Telegram Group Search
اليأس مقطعة المُنىٰ
والصبر مِفْتاح الرجاءِ

أبو العتاهية!
إن المحبَّ لفي عناء!

أبو العتاهية!
نموت وننسى غير أن ذنوبنا
وإن نحنُ متنا لا تموتُ ولا تنسى!

أبو العتاهية!
وهل تنفع العينان من قلبه أعمى ؟

أبو العتاهية!
والليل يذهب والنهار وفيهما
عِبرٌ تمرُّ وفكرةٌ لأولي النُّهى

أبو العتاهية!
حتى متى تبغي عِمارَةَ منزلٍ
لا تأمَنُ الروّعاتِ فيه ولا الأذى ؟

أبو العتاهية!
أَهلَ القُبورِ مَحا التُرابُ وُجوهَكُم
أَهلَ القُبورِ تَغَيَّرَت تِلكَ الحُلى

أَهلَ القُبورِ كَفى بِنَأيِ دِيارَكُم
إِنَّ الدِيارَ بِكُم لَشاحِطَةُ النَوى

أَهلَ القُبورِ لا تَواصُلَ بَينَكُم
مَن ماتَ أَصبَحَ حَبلُهُ رَثَّ القِوى

أبو العتاهية!
أنسيتَ أن تدعى وأنتَ محشرجٌ
ما إنْ تُفيقُ ولا تجيبُ لمن دعا

أما خُطاك إلى العمى فسريعةٌ
وإلى الهدى فأراك منقبض الخُطا

أبو العتاهية!
نراعُ لذكر الموتِ ساعةَ ذكرهِ
ونغترُّ بالدنيا فنلهو ونلعبُ

ونحن بنو الدنيا خلقنا لغيرها

أبو العتاهية!
أَلَم تَرَها دارَ افتِراقٍ وَفَجعَةٍ
إِذا ذَهَبَ الإِنسانُ فيها فَقَد ذَهَب

أُقَلِّبُ طَرفي مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ
لِأَعلَمَ ما في النَفسِ وَالقَلبُ يَنقَلِب

وَسَربَلتُ أَخلاقي قُنوعاً وَعِفَّةً
فَعِندي بِأَخلاقي كُنوزٌ مِنَ الذَهَب

فَلَم أَرَ خُلقاً كَالقُنوعِ لِأَهلِهِ
وَأَن يُجمِلَ الإِنسانُ ما عاشَ في الطَلَب

أبو العتاهية!
وكلٌّ لهُ مُدَّةٌ تنقضي
وكلٌّ لهُ أَثَرٌ يُكتَبُ

أبو العتاهية!
إلهي لا تعذبني فإني
مُقِرٌ بالذي قد كان مني

أبو العتاهية!
وللإرض من كل حيٍّ نصيب!

أبو العتاهية!
سامحِ النّاسَ فإني أراهمْ
أصبحوا إلا قليلًا ذِئابا

أفشِ معروفكَ فيهم وأكنزْ
ثمَّ لا تبغِ عليه ثوابا

وسَلِ اللهَ إذا خفْتَ فقراً
فهْوَ يعطيكَ العطايا الرغابا

أبو العتاهية!
تَبارَكَ رَبٌّ لايَزالُ وَلَم يَزَل
عَظيمَ العَطايا رازِقاً دائِمَ السَيبِ
لَهِجتُ بِدارِ المَوتِ مُستَحسِناً لَها
وَحَسبي لِدارِ المَوتِ بِالمَوتِ مِن عَيبِ
لِيَخلُ امرُؤٌ دونَ الثِقاتِ بِنَفسِهِ
فَما كُلُّ مَوثوقٍ بِهِ ناصِحُ الجَيبِ
لَعَمرُكَ ما عَينٌ مِنَ المَوتِ في عَمىً
وَما عَقلُ ذي عَقلٍ مِنَ البَعثِ في رَيبِ
وَما زالَتِ الدُنيا تُري الناسَ ظاهِراً
لَها شاهِدٌ مِنهُ يَدُلُّ عَلى غَيبِ

أبو العتاهية!
والصّمتُ -إن ضاق الكلامُ- أوسعُ.

أبو العتاهية!
ترجو النّجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبسِ!
‌‏قال أبو العتاهية عند دفن ولده:

‏كفى حَزَناً بدفنك ثم أني
‏نفضت تراب قبرك من يديا

‏وكنتَ وفي حياتك لي عظاتٌ
‏فأنت اليوم أوعظُ منك حيا
أحلام نوم أو كظل زائل
إن اللبيبَ بمثلها لا يخدعُ
وآخرها بأولها شبيهٌ
وتصبح في عجائبها وتُمسي.

أبو العلاء المعري عن الحياة.
2025/02/22 10:14:07
Back to Top
HTML Embed Code: