Telegram Group Search
﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾

﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾
﴿إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لِرَبِّهِۦ لَكَنُودࣱ﴾

قال أبو بكر الواسطي: الكنود: الذي يُنفِقُ نِعمَ الله في معاصِي الله.

وقال أَبو بكر الوراقُ: الكنودُ: الذي يرَى النِّعمةَ من نفسِهِ وأعوانِهِ.

وقال الترمذيُّ: الذي يرى النعمةَ ولَا يرَى المُنعِمَ.

[تفسير القرطبي].
﴿أمن یجیب ٱلمضطر إذا دعاه ویكشف ٱلسوء ویجعلكم خلفاء ٱلأرض أءلـٰه مع ٱلله قلیلا ما تذكرون﴾ [النمل ٦٢]

ولما دلهم بآيات الآفاق، وكانت كلها من أحوال السراء، وكانت بمعرض الغفلة عن الإله، ذكرهم بما في أنفسهم مما يوجبه تغير الأحوال الدالة بمجردها على الإله، ويقتضي لكل عاقل [صدق] التوجه إليه، وإخلاص النية لديه، والإقبال عليه، على ذلك ركزت الطباع، وانعقد الإجماع، فلم يقع فيه نزاع، فقال:﴿أمن يجيب المضطر﴾ أي: جنس الملجأ إلى ما لا قبل له به، الصادق على القليل والكثير إذا أراد إجابته كما تشاهدون، وعبر فيه وفيما بعده بالمضارع لأنه مما يتجدد، بخلاف ما مضى من خلق السماوات وما بعده ﴿إذا دعاه﴾ أي: حين ينسيكم الضر شركاءكم، ويلجئكم إلى من خلقكم ويذهل المعطل عن مذهبه ويغفله عن سوء أدبه عظيم إقباله على قضاء أربه.ولما كانت الإجابة ذات شقين، جلب السرور، ودفع الشرور، وكان النظر إلى الثاني أشد، خصه بادئا به فقال: ﴿ويكشف السوء﴾ ثم أتبعه الأول على وجه أعم، فقال مشيرا إلى عظيم المنة عليهم بجعلهم مسلطين عالين على جميع من في الأرض وما في الأرض مشرفين بخلافته سبحانه، ولذلك أقبل عليهم،﴿ويجعلكم خلفاء الأرض﴾ أي: فيما يخلف بعضكم بعضا، لا يزال يجدد ذلك بإهلاك قرن وإنشاء آخر إلى قيام الساعة، ولما كان هذا أبين، كرر الإنكار فيه مبكتا لهم بالنسيان فقال: ﴿أإله﴾ أي: كائن أو موجود ﴿مع الله﴾ أي: الملك الأعظم الذي لا كفؤ له.ثم استأنف التبكيت تفظيعا له ومواجها به في قراءة الجماعة لما يؤذن به كشف هذه الأزمات من القرب المقتضي للخطاب، ولذلك أكد بزيادة ”ما“ فقال: ﴿قليلا ما تذكرون﴾ أي: بأن من أنجاكم من ذلك وحده حين أخلصتم له التوجه عند اشتداد الأمر هو المالك لجميع أموركم في الرخاء كما كان مالكا له في الشدة، وأن الأصنام لا تملك شيئا بشفاعة ولا غيرها كما لم تملك شيئا في اعتقادكم عند الأزمات، واشتداد الكربات، في الأمور المهمات، فإن هذا قياس ظاهر، ودليل باهر، ولكن من طبع الإنسان نسيان ما كان فيه من الضير، عند مجيء الخير، ومن قرأ بالتحتانية وهم أبو عمرو وهشام وروح، فللإيذان بالغضب الأليق بالكفران، مع عظيم الإحسان.

[نظم الدرر للبقاعي].
﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه﴾ وهو الذي أحوجته شدة من الشدائد وألجأته إلى اللجأ والضراعة إلى الله عز وجل، فهو اسم مفعول من الاضطرار الذي هو افتعال من الضرورة، ويرجع إلى هذا تفسير ابن عباس له بالمجهود، وتفسير السدي بالذي لا حول ولا قوة له، وقيل: المراد بذلك المذنب إذا استغفر، واللام فيه على ما قيل: للجنس لا للاستغراق حتى يلزم إجابة كل مضطر وكم من مضطر لا يجاب.

[تفسير الالوسي].
﴿ويهيئ لكم من أمركم مرفقا﴾

قرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية مَرفقا بفتح الميم وكسر الفاء.

والباقون مِرفَقا بكسر الميم وفتح الفاء.

قال الفراء: وهما لغتان واشتقاقهما من الارتفاق، وكان الكسائي ينكر في مرفق الإنسان الذي في اليد إلا كسر الميم وفتح الفاء، والفراء يجيزه في الأمر وفي اليد، وقيل: هما لغتان إلا أن الفتح أقيس والكسر أكثر، وقيل: المرفق ما ارتفقت به، والمرفق بالفتح المرافق.

#قراءات_قرآنية
﴿وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال﴾

البحث الأول: قرأ ابن عامر تزْوَرُّ ساكنة الزاي المعجمة مشددة الراء مثل تَحْمَرُّ.

وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: تزاور بالألف والتخفيف.

والباقون تزاور بالتشديد والألف.

والكل بمعنى واحد، والتزاور هو الميل والانحراف، ومنه زاره إذا مال إليه والزور الميل عن الصدق، وأما التشديد فأصله تتزاور سكنت التاء الثانية، وأدغمت في الزاي، وأما التخفيف فهو تفاعل من الزور وأما تزور فهو من الازورار.

#قراءات_قرآنية
﴿ولملئت منهم رعبا﴾

قرأ نافع وابن كثير لملئت بتشديد اللام والهمزة.


والباقون بتخفيف اللام.

وروي عن ابن كثير بالتخفيف، والمعنى واحد إلا أن في التشديد مبالغة، قال الأخفش: الخفيفة أجود في كلام العرب، يقال: ملأتني رعبا، ولا يكادون يعرفون ملأتني، ويدل على هذا أكثر استعمالهم كقوله:

فيملأ بيتنا أقطا وسمنا

وقول الآخر:

ومن مالئ عينيه من شيء غيره
إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى

وقال الآخر:

لا تملأ الدلو وعرق فيها

وقال الآخر:

امتلأ الحوض وقال قطني

وقد جاء التثقيل أيضا، وأنشدوا للمخبل السعدي:

وإذا قتل النعمان بالناس محرما
فملأ من عوف بن كعب سلاسله

وقرأ ابن عامر والكسائي رعبا بضم العين في جميع القرآن، والباقون بالإسكان.

#قراءات_قرآنية
قوله عز وجل: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ، يعني: أمهلهم وأجلهم، حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت وهم الكفار، قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ يعني: يقول لملك الموت وأعوانه: يا سيدي ردني، ويقال: يدعو الله تعالى، ويقول: يا رب ارجعون، ويقال: إنما قال بلفظ الجماعة، لأن العرب تخاطب جليل الشأن بلفظ الجماعة. ويقال: معناه يا رب مرهم ليرجعوني إلى الدنيا. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً يعني: خالصاً فِيما تَرَكْتُ في الدنيا.
قال الله تعالى: كَلَّا وهو رد عليهم، يعني: أنه لا يرد إلى الدنيا. ثم قال: إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها يعني: يقولها ولا تنفعه.

ثم قال: وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ يعني: من بعدهم القبر إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة، ويقال: بين كل شيئين حاجز فهو برزخ، ويقال: هو بين النفختين، وقال قتادة: البرزخ بقية الدنيا، وقال الحسن: القبر بين الدنيا والآخرة.
قوله عز وجل: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ يعني: النفخة الأخيرة، فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يعني: لا ينفعهم يَوْمَئِذٍ النسبُ، وَلا يَتَساءَلُونَ عن ذلك. فهذه حالات لا يتساءلون في موضع، ويتساءلون في موضع آخر. فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ يعني: رجحت حسناته على سيئاته، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يعني: الناجون في الآخرة، وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ يعني:
رجحت سيئاته على حسناته، فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ قوله تعالى: تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ يعني: تنفح. قال أهل اللغة: النفح واللفح بمعنى واحد، إلا أن اللفح أشد تأثيراً وهو الدفع، يعني: تضرب وجوههم النار. وَهُمْ فِيها يعني:
في النار، كالِحُونَ يعني: كلحت وعبست وجوههم، والكالح: الذي قد قلصت شفتاه عن أسنانه، ونحو ما تُرى من رؤوس الغنم مشوية إذا بدت الأسنان، يعني: كلحت وجوههم فلم تلتق شفاههم. وقال ابن مسعود: «كالرأس النضيج» .
ثم قال: أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ يعني: ألم يكن يقرأ عليكم القرآن فيه بيان هذا اليوم، وما هو كائن فيه؟ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ يعني: بالآيات.

[تفسير السمرقندي].
قَالَ ٱخۡسَـُٔوا۟ فِیهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ!

قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا أبو حفص، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب الأزدي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «إن أهل النار ليدعون مالكاً فلا يجيبهم أربعين عاماً، ثم يرد عليهم: إنكم ماكثون. ثم يدعون ربهم: ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا فإنا ظالمون، فلا يجيبهم مقدار ما كانت الدنيا مرتين، ثم يجيبهم: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ، فو الله ما نبس القوم بعد هذا بكلمة إلا الزفير والشهيق».
وروي عن ابن عباس أنه قال: «لما قال الله تعالى: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ، «فانطبقت أفواههم وانكسرت ألسنتهم، فمن الأجواف يعوون كعواء الكلب» ويقال: اخْسَؤُا أي تباعدوا تباعد سخط. يقال: خسأت الكلب، إذا زجرته ليتباعد.

[تفسير السمرقندي].
﴿وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَ ٰ⁠تِ ٱلشَّیَـٰطِینِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن یَحۡضُرُونِ﴾

قال أهل المعاني: يعني دفعهم بالإغواء إلى المعاصي، والهمز: شدّة الدفع، ومنه قيل للحرف الذي يخرج من هواء الفم للدفع همزة.
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ في شيء من أموري.

[تفسير الثعلبي].
﴿وقل رب أعوذ بك من همز ٰ⁠ت ٱلشیـٰطین وأعوذ بك رب أن یحضرون حتىٰ إذا جاء أحدهم ٱلموت قال رب ٱرجعون لعلی أعمل صـٰلحا فیما تركت كلا إنها كلمة هو قاىٕلها ومن وراىٕهم برزخ إلىٰ یوم یبعثون﴾

اعلم أنه سبحانه لما أدب رسوله بقوله: ﴿ادفع بالتي هي أحسن السيئة﴾ أتبعه بما به يقوى على ذلك، وهو الاستعاذة بالله من أمرين:

أحدهما: من همزات الشياطين، والهمزات جمع الهمزة، وهو الدفع والتحريك الشديد، وهو كالهز والأز، ومنه مهماز الرائض، وهمزاته هو كيده بالوسوسة، ويكون ذلك منه في الرسول بوجهين:

أحدهما: بالوسوسة.
والآخر بأن يبعث أعداءه على إيذائه، وكذلك القول في المؤمنين؛ لأن الشيطان يكيدهم بهذين الوجهين.

ومعلوم أن من ينقطع إلى الله تعالى ويسأله أن يعيذه من الشيطان، فإنه يجب أن يكون متذكرا متيقظا فيما يأتي ويذر، فيكون نفس هذا الانقطاع إلى الله تعالى داعية إلى التمسك بالطاعة وزاجرا عن المعصية، قال الحسن: «كان عليه السلام يقول بعد استفتاح الصلاة: لا إله إلا الله. ثلاثا، الله أكبر. ثلاثا، اللهم إني أعوذ بك من همزات الشياطين همزه ونفثه ونفخه، فقيل: يا رسول الله وما همزه؟ قال: الموتة التي تأخذ ابن آدم -أي: الجنون الذي يأخذ ابن آدم- قيل: فما نفثه؟ قال: الشعر. قيل: فما نفخه؟ قال: الكبر».

وثانيها: قوله: ﴿وأعوذ بك رب أن يحضرون﴾ وفيه وجهان:

أحدهما: أن يحضرون عند قراءة القرآن؛ لكي يكون متذكرا فيقل سهوه.

وقال آخرون: بل استعاذ بالله من نفس حضورهم؛ لأنه الداعي إلى وسوستهم، كما يقول المرء: أعوذ بالله من خصومتك، بل أعوذ بالله من لقائك، وروي عن رسول الله ﷺ، وقد «اشتكى إليه رجل أرقا يجده فقال: إذا أردت النوم فقل: أعوذ بالله وبكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون».


أما قوله: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت﴾ ففيه مسائل:

المسألة الأولى: قال صاحب الكشاف (حتى) متعلق بـ (يصفون) أي: لا يزالون على سوء الذكر إلى هذا الوقت، والآية فاصلة بينهما على وجه الاعتراض، والتأكيد للإغضاء عنهم مستعينا بالله على الشيطان أن يستزله عن الحلم. والله أعلم.

المسألة الثانية: اختلفوا في قوله: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت﴾ فالأكثرون على أنه راجع إلى الكفار، وقال الضحاك: كنت جالسا عند ابن عباس، فقال: من لم يزك ولم يحج سأل الرجعة عند الموت، فقال واحد: إنما يسأل ذلك الكفار، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنا أقرأ عليك به قرآنا ﴿وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق﴾ [المنافقون: ١٠] قال رسول الله ﷺ: «إذا حضر الإنسان الموت جمع كل شيء كان يمنعه من حقه بين يديه، فعنده يقول: رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت». والأقرب هو الأول، إذا عرف المؤمن منزلته في الجنة، فإذا شاهدها لا يتمنى أكثر منها، ولولا ذلك لكان أدونهم ثوابا يغتم بفقد ما يفقد من منزلة غيره، وأما ما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما من قوله: ﴿وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت﴾ فهو إخبار عن حال الحياة في الدنيا لا عن حال الثواب، فلا يلزم على ما ذكرنا.

المسألة الثالثة: اختلفوا في وقت مسألة الرجعة فالأكثرون على أنه يسأل في حال المعاينة؛ لأنه عندها يضطر إلى معرفة الله تعالى وإلى أنه كان عاصيا، ويصير ملجأ إلى أنه لا يفعل القبيح بأن يعلمه الله تعالى أنه لو رامه لمنع منه، ومن هذا حاله يصير كالممنوع من القبائح بهذا الإلجاء، فعند ذلك يسأل الرجعة، ويقول: ﴿رب ارجعون﴾ ﴿لعلي أعمل صالحا فيما تركت﴾ وقال آخرون: بل يقول ذلك عند معاينة النار في الآخرة، ولعل هذا القائل إنما ترك ظاهر هذه الآية لما أخبر الله تعالى في كتابه عن أهل النار في الآخرة أنهم يسألون الرجعة، لكن ذلك مما لا يمنع أن يكونوا سائلين الرجعة في حال المعاينة، والله تعالى يقول: ﴿حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون﴾ فعلق قولهم هذا بحال حضور الموت، وهو حال المعاينة، فلا وجه لترك هذا الظاهر.

المسألة الرابعة: اختلفوا في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ارجعون﴾ من المراد به؟ فقال بعضهم: الملائكة الذين يقبضون الأرواح وهم جماعة، فلذلك ذكره بلفظ الجمع، وقال آخرون: بل المراد هو الله تعالى؛ لأن قوله: (رب) بمنزلة أن يقول: يا رب، وإنما ذكر بلفظ الجمع للتعظيم كما يخاطب العظيم بلفظه فيقول: فعلنا وصنعنا، وقال الشاعر:

فإن شئت حرمت النساء سواكم

ومن يقول بالأول يجعل ذكر الرب للقسم، فكأنه عند المعاينة قال: بحق الرب ارجعون.

وهاهنا سؤالات:

السؤال الأول: كيف يسألون الرجعة وقد علموا صحة الدين بالضرورة، ومن الدين أن لا رجعة؟ الجواب: أنه وإن كان كذلك فلا يمتنع أن يسألوه؛ لأن الاستعانة بهذا الجنس من المسألة تحسن وإن علم أنه لا يقع، فأما إرادته للرجعة فلا يمتنع أيضا على سبيل ما يفعله المتمني.

السؤال الثاني: ما معنى قوله: ﴿لعلي أعمل صالحا﴾ أفيجوز أن يسأل الرجعة مع الشك؟
الجواب: ليس المراد بـ (لعل) الشك؛ فإنه في هذا الوقت باذل للجهد في العزم على الطاعة، إن أعطي ما سأل، بل هو مثل من قصر في حق نفسه وعرف سوء عاقبة ذلك التقصير فيقول: مكنوني من التدارك لعلي أتدارك، فيقول هذه الكلمة مع كونه جازما بأنه سيتدارك، ويحتمل أيضا أن الأمر المستقبل إذا لم يعرفوه أوردوا الكلام الموضوع للترجي والظن دون اليقين، فقد قال تعالى: ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه﴾ [الأنعام: ٢٨].

السؤال الثالث: ما المراد بقوله: (فيما تركت )؟

الجواب: قال بعضهم: فيما خلفت من المال؛ ليصير عند الرجعة مؤديا لحق الله تعالى منه، والمعقول من قوله: ﴿تركت﴾ التركة. وقال آخرون: بل المراد أعمل صالحا فيما قصرت فيدخل فيه العبادات البدنية والمالية والحقوق، وهذا أقرب، كأنهم تمنوا الرجعة ليصلحوا ما أفسدوه، ويطيعوا في كل ما عصوا.

السؤال الرابع: ما المراد بقوله: (كلا )؟

الجواب: فيه قولان:

أحدهما: أنه كالجواب لهم في المنع مما طلبوا، كما يقال لطالب الأمر المستبعد: هيهات، روي أنه عليه السلام قال لعائشة رضي الله عنها: «إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى دار الدنيا؟ فيقول: إلى دار الهموم والأحزان؟ لا بل قدوما على الله، وأما الكافر فيقال له: نرجعك؟ فيقول: ارجعون. فيقال له: إلى أي شيء ترغب؛ إلى جمع المال أو غرس الغراس أو بناء البنيان أو شق الأنهار؟ فيقول: لعلي أعمل صالحا فيما تركت، فيقول الجبار: كلا»

الثاني: يحتمل أن يكون على وجه الإخبار بأنهم يقولون ذلك، وأن هذا الخبر حق، فكأنه قال: حقا إنها كلمة هو قائلها، والأقرب الأول.

أما قوله: ﴿إنها كلمة هو قائلها﴾ ففيه وجهان:

الأول: أنه لا يخليها ولا يسكت عنها؛ لاستيلاء الحسرة عليه.

الثاني: أنه قائلها وحده ولا يجاب إليها ولا يسمع منه.أما قوله تعالى: ﴿ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون﴾ فالبرزخ هو الحاجز والمانع، كقوله في البحرين ﴿بينهما برزخ لا يبغيان﴾ [الرحمن: ٢٠] أي: فهؤلاء صائرون إلى حالة مانعة من التلافي حاجزة عن الاجتماع وذلك هو الموت، وليس المعنى أنهم يرجعون يوم البعث، إنما هو إقناط كلي لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلا إلى الآخرة.

[تفسير مفاتيح الغيب|| للإمام فخر الدين الرّازي -رحمه الله-].
﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ يعني: فيما ضيَّعتُ.
قلتُ يا رسولَ اللهِ! إني أُكثِرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟

فقال: ما شئتَ، قلت : الربعَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: النصفَ؟! قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلت: فالثُّلُثَيْنِ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: أجعلُ لك صلاتي كلَّها؟!

قال: إذًا تُكْفَى همَّك، ويُكَفَّرُ لك ذنبَك.

حديث شريف.
﴿حريص عليكم﴾

لا يلقي بكم في المهالك، ولا يدفع بكم إلى المهاوي؛ فإذا هو كلّفكم الجهاد، وركوب الصعاب، فما ذلك من هوان بكم عليه، ولا بقسوة في قلبه وغلظة، إنما هي الرحمة في صورة من صورها . . الرحمة بكم من الذل والهوان، والرحمة بكم من الذنب والخطيئة، والحرص عليكم أن يكون لكم شرف حمل الدعوة، وحظ رضوان الله، والجنة التي وعد المتقون.

الظلال!
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الشيخ مصطفى إسماعيل!
آمين آمين آمين.
سلطان والله والّي ميتسلطنش من سماعه -مع كامل احترامي- ذوقه فاسد!
قيلَ فِي اسم اللهِ اللطيفِ = هو الَّذي يُنسي العبَاد ذنوبهم لئلَّا يَخجلوا.

[تفسير البَغوي].
2024/09/21 07:24:48
Back to Top
HTML Embed Code: