29 يشكل تهديدًا جديًا للدبابات الأمريكية في ساحة المعركة.
التوصيات قصيرة المدى:
• مراقبة حدود العراق لمنع دخول قذائف RPG-29.
• تقديم مكافآت مالية ضخمة (١٠٠،٠٠ دولار لمن يسلم السلاح، و٢٥٠،٠٠٠ دولار لمن يدل على موقع السلاح والمهربين في حال القبض عليهم) مقابل تسليم أسلحة RPG الخاصة داخل مناطق العمليات، دون طرح أي أسئلة.
• إرسال رسالة واضحة الى سوريا وإيران بأن تهريب هذا النوع من الأسلحة إلى العراق غير مقبول تمامًا. يمكن إيصال هذه الرسالة عبر القنوات الدبلوماسية."
جاء في الوثيقة:
“أعتقد أن هذه القذيفة ربما تكون نموذجًا متطورًا من قذائف RPG الروسية أو الصينية، وليست قذيفة RPG-7 التقليدية. من المحتمل أن تكون قذيفة RPG-29 أو ما شابه ذلك، نظرًا لطول الاختراق وقدرتها على النفاذ من أحد جانبي الدبابة والخروج من الجهة الأخرى، مما يشير الى الطبيعة التدميرية العالية لهذا السلاح. من غير المحتمل أن يكون هذا سلاحًا محلي الصنع.
بحسب المصادر، فإن قذيفة RPG-29 يمكنها اختراق ٣.٧٥ متر من الدروع الخفيفة أو غير المدرعة، و٠.٧٥ متر فقط من الدروع الفولاذية المتجانسة. لذا، من المرجح أن السلاح المستخدم هو RPG-29. ربما قامت روسيا بإرسال بعض النماذج الى العراق بشكل غير رسمي لاختبارها؟ لن يكون ذلك مفاجئًا. أو ربما تم تهريب RPG-29 الى العراق عبر سوريا.
بالإضافة الى ذلك، في مايو ٢٠٠٨، تم الإبلاغ عن تضرر دبابة M1 في العراق إثر إصابتها بقذيفة من قاذفة RPG-29 سوفييتية الصنع، والتي تستخدم رأسًا حربيًا مزدوج الشحنة قادرًا على اختراق الدروع التفاعلية والانفجارية، مما يعزز الفرضية القائلة بأن RPG-29 يشكل تهديدًا جديًا للدبابات الأمريكية في ساحة المعركة.
التوصيات قصيرة المدى:
• مراقبة حدود العراق لمنع دخول قذائف RPG-29.
• تقديم مكافآت مالية ضخمة (١٠٠،٠٠ دولار لمن يسلم السلاح، و٢٥٠،٠٠٠ دولار لمن يدل على موقع السلاح والمهربين في حال القبض عليهم) مقابل تسليم أسلحة RPG الخاصة داخل مناطق العمليات، دون طرح أي أسئلة.
• إرسال رسالة واضحة الى سوريا وإيران بأن تهريب هذا النوع من الأسلحة إلى العراق غير مقبول تمامًا. يمكن إيصال هذه الرسالة عبر القنوات الدبلوماسية."
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
ما بين التأليه الذي يرفعه الى مصاف الخارقين، والحقد الذي يغرقه في ظلمات الجحود، ضاع الإنصاف وتلاشى صوت الحق بين ضجيج المتناقضين. شخصيةٌ تجسدت فيها كل مفارقات العصر، فصار اسمه على الألسنة حدّ القداسة عند قوم، ومثار كره عند آخرين. لكن ورغم هذا الانقسام العاصف، يبقى هناك خيط دقيق يجمع الكل، حقيقة لا يمحوها الزمن ولا تطمسها الروايات المتضاربة. لقد كان مرجعَ المناطق المنسية، نبضَ البيوت المحرومة، ولسانَ المكبوتين الذين أُجبروا على الصمت دهورًا.
كان الصوت الذي شق جدران القهر، الصرخة التي علت فوق ركام الخيبة، والرصاصة الأخيرة التي أطلقها الرافضون.
من ساعة الصفر، الى طوفان الأقصى. لم يكن مجرد قائد أو رمز عابر في كتاب الزمن، بل كان هرمون الجهاد المتدفق في شرايين من آمنوا بأن الكف قادرٌ على مجابهة المخرز، وبأن الحق وإن انكسر ظهره مرارًا لا يموت.
كان الصوت الذي شق جدران القهر، الصرخة التي علت فوق ركام الخيبة، والرصاصة الأخيرة التي أطلقها الرافضون.
من ساعة الصفر، الى طوفان الأقصى. لم يكن مجرد قائد أو رمز عابر في كتاب الزمن، بل كان هرمون الجهاد المتدفق في شرايين من آمنوا بأن الكف قادرٌ على مجابهة المخرز، وبأن الحق وإن انكسر ظهره مرارًا لا يموت.
بعد احتلال العراق وسقوط النظام عام ٢٠٠٣، دخلت البلاد مرحلة مظلمة من الفوضى والضياع. وقف بول بريمر، الحاكم المدني الأمريكي، على أنقاض دولة محطّمة، واتخذ قرارات مصيرية ستُغيّر وجه العراق لعقود قادمة. من بين أولى قراراته الجذرية كان حلّ جميع الأجهزة الأمنية التي شكّلت العمود الفقري لنظام صدام حسين، وعلى رأسها جهاز المخابرات، ذلك الجهاز الذي كان لسنوات طويلة السيف المسلول بيد السلطة، والعين التي لا تنام.
لم يتوقف الأمريكيون عند الهدم، بل شرعوا ببناء منظومة أمنية جديدة بالكامل، مصممة وفق مقاساتهم ورؤيتهم لمستقبل العراق. في صميم هذه المنظومة، وُلد جهاز مخابرات جديد، مهمته الأساسية كما وصفوها “مواجهة مطامع محور الشر في العراق”. لكن، وكما هو الحال في مثل هذه اللحظات المفصلية، كان لا بد من رجل يضع حجر الأساس لهذا الكيان الجديد. وقع اختيار الأمريكيين على العميد المتقاعد محمد عبد الله الشهواني، الرجل الذي رأوا فيه مزيجًا من الولاء والخبرة.
لم يكن اختيار الشهواني صدفة. فالرجل كان قد دخل مدرسة القوات الخاصة الأمريكية في الستينيات، حيث تعلّم فنون القتال والاستخبارات وفق المعايير الأمريكية. ومع مرور السنين، بنى شبكة علاقات قوية مع كبار الساسة الأمريكيين وضباط الـCIA. وعندما هرب الى أمريكا عام ١٩٩٠ بعد خلافاته مع نظام صدام، وجد منزله الجديد في فيرجينيا على مقربة من مقر وكالة الاستخبارات المركزية. هناك، أصبح أكثر من مجرد لاجئ سياسي، لاحقًا عمل كمستشار خلال حرب الخليج عام ١٩٩١، وتلقى راتباً مقابل خدماته الاستخباراتية، قبل أن يشارك لاحقًا في الانقلاب الفاشل ضد صدام عام ١٩٩٦.
بعد ٢٠٠٣، عندما اعتُمد اسمه رسميًا لرئاسة جهاز المخابرات الجديد، فتحت له الولايات المتحدة خزائنها لبناء الجهاز وفق رؤيتها. بدأ الشهواني بإعادة ضباط النظام السابق، محاولًا دمج خبراتهم في الجهاز الجديد، لكن سرعان ما ظهرت تصدعات خطيرة.
حيث اتُّهم الشهواني بالتركيز المفرط على “التجسس على الشيعة وتتبع التهديدات الإيرانية المزعومة”، متجاهلًا الخطر الداهم المتمثل في الجماعات الجهادية السنية التي كانت تشن هجماتها الدموية ضد الشيعة. هذا الانحياز أدخل الشهواني في صراع مباشر مع القوى الشيعية النافذة في السلطة، وزاد من حالة الانقسام الطائفي المتصاعدة في البلاد.
يتبع..
لم يتوقف الأمريكيون عند الهدم، بل شرعوا ببناء منظومة أمنية جديدة بالكامل، مصممة وفق مقاساتهم ورؤيتهم لمستقبل العراق. في صميم هذه المنظومة، وُلد جهاز مخابرات جديد، مهمته الأساسية كما وصفوها “مواجهة مطامع محور الشر في العراق”. لكن، وكما هو الحال في مثل هذه اللحظات المفصلية، كان لا بد من رجل يضع حجر الأساس لهذا الكيان الجديد. وقع اختيار الأمريكيين على العميد المتقاعد محمد عبد الله الشهواني، الرجل الذي رأوا فيه مزيجًا من الولاء والخبرة.
لم يكن اختيار الشهواني صدفة. فالرجل كان قد دخل مدرسة القوات الخاصة الأمريكية في الستينيات، حيث تعلّم فنون القتال والاستخبارات وفق المعايير الأمريكية. ومع مرور السنين، بنى شبكة علاقات قوية مع كبار الساسة الأمريكيين وضباط الـCIA. وعندما هرب الى أمريكا عام ١٩٩٠ بعد خلافاته مع نظام صدام، وجد منزله الجديد في فيرجينيا على مقربة من مقر وكالة الاستخبارات المركزية. هناك، أصبح أكثر من مجرد لاجئ سياسي، لاحقًا عمل كمستشار خلال حرب الخليج عام ١٩٩١، وتلقى راتباً مقابل خدماته الاستخباراتية، قبل أن يشارك لاحقًا في الانقلاب الفاشل ضد صدام عام ١٩٩٦.
بعد ٢٠٠٣، عندما اعتُمد اسمه رسميًا لرئاسة جهاز المخابرات الجديد، فتحت له الولايات المتحدة خزائنها لبناء الجهاز وفق رؤيتها. بدأ الشهواني بإعادة ضباط النظام السابق، محاولًا دمج خبراتهم في الجهاز الجديد، لكن سرعان ما ظهرت تصدعات خطيرة.
حيث اتُّهم الشهواني بالتركيز المفرط على “التجسس على الشيعة وتتبع التهديدات الإيرانية المزعومة”، متجاهلًا الخطر الداهم المتمثل في الجماعات الجهادية السنية التي كانت تشن هجماتها الدموية ضد الشيعة. هذا الانحياز أدخل الشهواني في صراع مباشر مع القوى الشيعية النافذة في السلطة، وزاد من حالة الانقسام الطائفي المتصاعدة في البلاد.
يتبع..
صفي الدين
بعد احتلال العراق وسقوط النظام عام ٢٠٠٣، دخلت البلاد مرحلة مظلمة من الفوضى والضياع. وقف بول بريمر، الحاكم المدني الأمريكي، على أنقاض دولة محطّمة، واتخذ قرارات مصيرية ستُغيّر وجه العراق لعقود قادمة. من بين أولى قراراته الجذرية كان حلّ جميع الأجهزة الأمنية التي…
في نوفمبر من عام ٢٠٠٦، بلغت التوترات بين محمد الشهواني، مدير جهاز المخابرات العراقي المدعوم بقوة من الأمريكيين، ومعظم القوى الشيعية الحاكمة ذروتها. كان الشهواني قد رسّخ مكانته كرأس حربة المشروع الأمريكي في العراق، متصدياً بلا هوادة لكل من يعارض النفوذ الأمريكي، سواء عبر حملات الاعتقالات والاغتيالات، أو من خلال حرب إعلامية شرسة. لقد تحوّل الجهاز تحت قيادته الى كيان يعمل فوق سلطة الحكومة، حيث لم تكن قراراتها ملزمة له.
في خضم هذا الصراع المحتدم، مارست القوى الشيعية ضغوطاً هائلة على رئيس الوزراء نوري المالكي لإقالة الشهواني، مدفوعةً برغبتها في السيطرة على الجهاز. كان المالكي، المحاصر بين مطرقة النفوذ الأمريكي وسندان المطالب الشيعية، يبحث عن بديل يُسيطر عليه هو. ومن المفارقات أن بعض تلك القوى رشّحت آنذاك الشهيد أبو مهدي المهندس لرئاسة جهاز المخابرات، الذي بدأ الأمريكيون في معرفته كأحد المطلوبين لهم سابقًا قبل أن يغادر العراق عام ٢٠٠٧.
لكن المالكي اصطدم بجدار أمريكي صلب. فقد فشلت كل محاولاته للإطاحة بالشهواني، وتلقت جهوده ضربة مهينة عندما زار مقر جهاز المخابرات عام ٢٠٠٧. هناك، رُفض طلبه بالدخول الى بعض الأقسام الحساسة المعنية بالتجسس على الفصائل والجماعات المختلفة، في مشهد عكس عمق الانقسام بين الحكومة وهذا الجهاز. هذه الإهانة دفعت المالكي الى تعزيز خلية الصقور الاستخباراتية، وتحويلها الى قوة موازية قادرة على منافسة جهاز المخابرات.
رغم رحيل الشهواني عن الجهاز عام ٢٠٠٩، استمرت أزمة القوى الشيعية مع جهاز المخابرات. فقد أدركت تلك القوى حقيقة مُرّة: الولايات المتحدة قد تساوم على الأسماء والمناصب، لكنها لن تتخلى أبداً عن السيطرة على المفاصل الأمنية الحساسة في الجهاز. كان واضحاً أن أي محاولة لانتزاع الجهاز من قبضة الأمريكيين ستُقابل برفض قاطع، مهما تغيرت الحكومات وتعاقبت الوجوه.
اليوم، وبعد سنوات من الصراع والتجاذبات، وفي ظل المفاوضات الحالية بين الحكومة والفصائل بشأن تسليم السلاح والانخراط ضمن هيئة الحشد الشعبي. وهي خطوة رفضتها الفصائل بشكل قاطع، لكن مع تطور المفاوضات بدأت بعض الفصائل تُبدي استعدادًا مبدئيًا لتقديم تنازلات جزئية، مثل تسليم جزء من سلاحها، مقابل الحصول على السيطرة الكلية على جهاز المخابرات. وهو أمر مستحيل بالنسبة للأمريكيين، إذ يشكّل تهديدًا أمنيًا يعادل، بل قد يفوق، خطر سلاح الفصائل نفسها.
في خضم هذا الصراع المحتدم، مارست القوى الشيعية ضغوطاً هائلة على رئيس الوزراء نوري المالكي لإقالة الشهواني، مدفوعةً برغبتها في السيطرة على الجهاز. كان المالكي، المحاصر بين مطرقة النفوذ الأمريكي وسندان المطالب الشيعية، يبحث عن بديل يُسيطر عليه هو. ومن المفارقات أن بعض تلك القوى رشّحت آنذاك الشهيد أبو مهدي المهندس لرئاسة جهاز المخابرات، الذي بدأ الأمريكيون في معرفته كأحد المطلوبين لهم سابقًا قبل أن يغادر العراق عام ٢٠٠٧.
لكن المالكي اصطدم بجدار أمريكي صلب. فقد فشلت كل محاولاته للإطاحة بالشهواني، وتلقت جهوده ضربة مهينة عندما زار مقر جهاز المخابرات عام ٢٠٠٧. هناك، رُفض طلبه بالدخول الى بعض الأقسام الحساسة المعنية بالتجسس على الفصائل والجماعات المختلفة، في مشهد عكس عمق الانقسام بين الحكومة وهذا الجهاز. هذه الإهانة دفعت المالكي الى تعزيز خلية الصقور الاستخباراتية، وتحويلها الى قوة موازية قادرة على منافسة جهاز المخابرات.
رغم رحيل الشهواني عن الجهاز عام ٢٠٠٩، استمرت أزمة القوى الشيعية مع جهاز المخابرات. فقد أدركت تلك القوى حقيقة مُرّة: الولايات المتحدة قد تساوم على الأسماء والمناصب، لكنها لن تتخلى أبداً عن السيطرة على المفاصل الأمنية الحساسة في الجهاز. كان واضحاً أن أي محاولة لانتزاع الجهاز من قبضة الأمريكيين ستُقابل برفض قاطع، مهما تغيرت الحكومات وتعاقبت الوجوه.
اليوم، وبعد سنوات من الصراع والتجاذبات، وفي ظل المفاوضات الحالية بين الحكومة والفصائل بشأن تسليم السلاح والانخراط ضمن هيئة الحشد الشعبي. وهي خطوة رفضتها الفصائل بشكل قاطع، لكن مع تطور المفاوضات بدأت بعض الفصائل تُبدي استعدادًا مبدئيًا لتقديم تنازلات جزئية، مثل تسليم جزء من سلاحها، مقابل الحصول على السيطرة الكلية على جهاز المخابرات. وهو أمر مستحيل بالنسبة للأمريكيين، إذ يشكّل تهديدًا أمنيًا يعادل، بل قد يفوق، خطر سلاح الفصائل نفسها.
بعد استشهاد القائد عماد مغنية في فبراير عام ٢٠٠٨، شهدت الساحة العراقية تصعيدًا ملحوظًا في العمليات العسكرية التي نفذتها الفصائل العراقية ضد القوات الأمريكية والبريطانية، تحت مسمى “عمليات ثأر الحاج عماد مغنية”. تميزت هذه العمليات بزيادة وتيرتها وتنوع أساليبها، حيث استهدفت أغلب القواعد العسكرية وأرتال الإمداد، مما أسفر عن تصاعد ملحوظ في خسائر القوات الأجنبية. وفي خضم هذا التصعيد، وبعد أسبوع واحد من استشهاد مغنية، وفي مثل هذا اليوم من عام ٢٠٠٨، قُتل ثلاثة جنود أمريكيين في بغداد نتيجة انفجار عبوة ناسفة متطورة، تُعرف بالقمعية، وهي من الأسلحة التي نُسب إدخالها الى العراق وتدريب الفصائل على استخدامها الى جهود الشهيد مغنية. وقد اكتسبت هذه الحادثة بُعدًا رمزيًا عميقًا حين اتضح أن أحد القتلى كان جنديًا يهوديًا يحمل الجنسية الإسرائيلية يُدعى ألبرت بيتون.
"يا حسين انطك راس الشيعة"
بعد ظهيرة عاشوراء، حين تعالت صرخات الخيول وتلاشى صهيلها في لهيب الصحراء، وامتزج وهج الرمال بدم الحسين الطاهر، لم يكن الدم المسفوك على رمال كربلاء دمًا هدرًا، بل كان حبرًا خطّ به الإنسان سفر خلوده. هناك، تحت ظلال السيوف المسنونة، وفي وهج العطش والموت، وقف الحسين لا كضحية للقدر، بل كصانع له. جسده المثخن بالجراح كان أكثر حياة من قاتليه، وصوته المقطوع كان صدى يتردد في أعماق القرون، يهزّ ضمائر الأحرار ويصرخ: “هيهات منا الذلة”.
لم يكن استشهاد الحسين انكسارًا، بل كان وثبة الروح فوق قيود الأرض، وثبة الإنسان حين يرفض أن يُكسر حتى تحت وطأة السيوف. لقد تحوّل ذلك الدم الى نهر متدفّق يجري في شرايين كل من رفض الذل، جرحًا مفتوحًا في قلب الزمن لا يندمل لأنه اختار أن يبقى شاهدًا دائمًا على معنى الكرامة.
وهكذا، لم يكن التشيّع مجرّد مذهبٍ يُقرأ في بطون الكتب أو يُختزل في طقوس من البكاء والحزن، بل كان صرخة الإنسان الحرّ في وجه كل طاغية، تمردًا خالدًا على الظلم. التشيّع هو فلسفة الرفض الأبدي، هو دموع ممزوجة بالدماء، وانحناءة ظهر لا تعني الانكسار بل تحمل ثقل الثورة. لقد حاول الطغاة عبر القرون طمس هذا الصوت، أرادوا له أن يتحول الى صدى بعيد بين جدران النسيان، لكنهم غفلوا عن حقيقة النار التي اشتعلت في كربلاء، نار لا تخبو، بل تبقى جمرة متقدة تنتظر لحظة الانفجار.
وهذه اللحظة العظيمة جاءت كفجرٍ مزّق سدول الليل بعد قرون من الظلام الدامس، حين دوّى صوت روح الله كالرعد الجبّار. كان صوته نداء الخلود في وجه الفناء، تحدّياً لقدَرٍ أسود رسمه الشيطان الأكبر وزبانيته بأحبار من الاستكبار. لم تكن ثورته مجرّد انتفاضة ضد طاغوت أو انهيار عرشٍ مترنّح، بل كانت زلزلةً للروح، بعثًا جديدًا للإنسان الذي كاد يُدفن حيًّا تحت ركام عبوديته الداخلية.
ولم يكن هذا الانبعاث إلا تعويضًا لتلك القرون السوداء، تلك الحقبة التي أرادوا فيها للتشيّع أن يكون صدى الماضي الباكي لا صوت الحاضر الهادر. فجاءت تلك اللحظة كريح عاتية، تقتلع رماد القرون لتكشف عن جمرٍ لا زال حارًا. ومن بين هذا اللهيب خرج رجالٌ من صلب كربلاء، رجال كأنهم من دم الحسين، برز سليماني كأنه سيفٌ قديم نُزع من غمده بعد قرون، وظهر نصر الله كصدى لتلك الصرخة الأولى التي دوّت في عاشوراء، يحمل إرث الحسين على كتفيه ويردد كلماته بكل يقين: “ما تركتك يا حسين.”
كربلاء لم تنتهِ، بل امتدت كخط دموي يربط الماضي بالحاضر، صراع لا يزال قائمًا بين الدم والسيف، بين الحق والباطل. وكما انتصر دم الحسين ذات ظهيرة، سيبقى هذا الدم يسقي جذور الحرية حتى يسقط آخر شيطان بشري.
بعد ظهيرة عاشوراء، حين تعالت صرخات الخيول وتلاشى صهيلها في لهيب الصحراء، وامتزج وهج الرمال بدم الحسين الطاهر، لم يكن الدم المسفوك على رمال كربلاء دمًا هدرًا، بل كان حبرًا خطّ به الإنسان سفر خلوده. هناك، تحت ظلال السيوف المسنونة، وفي وهج العطش والموت، وقف الحسين لا كضحية للقدر، بل كصانع له. جسده المثخن بالجراح كان أكثر حياة من قاتليه، وصوته المقطوع كان صدى يتردد في أعماق القرون، يهزّ ضمائر الأحرار ويصرخ: “هيهات منا الذلة”.
لم يكن استشهاد الحسين انكسارًا، بل كان وثبة الروح فوق قيود الأرض، وثبة الإنسان حين يرفض أن يُكسر حتى تحت وطأة السيوف. لقد تحوّل ذلك الدم الى نهر متدفّق يجري في شرايين كل من رفض الذل، جرحًا مفتوحًا في قلب الزمن لا يندمل لأنه اختار أن يبقى شاهدًا دائمًا على معنى الكرامة.
وهكذا، لم يكن التشيّع مجرّد مذهبٍ يُقرأ في بطون الكتب أو يُختزل في طقوس من البكاء والحزن، بل كان صرخة الإنسان الحرّ في وجه كل طاغية، تمردًا خالدًا على الظلم. التشيّع هو فلسفة الرفض الأبدي، هو دموع ممزوجة بالدماء، وانحناءة ظهر لا تعني الانكسار بل تحمل ثقل الثورة. لقد حاول الطغاة عبر القرون طمس هذا الصوت، أرادوا له أن يتحول الى صدى بعيد بين جدران النسيان، لكنهم غفلوا عن حقيقة النار التي اشتعلت في كربلاء، نار لا تخبو، بل تبقى جمرة متقدة تنتظر لحظة الانفجار.
وهذه اللحظة العظيمة جاءت كفجرٍ مزّق سدول الليل بعد قرون من الظلام الدامس، حين دوّى صوت روح الله كالرعد الجبّار. كان صوته نداء الخلود في وجه الفناء، تحدّياً لقدَرٍ أسود رسمه الشيطان الأكبر وزبانيته بأحبار من الاستكبار. لم تكن ثورته مجرّد انتفاضة ضد طاغوت أو انهيار عرشٍ مترنّح، بل كانت زلزلةً للروح، بعثًا جديدًا للإنسان الذي كاد يُدفن حيًّا تحت ركام عبوديته الداخلية.
ولم يكن هذا الانبعاث إلا تعويضًا لتلك القرون السوداء، تلك الحقبة التي أرادوا فيها للتشيّع أن يكون صدى الماضي الباكي لا صوت الحاضر الهادر. فجاءت تلك اللحظة كريح عاتية، تقتلع رماد القرون لتكشف عن جمرٍ لا زال حارًا. ومن بين هذا اللهيب خرج رجالٌ من صلب كربلاء، رجال كأنهم من دم الحسين، برز سليماني كأنه سيفٌ قديم نُزع من غمده بعد قرون، وظهر نصر الله كصدى لتلك الصرخة الأولى التي دوّت في عاشوراء، يحمل إرث الحسين على كتفيه ويردد كلماته بكل يقين: “ما تركتك يا حسين.”
كربلاء لم تنتهِ، بل امتدت كخط دموي يربط الماضي بالحاضر، صراع لا يزال قائمًا بين الدم والسيف، بين الحق والباطل. وكما انتصر دم الحسين ذات ظهيرة، سيبقى هذا الدم يسقي جذور الحرية حتى يسقط آخر شيطان بشري.
اليوم يا سيد السادة، ويا تاج المحور، ودّعك الأحياء مُثقلين بالحسرات، واستقبلتك جيوش الموتى من الشهداء والمجاهدين، صفوفًا تلو صفوف، جاؤوك من كل فجٍ بعيد، من كل مقابر الأرض، كما لو أن الأرض كلها قد انتفضت لتحتفي بك. آهٍ لتلك المقابر التي لم تُقدّر لها نعمة احتضانك، فاليوم تنوح حجارتها وتئنّ تربتها، حسدًا لتلك التي احتضنت جسدك الطاهر، كأنها فازت بغنيمةٍ لا تُقدَّر بثمن، وأيّ غنيمةٍ أعظم من جسدٍ حمل همّ الأمة ونبض بوجعها؟.
والمقابرُ ذاتها اليوم تتساءل: كيف لنا أن نحتوي من كانت كلماته تتّسع لآمال أمة؟ وكيف للأرض أن تضم صدرًا كان يتّسع لأوجاعها كلّها؟ لكنه الموت، يا سيدي، يأخذ خيرة الرجال ويبقي خلفه جموعًا من الأحياء الموتى.
أما نحن، أبناء هذا الزمان العقيم، فما لنا سوى البكاء على أنفسنا، لأننا خسرناك، لا لأنك رحلت، بل لأنك كنت آخر الباقين من زمنٍ كانت فيه الرجولة موقفًا، والكلمة وعدًا لا يخون.
والمقابرُ ذاتها اليوم تتساءل: كيف لنا أن نحتوي من كانت كلماته تتّسع لآمال أمة؟ وكيف للأرض أن تضم صدرًا كان يتّسع لأوجاعها كلّها؟ لكنه الموت، يا سيدي، يأخذ خيرة الرجال ويبقي خلفه جموعًا من الأحياء الموتى.
أما نحن، أبناء هذا الزمان العقيم، فما لنا سوى البكاء على أنفسنا، لأننا خسرناك، لا لأنك رحلت، بل لأنك كنت آخر الباقين من زمنٍ كانت فيه الرجولة موقفًا، والكلمة وعدًا لا يخون.