Telegram Group Search
قناة: محمد آل رميح.
. من فقه الآثار في صحيح مسلم ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ ﻗﺎﻝ ﷺ: «ﻳﺨﺮﺝ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﻓﻴﺘﻮﺟﻪ ﻗﺒﻠﻪ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ المؤمنين، ﻓﺘﻠﻘﺎﻩ اﻟﻤﺴﺎﻟﺢ -ﻣﺴﺎﻟﺢ اﻟﺪﺟﺎﻝ- ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻪ: ﺃﻳﻦ ﺗﻌﻤﺪ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺃﻋﻤﺪ ﺇﻟﻰ ﻫﺬا اﻟﺬﻱ ﺧﺮﺝ! ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻪ: ﺃﻭ ﻣﺎ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺮﺑﻨﺎ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﺎ ﺑﺮﺑﻨﺎ ﺧﻔﺎء! ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ:…
.
من فقه الفتن (٢)

ومن الفوائد في هذا الحديث العظيم:
- أن المسلم شخص رساليّ، لا يكتفي بمعرفة الفتنة، بل يصيح في الناس محذرا منها.

- أن المؤمن التقي لا يزداد مع اشتداد الفتنة إلا بصيرة بها، لأن الفتنة إذا اشتدت كانت أشد ظلامًا وخلوًا من النور، وذاك أحرى أن يزداد بها المؤمن بصيرة، ولذا قال هذا الشاب الصالح حين يؤمر ﺑﻪ ﻓﻴﺆﺷﺮ ﺑﺎﻟﻤﺌﺸﺎﺭ ﻣﻦ ﻣﻔﺮﻗﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺭﺟﻠﻴﻪ، وﻳﻤﺸﻲ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﺑﻴﻦ اﻟﻘﻄﻌﺘﻴﻦ، ويقول ﻟﻪ: ﻗﻢ، ﻓﻴﺴﺘﻮﻱ ﻗﺎﺋﻤﺎ، ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ: ﺃﺗﺆﻣﻦ ﺑﻲ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ ذلك الشاب الصالح: ﻣﺎ اﺯﺩﺩﺕ ﻓﻴﻚ ﺇﻻ ﺑﺼﻴﺮﺓ!".

- ومنها أن الفتنة مهما عظمت فلابد أن تصل لحد تنتهي إليه، وكأن ذلك والعلم عند ﷲ مرتبط بوجود من يدافعها، ولو كان شخصا واحدا، ولهذا فإن ذلك الشاب الصالح يقول بعدما أحياه الدجال: "ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﺑﻌﺪﻱ ﺑﺄﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻴﺄﺧﺬﻩ اﻟﺪﺟﺎﻝ ﻟﻴﺬﺑﺤﻪ، ﻓﻴﺠﻌﻞ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺭﻗﺒﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﻗﻮﺗﻪ ﻧﺤﺎﺳﺎ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﻴﻼ".

•• وفي هذا الشاب تحقّقت صفات المصلح الثلاث:
- الشجاعة: ولذا خرج لمواجهة الدجال، وهو يعلم ما عنده من بأس وطغيان.
- التجرد، ولذا ما زال متجرّدا عن ذاته، فضُرب وشُبّح، ثم قُتل، ثم ما زال على ثباته.
- الإخلاص، ولذا تراه لم ينوّه بشجاعته، ولكن ما فتئ يردد: أنت الذي أخبرنا بك النبي ﷺ.

وفي الأخبار التي جاءت في نبأ الدجال، ذكر النبي ﷺ نهايته فكان فيها أمران:
- أن لنهايته بداية، تبدأ بمواجهة الشاب الصالح له، ولذا فحين يعجز الدجال عن قتله آخر أمره يقول الشاب الصالح: "أيها الناس إنه لا يستطيع أن يفعل بأحد بعدي"، وهنا ابتدأت نهايته بجوار المدينة النبوية.

- ثم ذكر نهايته بالشام، حين ينزل عيسى ﷺ فيدركه بباب لدّ فيقتله.
وفيه لطائف:
- أن هذه الأمة أمة مباركة، ولهذا سيكون لها مشاركة ذاتية في مواجهة الدجال، وفي المسند ذكر ﷺ بقاء طائفة منصورة حتى يقاتل آخرها المسيح الدجّال.
فستقاتل طائفة من الأمة المسيح الدجال، ولكن لا تغلبه حتى يصل المدينة النبوية، وهناك يخرج عليه الشاب الصالح، وهو آخر العهد بالتسليط المباشر، فيرجع للشام ويحاصر طائفة من المؤمنين هناك، ولا يسلط عليهم فينزل المسيح عيسى ﷺ، فيقتله، وتلك نهاية هذه الفتنة الكبرى.

- وإذا علمنا أن ذلك الشاب الصالح الذي يقتله الدجال هو خير الشهداء، كان من فقه الفتن فيه أن المدافعين للفتن هم خير الناس، ولذلك كان من عظم خيرية الثابتين ضد الدجال التوفيق لصحبة عيسى ﷺ، وهل يكون لهم فضيلة أصحاب الأنبياء؟ محل بحث، وفضل ﷲ عظيم، فالسعيد من جنّب فتنة الدجال، ومن ابتلي فواجهها وصبر ولقي نبي ﷲ عيسى ﷺ فواها!
.
في الصحيحين ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﺮﺩﺓ ابن ﺃﺑﻲ ﻣﻮﺳﻰ عن أبي موسى ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: "ﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻓﻲ ﻏﺰﻭﺓ ﻭﻧﺤﻦ ﺳﺘﺔ ﻧﻔﺮ، ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺑﻌﻴﺮ ﻧﻌﺘﻘﺒﻪ!
ﻓﻨﻘﺒﺖ ﺃﻗﺪاﻣﻨﺎ!
ﻭﻧﻘﺒﺖ ﻗﺪﻣﺎﻱ! ﻭﺳﻘﻄﺖ ﺃﻇﻔﺎﺭﻱ!
ﻭﻛﻨﺎ ﻧﻠﻒ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺟﻠﻨﺎ اﻟﺨﺮﻕ!
ﻓﺴﻤﻴﺖ ﻏﺰﻭﺓ ﺫاﺕ اﻟﺮﻗﺎﻉ، ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﻌﺼﺐ ﻣﻦ اﻟﺨﺮﻕ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺟﻠﻨﺎ!
ﻭﺣﺪﺙ ﺃﺑﻮ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻬﺬا ﺛﻢ ﻛﺮﻩ ﺫاﻙ!
ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺻﻨﻊ ﺑﺄﻥ ﺃﺫﻛﺮﻩ، ﻛﺄﻧﻪ ﻛﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ ﺃﻓﺸﺎﻩ"!

ذات الرقاع!
بخٍ بخٍ!

تأمّل هذه التسمية التي أتت على هيئة نادرة، ليس مما عهد من طريقة تسمية الغزوات والسرايا في العهد النبوي وما بعده.

لقد كان العهد أن تسمى الغزوات بأماكنها التي وقعت فيه أو حوله، كغزوة ﺑﻮاﻁ وهي جبال لجهينة ناحية رضوى، وﻏﺰﻭﺓ اﻟﻌﺸﻴﺮﺓ جهة ينبع وغزوة بدر بالبقعة وأحد بالجبل، والطائف وتبوك وخيبر والقادسية واليرموك هكذا.

أو بالقبيلة التي قوتلت كغزوة ﺑﻨﻲ ﺳﻠﻴﻢ، وغزوة غطفان، وغزوة بني المصطلق وهم قوم من خزاعة، وﻏﺰﻭﺓ ﺑﻨﻲ اﻟﻨﻀﻴﺮ.

أو أن تسمّى بما استعمله المسلمون فيها من وسائل وطرق في حرب العدو كغزوة الخندق أو ذات الصواري.

أو بأمر نادر وقع فيها كغزوة السويق، فإنها سميت بذلك لكثرة السويق الذي تركه المشركون يتخففون منه، فغنمه المسلمون.

لكن هذه الغزوة سميت بحدث استثنائي وقع فيها!
بشأن من شؤون البذل والعطاء والتضحية بالنفس في ذات الله!
غزوة ﺫاﺕ اﻟﺮﻗﺎﻉ!
وقد وقعت بنجد بمكان يقال له: ﻧﺨﻞ، لقي فيها ﷺ غطفان.
لقد كانت تسميتها بهذا من أجل ذلك الأمر العظيم الذي وقع للصحابة، وظهر به شيء من التضحيات الكبار التي وقعت منهم رضوان الله عليهم.

هل تأملتَ قوله -رضي الله عنه-:
"ﻓﻨﻘﺒﺖ ﺃﻗﺪاﻣﻨﺎ!
ﻭﻧﻘﺒﺖ ﻗﺪﻣﺎﻱ! ﻭﺳﻘﻄﺖ ﺃﻇﻔﺎﺭﻱ؟"


هل جرّبت المشي حافيًا على الحجر والشوك والرمضاء قليلًا؟ ووجدت ألمها وتعبها؟

في التدريبات العسكرية يدرس الجنود أنك لو خيرت بين حذائك وسلاحك؛ فاختر حذاءك! لأن الجندي إذا لم يكن عنده حذاء كان مآله القتل أو الأسر!

رضي الله عن أولئك الأطهار، فلا والله لم يبلغنا الدين بالهون والراحة، ولكن بالتضحيات الكبار!

ثم تأمّل شيئًا زكيًا آخر!
قال أبو بردة: "ﻭﺣﺪﺙ ﺃﺑﻮ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻬﺬا ﺛﻢ ﻛﺮﻩ ﺫاﻙ!
ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺻﻨﻊ ﺑﺄﻥ ﺃﺫﻛﺮﻩ، ﻛﺄﻧﻪ ﻛﺮﻩ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻪ ﺃﻓﺸﺎﻩ"!
لقد كره هذا الصحابي الكريم إفشاء عمله!
وإظهار جهاده!
ونشر صالح من صالح عمله، وهو من هو في تقواه وصلاحه وقربه من النبي ﷺ.

أدهشني كثيرًا عظيم البذل مع عظيم الخوف، وتلك سمة الأولياء، وعلامة المقربين.
.
في الصحيحين عن شقيق عن حذيفة قال: ﻛﻨﺎ ﺟﻠﻮﺳﺎ ﻋﻨﺪ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻳﻜﻢ ﻳﺤﻔﻆ ﻗﻮﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻲ اﻟﻔﺘﻨﺔ؟
ﻗﻠﺖ ﺃﻧﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ!
ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻚ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﺠﺮﻱء!
ﻗﻠﺖ: «ﻓﺘﻨﺔ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﻣﺎﻟﻪ ﻭﻭﻟﺪﻩ ﻭﺟﺎﺭﻩ، ﺗﻜﻔﺮﻫﺎ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺼﻮﻡ ﻭاﻟﺼﺪﻗﺔ، ﻭاﻷﻣﺮ ﻭاﻟﻨﻬﻲ».
ﻗﺎﻝ: ﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﺃﺭﻳﺪ! ﻭﻟﻜﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻮﺝ ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻮﺝ اﻟﺒﺤﺮ!
ﻗﺎﻝ: ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺄﺱ ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ!
ﺇﻥ ﺑﻴﻨﻚ ﻭﺑﻴﻨﻬﺎ ﺑﺎﺑﺎ ﻣﻐﻠﻘﺎ!
ﻗﺎﻝ: ﺃﻳﻜﺴﺮ ﺃﻡ ﻳﻔﺘﺢ؟
ﻗﺎﻝ: ﻳﻜﺴﺮ!
ﻗﺎﻝ: ﺇﺫًا ﻻ ﻳﻐﻠﻖ ﺃﺑﺪًا!
فقيل لحذيفة: ﺃﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﻳﻌﻠﻢ اﻟﺒﺎﺏ؟ ﻗﺎﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺩﻭﻥ اﻟﻐﺪ اﻟﻠﻴﻠﺔ! ﺇﻧﻲ ﺣﺪﺛﺘﻪ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻷﻏﺎﻟﻴﻂ!
قال شقيق: ﻓﻬﺒﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺴﺄﻝ ﺣﺬﻳﻔﺔ، ﻓﺄﻣﺮﻧﺎ ﻣﺴﺮﻭﻗﺎ ﻓﺴﺄﻟﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: اﻟﺒﺎﺏ ﻋﻤﺮ".
رضي الله عنهم وأرضاهم.

• في هذا الحديث: أن هناك من الفتن ما يحجز عنها حاجز، ويحجب دونها حجاب، فلا تنفتق في الناس، ولا تندلق حتى يذهب الباب.
والعلماء العاملون أبواب مغلقة دون الفتن!
فإذا ذهبوا انفتحت من أنواع الفتن ما كان يحجزها.
ومن طريف ما نقل هنا ما جاء عن اﺑﻦ ﺃﻛﺜﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻟﻨﺎ اﻟﻤﺄﻣﻮﻥ: ﻟﻮﻻ ﻣﻜﺎﻥ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ ﻫﺎﺭﻭﻥ ﻷﻇﻬﺮﺕ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﺨﻠﻮﻕ!
ﻓﻘﺎﻝ ﺑﻌﺾ ﺟﻠﺴﺎﺋﻪ: ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﻣﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﻳﺘﻘﻰ؟
ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ ﻭﻳﺤﻚ! ﺇﻧﻲ ﻻ ﺃﺗﻘﻴﻪ ﻷﻥ ﻟﻪ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎ ﺃﻭ ﺳﻠﻄﻨﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﺃﺧﺎﻑ ﺇﻥ ﺃﻇﻬﺮﺗﻪ ﻓﻴﺮﺩ ﻋﻠﻲ، ﻓﻴﺨﺘﻠﻒ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﻓﺘﻨﺔ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻛﺮﻩ اﻟﻔﺘﻨﺔ!ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﺮﺟﻞ: ﻓﺄﻧﺎ ﺃﺧﺒﺮ ﻟﻚ ﺫﻟﻚ ﻣﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻧﻌﻢ، ﻓﺨﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﻭاﺳﻂ ﻓﺠﺎء ﺇﻟﻰ ﻳﺰﻳﺪ ﻓﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺴﺠﺪ، ﻭﺟﻠﺲ ﺇﻟﻴﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺧﺎﻟﺪ ﺇﻥ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﻘﺮﺋﻚ اﻟﺴﻼﻡ، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻟﻚ: ﺇﻧﻲ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﻇﻬﺮ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﺨﻠﻮﻕ!
ﻓﻘﺎﻝ يزيد: ﻛﺬﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻻ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺩﻗﺎ ﻓﺎﻗﻌﺪ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺠﻠﺲ، ﻓﺈﺫا اﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻘﻞ!
ﻗﺎﻝ: ﻓﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﻐﺪ اﺟﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻘﺎﻡ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺧﺎﻟﺪ، ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻚ، ﺇﻥ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﻘﺮﺋﻚ اﻟﺴﻼﻡ، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﻟﻚ: ﺇﻧﻲ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﺃﻇﻬﺮ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﻓﻤﺎ ﻋﻨﺪﻙ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ؟
ﻗﺎﻝ: ﻛﺬﺑﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻻ ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻧﻪ، ﻭﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﻞ ﺑﻪ ﺃﺣﺪ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺪﻡ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻛﻨﺖ ﺃﻧﺖ ﺃﻋﻠﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﻘﺼﺔ ﻛﻴﺖ ﻭﻛﻴﺖ، ﻗﺎﻝ: ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﻭﻳﺤﻚ ﻳﻠﻌﺐ ﺑﻚ!

(تاريخ بغداد ١٦/ ٤٩٣)
.
في أول سياق غزوة الخندق في سورة الأحزاب لم يستهل السياق بذكر التضحيات الضخام للصحابة!
ولا بذكر مكر اليهود!
ولا تخاذل المنافقين!
ولا بذكر هزيمة قريش!
كلا.. كل ذلك لم تستهل به القصة!

لكنها استهلت بذكر فضل ﷲ ومنته وكرمه وعطائه على الطائفة المؤمنة.

الطائفة التي مسها البأس والكرب والضر، وبذلت وتعبت وسغبت، قال ﷻ: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ جَاۤءَتۡكُمۡ جُنُودࣱ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ رِیحࣰا وَجُنُودࣰا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرًا﴾.

وهنا فمن حسن نظر المتدبر للقرآن أن ينظر فيما جاء في القرآن بخلاف ما يتوقعه القارئ على بداهته البشرية، فهذا باب شريف من تدبر القرآن يطلع به المؤمن على أولويّات الشّريعة، ويفقه ترتيب القضايا بحسب ترتيبها القرآني، لا بحسب ما يقع في قلبه على الارتجال.
.
من عجيب ما وصف الله به المنافقين ما جاء في قوله ﷻ: ﴿وَیَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمۡ لَمِنكُمۡ وَمَا هُم مِّنكُمۡ وَلَـٰكِنَّهُمۡ قَوۡمࣱ یَفۡرَقُونَ﴾!
فإنّ هذا من العجب وكل القرآن عجب!
فقد نفى الله سبحانه أن يكون المنافقون من المسلمين، ثم لما جاء ذكر صفاتهم، المقابلة لصفات المؤمنين؛ لم يأت ذكر نفاقهم وكذبهم وتكذيبهم في مقابل الإيمان!
ولكنه سبحانه قابَل هنا بين الإيمان والجبن!
وأسلوب الاستدراك هنا ﴿وَلَـٰكِنَّهُمۡ قَوۡمࣱ یَفۡرَقُونَ ﴾، لم يذكر المستدرك، واكتفى بذكر اتصافهم ﺑﺼﻔﺔ اﻟﺠﺒﻦ!
وذلك لأن أهل الإيمان أهل شجاعة وعزة، والمتافقون بخلافهم أهل جبن وفرق!
﴿ذَ ٰ⁠لِكَ وَمَنۡ عَاقَبَ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبَ بِهِۦ ثُمَّ بُغِیَ عَلَیۡهِ لَیَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورࣱ ۝  ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ یُولِجُ ٱلَّیۡلَ فِی ٱلنَّهَارِ وَیُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِی ٱلَّیۡلِ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِیعُۢ بَصِیرࣱ﴾.
لا تتعجب أن ينصر الله المؤمنين الذين بغي عليهم، ﻓﺈﻥّ اﻟﻘﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﻐﻠﻴﺐ اﻟﻨﻬﺎﺭ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻴﻞ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﻧﺼﺮﻫﻢ!

وقد قرن ﷲ بين هذه اﻟﻈﺎﻫﺮﺓ اﻟﻜﻮﻧﻴﺔ -المتكررة اﻟﺘﻲ ﻳﻤﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ ﻏﺎفلين- ﺳﻨﺔ ﺇﻳﻼﺝ اﻟﻠﻴﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺇﻳﻼﺝ اﻟﻨﻬﺎﺭ ﻓﻲ اﻟﻠﻴﻞ؛ وبين سنته حين يهلك اﻟﻠﻪ اﻟﻤﺘﺠﺒﺮﻳﻦ ﻭيمكن للمؤمنين.
ولكن الناس يغفلون عن سنة تمكين المؤمنين، ﻛﻤﺎ ﻳﻤﺮﻭﻥ ﻋﻠﻰ سنة إيلاج الليل والنهار غافلين!
رضي الله عن الشيخ علي، ما أجمل ما يكتب!👇
.
في سياق تثبيت موسى ﷺ لقومه عند مواجهة فرعون قال ﷻ: ﴿قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَیَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُونَ﴾.
لقد لوّح لهم موسى ﷺ بالبشارة، ثم علقهم برجاء نصر الله، ثم نبههم ﷺ أن القضاء على العدو ليس آخر الطريق!
وأن دحر الطغاة ليس نهاية الأمر!
وأن الطريق طويل، والابتلاء مستمر!

﴿وَیَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُونَ﴾، فحثّهم على الثبات بعد هلكة العدو، والإحسان في العمل بعد منّة النصر!
قال سبحانه:
﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا ۝ وَإِنَّا لَجَـٰعِلُونَ مَا عَلَیۡهَا صَعِیدࣰا جُرُزًا﴾.

لما ذكر الله الدنيا وزينتها ذكّر المؤمنين بأمرين:
- أن هذه زينة الدنيا وبهجتها ابتلاء واختبار، فيجب أن يكون المؤمن منها على حذر!
- أنها إلى زوال وخراب، فليست دار بقاء، وإن من أعظم ما يزهد في فتنة الدنيا وزينتها؛ تذكر المؤمن مآل الدنيا، ومصيرها، وزوالها، وأنها تذهب وتخرب!
فهي مخلوقة للابتلاء والمحنة، ثم هي مع ذلك إلى زوال وفناء!
.
البلاء والفتنة
-الحكمة والرحمة-

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
إن من مقتضى حكمة الله سبحانه أن يجعل الفتنة والابتلاء والاختبار، ليميز الخبيث من الطيب، وليظهر صاحب الطاعة والثبات وإيثار الدار لآخرة من المفرط المعرض العاصي الذي يتبع هواه.
ولذا قال سبحانه: ﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ مِنۡهُ ءَایَـٰتࣱ مُّحۡكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتࣱۖ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمۡ زَیۡغࣱ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَاۤءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَاۤءَ تَأۡوِیلِهِۦۖ وَمَا یَعۡلَمُ تَأۡوِیلَهُۥۤ إِلَّا ٱللَّهُۗ﴾.
فمن حكمته ﷻ أن ركّب الحياة على البلاء والامتحان، فجعل الفتنة والاختبار في الأرض حتى في آياته الشرعية!
ولكن من مقتضى رحمته بعباده أن جعل تنفيسًا، ولم يجعل الفتنة في أكثر الآيات، بل جعل الأكثر هي المحكمات الواضحات البينات المفصلات.
ولذا لم يجعل الآيات المتشابهات هي الأصل والأكثر.
والافتتان بالقرآن واقع لمن لم يأخذه بالقبول والانقياد، وهذا أمر قررته الآيات، كما في قوله تعالى:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَاۤءࣱ وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ وَلَا یَزِیدُ ٱلظَّـٰلِمِینَ إِلَّا خَسَارࣰا﴾

وقوله:
﴿وَإِذَا مَاۤ أُنزِلَتۡ سُورَةࣱ فَمِنۡهُم مَّن یَقُولُ أَیُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَـٰذِهِۦۤ إِیمَـٰنࣰاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فَزَادَتۡهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَهُمۡ یَسۡتَبۡشِرُونَ﴾.

وتأمّل أن الله سبحانه جعل من الفتنة شجرة الزقوم، قال سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡیَا ٱلَّتِیۤ أَرَیۡنَـٰكَ إِلَّا فِتۡنَةࣰ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِی ٱلۡقُرۡءَانِۚ﴾!
فعن اﻟﺤﺴﻦ ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ ﻭﻛﻔﺎﺭ ﺃﻫﻞ ﻣﻜﺔ: ﺃﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻛﺬﺏ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻛﺒﺸﺔ ﺃﻧﻪ ﻳﻮﻋﺪﻛﻢ ﺑﻨﺎﺭ ﺗﺤﺘﺮﻕ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﺠﺎﺭﺓ، ﻭﻳﺰﻋﻢ ﺃﻧﻪ ﻳﻨﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﺠﺮﺓ؟
وفي ذلك قال سبحانه: ﴿أَذَ ٰ⁠لِكَ خَیۡرࣱ نُّزُلًا أَمۡ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ ۝ إِنَّا جَعَلۡنَـٰهَا فِتۡنَةࣰ لِّلظَّـٰلِمِینَ﴾

وأعظم من ذلك أن تكون الفتنة بالصوت الشيطاني، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولࣲ وَلَا نَبِیٍّ إِلَّاۤ إِذَا تَمَنَّىٰۤ أَلۡقَى ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِیۤ أُمۡنِیَّتِهِ﴾.
أي التلاوة النبوية، فيلقي الشيطان بصوته فيها ما يكون سببًا للضلال لمن في قلبه مرض.
فهذا من مقتضى حكمته.
ولكن من مقتضى رحمته أن يذهب ﻣﺎ ﻳﻠﻘﻲ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﻧﺒﻴﻪ ﻭﻳﺒﻄﻠﻪ، وﻳﺨﻠﺺ ﺁﻳﺎﺕ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻣﻦ اﻟﺒﺎﻃﻞ اﻟﺬﻱ ﺃﻟﻘﻰ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ، ولذا قال سبحانه:
﴿فَیَنسَخُ ٱللَّهُ مَا یُلۡقِی ٱلشَّیۡطَـٰنُ ثُمَّ یُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِ﴾.
ولا يؤثر ذلك ولا يزلزل إلا من كان في قلبه مرض، ولذا قال سبحانه: ﴿لِّیَجۡعَلَ مَا یُلۡقِی ٱلشَّیۡطَـٰنُ فِتۡنَةࣰ لِّلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ وَٱلۡقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمۡ﴾.
فتدبر هذا، فإنك إذا تدبرته وأعطيته حقه لم تستشكل ما يستشكله بعض أهل العلم من معنى الآية.

ومما يدل على أن الله ينزل الفتنة ويضعها اختبارًا للخلق، ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡ﴾.
فأنزل الملكين يعلمان السحر!
وهذا من مقتضى اسمه الحكيم!
ولكنه جعل في الفتنة هذه ما يبينها، وهذا من مقتضى اسمه الرحيم، ولهذا يحذران الناس ويقولان لمن أراد تعلم السحر: ﴿إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡ﴾!
وهذا من التنفيس!
=
=
ومن ذلك أن الله سبحانه قال: ﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا﴾.
وقال: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا لِنَفۡتِنَهُمۡ فِیهِۚ وَرِزۡقُ رَبِّكَ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ﴾.
فقد زين الله الدنيا وجعل لها بهجة وحلاوة وخضرة، وهذا من مقتضى اسمه الحكيم.
ولكن من مقتضى اسمه الرحيم ألا يجعل فتنتها مضلة لكل الخلق لا تبقي أحدًا، فقال سبحانه: ﴿وَلَوۡلَاۤ أَن یَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ لَّجَعَلۡنَا لِمَن یَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَـٰنِ لِبُیُوتِهِمۡ سُقُفࣰا مِّن فِضَّةࣲ وَمَعَارِجَ عَلَیۡهَا یَظۡهَرُونَ﴾!
فلولا أن يضل الخلق كلهم، ولولا أن يفتنوا جميعهم؛ لجعل الله الدنيا مبسوطة لكل كافر، ولجعل الكفر سببا للرزق!

     ومن هذا الباب، فتنة الدجال، فإن من مقتضى اسم الحكيم أن يجعل الدجال فتنة للخلق، وأن تعظم فتنته حتى يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ويمر على الخربة فيقول: أخرجي كنوزك فتتبعه كيعاسيب النحل، ويحيى الموتى، في فتن عظام كثيرة.
ولكنّ من مقتضى رحمة الله أن جعل في هذه الفتنة ما يبينها، فإنه أعور العين، قمئ الشكل، مكتوب بين عينيه كافر كما في الصحيحين، ويدعي أعظم الأمور!
فهذا من التنفيس في الفتنة.

والله أعلم.
.
قال جل في علاه: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ﴾، من أعظم النعم التي يستحق المنعم ﷻ عليها الحمد؛ قطع دابر أهل الظلم والطغيان.
فالحمد لله، الحمد لله.
قصة ملهمة ومحفزة لطلب العلم والثبات عليه 📚📚

قال ابن بطال في شرحه على البخاري (١/ ١٣٤):
وفى فضل العلم آثار كثيرة ومن أحسنها ما جاء عن يحيى بن يحيى بقوله: أول ما حدثنى مالك بن أنس حين أتيته طالباً لما ألهمني الله إليه فى أول يوم جلست إليه أن قال لى: ما اسمك؟ قلت له: أكرمك الله: يحيى.
وكنت أحدث أصحابى سناً.
فقال لى: يا يحيى، الله الله، عليك بالجد فى هذا الأمر وسأحدثك فى ذلك بحديث يرغبك فيه، ويزهدك فى غيره.

قال مالك: قدم المدينة غلام من أهل الشام بحداثة سنك فكان معنا يجتهد ويطلب حتى نزل به الموت، فلقد رأيت على جنازته شيئا لم أر مثله على أحد من أهل بلدنا، لا طالب ولا عالم، فرأيت جميع العلماء يزدحمون على نعشه. فلما رأى ذلك الأمير أمسك عن الصلاة عليه، وقال: قدموا منكم من أحببتم.
فقدم أهل العلم ربيعة. ثم نهض به إلى قبره.
قال مالك: فألحده فى قبره ربيعة، وزيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد، وابن شهاب، وأقرب الناس إليهم محمد بن المنذر، وصفوان بن سليم، وأبو حازم وأشباههم، وبنى اللِّبن على لحده ربيعة، وهؤلاء كلهم يناولوه اللبن!
قال مالك: فلما كان اليوم الثالث من يوم دفنه رآه رجل من خيار أهل بلدنا فى أحسن صورة غلام أمرد، وعليه بياض، متعمم بعمامة خضراء، وتحته فرس أشهب نازل من السماء، فكأنه كان يأتيه قاصداً ويسلم عليه، ويقول: هذا بلغني إليه العلم.
فقال له الرجل: وما الذى بلغك إليه؟ فقال: أعطانى الله بكل باب تعلمته من العلم درجة فى الجنة، فلم تبلغ بى الدرجات إلى درجة أهل العلم، فقال الله تعالى: زيدوا ورثة أنبيائى، فقد ضمنت على نفسى أنه من مات وهو عالم سنتى، أو سنة أنبيائى، أو طالب لذلك أن أجمعهم فى درجة واحدة.
فأعطاني ربي حتى بلغت إلى درجة أهل العلم، وليس بينى وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا درجتان، درجة هو فيها جالس وحوله النبيون كلهم، ودرجة فيها جميع أصحابه، وجميع أصحاب النبيين الذين اتبعوهم، ودرجة من بعدهم فيها جميع أهل العلم وطلبته، فسيرني حتى استوسطتهم فقالوا لى: مرحبا، مرحبا، سوى ما لي عند الله من المزيد.
فقال له الرجل: ومالك عند الله من المزيد؟
فقال: وعدني أن يحشر النبيين كلهم كما رأيتهم فى زمرة واحدة، فيقول:
يا معشر العلماء، هذه جنتي قد أبحتها لكم، وهذا رضواني قد رضيت عنكم، فلا تدخلوا الجنة حتى تتمنوا وتشفعوا، فأعطيكم ما شئتم، وأشفعكم فيمن استشفعتم له، ليرى عبادي كرامتكم علي، ومنزلتكم عندي.
فلما أصبح الرجل حدث أهل العلم، وانتشر خبره بالمدينة.
قال مالك: وكان بالمدينة أقوام بدؤوا معنا فى طلب هذا الأمر ثم كفوا عنه، حتى سمعوا هذا الحديث، فلقد رجعوا إليه، وأخذوا بالحزم، وهم اليوم من علماء بلدنا الله الله يا يحيى جد فى هذا الأمر)
.
لماذا تعجبت من تلك المناظر المحزنة لمعتقلات العلمانية في سوريا؟
كيف تتعجب وذاك صنع العلمانية الذي عهدناه ويتكرر أمام أعيننا في كل حين!

ثم لا تقل هذا فعل النصيرية! ولكن قل: هذا فعل العلمانية!
فإنك إذا قلت: النصيرية فقد قصرت هذا البؤس والإجرام بطائفة لا تتكرر، وبقوم ليسوا في غير بلاد الشام!
لكنها العلمانية أم الجرائم!

فالحرب التي يقال لها العالمية الأولى، وقتل فيها عشرة (١٠) مليون، وأصيب عشرون (٢٠) مليون آخرون، حرب علمانية وليست دينية!

والحرب العالمية الثانية التي قتل فيها نحو خمسة وخمسون (٥٥) مليون شخص، هي حرب علمانية أيضا!

واجتياح بلاد الهنود الحمر، والقيام بإبادة ما سمع التاريخ بمثلها في القارتين التي سميت بعد بالأمريكيتين، تلك أيضًا إبادات علمانية بامتياز!

ولقد كان سكان هاتين القارتين نحو خمس سكان الأرض، إذ يبلغ عددهم ثمانين (٨٠) مليون في القرن السادس عشر بالتاريخ النصراني.
ثم بعد قرن من الزمان لم يبق منهم إلا عشرة (١٠) ملايين!
لقد أبيد تسعون بالمائة من تلك الشعوب! أبيد منهم أكثر من سبعين مليون إنسان!
وانتشرت عادة سلخ الرؤوس وقطع فروة الرأس لوحدها، وهي عادة انجليزية كانت قد عُرفت في الحرب الانجليزية الإيرلندية، وانتقلت هذه العادة إلى العالم الجديد، القارتين التي سميت بعد بالأمريكيتين!
وتلك فعلة علمانية لم يسبقها أحد إليه!

ثم حدّث عن الحرب الأهلية الأمريكية ولا حرج! الحرب التي قتل فيها أكثر من نصف مليون أمريكي، وهي حرب علمانية!

وإلقاء القنبلة النووية على اليابان كان فعلا علمانيا!

ومقاتل هتلر ومعتقلاته منتج لحكومة علمانية أخرى!

وإجرام ستالين ورحلات قطارات الموت إلى سيبيريا، ومعتقلات الشيوعية، وتهجير مسلمي وسط آسيا، التي قتل فيها أكثر من عشر ملايين مسلم، تلم فعلات علمانية!

وشخصيات دراكولا ورامبو، وفكرة حرب النجوم، ورياضة الملاكمة وكرة اليد الأمريكية، كل ذلك منتجات علمانية!

وسجون بلغرام وغوانتنامو وأبو غريب والمذابح في أفغانستان والعراق وفلسطين كلها من صنيع الأيدي العلمانية!
فلماذا نستغرب اليوم!

وإن من أعجب ما أنت راءٍ في هذا الزمن؛ أن أكثر الناس مناداة بحقوق الإنسان، وادعاءً للحضارة، واستطالة على الناس بمعاني التقدّم والرحمة! هم أكثر الناس توحشًّا وإبادة وقتلًا للأطفال والشيوخ، واستغلالًا لبلاد غيرهم، وسرقة لها، وإهلاكًا للحرث والنسل!

وهذا التوحش العلماني والقسوة والصدام والعدوان أمر مركوز، وموروث مغروز، في الحضارة الغربية العلمانية!

وهو توحش ضروري للهيمنة على العالم!
وإلا فمالذي يجعل ثلاثة عشر في المائة (١٣%) من سكان العالم، يهيمنون على بقية العالم؟!
ويخضعون بقية سكان الأرض لحضارتهم ومعاييرهم الحياتية وإعلامهم إلا بالقوة المتوحشة!
الكاتب الكريم الأديب عبد الله الخميس -رحمه الله-، يتحدث عن دمشق وأهلها بعد أول زيارة زارها.
(شهر في دمشق ص ٣١)
.
حين كنت فتى صغيرًا أحضر اللقاءات الدعوية وأجلس في مجالس العلم والوعظ، وألتحق بالدروس والمراكز الصيفية والمخيمات الدعوية؛ كان الشباب ممن يكبرنا سنًا يلقون فينا تلك المواعظ الإيمانية.
ولا تزال كلمات عايض القحطاني -ذلك الشاب الذكيّ الذي كان يدرس آنذاك أول ثانوي، وهو الآن مهندس كبير في شركة أرامكو- لا زالت كلماته تلجلج في ذهني، بنغمته المؤثرة، وهو يتحدث عن مأساة المسلمين في الأندلس، ويقص بعض خبر محاكم التفتيش التي نالت من إخواننا المسلمين في تلك البلاد منال بؤس!
لا زلت أذكره وهو يحيل على كتاب: (قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام، أبيدوا أهله)، وينقل عنه مقالات وأخبارًا.
وذهبتُ لأحصل على نسخة من الكتاب، ووجدت نسخة قديمة متفسخة الأوراق، لا أدري الآن من أين حصلت عليها، لكنني أدري بعد مرور ثلاثين عامًا على قراءتي لذلك الكتاب كم أبكتني كلماته، وأشجتني قصصه!
كان كتابًا من القطع الصغير، لمؤلفه (جلال عالم)!
ومكثت مدة طويلة أبحث عن هذا المؤلف الفاضل الذي أثرت فيّ كلماته، وهزتني أسطره، حتى علمت بعد أكثر من عشرين سنة أن هذا الاسم اسم قلمي للشيخ الأديب المؤرخ الدمشقي: عبد الودود بن يوسف الدمشقي، وأن هذا الشيخ من دعاة الشام وعلمائه، وبحثت عن سيرته وكتاباته، فوجدت أن له كتابات كثيرة في نصرة الإسلام والمسلمين، تنبض بالعزة، وتثير سواكن القلب، وتوقد حماسته الإيمانية.
رأيت من كتبه كتبًا ألفها لفتية الإسلام مثل: كتاب (حارثة) في عشرين جزءًا، و(حكايات عن القرآن)، في أكثر من عشرين جزءًا، وتفسير للقرآن سماه: تفسير المؤمنين، وألف كتابا جليلا سماه: (بناء الإسلام)، أكمل بعضه ولم ينتهِ منه.
وكان يعد أطروحة للدكتوراه عن (تاريخ حماة من خلال سجلات المحاكم الشرعية).
وكان لهذا العالم الكريم نشاط دعوي وعلمي عريض، مع غيرة إيمانية، وحماسة شاميّة، فاعتقله النظام العلماني النصيري بسوريّة في (أوائل 1980 بالتاريخ النصراني)، قبل مناقشة رسالته الدكتوراه.
وأُخفي منذ ذلك اليوم، فلا يُدرَى عنه خبر، ولم يثبت له حياة ولا موت، فلعله ممن رزق الشهادة في سجون العلمانية النصيرية، والله المستعان!


وقد انبهر المستشرق اليهودي البريطاني برنارد لويس، ودهش بأطروحة الشيخ عن (تاريخ حماة من خلال سجلات المحاكم الشرعية)، وأعجب بافتراع الشيخ لهذا المصدر في تدوين التاريخ وابتداعه هذه الطريق في توثيقه، وهذا المستشرق مهتم بتاريخ المسلمين المعاصر، ومن أكثر المستشرقين حنَقًا على الإسلام وأهله، وهو صاحب مشروع تقسيم بلاد المسلمين على العشائر، وله كتب مهمة في صياغة النظرة الغربية عن الإسلام والمسلمين، وهو ممن شحن كتبه وملأها بالفِرى على دين الله وحمَلَته، قاتله الله.
.
الحديث عن أمويّة دمشق، وعودة الشام للأمويين؛ له مقصدان:
- فإن كانت نسبة تاريخية، باعتبار اتخاذهم لها مقرًا وحكمًا فتلك نسبة صحيحة، وخبر تاريخي حق.

- وإن كانت نسبة فخر وتمدّح فهي نسبة قاصرة!
فالأمويون كغيرهم لهم وعليهم، وليسوا كلهم من خيار الأمة الذين يفتخر بالنسبة لهم، وإنما يفتخر بالنسبة للإسلام والسنة والإيمان.

فأما بنو أمية فكان منهم من هو من مفاخر الأمة كمعاوية رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز رحمه الله، ومنهم من كان دون ذلك، وهكذا حتى كان منهم من هو سفاك للدماء صاحب بطش وظلم وطغيان.
فلا يصح أن نقابل غلو الرافضة بغلو يقابله.
بل الواجب أن تكون النسبة لما هو محل المدح حقا، فتنسب الأرض للإسلام والسنة.

وكم يقع من الانحراف حين تُنْتحل عقائد ردود الأفعال!
وحين تكون مضادة الخصوم حاكمة للأقوال والمعتقدات دون غيرها من الأصول والضوابط التي تُبنى عليه الاعتقادات.
بل المؤمن المتّبع يتبع الحق ويرد على الباطل، وينخل أقوال خصومه لينقّي ما فيها من الحق، ويميزه عن الباطل.
فليست النسبة للفرس ذمًا للخصوم، ولا النسبة للأموين ممدحة لنا.
ولكن المدح باتباع السنة، والقدح بوصف العلمنة والطغيان والبدعة والرفض.

فإن قيل: ولكن النسبة للأمويين فيها نكاية بالرافضة وإغاظة لهم.
فيقال: نعمّا ما تصنع إذا أغظت الرافضي وكل بدعي، ولكن لا تنس أن من الناس من سيظن أن أهل السنة ينتسبون إلى يزيد بن معاوية، وأن أهل الأثر يمدحون صنائع عبد الملك بن مروان، وأن أهل الحديث لم يكونوا ينقدون مروان وأبناءه!

وهكذا كان، فلقد وجدت من يزيل كل ممدحة لأبي السبطين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويثني على يزيد نكاية في الرافضة!
وهكذا سنرى من يذم آل البيت مناقضة للرافضة، وسنرى من يسب العترة مدافعة للشيعة.
ثم سنرى من أبنائنا من يتشيع ويغلو نكاية فيمن يفرط ويجفو.
وهكذا تنشأ البدع، ويفشو التبديل.
عصمني الله وإياكم.
.
تسمية "الهنود الحمر بالعرب للمبالغة في التحقير. ويروي وولتر من جامعة ولاية أورغن والمسؤول عن الأقلية العرقية في المجلس الوطني للعلاقات العائلية أن اسم عرب أميركا يطلق على الهنود الأميركيين في دروس العلاقات العرقية وفي أدبيات عدد من المنظمات الوطنية الأميركية.
كذلك يطلق عليهم اسم المسلمين الأميركيين.
وتسمية الهنود الحمر بالعرب في النهاية ليست جديدة، ففي دراسة عما يسمى بالهنود الخفاء أو اللامرئيين، تتحدث العالمة الأنثروبولوجية (Louise Heite)، وزوجها إدوارد عن الهنود الذين كان المستعمرون الأوروبيون يسمونهم باسم «المور»، لا سيما أولئك الذين نجوا من الإبادة وتم استيعابهم في المجتمع الأوروبي الاستعماري، أو الذين نجوا من المذابح على طول الشاطي الشرقي وعاشوا خارج المنعزلات الهندية، أو خارج التجمعات التي تعترف وزارة الداخلية الأميركية بهنديتها.
فكل هندي نجا من الإبادة ولم يعش في المنعزلات أنكرت الولايات المتحدة عليه هنديته وصارت تطلق عليه اسم مور - عربي أو مبغل كلمة مستمدة من تهجين البغال، أو زنجي.
وقوانين ولاية فرجينيا ماتزال إلى الآن تصف طفل الهندي الذي لا يعيش في المنعزلات بأنه مبغل.
والغريب أن بعض عملاء البيض ممن أثروا على حساب إبادة شعوبهم الهندية تمتعوا بصفة البيض فيما ظل آباؤهم أو أخوتهم أو أبناء عمومتهم تحت صنف الزنوج أو المبغلين".

كتاب: أمريكا والإبادات الجماعية، منير العكش (ص١٤٦)
الدعوة_السلفية_في_دمشق_قبل_سبعين_عامًا_241223_134749.pdf
167.8 KB
الدعوة السلفية في دمشق قبل سبعين عامًا.
2024/12/26 01:24:31
Back to Top
HTML Embed Code: