••

عن عائشة أمّ المؤمنين زوج سيّد المرسلين وبنت الصّدّيق الأمين رضي اللّه عنها قالت: قال رسولُ اللّٰه صلَّى اللّٰه عليه وسلَّم: «أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها و إن قَلَّ»

وذلك لأن من داوم على الخير داوم الخدمة، وليس مَن لازم عملاً في كل يوم كمن عمل عملاً يوماً وانقطع شهراً.
• فصلاة المرء ثلاث ركعات قيام ليل يومياً خيرٌ ممن صلى إحدى عشرة ركعة بعد رمضان ثم انقطع بعد أسبوعين.
• وحفظُ صفحة أو نصف صفحة من القرآن الكريم يومياً خيرٌ ممن حفظ جزءًا في يومين ثم انقطع.
• وحفظُ حديث واحد يومياً وقراءة شرحه خيرٌ ممن أراد قراءة كتاب في يوم ثم ترك الحفظ والحديث وانقطع.
• وقراءة جزء من القرآن الكريم يومياً خير ممن قرأ عشرين جزءًا في يوم ثم انقطع.
• وصيام الاثنين والخميس من كل أسبوع خير ممن صام أسبوعاً ثم قطع.
• وقراءة مسألة فقهية يومياً ودراستها خير ممن قرأ كتاباً في يوم ثم انقطع.
• وحضور ساعة يومياً في طلب العلم خير ممن حضر عشرة دورس في يوم ثم انقطع.
• وملاطفة أهلك وزوجتك كل يوم بكلمة واحدة خير من "عيد حب" كل سنة ثم تقتطع (ملحوظة: عيد الحب حرام).
• وبرك أمك وأباك كل يوم خير من برّكها في يوم واحد من السنة في "عيد الأم" (ملحوظة: عيد الأم حرام).
• وممازحتك واحتواؤك طفلك كل يوم وسماعه واللعب معه خير من "عيد ميلاد" تعمله له في كل عام مرة (ملحوظة: عيد الميلاد حرام)

وفي هذا يقول الشاعر:
"اليوم شيءٌ وغدًا مثلُه
من نُخب العلمِ التي تُلتقط
يُحصِّل المَرء بها حكمةً
وإنما السيلُ اجتماع النقط"
فالسيل اجتماع النقط، والجبال من الحصى، وسترى أثر هذا العمل القليل بعد مدة معينة.

• فمن صلى كل يوم ثلاث ركعات على مدة عشر سنوات يكون قد صلى تسعة عشر ألف ركعة.
• ومن حفظ صفحة من القرآن الكريم كل يوم على مدة سنتين يحفظه كاملاً.
• ومن حفظ حديثاً واحداً يومياً يحفظ صحيح البخاري في عشرة سنوات.
• ومن قرأ جزءًا من القرآن يومياً يختم مرة كل شهر.
• ومن طلب العلم ساعة يومياً يحضر نحواً من 3600 ساعة في العلم خلال عشر سنوات.
• ومن صام كل اثنين وخميس فقط صام 960 يوماً في عشر سنوات، أي باعده الله 67200 خريفاً عن النار، ونحسن الظن بالله أنه لا يدخل النار من باعده كل هذه المسافة.
• ومن درس وبحث مسألة فقهية كل يوم فقد درس 3650 مسألة في عشر سنوات، وهذا العدد والله وبالله وتالله لا يملكه من درس الدكتوراه في جامعات اليوم.

ولا يصح البدء فوراً بالمعالي والحالة المثالية، كلاعب أجسام دخل النادي ويريد حمل أثقل الأثقال، سيحملها ثوان ثم تنقلب عليه ويترك النادي والرياضة كلها، فهذه الفكرة.
فالاستعجال سواء في العلم أو العبادة أو حتى الدنيا لن يؤتيك ثماره، فعليك بالتدرج، والثبات، فمن ثبت نبت.

ثم إن لهذا الحديث فائدة أخرى في ضوء فهم حديث آخر، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
«إِذَا مرِضَ الْعبْدُ أَوْ سافَر كُتِب لَهُ مَا كانَ يعْملُ مُقِيماً صحيِحاً»
فمن يقرأ القرآن ويصل الأرحام ويحفظ الحديث ويطلب العلم ويبر والديه ويصلي قيام ليل والنوافل ويصوم الاثنين والخميس إذا مرض أو سافر يكتب عند الله يفعل كل هذه العبادات.
أما من يقتصر على قراءة عشرة أجزاء مثلاً يومياً فإنه يكتب قارئاً فقط.
ومن يقتصر على قيام الليل بإحدى عشرة ركعة يومياً يكتب قائماً.
أما من يعمل بهذا الحديث فإنه كل يوم يكتب مصلّياً قائماً صائماً حافظاً قارئاً طالباً للعلم باراً بوالديه، والفطِن من يضرب بسهم في كل باب.

وقد قال الله تعالى:
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ (33) وَأَعْطَىٰ قَلِيلًا وَأَكْدَىٰ (34) أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ (37)} [النجم : 33-37]
أي الذي عمل عملاً ثم قطعه، لماذا قطعته؟!
الذي أعطى قليلاً من العمل، ثم أكدى.
لماذا قطع؟!
هل عنده علم الغيب وقد ضمن الجنة؟ أم أنه اطلع إلى الغيب فرأى حسناته أعلى من سيئاته؟
ألم يستمع لقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام؟
سيدنا إبراهيم الذي قال الله فيه: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}
أتمّهن ولم ينقطع، وهو أبو الأنبياء، فكونوا مثله، واقتدوا به.

#حديث 38